37/12/01
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
37/12/01
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- تتمة مسألة ( 20 ) حرمة السحر ، مسألة ( 22 ) الشعبذة - المكاسب المحرمة.
الأمر الرابع:- تعلّم السحر لدفع دعوى المتنبئ ونحوه.
لو فرض أنّ شخصاً قال أنا نبيٌّ - وواضحٌ أنّ هذا بعد النبوّة الخاتمة أو كما ينقل في التاريخ في زمان الأئمة عليه السلام ظهر بغض المتنبئين بل ظهرت بعض النساء - وفرض أنه كان يستعين بقضايا سحريّة ، فهل يجوز تعلّم السحر لإبطال دعواه أو لا يجوز ذلك ؟
والجواب:- إذا انحصر الطريق بذلك وفرض أنّ دعواه تأخذ مأخذها لو لم يُتصدّى لإبطالها فتوقّف إبطال دعواه على أن نتعلّم السحر لكي تبطل بذلك دعواه فهل يجوز حينئذٍ تعلم السحر لإبطالها ؟ المناسب الجواز ، وذلك لدخول المسألة في باب التزاحم ، لأنّ هذه المسالة تصير من صغريات باب التزاحم ، لأنّ حفظ الدّين هو من الواجبات ويتوقّف هذا على مقدّمةٍ محرّمة وهي تعلّم السحر حتى نبطل دعوى هذا وحتى ينحفظ بذلك الدّين ، فيصير نظير انقاذ الغريق الموقوف على اجتياز الأرض المغصوبة ، حيث إنّ انقاذ الغريق أهم فترتفع حرمة اجتياز الأرض المغصوبة ، هنا أيضاً كذلك ، فالمورد من هذا القبيل.
وبهذا اتضح الفارق بينن هذا الأمر وبين الأمر الثاني ، وكان من المناسب فنّياً أن يأتي بهذا الأمر بعد الأمر الثاني من دون فصلٍ بالأمر الثالث ، ففي الأمر الثاني قلنا حلّ السحر بالسحر يجوز أو لا يجوز ، أما الآن فهو تعلّم السحر لدفع دعوى المتنبئ - مدّعي النبوّة -.
وما هو الفارق بينهما ؟
والجواب:- الفارق فارقان:-
الفارق الأوّل:- هناك ضرر شخصي ، يعني أنا مسحورٌ وتمرضت وأصابتني أذيّة من وراء السحر فأنا أريد أن أدفع السحر الذي توجه إليّ ، فهذا ضررٌ شخصي فأدفعه من خلال الاستعانة بالسحر أو بالذهاب إلى الساحر ، أما في الأمر الرابع ليس الضرر ضرراً شخصياً بل هو ضررٌ على الدّين فيُخاف ويُحذر على الدّين.
الفارق الثاني:- هو أنّ مسالتنا في الأمر الرابع يدخل تحت التزاحم؛ إذ يجب حفظ الدّين وهو يتوقّف على مقدّمة محرّمة ، أما في الأمر الثاني فالأمر لا يدور بين واجبين فإنّ دفع السحر عن نفسي ليس من الواجبات وإنما هو دفعٌ للضرر عن نفسي ، فأنا أريد دفع الضرر عن نفسي ، فهناك إذن دفع الضرر عن النفس بتعلّم السحر لا أنه يوجد هناك واجب يتوقف على مقدّمة محرّمة.
إذن اتضح أنه يجوز تعلّم السحر لدفع دعوى مدّعي النبوّة.
بيد أنّ صاحب الوسائل(قده) له تعليقة في هذا الموضع من الوسائل[1] :- وهو يميل إلى أنه لا يجوز تعلّم السحر لدفع دعوى المتنبئ ، وفي هذا المجال ذكر وجهين - ولعلّه ذكر أكثر من ذلك ولكني أرى أنّ المهم هو هذا -:-
الوجه الأوّل:- إنه توجد عندنا روايات دلت على أنّ مدّعي النبوّة يقتل ، ولم تقل هذه الروايات يُتعلَّم السحر لإبطال دعواه ، بل بمجرد أنّه ادّعى وقال أنا نبي يقتل سواء كان عنده سحر أو لا ، فلك بمقتضى الروايات أن تقتله ، كالذي يسبّ الزهراء عليها السلام ويسبّ أهل البيت عليهم السلام.
فائدة علمية:- يجب الالتفات إلى أنه ليس إذا سبّ شخص أهل البيت أمامك أو ادّعى النبوّة أنت تقتله مباشرةً لأنّ هذه القضية سوف تنتهي إلى الحاكم والحاكم لا يعلم الغيب ، فإنه لابدّ من إثبات ذلك ، فإذا لم يكن عندك إثبات فحينذاك أنت سوف تقتل ، فالتفت إلى هذه القضية ، فثبوتاً أنت يجوز لك قتله ، ولكن إذا أردت قتله فلابدّ وأن تجعل شهوداً على إثبات دعواه ، أو تجده في الصحراء فتقلته ، فهذه قضيّة ينبغي الالتفات إليها لا أنه نتسرّع في مثل هذه الموارد لأنّ المشكلة تبقى.
فعلى أيّ حال الذي تمسّك به صاحب الوسائل هو أنّ الروايات دلت على وجوب قتل الساحر ولم تقل غير ذلك - بأنّ تتعلّم السحر أو ما شاكل ذلك لإبطال دعواه -.
ولا بأس بقراءة روايٍة واحدة - حيث توجد عندنا ثلاث روايات في هذا المجال - ، وهي موثقة ابن أبي يعفور ، وإنما صارت موثقة لأنّ ابن فضال قد ورد في الطريق وهي:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إن بزيعاً يزعم أنّه نبيّ ، فقال:- إن سمعته يقول ذلك فاقتله ، قال:- فجلست إلى جنبه غير مرّةٍ فلم يمكنّي ذلك )[2] ، وعلى منولها موثقة أبي بصير[3] ، وهكذا رواية ابن فضال[4] .
إذن صاحب الوسائل(قده) قال إنَّ حكمه القتل لا أنه يُتعلَّم السحر لإبطال دعواه.
والجواب:- إنّ الرواية هي بصدد بيان مطلبٍ آخر ، وهو أنّ هذا الانسان المدّعي ما هو جزاؤه ؟ ، أما إذا فرض أنه لم يقتل كأن يقف القانون الرسمي حائلاً كما في زماننا أو في ذلك الزمان كان السلطان لا يقبل بقتل مثل هكذا أشخاص فحينئذٍ يكون قتله غير ممكن ، فحينئذٍ الرواية لم تتعرّض إلى هذه الحالة - وأنه إذا لم يمكن قتله ماذا نفعل له - ، بل هي فقط تريد أن تبيّن أنّ حدّه القتل ، أما أنّه إذا كان قتله غير ممكن فماذا نفعل له فهي ليست بصدد بيان هذا ، بل هي فقط تريد أن تبيّن أن حدّه القتل ن أما إذا لم يقتل لسببٍ وآخر ما هو الموقف وما هو الحكم فهي ساكته عنه فنتمسّك بمقتضى القاعدة ، وقلنا المورد يدخل تحت باب التزاحم ، فيجوز حينئذٍ تعلّم السحر لدفع شرّه ، هذا بالنسبة إلى كلامه الأوّل.
وأما كلامه الثاني الذي ذكره:- فهو أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان واجباً ولكن بشرط أن لا تكون الوسيلة المحرمة ، يعني لا يحقّ لإنسانٍ أن ينهى عن منكرٍ بوسيلةٍ محرّمة ، بل يلزم أن يكون بوسيلةٍ مباحة ، وضرب هذا المثال:- وهو أنه لو قالت امرأة لشخصٍ ( لابد وأن تزني بي وإن لم تفعل ذلك بي مرّةً واحدةً فسوف أذهب إلى فلان وفلان ليزنون بي عشر مرّات ) فهنا هل يحتمل أنه يجوز له أن يزني بها من باب دفع المنكر لأنّ هذه المرأة سوف تذهب وتزني عشر مرّات ، فمن باب دفع المنكر حينئذٍ يجوز له ارتكاب الحرام ؟!! كلا ثم كلا ، فإنّ دفع المنكر والنهي عن المنكر بالوسيلة المحرمة لا يجوز وإنما يجوز بالوسيلة المباحة ، وفي موردنا يراد أن يدفع المنكر من خلال تعلّم السحر الذي هو محرّم . هكذا ذكر(قده) وإن لم يوضّح المطلب بالشكل الذي أشرت إليه.
وفيه:- إنه لا يراد التمسّك بمسألة النهي عن المنكر فإنّ الدليل ليس هذا ، وإنما الدليل المهم هو دخول المورد تحت باب التزاحم ، وحينئذٍ إذا دخل تحت باب التزاحم فمادام ذو المقدّمة أهم - وهو حفظ الدين - فحينئذٍ المقدّمة المحرّمة ترتفع حرمتها ويجوز بالتالي ارتكاب الحرام لأنّه قد ارتفعت حرمته ، كما في مسألة اجتياز الأرض المغصوبة.
وعلى أيّ حال إقحام مسألة النهي عن المنكر في مقامنا شيء لا داعي إليه ، فلو كان هو المدرك فسوف يأتي ما ذكره ، أما إذا فرضنا أنّ المدرك هو ما أشرنا إليه فلا يتم ما ذكره.
والخلاصة من كلّ هذا:- إنّ تعلّم السحر لدفع دعوى المتنبئ أو ما شاكل ذلك من القضايا المهمّة جائزٌ لدخول المورد تحت باب التزاحم كما أشرنا إليه.
وبهذا ننهي كلامنا عن هذه المسالة بأمورها الأربعة.
ولا ندخل في مسألة (21 ) وهي القيافة ، وإنما ندخل في مسألة ( 22 ) وهي الشعبذة ، والشعبذة هي أخت السحر ، فكان من المناسب فنّياً أن تذكر إلى جنب مسألة السحر لا أن تُفصَل بينهما.
مسألة ( 22 ):- الشعبذة - وهي إراءة غير الواقع واقعاً بسبب الحركة السريعة الخارجة عن العادة - حرام إذا ترتّب عليها عنوانٌ محرّمٌ كالإضرار بمؤمن ونحوه.
..............................................................................................
الشعبذة كالشعوذة زِنةً ومعنىً ، وهي إراءة غير الواقع واقعاً بسبب خفّة اليد ، فسرعة اليد توهم للطرف أنّ هذا واقع والحال أنه يستعين بسرعة حركة اليد ، وهل هي حرام أو لا ؟ المعروف بل ربما يدّعى الاجماع هو الحرمة.
واستدل الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب[5] بأربعة وجوه:-
الوجه الأوّل:- الاجماع.
الوجه الثاني:- إنّ هذا لهوٌ باطل ، فهو لا يجوز.
الوجه الثالث:- رواية الاحتجاج[6] فإنها عدّت الشعبذة من السحر ، ونصّ عبارته:- ( ونوع آخر منه[7] خطفة وسرعة ومخاريق وخفّة ) ، فإن قلت:- إنّ روايات الاحتجاج ليست معتبرة لأنها مرسلة ؟ قلت:- هي منجبرة بالإجماع.
الوجه الرابع:- إنَّ بعضاً أدخل الشعبذة في مفهوم السحر ، يعني جَعَل السحر ذا معنىً واسع يشمل الشعبذة ، فإذا دخل تحت عنوان السحر فحيث إنَّ كلَّ سحرٍ حرام فنتمسّك بإطلاق دليل حرمة السحر.