37/11/19
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
37/11/19
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 20 ) حرمة السحر - المكاسب المحرمة.
كان كلامنا في الاستدلال على اثبات حرمة عمل السحر وقلنا إن آية هاروت ماروت يشكل التمسّك بهها لإجمالها ، وبعد ذلك قلنا يجدر التمسّك بالروايات ولعلّها خمس ، والرواية الثانية كانت لزيد بن عليّ عن آبائه عليهم أفضل الصلاة والسلام والتي رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن الصفّار عن بي الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن عليّ عن آبائه عليهم السلام ، وقلنا أما بالنسبة إلى سند الشيخ إلى الصفّار ونفس الصفّار لا مشكلة فيه ، أما بالنسبة إلى ابن الجوزاء وهو وهب بن المنبّه فقد قلنا لا مشكلة فيه لاّن النجاشي عنده تعبير يقول فيه ( صحيح الحديث ) فلا موجب للتوقّف ، إنما المشكلة كانت بالنسبة إلى الحسين بن علوان وقلنا إنّ النجاشي كان له تعبير نصّه:- ( الحسين بن علوان مولاهم كوفي أخوه الحسن يكنى ابا محمد ثقة ) ، - وإنما أنا أكرر هذا لأني يوجد عندي شيء يسير أريد أن استدركه - ، وجزماً توجد جملة معترضة وهي أنّ كلمة ( ثقة ) هل ترجع إلى الحسن أو إلى الحسين ؟ إنه قد يوحي كلامي الاسبق بأن الجملة المعترضة مقدارها ( وأخوه الحسن يكنّى أبا محمد ) أي هذا المجموع بحيث تكون جملة ( يكنى أبا محمد ) هي جزء من الجملة المعترضة ، وهذا ليس مقصودي ، بل استدرك الآن وأقول:- إنّ جملة ( وأخوه الحسن ) هي الجملة المعترضة أما جملة ( يكنى أبا محمد ) فترجع حينئذٍ إلى الحسن لأنه عادةً الإنسان حينما يأتي بشيءٍ اعتراضي فيقول ( فلان أخوه فلان ) أما كنية أخيه فهو ليس له شغلٌ بها فإنّ هذا ليس شيئاً مألوفاً ، فإذن الجملة المعترضة هي ( وأخوه الحسن ) أما جملة ( يكنّى ) فنرجعها إلى ( الحسين ثقة ) ، وحينئذٍ لا مشكلة ، وهذه استظهارات وإذا وصلنا إلى الاستظهارات فيوجد مجالٌ للأخذ والعطاء.
وعلى هذا إذا صارت جملة ( يكنّى ) داخلة في جملة ( أخوه الحسن ) فكلمة ( ثقة ) يأتي كلام بأنها تعود إلى مَن ؟ أما إذا قلنا إن الجملة المعترضة هي ( أخوه الحسن ) فسوف تكون كلمة ( ثقة ) حتماً عائدة إلى الحسين.
وعلى أيّ حال إنما أقول تقريباً لأنّ الكلام هنا أنّ جملة ( يكنّى أبا محمد ) قد يأتي شخص ويقول هذه أيضاً جزء من الجملة المعترضة ، فلو قال شخص هكذا فماذا نجيبه ؟ نقول له:- إنّ أقصى ما هناك أنه من غير متعارف إنه في الجملة المعترضة حينما أقول ( فلان أخوه فلان ) فكنية أخوه لا يبيّنونها.
بعد ذلك قلنا يوجد طريق ثانٍ للتوثيق وهو توثيق العلامة حيث قال:- ( وكان الحسن أوثق من أخيه الحسين وأخصّ بنا وأولى ) ، وقلنا إذا ثبتت هذه الجملة التي قالها ابن عقدة فهذا جيّد لأن كلمة ( أوثق ) تدلّ على الاشتراك مع الأفضلية والزيادة ، ولكن الكلام أنه من أين حصل العلامة على كلام ابن عقدة ؟!
وربما يذكر طيق آخر لتوثيق الحسين بن علوان الكلبي:- وهو أنه من رجال تفسير القمي وبناءً على رأي من يقول بكفاية ذلك في التوثيق ونحن لا نبني على ذلك ، لكن على من يقول بذلك كالسيد الخوئي وصاحب الوسائل وصاحب المستدرك فسوف لا توجد عنده مشكلة.
ولكن يمكن أن يقال - وأنا إنما ذكرت هذا لأنّ هذه قضيّة علمية أريد بيانها وإلا لم ابين هذا المطلب -:- إنه مع كونه من رجال تفسير القمّي ونبني على وثاقة كلّ من ورد في التفسير للعبارة الموجودة في بداية التفسير لكن مع ذلك هذا الرجل غير مشمول للتوثيق العام لأنّ تعبير علي بن إبراهيم في مقدّمة التفسير وإن كان يدلّ على التوثيق ولكن توثيق أصحاباً إذا كانت الرواية عن أصحابنا أما إذا كانت عن الغير فهو ليس في صدد التوثيق ونصّ عبارته:- ( ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم وأوج ولايتهم )[1] وضمير ( نا ) في كلمة ( وثقاتنا ) يعني معاشر الامامية.
إذن هذه العبارة نستطيع أن نقول هي تختصّ فقط وفقط بتوثيق أصحابنا لا أقل ولا أقول هي حتماً لها مفهوم فأني لست بصدد توثيق الغير بل لا أقصى ما يستفاد هو هذا المقدار وهو توثيق أصحابنا أما الزائد عن ذلك فهو مسكوت عنه والمفروض أنّ الحسين بن علوان عامي المذهب . هذه فائدة ينبغي الالتفات إليها وخلاصتها هي أنه حتى لو بنينا على وثاقة كلّ من ورد في تفسير القمي من الرجال لكن هذا التوثيق يختصّ فقط بمن يكون من أصحابنا والدليل عليه عبارته في المقدّمة كما أوضحنا.
إذن لا ينفعنا الطريق الثاني ولا الطريق الثالث فلابد إذن وأن نتمسّك بالطريق الأوّل فإذا قبل شخص الاستظهار الذي ذكرناه فحينئذٍ يكون هذا الرجل ثقة لأجل الطريق الأوّل الذي أشرنا إليه.
أما عمور بن خالد والذي يعبّر عنه بالأقطع لأنه قطعت رجله في خروج زيد بن علي عليه السلام حيث كان من المشاركين معه ، وهذا الرجل كيف نثبت توثيقه ؟ إنه لا يوجد في كلمات الشيخ أو النجاشي توثيق لهذا الرجل إلا اللهم أن تقول إنّ خروجه مع زيد هو دليل على وثاقته وهذا غير مقبول ، ولكن يمكن توثيقه بأن الكشي له عبارة لم يذكرها في ترجمة خالد بن عمرو وإنما ذكرها في ي ذيل ترجمة محمد بن سالم بيّاع القصب حيث قال:- ( وذكر ابن فضّال أنه ثقة )[2] والضمير يرجع إلى خالد بن عمرو.
لكن تبقى مشكلة:- وهي أنه توثيقات ابن فصّال نحن نأخذ بها فإنه وإن كان فطحياً ولكن ثقة ، ولكن الكلام هو أنّ الكشي كيف يروي عن ابن فضّال وهو لا ينقل عنه مباشرةً ، فعلى هذا الأساس تكون الواسطة مجهولة ، فالتوثيق لا يكون معتبراً لوجود الإرسال.
والجواب:- إنّ الكشي كثيراً ما ينقل توثيقات من ابن فضال بتوسط محمد بن مسعود العياشي أبي النظر صاحب التفسير ، فالكشي يروي بالمباشرة عن محمد بن مسعود عن ابن فضال فهنا حينما قال الكشي قال ابن فضال يعني المقصود محمد بن مسعود عن ابن فضال ، فإذا قبلت بهذا فلا مشكلة ، وهذا تعليق يقال على ما سبق يعني لأجل أنه معهود أنه يروي بواسطة عن محمد بن مسعود فقد يحذف هذه الواسطة أحياناً ، وإذا لم تقبل بهذا وقلت هذا ليس واضحاً فلا يوجد ظهور ولا اطمئنان بذلك فحينئذٍ يشكل أمر هذا الرجل.
وأما بالنسبة إلى زيد بن عليّ فهو أجل من الحاجة إلى التوثيق فالرواية على هذا الأساس هي معتبرة ولا أقل على مباني السيد الخوئي(قده).
هذا بالنسبة إلى الرواية الثانية وقد اتضح أنها تامة سنداً ودلالة.
الرواية الثالثة:- هي رواية قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علياً عليه السلام قال:- ( من تعلّم شيئاً من السحر قليلاً أو كثيراً فقد كفر وكان آخر عهده بربّه وحدّه أن يقتل إلا أن يتوب[3] )[4] ودلالتها واضحة جداً حيث قالت من تعلّم فحكمه كذا وحينئذٍ يأتي بياننا المتقدّم وهو أنه إذا ثبت القتل للتعلّم فبالملازمة العرفية يثبت لنفس العمل ، فإن العمل في النظر العرفي أشدّ وزراً من التعلّم ، فالرواية من حيث الدلالة لا مشكلة فيها.
ولكن توجد مشكلة في السند غير المشكلة العامة ، لأنه نحن عندنا مشكلة عامة ومشكلة خاصّة المشكلة العامة هي أن هذه الرواية ينقلها صاحب الوسائل عن قرب الأسناد وطرق صاحب الوسائل لا نطمئن أنها طرق ليست تبركية بل نحتمل أنها طرق ليست على طرق معينة بالتالي تكون تبركية وهذا دعونا نتجاوزه فهو ليس مهماً ، والسندي بن محمد لا مشكلة فيه أيضاً إنما المشكلة في أبي البختري الذي اسمه وهي بن وهب وهذا قيل عنه في رجال الكشي عن الفضل بن شاذان أنه ( أكذب البرية ) ، وحينما كنّا في مجلس درس السيد الخوئي(قده) سمعنا منه أنه مكرراً ( أكذب أهل البرية ) حيث كان يضيف كلمة ( أهل ) وهي ليست موجودة في رجال الكشي والمعنى واحد فهذا الرجل يلزم الالتفات إليه[5] ، فالرواية ضعيفة السند وإن كانت جيدة دلالةً.
الرواية الرابعة:- رواية زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه )[6] ، ودلالتها حيث قالت ( الساحر يضرب ) والساحر هو الذي يعمل لسحر وإذا كان المقصود هو المتعلّم فتأتي الملازمة أو الأولويّة العرفية.
بيد أن سندها ضعيف أيضاً لأنه رد في الكافي هكذا ( محمد بن يعقوب عن حبيب بن الحسن عن محمد بن عبد الحميد العطار عن بشار - أو عن سيّار على اختلاف النسخ - عن زيد الشحّام ) ، والمشكلة هي أنّ حبيب بن الحسن مجهول الحال ، فالرواية من هذه الناحية ليست معتبرة السند.
الرواية الخامسة:- رواية الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله :- ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفار لا يقتل ، فقيل يا رسول الله ولم لا يقتل ساحر الكفار ؟ قال:- لأن الكفر أعظم من السحر ولأنّ السحر والشرك مقرونان )[7] ، ودلالتها واضحة وهو أنّ ساحر المسلمين يقتل ، وأما سندها فلا بأس به على رأي بعض فعليّ بن إبراهيم وأبيه إبراهيم لا مشكلة فيهما ، والسكوني لا مشكلة في أيضا ، والنوفلي وارد في تفسير القمّي وكامل الزيارات فعلى مبنى السيد الخوئي(قده) لا مشكلة فيه وإن كان على مبانينا فيه مشكلة.
هذه خمس روايات تدلّ على حرمة السحر وأن الساحر يقتل ، بيد أنه وقع كلام وهو أنّ الساحر هل يقتل بشرط أن يكون مستحلاً للسحر أو مطلقا ً سواء كان مستحلاً أو غير مستحل ؟ هناك رأي يقول بأنه بشرط أن يكون مستحلاً ، ولماذا فإنّ هذا القيد ليس موجوداً في الروايات فمن أين لكم هذا القيد ؟ قالوا لأنه كان موجوداً في زمان الأئمة سحرة كثيرين ولم يقتلوهم فهذا معناه أنّ القتل بشرط الاستحلال ، قال في الجواهر:- ( إنّ غير المستحل قد يظهر من جماعة عدم القتل به خلافاً لبعضٍ فجعله حداً له مطلقاً ولعله لإطلاق الأدلة ولا يخلو من توقّف ويأتي تمام الكلام فيه في باب الحدود إن شاء الله تعالى )[8] ، إذن يوجد رأي يقول بأن شرط القتل هو الاستحلال ، والسيد الخوئي(قده) يقول بشرط الاستحلال أيضاً ، ولماذا والحال أن الروايات مطلقة ؟ قال:- صحيح أنّ الروايات مطلقة ولكنها جميعها ضعيفة السند فإذا كانت كلّها ضعيفة السند فكيف نقتله بل المناسب عدم قتله لأنّ قتل المؤمن لا يجوز لأنّ قتل المؤمن لا يجوز فإنّ حرمة دمه كحرمة ماله أو حرمة ماله كحرمة دمه فنتمسّك بإطلاقات حرمة دم المؤمن فلا يجوز قتله إلا إذا كان مستحلاً فنقتله من باب انكار الضرورة لأنه صار كافراً ، ونصّ عبارته:- ( إنّ الحكم بالقتل هو المشهور بني الأصحاب ولكن لروايات الدالة على ذلك ضعيفة فإن تم إجماع على ذلك فهو وإلا فما دلّ على حرمة قتل النفس هو المحكّم نعم إذا كان مستحلاً للسحر استحق القتل من باب إنكار الضروري وليس من باب أنه ساحر )[9] ، ولو ذهبنا إلى تكملة المنهاج في باب الحدود فتراه يقول ما نصّه في مسألة 216:- ( ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفار لا يقتل ومن تعلّم شيئاً من السحر كان آخر عهده بربّه وحدّه القتل إلا أن يتوب ) ، فعبارته في الحدود واضحة في أنه يقتل لا أنه بشرط أن يكون مستحلاً .
وله عبارة ثالثة في المحاضرات وهو ينقل فيها الخلاف فقط أما أزيد من نقل الخلاف فلا ينقل شيئاً حيث قال:- ( في أيجابه القتل مطلقاً أو في خصوص المستحل وجهان مقتضى اطلاق النصوص وصريح بعض الأصحاب واطلاق فتوى جماعة الأوّل ولكن جماعة من المتأخرين قيدوا جواز القتل بصورة الاستحلال بملاحظة أن الغالب في عصر الأئمة عليهم السلام كون السحرة يعتقدون بتأثير الكواكب والأجرام العلوية في العمل الخاص واسناد الحوادث إليها )[10] ، فهو في هذه العبارة بيّن وجهان أما هو فلم يبيّن رأيه . فإذن السيد الخوئي(قده) عنده ثلاثة آراء.