37/08/02
تحمیل
الموضوع:- مبحث الضد.
ثم إنّ الذي ذكرناه بعنوان الجواب الثالث ونسبناه إلى المحقّق الثاني(قده) قد يتأمل في نسبته إليه:- فإنّ العبارة التي نقلناها عنه ليست واضحة في المطلب المذكور لا بإشارةٍ بعيدةٍ فضلاً عن القريبة ، وأمّا المحقّق الرشتي(قده) فهو قد نقل العبارة المذكورة ، بل كلّ ما ذكره الكركي في هذا المجال نقله في البدائع بنصّ العبارة ثم أخذ بتوضيحه ولكن في توضيحه أيضاً لم نجد إشارةً إليه ، فحتى المحقّق الرشتي لا يوجد في كلماته هذا[1] .
كما أنّ الشيخ النائيني(قده) اختلفت عبائره في النسبة أيضاً:- فهو في أجود التقريرات نسبه إلى الكركي بالشكل التالي حيث قال:- ( وأورد المحقّق الثاني على إنكار الثمرة في صورة مزاحمة الموسّع بالمضيّق ما قد أوضحه جماعة من المحققين ممّن تأخّر عنه )[2] ، فإذن هنا الشيخ النائيني(قده) لم ينسب التوضيح إلى الرشتي ولكن نسب أصل الفكرة إلى المحقّق الثاني ، بينما في فوائد الأصول قال:- ( وحكي عن المحقّق الكركي وجماعة ممن تأخر عنه )[3] ، فالنسبة ليست واضحة إلى الكركي ولا إلى الرشتي.
كما ألفت النظر إلى قضيّة أخرى:- وهي أنّ صاحب الكفاية(قده) له مطلب في هذا المجال ربما يكون له وجهُ شبهٍ ولو من بُعدٍ بهذه الفكرة المنسوبة إلى الكركي ، ومحصّله:- إنّ الصلاة المزاحمة ليس فيها أمرٌ وإنما الأمر متعلّق بالطبيعة المقدورة غير المزاحمة دون هذا الفرد المزاحم ، ولكن رغم هذا يمكنك أيها المكلّف أن تأتي بالفرد المزاحم بقصد امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة التي لا تشمل هذا الفرد المزاحم ، إنّ العقل يقبل بقصد امتثال أمر تلك الطبيعة بالإتيان بهذا الفرد ، ولماذا يقبل العقل ؟ لأنّ هذا الفرد كسائر أفراد الطبيعة في الوفاء بالغرض لكن لأجل المزاحمة لا يوجد به أمر ، والأمر موجود في الطبيعة الشاملة للبقيّة ولكن يمكنك أن تأتي بهذا الفرد المزاحم بقصد امتثال ذاك الأمر ، فالعقل يكتفي بذلك لأجل أنّ كليهما وافٍ بالغرض ، ونصّ عبارته:- ( نعم فيما إذا كانت موسعة وكانت مزاحمة بالأهم في بعض الوقت لا في تمامه ....... أمكن أن يؤتى بما زوحم منها بداعي ذلك الأمر فإنه وإن كان الفرد خارجاً عن تحتها بما هي مأمور بها إلا أنه لما كان وافياً بغرضها كالباقي تحتها كان عقلاً مثله في الاتيان به في مقام الامتثال والاتيان به بداعي ذلك الأمر بلا تفاوت في نظره بينهما أصلاً )[4] ، والعبارة واضحة في المطلب الذي ذكرته.
والفارق بينهما هو أنّ ذاك الوجه كان يقول إنَّّ هذا الفرد المزاحم داخلٌ في الطبيعة المأمور بها وبالتالي أنت تأتي به بقصد الطبيعة الشاملة له ، بينما هذا الرأي يقول إنَّ هذا الفرد خارج ولكن رغم أنه خارج يكون الاتيان به بداعي الأمر المتعلّق بالغير هو يكفي عقلاً للوفاء بالغرض.
وجواب صاحب الكفاية مرفوض:- لأنه يحتاج إلى ضمّ ضميمةٍ وهي القطع بأنّ هذا وافٍٍ بالغرض كبقيّة أفراد الطبيعة ، وعهدة هذه الدعوى عليه ، لأنه قلنا - وسوف يأتي في بحث اجتماع الأمر والنهي - أنه بنفسه يرفضها كما قرأنا عبارته ، فإن انتفاء الحكم عن أحد المتنافيين كما يمكن أن يكون لأجل انتفاء المانع مع بقاء الملاك - يعني المقتضي - يمكن أن يكون لأجل انتفاء الملاك - أي أصل المقتضي - فهو قال هكذا.
ولم يرتضِ السيد الخوئي(قده)[5] من الشيخ النائيني(قده) اعتبار القدرة في متعلق الأمر ، وبكلمةٍ أخرى:- إنّ الشيخ النائيني فصّل بين كون الموجب لاعتبار القدرة عادي التحريك وبين كون الموجب هو حكم العقل ، فالسيد الخوئي رأساً وبلا تفصيل قال بأنّه لا تعتبر القدرة في متعلّق التكليف شرعاً ولا عقلاً ، والوجه في ذلك وكلّ هذا المطلب قد ذكرته في المقدّمات - هو أنّ التكليف اعتبارٌ ، فالتكليف فوجوب الصلاة يعني اعتبار الصلاة في ذمّة المكلّف ، ومعه فلماذا يلزم القدرة ؟!! ، نعم في مرحلة الامتثال العقل يقول أيها المكلّف لا يلزمك الامتثال إلا إذا كنت قادراً ، أمّا إذا لم تكن قادراً فكيف يكلّف الله عزّ جلّ بالامتثال.
فإذن السيد الخوئي(قده) قال لابد وأن نفرّق بين مرحلة الامتثال وبين مرحلة التكليف ، ففي مرحلة الامتثال تعتبر القدرة ودليل اعتبارها هو العقل فالعقل يقول لا يلزم العاجز غير القادر الامتثال ، أمّا في مرحلة التكليف بما هو تكليف فيمكن أن يكلّف الله عزّ وجلّ العاجز بالصوم فيقول الصوم واجبٌ عليكم جميعاً حتى أنتم العاجزين فإنّ هذا ممكنٌ لأنّ الوجوب هو اعتبار في ذمّة المكلّف ، فإذا كان اعتباراً فهو سهل المؤونة ، كما لو قلت لك أنا اعتبر مليار دينار في ذمّتك فهذا لا يؤذيك لأنه اعتبار ولا شيء فيه ، نعم إذا صار امتثال وأنّه يلزمك أن تدفع هذا المال فصحيح أنّ هذا لا يمكن أما كاعتبار فلا مشكلة فيه.
هذا ولكني طيلة الفترة التي حضرت عنده(قده) لم أسمع منه مرّةً هذا المبنى وإنما عرفته من خلال مراجعتي لكتبة وتقريراته.
والجواب عليه واضح:- وهو أنّ نقول:- إنّ التكليف هو اعتبار في ذمّة المكلّف ولكن هذا الاعتبار هل هو بهدف أو بغير هدف ؟ فإن كان من دون هدفٍ فهذا عبثٌ من المولى ولغو ، إذا كان بداعٍ فما هو الداعي ؟ إنّ الداعي هو البعث والتحريك ، فإذا كان بهذا الداعي فسوف يأتي حينئذٍ كلام الشيخ النائيني(قده) ، فكيف تعتبر شيئاً بداعي التحريك وهو ليس بقادر ؟!! فنفس كون الداعي هو التحريك يوجب اختصاص التكليف بالحصّة المقدورة.