37/07/11
تحمیل
الموضوع:- مبحث الضد.
وقبل أن نذكر الأدلة على بطلان المقدّمية قد يقول قائل:- إذا بطلت أدلة المقدّمية التي ذكرناها كفانا هذا في بطلان المقدّمية بلا حاجة إلى إقامة أدلّة على البطلان ؟
والجواب:- إنّ بطلان تلك الأدلة على المقدّمية لا يعني أنّ المقدّمية باطلة واقعاً ، فلعل المقدّمية ثابتة واقعاً ولكن الأدلة التي سقناها لإثبات المقدّمية هي قابلة للمناقشة أما نفس المقدّمية واقعاً فيحتمل أنها ثباتة ، فنبقى بحاجة إلى إقامة أدلةٍ على بطلان المقدّمية.
وقد ذكرت عدّة وجوه لبطلان المقدّمية:-
الوجه الأوّل:- إنّ البياض مثلاً هو في رتبة السواد لأنهما ضدّين ورتبة الضدين واحدة على ما قيل ، ثم نقول إنّ السواد في رتبة عدم السواد من باب أنهما نقيضان ورتبة النقيضين أنها واحدة على ما قيل ، فإذا ثبت هذا ثبت إذن أنّ البياض في رتبة عدم السواد ، وبذلك بطلت المقدّمية ، يعني عدم السواد ليس مقدّمة للبياض؛ إذ لو كان مقدّمة يلزم أن تكون رتبة المقدّمة مختلفة عن رتبة ذي المقدّمة بينما هنا الرتبة واحدة فتبطل بذلك المقدّمية.
وهذا الوجه مبنيّ على فكرة أنّ المساوي للمساوي مساوي ، فمادام البياض مساوياً للسواد والسواد مساوياً لعدم السواد فالمساوي إلى المساوي مساوٍ ، يعني البياض الذي هو مساوٍ للسواد المساوي لعدم السواد هو مساوٍ لعدم السواد فإن المساوي للمساوي مساوٍ ، وهذه المقدّمة هي أساس المطلب ولكنها مضمرة لشدّة وضوحها.
ويرد عليه:- نحن نقبل قياس المساوات في باب الزمان والزمانيات ولا نقبله في باب الرتب ، أمّا أنه مقبول في باب الزمان فأبونا آدم عليه السلام متقدّم علينا بالزمان جزماً وأمّنا حوّاء مساوية له من حيث الزمان ، فإذا كان آدم متقدّماً علينا بالزمان والمفروض أنّ حواء مساوية له في الزمان فحتماً حواء متقدّمة علينا أيضاً ، وهذا من الأمور البديهية في الأمور الزمانية ، وأمّا في باب الرتب فلا نسلّم ذلك ، ونضرب مثالاً لتوضيح الفكرة:- فمثلاً العلة والمعلول ، فرتبة العلّة قالوا هي متقدّمة على رتبة المعلول ، ووجود المعلول هو في رتبة عدم المعلم لأنهما نقيضان ، ولكن هل يلزم من ذلك أن تكون العلة متقدّمة بالرتبة على عدم المعلول كما هي متقدّمة بالرتبة على المعلول ؟ كلا ، لأنّ التقدّم والتأخر من حيث الرتبة يحتاج إلى ملاكٍ ونكتةٍ وليست هي قضيّة عفويّة ، وحينئذٍ نقول إنَّ العلّة مقدّمة على المعلول لوجود نكتةٍ وهي أنّ العّلة موجدة ومولّدة للمعلول والموجدية رتبتها متقدّمة ، فالعلّة متقدّمة على المعلول لأجل أنّها موجدة له.
ثم نذهب إلى المعلول وعدم المعلول فهما متساويان من حيث الرتبة لأنهما نقيضان ورتبة النقيضين على ما قالوا واحدة ، فعلى هذا الأساس يلزم تقدّم العلّة على المعلول لأنها موجدة له ، وأما بالنسبة إلى عدم المعلول فهي ليست موجدة له ولا ربط لها به ولا توجد نكتة تقتضي تقدّم العلّة على عدم المعلول فحينئذٍ يكون التقدّم بلا موجب ، إلا أن نلتزم بقياس المساواة وقد قلنا إنّ قياس المساواة قد ثبت في باب الزمان والزمانيات أمّا في الأمور الرتبية فلم يثبت لأنّ تساوي الأمور الرتبية وتقدّمها يحتاج إلى نكتةٍ وملاك والنكتة موجودة بين العلّة والمعلول فهي تقتضي تقدّم العلّة على المعلول لأنها موجدة أما بين العلّة وعدم المعلول فلا توجد نكتة لأنّ العلة ليست مولّدة لعدم المعلول ، فلا يلزم أن تكون العلّة متقدّمة على عدم المعلول.
ونعود إلى محلّ كلامنا:- فإنه قيل بأنَّ البياض هو في رتبة السواد ، ونحن نقول هذا صحيح لأنهما ضدّان ورتبة الضدين واحدة ، ثم قيل بعد ذلك:- إنّ السواد وعدم السواد هما في رتبةٍ واحدةٍ ، وهذا صحيح أيضاً لأنهما نقيضان ، أمّا أن نقول إذن يصير البياض في رتبة عدم السواد فهذا نرفضه ونقول إنَّ هذا غير صحيح لأنّه لا توجد نكتة ، فلا توجد نكتة أنهما ضدّان - بين البياض وعدم السواد - ولا نكتة المناقضة فإنّ المناقضة هي بين البياض وعدم البياض لا بين البياض وعدم السواد ، فماذا يلزم أن تكون رتبة البياض وعدم السواد واحدة حتى تبطل بذلك المقدمية ؟!! ، اللهم إلا أن نلتزم بقياس المساواة وقد قلنا هو خاصّ بباب الزمان والزمانيات.