37/06/26
تحمیل
الموضوع:- مبحث الضد.
مبحث الضد:-
وقع الكلام في أن الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده لعام أو لا ؟ وأيضاً الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضدّه الخاص أو لا ؟ والمقصود من الضد العام هو الترك ، فالأمر بالصلاة هل يقتضي النهي عن الضد العام يعني ترك الصلاة ، فهل الأمر بالصلاة يدل على أنه لا تترك الصلاة - فهل يدل على النهي ويلازم النهي عن ترك الصلاة - ، والأمر بالصلاة هل يدلّ على النهي عن الضدّ الخاص مثل الأكل والشرب والنوم وما شاكل ذلك ؟ هذا كلام وقع بني الأصوليين
وقبل أن ندخل في هذا الموضوع نشير إلى قضية ربما تكون واضحة لكنها مغفول عنها:- وهي أنّ الخلاف وإن وقع بين الأصوليين في أنّ الأمر بالإزالة هل يقتضي النهي عن ضد الازالة - يعني الصلاة - أو لا يقتضي ذلك ، ولكن يوجد عندهم اتفاق على أنَّ الأمر بالصلاة ليس بثابت بل يسقط ، يعني أن الأمر بالضد يكون ساقطاً بعد النهي عن الإزالة ، وإنما الكلام إضافةً إلى سقوط الأمر هو أنه هل يتولّد ويوجد نهيٌ بالصلاة أو لا ؟ فالكلام في وجود النهي وعدم جوده بعد الفراغ عن سقوط الأمر.
وبناءً على هذا لا يمكن لقائل أن يقول:- إذا بنينا على عدم اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضدّه يعني الأمر بالإزالة لا يقتضي النهي عن الصلاة فالصلاة إذن سوف تقع صحيحةً.
وجوابه:- إنه حتى لو قلنا بعدم الاقتضاء فالصلاة لا يمكن الحكم بصحتها ، لأنّ صحتها موقوفة إمّا على الأمر أو على الملاك ، ولا يوجد أمرٌ لأنه بمجرد الأمر بالإزالة سقط الأمر بالصلاة وإلا يصير أمراً بالضدين ، نعم بعد ذلك نوجد أمراً ترتّبياً ولكنّ هذه قضية ثانية ، ولكن نحن نتكلّم بقطع النظر عن الترتّب ، فالأمر بالصلاة قد سقط وإذا سقط الأمر بالصلاة فلا كاشف عن الملاك لأن الكاشف عنه هو الأمر ، فهذه القضية - يعني أنه لا يمكن تصحيح الصلاة بالأمر وبالملاك - موقوفة على أنه مع وجود الأمر بالإزالة لا يمكن الأمر بالصلاة سواءً قلنا أن الأمر بالإزالة يقتضي النهي عن الصلاة أو لا يقتضيه ، بل مجرّد وجود الأمر بالإزالة يقتضي سقوط الأمر بالصلاة إلا على فكرة الترتّب التي سوف تأتي.
عود إلى صلب الموضوع:- قلنا إنّه وقع الكلام بين الأصوليين في أن الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن الضدّ العام ، وهكذا هل يقتضي النهي عن الضدّ الخاص أو لا يقتضي ؟ فبعد الفراغ عن هذه القضية - وهي أن نفس وجود الأمر بالإزالة يقتضي سقوط الأمر بالصلاة ولا يمكن اجتماعهما حتى إذا لم نقل بالاقتضاء - فالأمر بالصلاة قد سقط بعد وجود الأمر بالإزالة ، وهذا مطلب ينبغي ان يكون واضحاً.
وبعد وضوح هذه القضية نقول:- يقع كلامنا في نقاط ثلاثٍ - وهي البحث في أصل الاقتضاء وفي الثمرة وفي فكرة الترتّب -:-
النقطة الأولى:- البحث في أصل الاقتضاء :-
والكلام تارةً يقع في الاقتضاء بلحاظ الضدّ العام ، وأخرى يقع بلحاظ الضدّ الخاص ، وفي الكفاية قدّم الآخوند البحث عن الضدّ الخاص وأخّر البحث عن الضدّ العام ، ونحن نعكس فنقدم البحث عن الضدّ العام ثم البحث عن الضدّ الخاص ، لأنّ مباحث الضدّ الخاص تتوقف على مباحث الضدّ العام بخلاف العكس ، ففنّياً يلزم أن نعكس ، وهذه قضية ليست مهمة.
الاقتضاء في الضدّ العام:-
لعله يخطر إلى الذهن بادئ ذي بدءٍ أن أصل الاقتضاء بلحاظ الضدّ العام ينبغي أن يكون أمراً مسلّماً وإنما الكلام في كيفية الاقتضاء هل هو بنحو العينية أو بنحو الالتزام أو بنحو التضمّن ؟ يعني أنّ الأمر بالإزالة هل هو عين النهي عن ترك الازالة أو جزؤه - يعني النهي أنّ ترك الازالة جزء - أو هو لازم للأمر بالإزالة ؟ فقد يخطر إلى الذهن بادئ ذي بدء أنّ الأمر بالإزالة معناه أنه لا تترك الازالة ولا يمكن غير هذا لأنّ من يأمرك بالشيء فهو ينهاك عن ضدّه العام - يعني عن ترك ذلك الشيء -.
ولكن الصحيح هو أنّ الاقتضاء باطلٌ بأشكاله الثلاثة ، وكلامنا الآن يقع في أنه باطل بنحو العينية:-
أما أنه باطل بنحو العينية:- فينبغي أن يكون ذلك من الأمور البديهية ، باعتبار أنه لو كان الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضدّ العام فلازمه وجود تكليفين ، فكل تكليفٍ سوف يرجع إلى تكليفين يعني أنّ الأمر بالصلاة هو تكليفان الأول هو الأمر بالصلاة والثاني هو النهي عن ترك الصلاة ، فإذا لم يصلّ المكلف فسوف يخالف مخالفتين ، وإذا كانتا مخالفتين فيستحق عقوبتين عقوبة على مخالفة الأمر بالصلاة وعقوبة على مخالفة النهي عن ترك الصلاة ، وهكذا في الذي لا يخمّس ولا يزكي ولا يرّد السلام ...... وهكذا وهل تلتزم بهذا ؟ كلا فإن بطلان هذا من البديهيات ، فينبغي أن يكون من الواضحات بطلان اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه العام وألا يلزم وجود عقوبتين في كلّ تكليف وهذا من الوهن بمكان.
وأيضاً نفس الأمر بالصلاة هو يقرّب إلى الصلاة ويبعّد عن ترك الصلاة فلا داعي إلى نهيٍ وتكليفٍ آخر يبعّد عن ترك الصلاة فإنّ الأمر بالصلاة هو في الحقيقة بعّدنا عن ترك الصلاة فهو قرّبنا إلى الصلاة وفي نفس الوقت يبعّدنا عن الترك فمجيئ نهي يبعّدنا عن الترك يكون إما لغوً أو تأكيداً ، من قبيل أن يقول المولى ( صلّ صلَّ ) فصلّ الثانية إما أن تحمل على اللغوية أو تحمل على التأكيد ، وهنا أيضاً يلزم حمل النهي عن ترك الصلاة يلزم إما على التأكيد أو على اللغوية ، أمّا أنه يكون تكليفاً مولوياً آخر غير ذاك بحيث لا يلزم اللغوية ولا يلزم التأكيد فهذا لا يمكن الالتزام به.
هذا مضافاً إلى أنه يلزم بناءً على أنّ الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضدّه أن يكون الأمر عين النهي والنهي عين الأمر ، وهذا من مضحكات الثكلى ، فالأمر شيء والنهي شيء آخر ومن مقولةٍ أخرى ، فكيف يكون النهي عين الأمر والأمر عين النهي ؟!! إنه شيءٌ ليس بممكن أبداً ، فإذن فكرة العينية ينبغي أن تكون واضحة البطلان.
اللهم إلا أن تقصد شيئاً آخر:- وهو أن يُقصد العينية في مقام التعبير ، أو العينية في مقام التأثير ، وإذا كان يُقصد هذا فهو شيء وجيه ، يعني إذا كان يقصد العينية في مقام التعبير فهو وجيهٌ ، يعني يصير لطلب الصلاة تعبيران والتحريك إلى الصلاة له تعبيران التعبير الأول ( صلِّ ) أو ( تجب عليك الصلاة ) أو ( أطلب منك الصلاة ) ، والتعبير الثاني هو ( لا تترك الصلاة ) فهما تعبيران أحدهما عين الآخر في مقام أداء مفهومٍ وغرضٍ وهدفٍ واحد ، فإذا كان المقصود من العينية هذا - يعني الترادف في التعبير والمضمون واحدٌ - فهو شيء وجيه ولكن لا يليق أن يبحث مثل هذا في الكتب الأصولية.
فإذن هذا من قبيل أن تقول لشخصٍ ( تعال هذا اليوم إلينا مع ابن والدك ) والمفروض أن الوالد لا يوجد عنده سوى هذا الابن الواحد ولا يوجد له ابنٌ آخر بل هو منحصرٌ بهذا الابن ، وهذا أشبه بالألغاز أو ما يعبّر عنه بالأحجية ، وهذا لا يليق أن يذكر في الكتب العلمية ، فهنا أيضاً يكون تعبير ( صلِّ ) يعني لا تترك الصلاة ، فهذان تعبيران يؤديان هدفاً واحداً ، وإذا كان المقصود هو هذا فهذا صحيح ولكن هذا لا ينبغي أن يصير معرضاً لبحث الأصوليين.
وأما الوحدة في مقام التأثير:- فالمقصود هو أنّ الأمر كما يؤثر بالتقريب إلى الصلاة فالنهي عن ترك الصلاة أيضاً يؤدي إلى نفس هذا التأثير ، فهو حينما ينهى عن ترك الصلاة يعني يريد أن يقرّبك نحو الصلاة ، فكلاهما في مقام التأثير يؤثران أثراً واحداً ، فكلاهما يقرّب إلى الصلاة وكلاهما يبعّد عن ترك الصلاة ، وإذا كان هذا هو المقصود فهو شيءٌ جيّدٌ ، ولكن لا يليق أن يذكر في الكتب الأصولية لأنّ هذا مطلبٌ واضح ومسلّم ، فإذن العينية لا معنى لها.
وأمّا بالنسبة إلى فكرة التضمّن - يعني أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الترك بالدلالة التضمّنية لا العينية والمطابقة -:- فهذا وجيه على مبنى صاحب المعالم(قده) فإنه ذكر أنّ الوجوب مركّبٌ من جزأين هما طلب الفعل والمنع من الترك ، وربما أحياناً يجعل الوجوب مركّباً من ثلاثة أجزاء وهي الإذن في الفعل مع الرجحان مع المنع من الترك ، بخلاف الاستحباب فإنه إذنٌ في الفعل مع رجحان من دون منعٍ من الترك ، فإذا بنينا على هذا المبنى فحينئذٍ سوف يصير المنع من الترك جزء من مدلول الوجوب ويتم ما أفاده ، فيصير الأمر بالشيء دالاً بالدلالة التضمّينة على المنع من الترك باعتبار أنّ المنع من الترك هو جزءٌ من مدلول الوجوب.
ولكن الاشكال عليه واضح:- فمن أين لك أنّ الوجوب مركّبٌ من جزأين أو مركب من أجزاء ثلاثة ؟ إنه لا توجد لغة تدلّ عليه ولا المرتكزات العرفية تدّل عليه ، فيحتمل أنّ الوجوب هو طلبٌ شديد والاستحباب هو طلب خفيف ، فالطلب له مراتب وبعضها شديدة وبعضها خفيفة فيصير الوجوب أمراً بسيطاً وهو الطلب الشديد ، وأما الاستحباب فهو طلب ضعيف ، وبناءً على هذا لا يكون المنع من الترك جزءاً من مدلول الوجوب.
وعلى أيّ حال إنّ الذي نريد أن نقوله:- هو أنّ الجزم بكون الوجوب مركّباً هو قضيّة لا يمكن إثباتها ، وصاحب المعالم ذكر هذا في المعالم من دون إثباتٍ ، ولكن نقول:- إنّ الوجوب ليس من المركبات الحقيقة - الوجودات الحقيقية - وإنما هو اعتبار ، وقولنا بأنّ هذه القضية الاعتبارية مركّبة من جزأين أو ثلاثة هو أمرٌ صعب .