33/06/29
الموضوع: أصالة التخيير
الاستثناءات:
«الاستثناءات التي نذكرها هنا هي استثناءات منقطعة فهي خارجة عن موضوع المسألة - لأن المسألة عقلية، فلا تقبل التخصيص».
1 ـ لا تجري أصالة التخيير في دوران الأمر بين المحذورين مع تعدّد الواقعة إذا احتمل الترجيح في أحدهما المعيّن، لان المقام « يندرج في كبرى دوران الأمر بين التعيين والتخيير... وذهب صاحب الكفاية إلى التعيين، بدعوى أنّ العقل يحكم بتعيين محتمل الأهمية كما هو الحال في جميع موارد التزاحم عند احتمال أهمية أحد المتزاحمين بخصوصه»(
[1]
). وسيأتي في دوران الأمر بين التعيين والتخيير العقلي بناء على مبناه.
ولكنّ السيد الخوئي لم يقبل تقديم محتمل الأهميّة عند التزاحم مطلقاً(
[2]
[4]
) لعدم ورود دليل فيه بحيث يؤخذ في محلّ الكلام.
توضيح ذلك: إنّ الحكمين المردّد كلّ منهما بين الوجوب والحرمة لم يكونا من قبيل المتعارضين إذ لا تنافي في ثبوت الحكمين في مقام الجعل بعد فرض أن متعلّق كلّمنهما غير متعلّق للآخر، وأيضاً ليسا من قبيل المتزاحمين، لأنّ التزاحم إنّما يكون بعجز المكلّف عن امتثال كلا الحكمين المتزاحمين، والمفروض قدرة المكلّف في المقام على امتثال كلا الإلزامين بأن يأتي بالواجب الذي هو تكليف على موضوع معيّن ويترك الحرام الذي هو حرام على موضوع معيّن غاية الأمر أنّ المكلّف يجهل بمتعلّق الوجوب ومتعلّق الحرمة فهو لا يميّز الواجب عن الحرام فصار عاجزاً عن إحراز الامتثال، وهنا انتقل الأمر إلى الامتثال الإجمالي بإيجاد أحد الطرفين وترك الآخر، وعليه لا وجه لإجراء حكم التزاحم بتقديم محتمل الأهمّية على غيره.
ولكنّ السيد الخوئي قد ذكر انحلال العلم الإجمالي إذا قطع بالأهمّية فقال: «لو حلف على ذبح شاة له في ليلة معينة، واشتبهت الشاة بالنفس المحترمة لظلمة ونحوها، فانّه لا ريب في عدم ثبوت التخيير للمكلف في مثل ذلك، بل يجب عليه بحكم العقل تقديم معلوم الأهمية وان استلزم ذلك القطع بمخالفة التكليف الآخر، والسر فيه: إنّ العلم بأهمية تكليف يستتبع القطع بعدم رضاء الشارع بتفويت ملاكه على كل حال، ويترتب على هذا العلم القطع بجعل إيجاب الاحتياط في ظرف الشك، فعند التحقيق تقع المزاحمة بين إيجاب الاحتياط والتكليف الآخر غير الأهم، فيتقدم إيجاب الاحتياط لأهمية ملاكه»(
[5]
).
2 ـ لا تجري أصالة التخيير أيضاً في دوران الأمر بين المحذورين إذا كان الاحتياط ممكنا بتكرار العمل، كما إذا دار أمر الشيء بين كونه شرطا للعبادة أو مانعا عنها «كما لو شك بعد النهوض للقيام في الإتيان بالسجدة الثانية فانه بناء على تحقق الدخول في الغير بالنهوض كان الإتيان بالسجدة زيادة في الصلاة وموجبا لبطلانها، وبناء على عدم تحققه به كان الإتيان بها واجبا ومعتبرا في صحتها، فانه إذا رفع يده عن هذه الصلاة وأتى بصلاة أخرى حصل له العلم التفصيلي بالامتثال (وفي هذه الصورة) لا ريب في وجوب احراز الامتثال ولا يجوز له الاكتفاء بأحد الاحتمالين، لعدم احراز الامتثال بذلك، والاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، فعليه رفع اليد عن هذه الصلاة واعادتها أو اتمامها على أحد الاحتمالين ثم اعادتها. وعلى كل تقدير لا وجه للحكم بالتخيير وجواز الاكتفاء بأحد الاحتمالين في مقام الامتثال. هذا بناء على عدم حرمة إبطال صلاة الفريضة مطلقا أو في خصوص المقام من جهة أن دليل الحرمة قاصر عن الشمول له... »(
[6]
).
وكذا إذا كان المكلف يتمكن «من الامتثال العلمي بتكرار الجزء... كما إذا دار أمر القراءة بين وجوب الجهر بها أو الاخفات فإنه إذا كرّر القراءة بالجهر وبالاخفات أخرى مع قصد القربة فقد علم بالامتثال أجمالا»(
[7]
).
3 ـ لا تجري أصالة التخيير إذا كان في احد المحذورين حالة سابقة مستصحبه يجب الأخذ بها، لأن الأخذ بها عند الشك في دوران الأمر بين المحذورين يحلّ العلم الإجمالي في الدوران(
[8]
).
[1] ـ مصباح الأُصول 2: 333.
[2] ـ تقديم محتمل الأهمّية في باب التزاحم «إذا كان لكلا الحكمين المتزاحمين إطلاق» ليس عليه دليل إلّا سقوط إطلاق دليل المتزاحمين أو أحدهما، فما لا يحتمل أهمّيته قد علم سقوط إطلاقه سواء كان الثاني سقط إطلاقه أم لا، أمّا المحتمل أهمّيته فسقوط إطلاقه غير معلوم، فلابدّ من الأخذ به.
[3] وإن لم يكن لدليل المتزاحمين دليل لفظي مطلقاً فالوجه في تقديم محتمل الأهميّة هو القطع بجواز تفويت ملاك غيره بتحصيل ملاك محتمل الأهمّية دون العكس، لأنّ تحصيل ملاك غير محتمل الأهميّة بتفويت ملاك محتمل الأهمّية غير معلوم، فتصحّ العقوبة عليه بعد فرض كونه ملزِماً في نفسه.
[4] وهذان الوجهان لا يجريان في محلّ كلامنا لأنّ كلامنا ليس تزاحماً، بل هو من دوران الأمر بين الوجوب والحرمة، فإطلاق كلا الأمرين اللفظيين بحاله ولا يسقط كلاهما أو أحدهما وإن كان أخدهما أهم في الواقع، ووجوب إحراز الامتثال في كلّ تكليف موجود فيجب موافقته القطعية ويحرم مخالفته القطعية، من غير فرق بين مراتب الأهمّية قوّة وضعفاً، فلا موجب لتقديم محتمل الأهمّية على غيره، نعم هنا لا يمكن الموافقة القطعية عند دوران الأمر بين المحذورين ولا يمكن المخالفة القطعية، فنتنّزل إلى الموافقة الاحتمالية بالتخيير العقلي التكويني.
[5] ـ دراساتفيعلمالأصول3: 343.
[6] ـ مصباح الأُصول ج 2: 336 و 337.
[7] ـ مصباح الأُصول 2: 337 وراجع فوائد الأُصول 3: 455.
[8] ـ مصباح الأُصول 2: 328.