37/05/27
تحمیل
الموضوع:- الواجب المعلق والواجب المنجّز- تقسيمات الواجب - مقدمة الواجب.
وفيه:- إنه من قال إنّ الأمر بالمقيد هو أمر بقيده ؟ فإن هذه القاعدة يمكن أن نتأمل فيها ، ولننكر أنّ الأمر بالمقيد أمر بقيده ، بل الأمر بالمقيد هو أمرٌ بذات المقيد وبالتقيّد أما القيد فليس مأموراً به ، فحينما أقول لك ( صل تحت السماء ) فهنا الأمر هو أمر بالمقيّد وهو الصلاة المقيدة بكونها تحت السماء ولكن هذا الأمر ينحل إلى أمرٍ بالصلاة وأمرٍ بالتقيّد - أي بكونها تحت السماء - أما أنه أمرٌ بالقيد فلا ، فدائماً الأمر بالمقيّد ينحل انحلالاً ثنائياً وليس انحلالاً ثلاثياً بحيث يكون الثالث هو الأمر بالقيد . وهذا من الأشياء الظريفة.
إن قلت:- ما رأيك إن قال المولى ( صل عن طهارة ) فهذا أمر بالمقيّد - يعني الصلاة مع ذات الطهارة - أوليس هذا أمراً بالقيّد ؟! فالطهارة مأمور بها وأنت تلتزم بأنّ الطهارة شيء مأمور به ؟
قلت:- إنه حتى في هذا المثال لا نلتزم بذلك نقول هذا الأمر ينحلّ انحلالاً ثنائياً - يعني ينحلّ إلى الأمر بالصلاة وبالتقيد بالطهارة أما نفس الطهارة فلا يوجد أمر بها.
وإذا قلت:- إذا لم يكن بها أمر فحينئذٍ يمكن تركها ؟!
قلت:- إذن أنت قد تركت التقيّد والمفروض إنّ التقيّد شيء واجب ومأمور به ، يعني أن الواجب الثاني والجزء الثاني الانحلالي قد فوّته ويكون العقاب ليس من ناحية أنك فوّت الطهارة التي هي مأمورٌ بها بل فوّت التقيّد الذي هو الأمر الثاني الانحلالي فإنّ الأمر بالمقيد ينحلّ إلى أمرين أمرٌ بذات المقيّد وأمرٌ بالتقيّد.
إذن حتى في مثال الطهارة نلتزم بذلك ، فلا أمر بالطهارة وإنما الأمر هو بذات المقيّد وبالتقيّد.
بل سوف نصعّد اللهجة ونقول:- إذا صار الأمر بالمقيّد أمراً منحلاً انحلالاً ثلاثياً بحيث يكون هناك أمر ٌبالقيد فسوف تصير جميع القيود أجزاءً وليس عندنا شرطٌ آنذاك !! إذ بالتالي يكون ذلك الأمر النفسي منحلّ انحلالاً ضمنياً إلى أوامر نفسية أحدها قد تعلق بالقيد فيلزم أن يكون القيد دائماً وفي جميع الموارد جزءاً لا شرطاً ، والحال أنه توجد عندنا أجزاء كما توجد عندنا شرائط.
والفارق بين الجزء والشرط هو أنه في باب الشرط يكون الأمر متعلّقاً بالتقيّد دون القيد - أي الطهارة - أما نفس الطهارة فلم يتعلق بها أمر نفسي ضمني فنقول الطهارة حينئذٍ شرط باعتبار أنه لا أمر قد تعلق بها وإنما الأمر تعلق بالتقيّد ، إما إذا فرض أنه تعلق بالقيد أيضاً - أي كان الانحلال ثلاثياً - فالقيد حينئذٍ سوف يصبح جزءً من قبيل السجود والركوع وغيرهما ، فالفارق بين الركوع والسجود - حيث تعدّ من شرائط - من جهة وبين مثل الطهارة والقبلة واباحة اللباس والمكان - حيث تعدّ أجزاء - قد اتضح وهو أنّه في باب الأجزاء يكون ذاك الأمر النفسي الاستقلالي قد انحل إلى أوامر ضمنيّة وأحد هذه الأوامر الضمنيّة يكون متعلقاً بالفاتحة أو الركوع أو السجود فيصير جزءاً ، وهذا بخلافه في الشرط فإنّ الأمر النفسي ينحلّ إلى أمرين ضمنيّين أحدهما متعلق بذات المقيّد والآخر متعلّق بالتقيّد وأما القيد فلا أمر به وعلى هذا نعدّ القيد آنذاك شرطاً.
الدليل الثاني:- ما ذكره السيد الخوئي(قده)[1] وحاصله:-إنَّّ القيود على نحوين قيود اختيارية وقيود غير اختيارية ، أما القيود الاختيارية فهي مادامت اختيارية فسوف تؤخذ قيوداً للواجب - يعني لا مانع من أخذها قيوداً للواجب لا أنه يتعيّن ذلك - مثل الطهارة فإنها قيد اختياري فيمكن أخذها قيداً للواجب فيقول ( يجب عليك الصلاة عن طهارة ) ، فإذا صارت الطهارة قيداً للواجب فسوف يجب تحصيلها وهذا لا بأس به لأنها أمرٌ اختياري.
وأمّا إذا كان القيد ليس اختيارياً فلا يمكن أخذه قيداً في الواجب وإلا لزم تحصيله وهو خلف فرض كونه ليس باختياري ، بل يلزم أخذه قيداً في الوجوب ولكن إذا أخذ قيداً في الوجوب نقول إنه تارة يؤخذ بنحو الشرط المقارن وأخرى يؤخذ بنحو الشرط المتأخر ، فإن أخذ بنحو الشرط المقارن - كما إذا أخذ الوجوب مشروطاً بطلوع الفجر الذي هو ليس باختياري بنحو الشرط المقارن - فالنتيجة هي أنّ الوجوب سوف يحدث عند طلوع الفجر ، فلا يصير حينئذٍ زمان الوجوب متقدّماً على زمان الواجب ، وهذا لا ينفع صاحب الفصول(قده) ، فالمناسب أن يؤخذ بالنحو الثاني - يعني تقدّم زمان الوجوب على زمان الواجب - فيؤخذ طلوع الفجر شرطاً متأخراً للوجوب ، فالوجوب يتقدّم عند رؤية الهلال مثلاً ، فعند رؤية الهلال يحدث وجوبٌ لكن بشرط أن تبقى حياً إلى طلوع الفجر ، فصار طلوع الفجر قيداً للوجوب ولكنه قيدٌ بنحو الشرط المتأخر ، وهنا يتقدّم زمان الوجوب على زمان الواجب ، وحينئذ سوف ينتفع صاحب الفصول(قده) من هذا ، وهذا شيءٌ ممكنٌ ولا محذور فيه.
نعم أقصى ما يلزم - بحيث نقوله في مقابل صاحب الفصول(قده) - هو أنّه بناء على هذا سوف يصير الواجب المعلّق مصدقاً للواجب المشروط وليس مصداقاً للواجب المطلق ، وهو قد جعله مصداقاً للواجب المطلق ، فأقصى ما عندنا من مناقشة له هي أن نقول له إنك ذكرت الواجب المعلّق كمصداقٍ للواجب المطلق والحال أنه مصداق للواجب المشروط.
هذا ما ذكره السيد الخوئي(قده) وهو ليس دليلاً على الاستحالة وإنما هو مناقشة ما وأنه لماذا عددته مصداقاً للواجب المطلق بل عدّه مصدقاً للواجب المشروط.
يبقى شيء:- وهو أنه ما هو فرق هذا عمّا قاله الشيخ النائيني(قده) ؟
والجواب:- الظاهر أنه لا فرق بينهما وإنما هو مجرّد تبديل ألفاظ.
نعم هناك فارق وهو أنّ الشيخ النائيني(قده) يرى استحالة الشرط المتأخر فقال لا يمكن أن يثبت الوجوب عند رؤية الهلال مشروطاً ببقاء الشخص إلى طلوع الفجر لأنّ هذا سوف يلزم منه الشرط المتأخر والشرط المتأخر للحكم الفعلي غير ممكن.
وأما السيد الخوئي(قده) فقال إنه يمكن ذلك - وهو أنّ يتقدم وجوب الصوم عند رؤية الهلال مشروطاً بالبقاء حياً إلى طلوع الفجر -.
إذن لا يوجد فرق بينهما إلا أنّ أحدهما لا يرى إمكان الشرط المتأخر والثاني يرى إمكانه ، وبالتالي ترتب أنّ السيد الخوئي(قده) يقول إنّ الواجب المعلق ممكنٌ ولكنه يصير مصداقاً للواجب المشروط ، فهذا الكلام من حيث الروح ليس مخالفاً لما أفاده الشيخ النائيني(قده).