37/07/30
تحمیل
الموضوع:- مبحث الضد.
الوسيلة الثالثة:- ما أشار إليه الشيخ النائيني(قده)[1] وحاصله:- إننا نجري مقدّمات الحكمة والاطلاق بلحاظ متعلّق الأمر بالصلاة ، فإن متعلّق الأمر بالصلاة هو الصلاة ، فنجري مقدّمات الحكمة في نفس الصلاة ونقول إنَّ الصلاة التي وقعت متعلّقاً للأمر ليس هي خصوص الصلاة المقدورة - يعني غير المزاحمة بالإزالة - بل مطلق الصلاة ، فمن إطلاق الصلاة التي هي متعلّق الأمر نستكشف أنّ الملاك ثابتٌ في مطلق الصلاة وليس فقط في الصلاة التي هي غير مزاحمة بالإزالة بل حتى المزاحمة بالإزالة هي فيها ملاك ، فنصحّح الصلاة بالملاك الذي نستكشفه من هذا الاطلاق.
وإذا أورد عليه وقيل:- إنّ الأمر لا يتعلّق إلا بالحصّة المقدورة ولا يتعلّق بالحصّة الأعم ؟
أجاب وقال:- إني أجري الاطلاق في الصلاة التي مرتبتها سابقة ومتقدّمة على الأمر ، فمرتبة الأمر متأخرةٌ عن مرتبة المتعلّق - أي الصلاة - ، فلابد من افتراض صلاةٍ أوّلاً ثم بعد ذلك نفترض تعلّق الأمر بها ، وفي تلك المرتبة الأولى التي يتصوّر المولى فيها الصلاة قبل تعلُّق الأمر بها نجري مقدّمات الحكمة ، وتلك المرتبة هي مرتبةٌ سابقةٌ فيثبت بالإطلاق أنّ مطلق الصلاة فيها ملاك أعمّ من كونه مقدوراً أو غير مقدور ببركة مقدّمات الحكمة ، نعم بعد تعلّق الأمر الذي مرتبته متأخرة نفهم أنّ المولى يريد فقط وفقط الحصّة المقدورة إذ الأمر لا يمكن أن يتوجّه إلى غير المقدور ، ولكن كما قلنا إنَّ مرتبة الأمر متأخّرة ولا يمكن أخذ ما يحصل بسبب الأمر المتأخر في الأمر المتقدّم وإلا صار المتأخر متقدّماً المتقدّم متأخراً.
ويرد عليه:-
أوّلاً:- إنّ مقدّمات الحكمة قضيّة عرفيّة فلابدّ من إجرائها فيما يساعد عليه العرف ، والعرف لا يجريها في المرتبة لأنّك قلت إنَّ مرتبة الصلاة مرتبة متقدّمة وأنا في المرتبة المتقدّمة أجري مقدّمات الحكمة وأقول الصلاة مطلقة.
ونحن نقول:- إنّ العرف عند إجراء مقدّمات الحكمة لا يلحظ المراتب فإنه ليس لديه هكذا نظر دقّي - فهو لا يجريها بلحاظ المراتب - ، بل العرف يقول إنّه مادام الأمر قد تعلّق بالصلاة فإذن التكليف متعلّقٌ بالحصّة المقدورة بقرينة تعلّق الأمر ، أمّا أنّ مرتبتها متقدّمة فنجري مقدّمات الحكمة فالعرف لا يوجد عنده هذا الكلام ، وهذه الدقة ليست موجودة عنده ، وقضيّة مقدّمات الحكمة عرفيّة فهو يجريها فيما يساعد عليه العرف وإجرائها في المرتبة ليس قضيّة عرفيّة.
ثانياً:- إنّ نفس الشيخ النائيني(قده) يرتئي أنّ متعلّق التكليف دائماً هو الحصّة المقدورة وليس مطلق الحصّة ، فإذا قيل مثلاً تجب الصلاة وكانت الصلاة لها أفراد بعضها مقدور وبعضها غير مقدور - يعني بعضها مزاحم بالإزالة وبعضها غير مزاحم - فيقول إنَّ التكليف يتعلّق بخصوص المقدورة لا بالطبيعي لأجل أنّ التكليف هو مجعولٌ بداعي البعث والتحريك وهو لا يكون إلا بنحو المقدور ، فكيف الآن تأتي وتقول ( بل متعلّق التكليف بلحاظ مرتبته هو مطلقٌ ) فإنّ هذا يناقض ذلك المطلب ، وقد أشار(قده) إلى هذا المطلب في أجود التقريرات[2] .
وهي هذه المسألة - وهي أنّ متعلّق التكليف هل هو خصوص الحصّة المقدورة أو الأعمّ - محلّ خلافٍ ، ولكن الشيخ النائيني(قده) شدّد فيها وقال إنَّ المتعلّق هو خصوص المقدورة خلافاً للسيد الخوئي[3] والسيد الخميني حيث ذهبا إلى أنه لا يختصّ بالحصّة المقدورة.
والمهم لي هو قول الشيخ النائيني(قده) فهو قال إنّ نفس تعلّق التكليف حيث إنّه بداعي البعث والتحريك فهو يدلّ على أنّ المتعلّق هو خصوص الحصّة المقدورة ، فكيف أنت تقول في بحثنا هذا نجري الاطلاق بلحاظ متعلّق الأمر وتقول إنَّ متعلّق الأمر بلحاظ مرتبته التي هي متقدّمة مطلقٌ ؟! فإنه إذا كان مطلقاً فهذا معناه تعلّق التكليف بالمقدورة وغير المقدورة وهذا خلف مبناك الذي ذكرته من اختصاص التكليف بخصوص الحصّة المقدورة ، وهذا تنافٍ بين الرأيين كما لا يخفى.
إذن اتضح أنّ هذه الوسيلة لاستكشاف الملاك في الحصّة المزاحمة بالإزالة - يعني غير المقدورة - وسيلةً مرفوضة.
الوسيلة الرابعة:- الاستصحاب ، بأن يقال:- إنّ الصلاة قبل الابتلاء بالنجاسة والازالة كانت واجدة للملاك وبعدما زوحمت بالإزالة الواجبة نشك في بقاء الملاك فيها فنستصحب بقاء الملاك ، فيثبت بذلك أنّ الملاك موجود.
ويردّه:- إنّ المستصحب ما هو ؟ فهل هو مطلق الصلاة وطبيعيها أعمّ من المزاحمة وغير المزاحمة أو المستصحب هو خصوص المزاحمة - أي الجامعة بين المزاحمة وغير المزاحمة - ؟
فإذا نظرت إلى طبيعي الصلاة فيرد إشكالان:-
الأوّل:- إنّ طبيعي الصلاة يشتمل على فردين صلاة غير مزاحمة وصلاة مزاحمة ، والصلاة التي هي غير مزاحمة حتماً كانت واجدةً للملاك ، والصلاة المزاحمة نشكّ في وجود الملاك فيها ، فالطبيعي إذن هو يشتمل على فردين أحد الفردين متيقّن الملاك والثاني مشوك الملاك فلا معنى لإجراء الاستصحاب بلحاظ الطبيعي بعدما كان ينقسم إلى الفردين ، نعم ملاحظة الطبيعي شيء وجيه إذا كان جميع أفراده واجداً للملاك ، أما إذا كان بعض أفراده واجداً للملاك وبعضها الآخر يشك في تواجد الملاك فيه فلا معنى لملاحظته وإجراء الاستصحاب بلحاظه.
الثاني:- إنه أصلٌ مثبت ، لأجل أنك تستصحب حكم الطبيعي وتقول ( الطبيعي كان فيه ملاك ) وهذا جيّدٌ ، ثم تقول ( فإذا كان الطبيعي واحداً للملاك فإذن هذا الفرد واجداً للملاك ) ، وهذا أصلٌ مثبت إذ ضممت ملازمة عقلية ، لأنك قلت ( الطبيعي إذا كان واجداً للملاك فلازمه أنّ هذا الفرد واجداً للملاك ) وهذا اللازم غير شرعي فيصير أصلاً مثبتاً ، نعم إذا كان أصل الفرد فيه ملاك سابقاً والآن نشك فلا بأس بإجراء الاستصحاب ، أما هنا فالمفروض أنه يوجد عندنا الطبيعي فإذا كان الطبيعي فالطبيعي في الزمان السابق لنفترض أنه كان واجداً للملاك ولكن نحن الآن نريد أن نثبت الملاك في هذا الفرد وليس في الطبيعي وهذا أصل مثبتٌ يحتاج إلى ضمّ الملازمة العقلية حيث نقول ( إذا كان الطبيعي بكلّ أفراده واجداً للملاك فإذن هذا الفرد واجد للملاك ) وهذه الملازمة ليست شرعيّة وإنما هي عقليّة.
وأما إذا كانت الحالة السابقة المنظور إليها ليس الطبيعي وإنما المنظور إليه هو الفرد فنقول ( هذا الفرد من الصلاة كان سابقاً واجداً للملاك والآن هو واجد للملاك أيضاً ) ، فجوابه واضح:- فإنّ هذا الفرد لم يكن موجوداً سابقاً وإنما هو فرد جديد وليس عين الفرد السابق ، فالفرد السابق من الصلاة لم يكن مزاحماً وهذا فردٌ ثانٍ مزاحم وهو لم يكن موجوداً فكيف تقول إنَّ هذا الفرد المزاحم بالإزالة كان سابقاً ، فمتى كان سابقاً ؟! هل قبل المزاحمة ؟! إنّه قبل المزاحمة كان فرداً ثانياً وليس هذا الفرد ، وهذه الصلاة لم تكن موجودةً سابقاً حتى تقول هي سابقاً كانت واجدةً للملاك فالآن هي واجدة له أيضاً فإن هذا الاستصحاب لا معنى له !!
ومن خلال هذا كلّه اتضح أنّ الإجابة الثانية لتصحيح الصلاة - وهي من خلال الملاك - بوسائلها الأربع باطلة ومرفوضة ، نعم الطريق الأوّل - وهو الترتّب - قد قلنا سوف يأتي فيما بعد ، أما الطريق الثاني وهو التصحيح بالملاك بوسائله الأربعة التي يراد من خلالها استكشاف الملاك فهي باطلة فيكون هذا الطريق باطلاً.