37/07/18
تحمیل
الموضوع:- مبحث الضد.
الوجه الخامس:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده)[1] وحاصله[2] :-إنه لو فرضنا وجود مقتضيين لضدّين - أي مقتضٍ للسواد ومقتضٍ للبياض - كلاهما موجود بدرجة واحدةٍ ، فالمقتضيان كانا متساويين من حيث القوّة ، ففي مثل هذه الحالة هل يوجد المقتَضَيان - يعني السواد والبياض - ، أو على الأقل هل يوجد أحدهما ؟ كلا لا يوجدان معاً ، فإنّ اجتماع الضدّين غير ممكن ، ولا يمكن أن يوجد أحدهما دون الآخر فإنّ هذا خلف فرض تساوي المقتضيين ، فالصحيح حتماً هو الشقّ الثالث وهو أنه لا يوجد هذا الضدّ ولا ذاك بل يبقى على العدم ، وحينئذٍ نسأل ونقول:- لماذا لم يوجد ذلك الضدّ فهل لوجود المانع أيّ هذا الضدّ فهذا الضدّ يمنع من ذاك ؟ كلا فإن المفروض أن هذا الضدّ لم يوجد ولا ذاك فليس أحدهما موجوداً حتى تقول هو يمنع من وجود ذاك ، بل كلاهما معدوم ، فانعدام هذا الضدّ وذاك الضدّ ليس لوجود المانع فإذن لماذا لم يوجد ؟ إنه لأجل وجود مقتضي الضدّ الآخر الذي هو مساوي ، فوجود المقتضي المساوي هو الذي يمنع من وجود الضدّ الآخر - يعني وجود مقتضي البياض هو الذي يمنع من وجود السواد ووجود مقتضي السواد هو الذي يمنع من وجود البياض - ، فإرادة كل ّضدٍّ هي المانعة من وجود الضدّ الآخر ، هذا إذا كان المقتضيان لكلّ ضدّ متساويين.
وأمّا إذا كان المقتضي للبياض هو الأقوى ، يعني إرادة البياض كانت هي الأقوى فالذي يوجد حينئذٍ هو البياض وأما السواد فينعدم ، وحينئذٍ نأتي ونكرر السؤال ونقول:- لماذا لم يوجد السواد ؟ إنه لابد لأجل قوّة مقتضي البياض ، فأقوائية مقتضي البياض هي التي تمنع من وجود السواد ، ولماذا ؟ لأجل أنه في صورة تساوي المقتضيين قد فرضنا أنّ المانع هو المقتضي الآخر ، ففي حالة كون أحد المقتضيين هو الأقوى تكون مانعية المقتضي الأقوى عن وجود الضدّ الآخر أولى وأوضح ، يعني أنّ المقتضي المساوي هو الذي يكون مانعاً فكيف بالمقتضي الأقوى ؟!! فإذن ثبت المطلوب وهو أنه ثبت أنّ السواد لا يوجد لأجل أنّ مقتضي البياض أقوى لا لأجل وجود البياض ، فالبياض إذن ليس مانعاً من وجود السواد ، وإذا لم يكن مانعاً فعدمه ليس مقدّمة.
وما ذكره شيء لا بأس به.
هذا وربما يشكل عليه ويقال:- هل أنت ناظر وتتكلّم في الضدّين اللذين لا ثالث لهما - كالحركة والسكون - أو في الضدّين اللذين لهما ثالث - كالسواد والبياض - ؟
فإن كنت ناظراً إلى الضدّين اللذين ليس لهما ثالث فلا يمكن وجود مقتضيين متساويين حتى يتم كلامك ، فإنك انتقلت من المقتضيين المتساويين لإثبات المطلوب إلى حالة كون أحد المقتضيين أقوى ، ونحن نقول:- لا يمكن وجود مقتضيين متساويين - فإنّ هذا مستحيل - حتى يأتي كلامك ، ففي الضدّين اللذين لا ثالث لهما لا يمكن أن نفترض وجود مقتضيين متساويين , ولماذا لا يمكن وجود مقتضيين متساويين ؟ لأنّ لازم ذلك أنه لا يوجد الضدّان ، فمقتضي الحركة مساوٍ لمقتضي السكون هو أنه لا توجد حركة ولا سكون وهذا خلف فرض كونهما ضدّان لا ثالث لهما والحال أنا افترضنا أنهما ضدّان لا ثالث لهما ، فإذا لم يوجد حركة ولا سكون فمعنى هذا أنه يوجد شقٌّ ثالث وقد افترضنا أنه لا يوجد شق ثالث ، فهذه الفرضية باطلة من الأساس.
وأمّا إذا افترضنا أنّ الضدّين لهما ثالث كالسواد والبياض فيمكن أن نفترض أنّ المقتضيين متساويان وحينئذٍ لا يوجد السواد ولا يوجد البياض ، وهذا صحيحٌ ولكن هذا لا ينفعك لأنّ غاية ما هناك سوف لا يوجد البياض والسواد ولكن سوف يوجد لونٌ آخر وهو الحمرة أو الصفرة أو غير ذلك ، وحينئذٍ لعلّ عدم وجود البياض أو عدم وجود السواد ناشئ من وجود ذلك الضدّ وليس من وجود المقتضي المساوي ، فبطل ما تريد.
إذن بطل برهانك من الأساس لبطلان الجزء الأوّل ، لأنك تحدثت عن المقتضي المساوي ثم انطلقت إلى المقتضي الأقوى ، والمقتضي المساوي ذكرنا أنه باطل لأنه يوجد فيه شقّان وكلاهما باطل ، فلا يمكن أن تنتقل إلى الشقّ الثاني.