37/07/19
تحمیل
الموضوع:- مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.
الصورة الرابعة من صور التقامر:- المغالبة بغير آلات القمار ومن دون رهنٍ ، من قبيل المسابقة على الركض أو في عبور النهر أو المسابقة الشعرية وما شاكل ذلك ولكن من دون رهن.
ذكر الشيخ الاعظم(قده)[1] نقلاً عن صاحب الرياض(قده) أنّ الأكثر ذهب إلى الحرمة ، ونفس الشيخ(قده) لم يصرّح ويقول أني أختار الحرمة أو أني اختار الجواز ولكن يلوح منه الحرمة ، ولكن في المقابل ذهب صاحب المسالك(قده) وغيره إلى الجواز بدعوى عدم الدليل على الحرمة فيتمسّك بالأصل.
وعلى أي حال لابدّ من عرض الأدلة التي قد يتمسّك بها على الحرمة ، والمهم منها ثلاثة:-
الدليل الأوّل:- إطلاق أدلة حرمة القمار ، يعني نقول إنَّ ما دلّ على حرمة القمار هو مطلق وبإطلاقه يشمل هذه الصورة التي ليس فيها آلات قمار وليس فيها رهن فيثبت التحريم.
والإشكال على هذا الدليل واضح:- فإنه من قال إنّ عنوان القمار يصدق في هذه الصورة ، فإن مفهوم القمار يمكن أن يقال هو متقوّم بأحد أمرين إمّا أن يكون رهناً أو تكون الآلات آلات قماريّة أما لا هذا ولا ذاك فهذا لا يصدق عليه أنّه قمار ، وإن لم نجزم بصدق القمار فلا أقل نشك في صدق القمار فلا يجوز التمسّك بإطلاق حرمة القمار لأنه تمسّك بالإطلاق في مورد إجمال المفهوم وهو لا يجوز كالتمسّك بالعام أو المطلق في الشبهة الموضوعية ، فإنّ النكتة واحدة لأنّ الدليل يقول القمار حرام أما مفهوم الحرام صادق هنا أو ليس بصادق فلا فإنّ الحكم لا يثبت موضوعه ، وهذه نكتة واحدة تسري في التمسّك بالعام في الشبهة الموضوعية - وقصدنا من العام الأعم من المطلق - وفي التمسّك في العام في مورد إجمال المفهوم ، فهذا إشكالٌ وارد عليه.
وكان الشيخ الأعظم(قده) ملتفتاً إلى هذا الاشكال وحاول أن يجيب عنه فقال:- ( بل الأظهر أنه مطلق المغالبة )[2] ، وذكر بعد ذلك تتمة قائلاً:- مما يؤكد أنّ الآلات ليست معتبرة في صدق القمار أنّ بعض الروايات أطلقت القمار والميسر على النرد والشطرنج من دون أن تقيد بوجود العوض.
وهو لم يذكر رواية ولكن نذكر الرواية:-
من قبيل:- رواية أبي الجارود:- ( ...... وأما الميسر فالنرد والشطرنج )[3] ، إنه عليه السلام قال:- ( وأما الميسر فالنرد والشطرنج ) ولم يقل مع العوض فنتمسّك بالإطلاق وهذا يدل على أنّ نفس النرد والشطرنج ولو من دون عوض هو ميسر.
وعلى هذا المنوال:- رواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه السلام حيث سئل عن الشطرنج والنرد فقال:- ( لا تقربوهما )[4] ، إنه عليه السلام قال ( لا تقربوهما ) ولم يقل لا تقربوهما إذا كان هناك عوض .
فإذن هذه الروايات يمكن أن نفهم منها أنّ الرهن ليس معتبراً.
يبقى شيءٌ أخر ليس معتبراً وهو الرهن ، وأمّا أنّ الرهن ليس بمعتبر فيمكن أن نستدل عليه بأنه يعبّر عادةً ويقال ( آلة القمار ) وهذا يفهم منه أنّ الآلة خارجة عن القمار يعني المضاف خارج عن المضاف إليه.
إذن لا الآلات معتبرة في صدق القمار ولا الرهن ، فكلاهما ليس بمعتبر ، بل القمار هو عبارة عن مطلق المغالبة ، فبالتالي يظهر من الشيخ الأعظم(قده) التحريم في هذه الصورة ، هذا ما أفاده في الدليل الأوّل.
ويردّه:-
أما بالنسبة إلى أصل الدعوى - وهي أن القمار عبارة عن مطلق المغالبة -:- فهذا خلاف ما نشعر به بالوجدان ، فإنا قد نتسابق في قراءة الشعر أو في قراءة الآيات الكريمة وهكذا التسابق في الركض للوصول إلى هدف معيّن فهذا كلّه عند الشيخ قمار ، وكيف يكون هذا فإنه غريب ؟!! فنحن نجزم بأنّ هذا ليس من القمار ولكن إذا شككنا يكفينا الشكّ فإنه لا يجوز التمسّك آنذاك بدليل حرمة القمار لأنه تمسّك بالإطلاق أو العموم في مورد إجمال المفهوم وهو لا يجوز ، فنحن لا نحتاج إلى جزم بعدم صدق القمار بل يكفينا الشك وإن كنا نحن نجزم بعدم صدق القمار ولكن الشك يكفينا للوصول إلى الاباحة وعدم الحرمة ، أما الشيخ فلابد وأن يستظهر ويجزم بصدق عنوان القمار على مطلق المغالبة حتى يصل إلى الحرمة ، وهذا كما قلنا شيءٌ صعب إن لم نجزم ببطلانه فلا أقل من الشك وحينئذٍ يكفينا الشك لعدم التمسّك بإطلاق الدليل.
وأما ما ذكره بالنسبة إلى أنه مما يدلّ على أن الآلات القمارية ليست معتبرة لأنك تقول آلة القمار وهذا معناه أنّ الآلة خارجة عن القمار.
فيرد عليه:-
أوّلاً:-إنه ماذا يقصد فهل يقصد أنّ الجزء لا يضاف ،؟! يعني يريد أن يقول لو كانت الآلة القمارية جزءاً من مفهوم القمار فيصير المورد من باب إضافة الجزء إلى الكلّ أو الجزء إلى المركّب الكلّ وهذا لا يصح ، فهل هو يريد أن يدّعي هذا ؟ وجوابه:- إن إضافة الجزء إلى المركّب شيءٌ متداول ، فتقول مثلاً يد الإنسان فأضفت اليد إلى الإنسان أو باب الدار أو خشبة الباب وما شاكل ذلك فكلّ هذه الاضافات هي اضافات الجزء إلى الكلّ المركّب وهذا شيء متداول ولا محذور فيه.
وإذا كان يقصد أنّ نفس كلمة الآلة وعنوان الآلة هو بنفسه فيه دلالة على أنه لا يضاف إلى الكلّ المركّب لا من باب أنه إضافة جزء إلى الكلّ المركب بل نفس كلمة الآلة ومفهوم الآلة هو دائماً خارج عن المضاف إليه لخصوصية في نفس كلمة الآلة ، فنقول له:- من أين لك هذا الكلام ؟! فإنّ هذه دعوى من دون مثبت.
ثانياً:- نقول إنّ الاضافة إلى الكلّ أيضاً صادق في كلمة الآلة فتقول مثلاً آلة الرجل ، وهذا استعمال صحيح ، فكلمة الآلة أضيفت إلى الرجل وهي جزءٌ من الرجل ، فإذن كيف تقول إنّ كلمة الآلة هي دائماً مستقلّة وخارجة عن الكلّ المركّب ولا تضاف إليه فإنّ هذه دعوى لا مثبت لها.
ثالثاً:- إنه تارةً نقول إنَّ المعتبَر في صدق القمار هو التقيد بالآلات والقيد معاً - فكلاهما معتبران في مفهوم القمار - ، وأخرى نقول تقيّدٌ جزءٌ وقيدٌ خارجي ، يعني أنَّ التقييد داخل في مفهوم القمار والقيد خارج عنه ، وإذا أردنا أن نلتزم بهذا - يعني القمار يعتبر فيه بنحو التقييد الآلات المتعارفة ولكن الآلات ليست جزءاً من المفهوم بل هي خارجة والتقيّد هو الذي يكون معتبراً كما في باب الشروط في الصلاة وكلّ شرط هو هكذا ولكن أقول في باب الصلاة لأنها واضحة ففي باب الصلاة الفرق بين الجزء والشرط هو أنّ الجزء بنفسه داخل في المركّب وأما الشرط فهو خارج ولكن التقيّد هو جزء من الصلاة فالتقيّد بالطهارة وبالقبلة هو المعتبر في الصلاة دون نفس القيد دون الركوع والسجود فإنه بنفسه داخل في الصلاة - ، إنه يمكن أن نتبنّى هذا ، فالتقييد بالآلات الخاصّة داخلٌ في مفهوم القمار والقيد خارج ، وإذا التزمنا بهذا فعلى هذا الأساس حينما نضيف كلمة الآلة إلى القمار ونقول آلة القمار فغاية ما نفهم أنّ الآلة خارجة عن القمار كما أراد الشيخ الأعظم(قده) وهو صحيح ولكن التقيّد بالآلات يكون معتبراً ، وبذلك نصل إلى أنّ صدق القمار يتوقّف على وجود الآلات لكن لا من باب أنّ الآلات الخاصّة هي جزءٌ من مفهوم القمار بل لأنّ التقيد بذلك معتبرٌ ، فإشكال الشيخ سوف يرتفع ، فاستظهاره - حيث قال ظاهر قولك آلة القمار أنّ الآلة خارجة – هو صحيحٌ ولكن لا ينفعه في إثبات مطلوبه من أنّ الآلات القمارية غير معتبرة في صدق القمار ، ولكن نقول:- بهذا لا يحصل مطلوبه ، بل نقول هي معتبرة بنحو التقيّد وإن كان القيد خارجاً.
وأما ما استشهد به على أنّ الرهن ليس بمعتبر - حيث أنّ الرواية قالت ( وأما الميسر فهو النرد والشطرنج ) ولم تقيد بوجود الرهن - فيرده:-
أوّلاً:- عادةً في مثل هذه التعابير يقصد الاشارة إلى ما هو المعهود ، والمعهود هو أن يكون النرد والشطرنج عادةً مع الرهن ، ولا أقل نحتمل أن يكون الأمر كذلك في تلك الفترة الزمنية فلا حاجة آنذاك إلى التقييد بوجود الرهن وإنما أطلق عليه السلام اعتماداً على ما هو المعهود.
ثانياً:- إنه في أمثال هذه الموارد لا يكون المتكلّم في صدد بيان التفاصيل وإنما عادة يكون في صدد تبيان مفهوم الكلمة ولو بالإشارة الاجمالية لا بالإشارة التفصيلية ، فأنت لو سئلت الآن ما معنى الشيء الفلاني فإنك تبيّن معناه بشكلٍ جزئيٍّ ولا تبيّن التفاصيل ، فكلمة الميسر خفيّة عندي ويراد توضيحها ولكن يكفي في توضيحها الإشارة إليها في الجملة من دون حاجةٍ إلى التفاصيل.
ثالثاً:- يرد عليه أنّ هذا لو تمّ فهو يتمّ في خصوص النرد والشطرنج ، فلو كانت الآلة هي النرد والشطرنج فالرهن ليس بمعتبر ، أمّا إذا كانت الآلة غيرهما فهل الرهن غير معتبر أيضاً ؟ إنّ هذا لا يمكن إثباته ، فأقصى ما يثبت بهذه الرواية هو أنّ النرد والشطرنج لهما خصوصيّة ، فالرهن لا يعتبر وجوده في صدق الميسر وفي ثبوت الحرمة بل يكفي وجود النرد والشطرنج وحدهما أما أنَّ غير النرد والشطرنج هو أيضاً كذلك فهذا لا يمكن إثباته ، وإلغاء الخصوصية لا يمكن التمسّك به أيضاً إذ نحتمل الخصوصية للنرد والشطرنج لأنها من الآلات المتعارفة التي يتقامر بها أمّا أنّ غيرهما يكون حكمه كذلك أيضاً فهذا أوّل الكلام ، فاحتمال الخصوصيّة إذن موجودٌ وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نسرّي ذلك إلى غير النرد والشطرنج.