37/05/20
تحمیل
الموضوع:- تقسيمات الواجب - مقدمة الواجب.
تعارض متوهم:-
ذكرنا فيما سبق عند بيان الوجوب المشروط أنّ رجوع الشرط إلى نفس الوجوب شيء ممكن خلافاً لما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده) ، وقلنا إنّ الحكم له ثلاث مراحل ، مرحلة الملاك ، ومرحلة الارادة ، ومرحلة الاعتبار ، وفي مرحلة الملاك يمكن أن يفترض أنّ الملاك مشروط بتحقق شيء معيّن ، يعني ملاك ومصلحة الحج مقيدة بالاستطاعة ، فالمصلحة يمكن أن تكون مقيدة ، وفي مرحلة الارادة أيضاً يمكن أن تكون الارادة مشروطة ، وذكرنا أن الارادة يمكن أن تكون مشروطة فهو يريد الحج عند تحقق الاستطاعة ، والاعتبار يمكن أن يكون الوجوب مشروطاً فيقول يجب الحج إن استطعت ، وهذا ما بيّناه سابقاً.
والذي نريد أن نسلّط الأضواء عليه:- وهو أنا ذكرنا أنّ الارادة يمكن أن تكون مشروطة ، ولكن بعد ذلك حينما أنهينا الوجوب المشروط وصرنا بصدد بيان مطلبين ، ففي المطلب الأوّل ذكرنا ما هي حقيقة الارادة المشروطة وهنا ذكرنا أربعة احتمالات ثالثها ما ذكره الشيخ النائيني(قده) من أنّ نفس الارادة هي مشروطة يعني هي موجودة بنحوٍ مشروط ، ونحن قلنا هذا شيء غير ممكن فإنّ الارادة وجودٌ حقيقي والوجود الحقيقي لا يقبل الاشتراط مثل الحبّ والعطش ، فالعطش شيءٌ حقيقيٌّ لا يمكن أن يقيّد ويشترط ، فأنت إما ن تكون عطشاناً أو لا ، أما أن تقول ( أنا عطشان إن كان الجوّ حاراً ) فهذا غير ممكن ، أو تقول ( إني أحبك إن كنت أخي ) فهذا ليس له معنى ، نعم الأمور الاعتبارية مثل الحرمة لا بأس وأن تكون مشروطة ، أما الامور الحقيقة مثل الارادة فلا معنى لأن تكون مشروطة ، فالإرادة المشروطة ليست ممكنة ، هذا ما ذكرناه في المطلب الأوّل.
وقد تقول:- وبهذا تتحقق المنافاة بين ما ذكرناه أوّلاً في مبحث الوجوب المشروط حيث ذكرنا عن الارادة المشروطة شيء ممكن حيث ذكرنا ذلك في صدد إثبات أنّ الوجوب المشروط شيء ممكن حيث إنّ الوجوب يمرّ بمراحل ثلاث مصلحة وإرادة واعتبار وكلّ هذه الثلاثة قابلة للتقييد والاشتراط ، فإذن الارادة المشروطة ممكنة ، ولكن حينما وصلنا إلى هذا المطلب – أي في ردّ الشيخ النائيني(قده) - قلنا إنّ الارادة المشروطة غير مكنة ، أوليس هذا تعارضاً وتهافتاً وتناقضاً بين ما ذكر في الوجوب المشروط وبين ما ذكر في المطلب الأوّل ؟!
وفي مقام الدفع نقول:- إنَّ الذي كان يقصد سابقاً من إمكان أن تكون الارادة مشروطة هو أنه تكون إرادة الحج ثابتة إن كانت هناك استطاعة وإذا لم تكن هناك استطاعة فلا إرادة ، وهو شيء معقول ، يعني في حالة توفّر هذا الشرط - وهو الاستطاعة - فأنا أريد الحج وفي حالة عدم توفّره فلا أريد لحج ، وهذا شيء ممكن وهو وجداني ، فاشترط الارادة بهذا المعنى لا بأس به أي بمعنى أنها موجودة على تقدير تحقق هذا الشيء وليست موجودة على تقدير عدم تحقق هذا الشيء ، هذا ما ذكرناه سابقاً وكنّا نقصد به هذا المعنى.
أما حينما وصلنا إلى المطلب الأوّل في مقام رد الشيخ النائيني(قده) فهو قال إنّ الارادة المشروطة معناه أنّ الارادة موجودة بالفعل ولكنها موجودة بنحوٍ مشروطٍ ، فهو يدعي أنها موجودة ولكن بنحوٍ مشروطٍ ، ونحن نقول:- هذا شيء ليس بممكن ن فإنها لو كانت موجودة ووجودها حقيقي كيف تكون مشروطة ؟!!
إذن ارتفع التنافي ، فما ذكرناه سابقاً كان بمعنىً ، والذي نفيناه هو بمعنىً آخر ، فلا معارضة بين الموردين.
المطلب الثاني:- وحاصله هو أنّا ذكرنا فيما سبق أنّ الحكم يمرّ بمرحلة ثالثة وهي مرحلة الاعتبار ، وفي هذه المرحلة ذكرنا أنّ بالإمكان أن يكون الاعتبار مطلقاً وبالإمكان أن يكون مشروطاً ، فيمكن أن يقول المولى ﴿ والله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ﴾[1] يعني إذا استطاع ، فهنا كلمة ( من ) هي بمضمون ( إذا ) في حقّ الشخص المستطيع ، فهذا اعتبار مشروط ، كما يمكن أن يقول ( ولله على الناس حج البيت ) ، أي كلّ الناس - أي مطلقٌ لا بقيدٍ - ، فالاعتبار يمكن أن يكون مطلقاً ويمكن أن يكون مشروطاً هذا ما ذكرناه سابقاً.
وذكرنا أيضاً أنّ ما كان من قبيل شروط الاتصاف من المناسب أن يؤخذ قيداً في الوجوب وشرطاً له في مقام الاعتبار ، فيقول هكذا:- ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ﴾ ، فيقيده إذا كان الشرط شرط الاتصاف ، فالاستطاعة إذا كانت شرط الاتصاف فسوف يأخذها شرطاً للوجوب فيقول ( إذا كان مستطيعاً ) أو ( من استطاع إليه ) ، وإذا كان من شروط الترتّب فيؤخذ قيداً في الواجب في مرحلة الاعتبار.
وقلنا أيضاً إنّ الذي يكون من شروط الترتّب ويكون ليس باختياري فهذا يصير بحكم شروط الاتصاف ، يعني يؤخذ قيداً في الوجوب لأنّه غير اختياري ، وهذا كلّه بيّناه فيما سبق.
كما بينا في ما سبق وجود خلاف بين العلمين النائيني والعراقي ، فالنائيني قال[2] [3] إنّ الأحكام الشرعية هي بمثابة القضايا الحقيقية ، وأضاف إضافة ثانية وقال:- وكما أن القضية الحقيقية في الأمور الحقيقية نتحلّ إلى مرحلة جعل وفعلية كذلك الأحكام الشرعية حيث إنها مجعولة بنحو القضية الحقيقية فتنحلّ إلى مرحلة جعل وفعلية ، ففي القضية الحقيقية الخارجية مثل النار حارة أو محرقة هذه ترجع إلى قضية شرطية حقيقية ، يعني إن كانت هناك نار فهي حارة أو فهي محرقة ، وهذه فلنعبر عنها بمرحلة الجعل والانشاء إنّ صح التعبير ، وإذا تحقق الموضوع بأن وجدت نار في الخارج فتتحول تلك القضية التي هي على مستوى الجعل إلى قضية فعلية بتحقق الموضوع ، فإذن هذه القضية قبل تحقق الموضوع هي على مستوى الجعل والانشاء فمرحلة الجعل تكون ثابتة ، فــ( النار محرقة ) هذا جعل ، فإذا تحقق الموضوع فسوف تتحول إلى قضية فعلية ، وسحب الشيخ النائيني(قده) كلّ هذا الكلام إلى الأحكام الشرعية وقال إنَّ الأحكام الشرعية أيضاً كذلك ، فحينما يقال ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾ إذا فرضنا أنه لا يوجد مستطيع بعدُ فهذا مرجعه إلى قضية حقيقية ، يعني إن كان هناك مستطيع فيجب عليه الحج ، ثم قبل تحقق الموضوع خارجاً يكون عندنا جعل وإنشاء ، وإذا تحقق الموضوع خارجاً ووجد مستطيع خارجاً صارت القضية بنحو المجعول والفعلية ، فتتحول إلى مرحلة المجعول والفعلية ، وقبل وجود المستطيع هي مرحلة الجعل والإنشاء ، وهذا مطلبٌ عرفناه مما سبق مكرراً وهو مبنى الشيخ النائيني(قده).
وفي مقابل ذلك قلنا أنَّ الشيخ العراقي(قده)[4] قال إنّ الأحكام لا ترجع إلى قضايا حقيقية وبالتالي ليس عندنا مرحلة جعل ولا مجعول لأنّ الحكم ليس اعتبار ، فلو فسرناه بالاعتبار فسوف يأتي كلّ هذا الكلام ، ولكن نحن لا نفسره بالاعتبار بل حقيقة الحكم هو عبارة عن الارادة وشرط الارادة ليس الوجود الخارجي وإنما الوجود الذهني اللحاظي ، فليست الاستطاعة الخارجية هي الشرط وإنما لحاظها ، ولحاظها ثابت من بداية الجعل ، فالمولى من البداية يتصوّر المكلف ويتصوّر الاستطاعة ، فالشرط هو التصور دون الوجود الخارجي ، والتصور موجود من بداية الجعل ، فكل الأحكام إذن فعلية من البداية لا أنها ثابتة على مستوى الانشاء والجعل من دون فعلية ، بل الفعلية ثابتة من البداية لأن الشرط فعليّ من البداية لأنّ الشرط هو الوجود اللحاظي لا الوجود الخارجي ، نعم لا فاعلية ولا محركية للوجوب وإنما تحدث المحركية والفاعلية عند تحقق الشرط خرجاً - يعني إذا تحققت الاستطاعة خارجاً -.
إذن عند الشيخ النائيني(قده) أنّ المولى في باب الأحكام الشرعية عنده مرحلة جعل ومرحلة فعلية والفعلية تثبت عند تحقق الشرط خارجاً ، أما عند الشيخ العراقي(قده) فلا توجد مرحلة جعل ومرحلة فعلية وإنما توجد مرحلة فعلية لا غير وهي ثابتة من البداية ، فالمولى يجعل الفعلية لتحقق الشرط من البداية ن نعم تحدث الفاعلية عند تحقق الشرط خارجاً.
الشيء الجديد الذي أريد بيانه:- هو أنه إذا رجعنا إلى كلمات السيد الشهيد(قده)[5] ربما يفهم منها أنه يميل إلى رأي الشيخ العراقي(قده) ويقول بمقالته ، فقال إنّ الأحكام ليس لها فعلية عند تحقق الموضوع خارجاً.
والوجه في ذلك:- هو أنّ في الفعلية احتمالين:-
الأوّل:- أن نقول إنَّ الفعلية تحدث بنفس الجعل ، فالمولى حينما يجعل الوجوب على المستطيع فهو يجعل الفعلية ولكن الجعل الآن والفعلية تحث عند تحقق الموضوع الخارجي ، ولكن هذه الفعلية مجعولة من المولى ، فجعل المولى يكون جعلاً للفعلية ، فهو قد جعل الفعلية عند تحقق الموضوع خارجاً ، فإذا تحقق الموضوع خارجاً تحققت الفعلية ، ومن الذي جعلها ؟ إنه نفس جعل المولى فجعل المولى جعلٌ للفعلية ، فالجعل الآن والفعلية - أي المنجَعَل - يحدث عند تحقق الموضوع - أي بعد سنة أو بعد مئة سنة أو أكثر - ، فالمنجَعل هو الفعلية بذلك الجعل السابق.
إذن هذا الاحتمال إذا كان يقصده الشيخ النائيني(قده) فهو باطل - يعني إذا كان يقصد ان الفعلية حين تحقق الموضوع هي تتحقق بنفس الجعل السابق يلزم انفكاك المنجعل عن الجعل والجعل عن المنجعل وهذا كانفكاك الانكسار عن الكسر وهذا غير ممكن -.