37/08/21
تحمیل
الموضوع:- هل الدولة أو البنك الحكومي أو الشركة الحكومية تملك أو لا - مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.
استدراك لما سبق يذكر في النكتة الأولى:-
ففي النكتة الأولى ذكرنا عنوان مجهول المالك وعنوان اللقطة وذكرنا الفرق الموضوعي والفرق الحكمي وانتهينا ، وكان يوجد عنوان ثالث كان من المناسب أن نذكره أيضاً ولكن غفلنا عنه وهو عنوان ردّ المظالم ، فما هو ردّ المظالم وما هو فرقه عن مجهول المالك ..... ؟ ، فإذن في النكتة الأولى سوف تصير ثلاثة عناوين لا عنوانين وهي مجهول المالك واللقطة وردّ المظالم.
والمقصود من ردّ المظالم:- هو أنَّ الانسان قد يكون في ذمّته حقٌّ للآخرين إمّا بنحو الجزم أو بنحو الاحتمال ، من قبيل أنّنا حينما كنّا شباباً قد يضرب بعضنا الآخر ويحمرّ مكان الضرب كما أنّ المضروب لا يرضى فهنا قد اشتغلت ذمّتي بالدية له والآن ربما لا أعرف عنه شيئاً بل ربما لا أشخّصه ولكنّي أدري بأني صنعت ذلك مرّةً ، وربما دخلت إلى بيتٍ وأخرجت منه شيئاً قبل بلوغي مثلاً منه ولا أعرف عنهم أين صاروا.
ولا تقل:- إنه في مثال قبل البلوغ أنت لست بضامنٍ.
فأقول:- إني مادمت غير بالغ فأنا لست مكلفاً بالدفع أمّا الآن فقد بلغت فيلزم الدفع ، فيلزم الالتفات إلى ذلك فالحكم التكليفي لا يتوجّه إليَّ مادمت غير بالغٍ أمّا إذا صرت بالغاً فالحكم التكليفي بوجوب الدفع يترتّب عليَّ أما الضمان فهو حكم وضعيٌّ وهو ثابتٌ لكن الوجوب التكليفي يتوجه إليَّ بعد البلوغ.
وهكذا الصائغ فإنّ الناس مثلاً يأتون له بالسوار أو العقد ويقولون له حوّله إلى شيءٍ آخر فهو حينما يذيبه فسوف يبقى تراب من الذهب من هذا ومن ذاك ولكنه لا يعرف أصحابه ، وكان عليه أن يصير ملتفتاً من البداية إلى هذا فيقول لهم سوف يبقى ترابٌ من الذهب فأنا ليس مسؤولاً عنه ولكنه ربما - أو الغالب - لا يقول لهم ذلك ثم بعد ذلك يلتفت إلى هذه المسألة فهذا ذمّته مشغولة لهؤلاء الناس وهو لا يعرفهم ، أو الخياط يرسلون له القماش فيبقى منه قطع قماش صغير بعضها لها قيمة فعلى الخيّاط أن يأخذ البراءة من صاحب القماش أو يكتب في لافتةٍ أنّ الزائد من القماش يبقى لي فيكون شرطاً من البداية ، أما إذا لم يضع شرطاً فمجموعة هذه القطع الصغيرة من الأقمشة المتجمعة عنده هي أموال ، ومن هذا القبيل الكثير الكثير ، هذا إذا فرض أنه كانت القضيّة حتمية يعني حتماً أنا الناس يطلبونني ولهم حقٌّ في ذمّتي فردّ المظالم يعني أنيّ في مقابل هذا المال الذي لهم في ذمّتي والحقّ الذي لهم في ذمّتي أدفع إلى لفرقاء فإن كان جزمياً فسوف يصير ردّ المظالم واجباً معيناً ، وإذا كان مجرّد احتمال فيصير ردّ المظالم مستحباً وليس بواجب.
إذن ردّ المظالم معناه أنّ الناس لهم حقوق عليّ في ذمّتي لأسبابٍ ولا أعرفهم - وواضح أنه إذا كنت أعرفهم فسوف أردّه إليهم -.
وما هو مستند حكم ردّ المظالم ؟
والجواب:- واتذكر أنّه حينما كنا ندرس عند السيد الخوئي(قده) سألته مرّةً بعد الدرس أنّ مستند ردّ المظالم ما هو ؟ فأجابني وقال:- توجد رواية في كتاب الوافي.
ولكني الآن أقول:- إنّ مستند ردّ المظالم في الحقيقة هو نفس مستند مجهول المالك ، بل ردّ المظالم ليس إلا مصداقاً لعنوان مجهول المالك ، ولا فرق بين ردّ المظالم وبين مجهول المالك ولكن مجهول المالك لعله أوسع أما ردّ المظالم هو خاصّ بأني ظلمته بظلمٍ فهو مصداقٌ لمجهول المالك فيأتي فيه ما يأتي في مجهول المالك ، فإذا قلنا في مجهول المالك يلزم الفحص عن صاحبه وإذا حصل اليأس ولم أعرفه يتصدّق بذلك على الفقراء فهنا أيضاً كذلك ، فالمفروض أنّ الذي يعطي ردّ المظالم أوّلاً نقول له هل تعرف الناس الذين لهم حقّ عليك ؟ فإن قال إني أخجل من أن أذهب إليهم ، فنقول له:- العار ولا النار هذا ما علّمنا عليه أهل البيت عليهم السلام ، وليس النار ولا العار فإنّ هذا ليس منطقنا ، فأنا إذا كنت أعرفه فلا يوجد ردّ مظالم بل لابد من أن تطلب براءة الذمّة منه ، ولكنك ساعد هذا الشخص الذي في ذمّته حقّ للغير فقل له اذهب إلى صاحب الحقّ وقل له أرجو منك أن تبرئني الذمّة لأنه قد يكون لك في ذمّتي حقّ.
وإذا قلت إنّ هذا الشخص الذي له الحق شديد ولا يقبل حتى بإبراء الذمّة حتى بالإجمال ففي مثل هذه الحالة توجد طريقة أخرى ، وهي أنه ما هو مقدار قيمة هذا الشيء الذي في ذمّتي له فآخذ القيمة مع زيادةٍ من باب الاحتياط وأذهب واضعه أمامه بحيث يستطيع أن يأخذه بحيث يصدق القبض وهذه طريقة أخرى للحل.
فإذن ردّ المظالم ليس إلا مصداقاً لعنوان مجهول المالك وليس شيئاً آخر فما يقال في مجهول المالك يقال في ردّ المظالم.
وإذا سألت وقلت:- إذا تردّد المقدار بين الكثرة والقلّة فلا أعلم أنّ هذا الشخص له في ذمتي مئة دينار أو مئة وعشرين فماذا يفعل في مثل هذه الحالة ؟ والجواب:- يبني على الأقل كواجبٍ لأنه يشكّ باشتغال ذمّته بالزائد فيجري أصل البراءة عن الزائد ، ولكن نحن نحرّض الطرف على أن يحتاط ويعطي الأكثر ، وهذه قضية عامّة في باب الصلاة وفي باب الصوم وفي باب الخمس فإذا تردّد باشتغال الذمّة بين الأقل والأكثر يبنى على الأقل والزائد ينفى بالبراءة.
وعلى أي حال مستند ردّ المظالم ليس إلا أنه مجهول المالك فحكم مجهول المالك يشمله.
هذا مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه ، مثل رواية علي بن أبي حمزة:- ( قال:- كان لي صديق من كتّاب بني أمية فقال لي استأذن لي على أبي عبد الله عليه السلام فاستأذنت له فأذن له فما أن دخل سلم وجلس ثم قال:- جعلت فداك إني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالاً كثيراً وأغمضت في مطالبه ، فقال أبو عبد الله عليه السلام:- لولا أن بني أمية وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئاً إلا ما وقع في أيديهم ، قال:- فقال الفتى:- جعلت فداك فهل لي من مخرج منه ؟ قال:- إن قلت لك تفعل ؟ قال:- أفعل ، قال له:- فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ومن لم تعرف تصدقت به وأنا أضمن لك على الله الجنة ، فأطرق الفتى طويلاً ثم قال:- لقد فعلت جعلت فداك ، قال ابن أبي حمزة:- فرجع الفتى معنا إلى الكوفة فما ترك شيئاً على وجه الأرض إلا خرج منه حتى ثيابه التي كانت على بدنه ، قال:- فقسمت له قسمة واشترينا له ثياباً وبعثنا إليه بنفقة ، قال:- فما أتى عليه إلا أشهر قلائل حتى مرض فكنّا نعوده ، قال:- فدخلت يوماً وهو في السَّوق ففتح عينيه ثم قال لي يا علي وفى لي والله صاحبك ، قال:- ثم مات فتولينا أمره فخرجت حتى دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فلما نظر إلى قال لي:- يا علي وفينا والله لصاحبك ، قال فقلت:- صدقت جعلت فداك هكذا والله قال لي عند موته )[1] ، وموضع الشاهد هو قوله ( فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ومن لم تعرف تصدقت به ) ، فالسيد الخوئي(قده) لعلّه يشير إلى هذه الرواية أو إلى غيرها.
يبقى شيء:- وهو أن عنوان ردّ المظالم لم يأت في كلمات فقهائنا المتقدّمين ولعلّ صاحب الوسائل(قده) أوّل من ذكره فهو قد عقد بابين الأوّل هو باب 47 وعنونه بـ( باب وجوب ردّ المظالم إلى أهلها إن عرفهم وإلا تصدّق بها ) والثاني أنه عقد باباً آخر بهذا الاسم وهو باب ( وجوب ردّ المظالم على أهلها واشتراط ذلك في التوبة منها )[2] ، ولعله ذكر في مورد ثالثٍ ولكن هذين الموردين اللذين عثرت عليهما وهذه نقطة امتياز له ، ولعلّه أخذها من المحقّق الحلي(قده) لأنه يقال إنّ عناوين الأبواب وهذا الترتيب أخذه من المحقّق الحلّي فإنه توجد دعوى هكذا ، والمحقّق في الشرائع لم يذكر في المعاملات المحرّمة والأمور المحرّمة في بداية كتاب التجارة ردّ المظالم بهذا العنوان ، نعم جاء التعبير المذكور في بعض رواياتنا ، من قبيل الرواية المذكورة في أبواب الأمر والنهي من كتاب الجهاد والأمر بالمعروف حيث جاء فيها:- ( قال:- والذنوب التي تورث الندم قتل النفس ...... وترك الوصية وردّ المظالم )[3] ، فإذن تعبير ردّ المظالم موجودٌ في رواياتنا لكن عنونة الباب بذلك كان التفاتة جميلة منه.
إذن اتضح أنّ مدرك ردّ المظالم هو مقتضى قاعدة مجهول المالك بلا حاجة إلى رواية هذا أوّلاً ، وثانياً الرواية المذكورة ، وهذا يلحق بالنكتة الأولى.
ونرجع إذن إلى اللوازم التي تترتّب على مجهول المالك.