37/06/26
تحمیل
الموضوع:- مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.
وكذلك يتضح التأمل فيما أفاده الشيخ الاعظم(قده)[1] :- - حيث قال:- ( بل الأظهر أنه مطلق المغالبة ) وأراد بذلك الردّ على من اعتبر في القمار أحد أمرين إما الرهن أو أنّ الآلات هي آلات قمارية ، إنه في مقام الردّ على هذه الدعوى قال كلا بل هو مطلق المغالبة - اتضح أنّ هذا قابلٌ للمناقشة ، فإنّ مطلق المغالبة لا يمكن الالتزام بأنها من القمار ، وهل المغالبة في حفظ القران الكريم أو في حفظ أشعار الألفية لابن مالك - من دون رهنٍ - هو قمار ؟!! ولا أقل من وجود شكٍّ ، فإذا كان شكاً فيأتي ما أشرنا إليه هو أنه في المقدار المشكوك نرجع إلى البراءة ولا يمكن التمسّك بأدلة حرمة القمار.
هذا كله بالنسبة إلى جواب السؤال الأول ، وهو أنه ما هو معنى القمار واتضح أنّ له معنىً إجمالياً وأما في الحدود المشكوكة فنجري أصل البراءة.
وأمّا بالنسبة إلى السؤال الثاني - أعني تحديد موضوع الحرمة -:- فالنصوص قد يظهر من بعضها أنّ موضوع الحرمة هو أمورٌ خاصّة كالشطرنج والنرد ، وربما يظهر من بعضٍ بصعوبةٍ أنّ الموضوع هو القمار على إطلاقه ، ونذكر مهمّ النصوص في هذا المجال:-
الأوّل:- الآية الكريمة:- ﴿ يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ﴾[2] ، والميسر على ما جاء في القاموس[3] وتاج العروس[4] ولسان العرب[5] أنه:- ( الميسر كمنزل اللعب بالقداح أو هو الجزور التي كانوا يتقامرون عليه ) ، هذا ما جاء في تفسير الميسر ، فإذن هو لم يفسّر من قبل اللغويين بمطلق القمار وإنما فسّروه بالقداح التي هي عبارة عن السهام التي يتسابقون من خلالها أو الجزور الذي كانوا يذبحونه ويكتبون سهاماً ويخرجون السهام على الأسماء.
الثاني:- رواية أو صحيحة زيد الشحام وهي:- ( محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد جيعاً عن النظر بن سويد عن درست عن زيد الشحا قال:- سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ " فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور " قال:- الرجس من الأوثان الشطرنج وقول الزور الغناء )[6] ، إنه هذه الرواية فسّرت الرجس من الأوثان بالشطرنج ن فإذن هي دلّت على حرمة عنوان الشطرنج دون مطلق القمار.
وأما سندها:- فقد يقال باعتباره ، لأن محمد بن يحيى فهو الأشعري القمي وهو شيخ الكليني ولعلّ الكليني يروي عنه ربع الكافي وهو الثقة الجليل ، و أحمد بن محمد هو ابن عيسى الأشعري القمي الثقة الجليل[7] ، ومحمد بن خالد والحسين بن سعيد ، يعني أحمد بن محمد يروي الحديث عن هذا وعن هذا بمعنى أنهما حكياه له ، وهما من الثقات وإن كانت وثاقة أحدهما تكفي ، والنظر بن سويد ثقة أيضاً ، وزيد الشحام ثقة أيضاً ، وإنما الكلام في ( درست ) فإنه لم يوثّق في الكتب الرجالية المعتبرة ، بيد أن ابن أبي عمير روى كتابه ، وبناءً على أنّ رواية أحد المشايخ الثلاثة تدلّ على الوثاقة فإذن الرواية تصير صحيحةً وإلا فلا.
الثالث:- وعن عليّ بن ابراهيم بن مسلم عن مسعدة بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الشطرنج فقال:- ( دعوا المجوسيّة لأهلها لعنها الله )[8] ، فمورد الرواية هنا أيضاً هو الشطرنج وليس القمار على إطلاقه.
يبقى أنه هل نستفيد التحريم من لسان هذه الرواية ؟
والجواب:- إنّ هذا على الاستظهار ، فإن قلنا بأن اللعن ليس ظاهراً في خصوص التحريم وإنما هو أعمّ فحينئذٍ لا يستفاد منها التحريم ، وأما من استظهر من اللعن خصوص التحريم فيأخذ به ، وهذا على الاستظهار والمبنى ، ونحن في أكثر من موضعٍ قلنا بأننا نتأمّل في استفادة التحريم ، ونحن من المردّدين في ذلك ، فاستفادة خصوص التحريم منه شيءٌ مشكل.
وقد يمتسّك بقوله عليه السلام:- ( فدعوا المجوسية لأهلها ) فإن هذا أمرٌ - ولكن مضمونه النهي - وهو يدلّ على التحريم.
ولكن يوجد لفظٌ آخر وهو لفظ ( لأهلها ) يعني دع هذا لأهله وهذا قد يوقّف من استفادة التحريم ، فلو كان لفظ ( دعوها ) هو الموجود فقط فصحيح أنه هذا يدلّ على التحريم ، أمّا حينما قال ( دعوا المجوسية ) فخصوص ( المجوسية ) أو ( لأهلها ) قد يضعف من الدلالة على التحريم وقد يقال هي تلتئم مع الكراهة والتحريم معاً.
الثالث:- وعن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن اللعب بالشطرنج والنرد )[9] .
وموردها كما ترى هو الشطرنج والنرد لا مطلق القمار.
وهل تدلّ على التحريم أو لا ؟
والجواب:- قلنا إنّ هذا مبنيٌّ على ما سبق ، فإنا قلنا إنّ مثل هذا اللسان يشكل استفادة التحريم منه إذ هناك فرق بين ( نهى ) الإخبارية وبين ( أنهاكم ) الذي هو إنشاء ، فـ( أنهاكم ) فيمكن أن يقال إنّ ظاهر مادة النهي هو التحريم ، أما الإخبار - أي ( نهى ) - يعني صدر منه نهي أمّا النهي الذي صدر منه هل هو نهيٌ كراهتي أو تحريمي ؟ إنّ هذا أعمّ ولا يتعيّن في كون الصادر هو النهي التحريمي.
وأما سندها:- فقد ورد فيه النوفلي وهو على المبنى ، حيث قلنا هناك كلام بالنسبة إلى النوفلي وقد تردّدنا فيه فما سبق حيث قلنا إنه لا يوجد في حقّه توثيق ، إلا أنّ إجماع الطائفة على الأخذ برواية السكوني بعد ضمّ ضميمةٍ وهي أنّ السكوني غالباً ما يروي عن النوفلي فعلى هذا الاساس نأخذ بما رواه النوفلي.
وقد وأجبنا وقلنا:- إنه يوجد احتمال أنّ المقصود من أن الطائفة قد عملت برواية السكوني يعني أنه من ناحية السكوني هم لا يتوقفون ، مثل ما أقول الآن أنا لا أتوقف من ناحية روايات فلان يعني أني لا أتوقف من ناحيته ، فإذا فرض أنه روى عن شخصٍ ليس بثقةٍ فالتوقّف سوف لا يصير من ناحيته وإنما من ناحية شخصٍ آخر ، وهذا الاحتمال موجودٌ ، وحينئذٍ يمكن التوقف من هذه الناحية.
الرابع:- محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام قال:- ( النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر )[10] .
والسند معتبرٌ ، فإن محمد بن يحيى ثقة ، وأحمد بن محمد ثقة ، ومعمر بن خلاد فقد وثّقه النجاشي ، فإذن لا مشكلة في السند.
ثم إنّ الإمام عليه السلام قال:- ( النرد والشطرنج والاربعة عشر بمنزلة واحد وكل ما قومر عليه فهو ميسر ) يعني هو جعل هذه الثلاثة وكلّ ما قومر عليه من الميسر ، وهذه صغرى ، وأما الكبرى فهي مأخوذة من الآية الكريمة ﴿ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه ﴾ ، وهذه الصغرى تكفينا ، والإمام عليه السلام ذكر الصغرى اعتماداً على وضوح الكبرى ، فإذن هذه الرواية جيدة.
الخامس:- وعن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن أبي نجران عن مثنّى الحنّاط عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال أمير المؤمنين عليه السلام:- النرد والشطرنج هما الميسر )[11] .
وموردها كما ترى النرد والشطرنج ، وحينئذٍ غاية ما يثبت هو التحريم بلحاظ النرد والشطرنج.
وأما السند:- السند يختلف باختلاف المبنى ، فصاحب الوسائل(قده) قال ( عدة من أصحابنا ) وهذا يدلّ على أنه ينقلها عن الكليني(قده) في الكافي.
ولا تقل:- أن الشيخ الطوسي(قده) توجد عنده عبارة ( عدة من أصحابنا ) في الفهرست فكيف عرفت أن هذه العبارة اليت نقلها صاحب الوسائل هي عدة الشيخ الكليني ؟
قلت:- هذا صحيحٌ ، ولكن الشيخ الطوسي قال هذه العبارة في الفهرست أما في التهذيبين فلا يوجد عنده هذا المصطلح ، فإذن متى ما قال صاحب الوسائل ( عدّة من أصحابنا ) فلابد وأن نلتفت إلى أنّ هذه الرواية مأخوذة من الكافي ، وهذه مسألة ليست مهمّة ولكن هذه نكات لا بأس بالالتفات إليها.
أما أنّه كيف نثبت توثق العدّة ؟ فهذا ما قد أشرت إليه أكثر من مرّة ، وأما سهل بن زياد فهو على المبنى ، وأما ابن أبي نجران فهو عبد الرحمن بن أبي نجران وهو ثقة ، وأما مثنّى الحنّاط فلا يوجد توثيق من قبل الشيخ والنجاشي في حقّه ولكن ورد في رجال الكشي نقلاً عن محمد بن مسعود العياشي - شيخ الكشي – أنه ثقة حيث قال:- ( عن علي بن مسعود عن عي بن الحسن أن مثنى الحنّاط لا بأس به ) ، والسند هو محمد بن مسعود وهو جيّد ، وعليّ بن الحسن هو ابن فضّال ، وهو قال إنّ ابن فضال لا بأس به ، ونحن نقول أيضاً إنه لا بأس به - يعني لا بأس بالدلالة على توثيقه -.
وبعد اتضاح المسألة يقع الكلام في حرمة القمار وذلك ببيان الصور:- وهناك صورٌ أربعة في هذا المجال ، لأنّ اللعب تارةً يكون مع الرهن ، وأخرى بدونه ، وتارةً مع الآلات القماريّة ، وأخرى بدونه ، فالصور آنذاك أربعة:-
الصورة الأولى:- اللعب بآلات القمار مع الرهن.
وهذا هو القدر المتيقن من دليل تحريم القمار ، لكن تواجهنا مشكلة وهي أنّ هذا تام إذا فرض أنّ القمار له دائرة وسيعة ، ولكن لا نستطيع من خلال الروايات أن نثبت أنّ المحرّم هو القمار ، فلا يوجد نصٌّ ثبت لنا أنّ القمار على اطلاقه وبعرضه العريض هو حرام حتى نقول إنَّ القدر المتيقن هو الذي يكون مع الآلات ومع الرهن ، فإنّ هذا ليس بثابت.
والجواب:- يمكن إثبات ذلك بالبيانات الثلاثة التالية:-
البيان الأوّل:- إنّ الآية الكريمة عبّرت بالميسر ، وإذا كان المقصود من الميسر مطلق القمار فبها ، وإن كالمقصود ما أشير إليه في الرواية - يعني عبارة عن الأقداح والجزور التي يتقاسمون عليها - فيمكن أن يقال صحيحٌ أنّ المورد هو هذا ولكن بإلغاء الخصوصية عرفاً نتعدى إلى كلّ ما يتقامر به من الوسائل فإنه لا يوجد عرفاً احتمال خصوصية لهذين المثالين.
البيان الثاني:- توجد عندنا رواية حيث فسّرته بالشطرنج والنرد مثل رواية السكوني ورواية مسعدة بن زيادة فهذه التي ذكرت الشطرنج أو ذكرت الشطرنج والنرد فنقول فيها كما قلنا في الآية الكريمة ، يعني أنّا لا نحتمل خصوصيةً للشطرنج ، والأمام عليه السلام قد ذكر ذلك من باب التوضيح بالمصداق والباقي يبقى على المكلف ، فالمكلف يعرف أنه لا خصوصية للنرد والشطرنج.
البيان الثالث:- إنه جاء في صحيحة معمّر بن خلاد:- ( وكل ما قومر عليه فهو ميسر ) ، فـ( تقومر عليه ) يعني صارت عليه مغالبة بالرهن ، وهذه تدلّ على أنّ كلّ ما صارت عليه مغالبة مع الرهن فيكون هو من الميسر ، فإذن هذه الرواية تدلّ على السعة ، وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية.