32/10/12
تحمیل
الموضوع: حجية القطع
الألفاظ الأخرى للقاعدة:
وجوب متابعة القطع
وجوب العمل على وفق القطع
توضيح القاعدة:
للقطع خواص ثلاثة:
الأول: كاشفيته بذاته عن الخارج لأن القطع هو عين الانكشاف و عين الإراءة([1] ). فالقطع عند القاطع حقيقة نورانية محضة لا احتمال لمرافقة الخطأ لها، أي يكون القطع نور لذاته نور لغيره، فهو نفس الانكشاف لا أنه شيء له الانكشاف.
الثاني: له محركية إلى ما يوافق الغرض الشخصي للقاطع، وهذه المحركيّة هي نتيجة الكاشفية التي ذكرناها في الخاصية الأولى، فالعطشان إذا قطع بوجود الماء خلفه يتحرك إلى تلك الجهة طلباً للماء. وهذه الخصوصية من الآثار التكوينية للقطع بما يكون متعلقاً للغرض الشخصي للقاطع، وتسمى بالحجيّة التكوينية.
الثالث: أن القطع بتكليف المولى ينجّز ذلك التكليف على العبد القاطع، أي يجعله موضوعاً لإدراك العقل بوجوب امتثاله وصحة العقاب على مخالفته (لا الوجوب الشرعي لمتابعة القطع بما هو قطع) وهذه الخاصية هي الحجيّة المبحوث عنها في علم الأصول، ولا يتكلم الأصوليون عن الخاصية الأولى والثانية.
إذن القطع سبب لتنجز الواقع (عند الإصابة) بحيث يدرك العقل باستحقاق العقاب على مخالفته فان علم الإنسان بحكم إلزامي من المولى (وجوب أو حرمة) دخل ذلك الحكم الإلزامي في ضمن نطاق حقّ الطاعة وأصبح من حقّ المولى على الإنسان أن يمتثل ذلك الإلزام الذي علم به، فإذا قصّر في ذلك كان جديراً بالعقاب، وهذا ما يسمى بجانب المنجزيّة في حجيّة القطع.
ومن ناحية أخرى: فأن الإنسان القاطع بعدم الإلزام، من حقّه أن يتصرف كما يحلو له، وإذا كان الإلزام ثابتاً في الواقع والحالة هذه، فليس من حقّ المولى على الإنسان أن يمتثله، ولا يمكن للمولى أن يعاقبه على مخالفته مادام الإنسان قاطعاً بعدم الإلزام، وهذا هو جانب المعذريّة في حجيّة القطع.
وبهذا اتضح أن المراد من حجية القطع هو منجزيّة القطع ومعذريّته لا الحجة عند المنطقيين التي معناها القياس «كل ما يتألف من قضايا تنتج مطلوباً» أي مجموع القضايا المترابطة التي يتوصل بتأليفها وترابطها إلى العلم بالمجهول سواء كان في مقام الخصومة مع أحد أم لم يكن ([2] )، فان من المعلوم أن القطع لا يكون حجة بهذا المعنى، إذ لا يصح أن يقع القطع وسطاً في القياس فلا يقال: هذا مقطوع الخمرية وكل مقطوع الخمرية خمر (أو يجب الاجتناب عنه) لأن الكبرى كاذبة، إذ مقطوع الخمرية يمكن أن يكون خمراً ويمكن أن لا يكون، ووجوب الاجتناب لم يترتب شرعاً على مقطوع الخمرية، بل على الخمر بوجوده الواقعي، لأننا نتكلم في القطع الطريقي.
وبهذا يتبين أن الكلام في القطع وحجيته ليس من المسائل الأصولية إذا كان المناط في المسألة الأصولية، ما تكون نتيجتها كبرى لو ضمّ إليها صغراها لأنتجت حكماً فرعياً، إذ من المعلوم أن القطع ليس كذلك، لأن القطع بالحكم هو تحصيل للحكم فلا يقع في طريقه إذ هو ذو الطريق. هذا في القطع الطريقي الذي نحن بصدده وكذلك الأمر في القطع الموضوعي فانه موضوع لحكم شرعي كما إذا قيل إذا قطعت بسلامة ولدك فتصدق فان القطع بسلامة الولد موضوع وليس طريقاً لاستنباط الحكم الشرعي، والموضوع للحكم الشرعي غير موجب لتحصيل حكمه واستنباطه أصلاً فان وجود الموضوع للحكم لا ربط له بنفس الحكم.
وحتى إذا قلنا بان القاعدة الأصولية هي ما كانت من العناصر المشتركة لاستنباط الحكم الشرعي ((كما ذهب إليه الشهيد الصدر)), فإنّ القطع ليس من العناصر المشتركة لاستنباط الحكم الشرعي, بل هو قطع بالحكم الشرعي.
وإذا كان القطع الطريقي والموضوعي ليس من المسائل الأصولية فلماذا ذكر في هذه القواعد الأصولية؟
والجواب: إنمّا ذكر القطع في جملة القواعد الأصولية, لأنّ القطع بالحكم هو نتيجة القواعد الأصولية فإنّ نتيجة القاعدة الأصولية هو استنباط الحكم الشرعي والقطع بها.
بالإضافة إلى إننا لا نتكلم فيه من أجل استنباط الحكم الشرعي, بل نتكلم حجيته بعد ثبوت الحكم الشرعي به.
[1] () القطع هو الجزم الذي لا يحتمل الخلاف، ولا يعتبر فيه أن يكون مطابقاً للواقع في نفسه، وأن كان في نظر القاطع لا يراه إلا مطابقاً للواقع وعليه فالقطع الذي هو حجة أعم من اليقين والجهل المركب.
[2] () راجع أصول المظفر ج 3: 12.