34-01-17
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/01/17
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 357 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
الإشكال الثاني:- إن صفوان بن يحيى لم يقل إني كنت حاضراً حينما سأل أبو حارث وهكذا لم يقل إن أبا الحارث حدثني أنه قد سأل الإمام عليه السلام وإنما قال ( سأله أبو الحارث ) ونحن نحتمل - حتى مع فرض وثاقة أبي الحاث - وجود واسطة بين صفوان وبين أبو الحارث هي التي نقلت أن أبا الحارث قد سأل وحيث لا نعرف تلك الواسطة فتكون الرواية ساقطة عن الاعتبار ، ونؤكد أن سقوطها عن الاعتبار لا من جهة عدم وثاقة أبي الحارث وإنما هذا اشكال بقطع النظر عن ذلك ولنفترض أنه ثقة وأنه يونس بن عبد الرحمن ولكن حتى لو جزمنا بأنه يونس فإن هذا الاشكال يأتي أيضاً وأنه كيف تنفي الواسطة بين صفوان وبين أبي الحارث ؟ وعلى هذا الأساس يكون هذا الاشكال ثابتاً . اللهم إلا أن نستظهر من تعبير ( سأله أبو الحارث ) أن صفوان كان حاضراً في مجلس السؤال ، أو نستظهر أن أبا الحارث هو بنفسه قال لصفوان ( إني سألت الإمام عليه السلام ) فإذا استظهرنا هذا المعنى أو حصل الاطمئنان بأن هذا هو المقصود فلا إشكال . واذا سألتني عن ذلك فأقول:- لا يوجد ظهور بأنه كان حاضراً في مجلس السؤال أو أن أبو الحارث قال له إني سالت الامام فالتوقف من هذه الناحية له مجال.
إن قلت:- إن صفوان نبني على وثاقة كل من ينقل عنه فإنه من الاشخاص الثلاثة الذين لا يروون إلا عن ثقة فيثبت بذلك أن الواسطة حتى لو كانت موجودة فهي ثقة باعتبار شهادة صفوان وابن أبي عمير والبزنطي بأنهم لا يروون إلا عن ثقة بناءً على تمامية هذه الكبرى وعلى هذا الأساس فهذا الاحتمال لا يضرنا بعد ضمّ هذه الكبرى.
قلت:- قد ذكرنا غير مرّة أنه يصح تطبيق هذه الكبرى وتكون تامة فيما لو صرّح باسم الشخص أما إذا لم يصرّح به كما هو المفروض في مقامنا فلا يصح تطبيقها إذ لعل هذه الواسطة ثقة بشهادة صفوان لكنها مضعَّفة من ناحية النجاشي أو الشيخ الطوسي أو شخص آخر ، فلو كان صفوان يصرح بالواسطة لكنا نبحث فإن لم يكن لها تضعيف فتكفي شهادة صفوان بكونها ثقة أما بعد عدم ذكر اسمه والمفروض أن بعض من روى عنهم صفوان قد ضعفوا من ناحية النجاشي أو غيره فحينئذ نحتمل أن هذا الشخص من جملة من ضُعِّف فلا يمكن تطبيق تلك الكبرى في المقام فإن تطبيقها مشروط بالتصريح باسم الراوي وإلّا كان المورد من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
إن قلت:- لماذا لا نطبّق أصالة الحسّ وذلك ببيان:- إنه لو فرض أن الثقة شهد بعدالة شخص فهذا معناه أنه قاطع بالعدالة فنقبل شهادته والحال أنه يحتمل أن مستند هذه الشهادة هو الحدس دون الحس ولكن رغم هذا الاحتمال لا نعتني به ونأخذ بالشهادة ونحكم بحجيتها وما ذاك إلا لأصالة الحس العقلائية - يعني أن العقلاء لا يعيرون أهمية لاحتمال استناد الشهادة إلى الحدس بعدما كان احتمال الحس وجيها ومقبولا - فهذا المطلب نطبقه في المقام ونقول:- إن صفوان حينما قال ( سأله أبو الحارث ) فهذا ظاهره أن صفوان قاطعٌ بأن أبا الحارث قد سأل الإمام عليه السلام ، وحينئذ نقول:- هذا القطع مردّد بين أن يكون قد استند إلى الحدس وبين أن يكون قد استند إلى الحس وذلك بأن كان حاضراً في مجلس السؤال فإنه لو كان حاضراً فهذا معناه أن مستند قطعه هو الحس فيثبت إذن أنه كان حاضراً وبالتالي تكون شهادته مقبولة من ناحية هذا البيان وليس من ناحية التمسك بظاهر التعبير فإن العبير لا ظهور له في كونه قد حظر مجلس السؤال وإنما ظاهره أنه كان قاطعاً بهذا السؤال ويدور أمر القطع بين أن يكون مستنداً إلى الحدس فيكون مرفوضاً وبين أن يكون مستنداً إلى الحس وذلك بأن يكون حاضراً في المجلس فيكون مقبولاً فنبني على أصالة الحسّ وبالتالي يُقبل إخباره وشهادته من خلال تطبيق أصالة الحسّ.
إذن أثبتنا أنه كان حاضراً ولكن لا بظاهر التعبير وإنما من خلال تطبيق أصالة الحس . وإن شئت قلت:- نحن لا نريد أن نثبت أنه كان حاضراً وإنما أردنا أن نثبت قبول شهادته وبتطبيق أصالة الحس يثبت ذلك.
والجواب:- إنه في باب الإخبار يصح للشخص أن يعبّر ويقول ( قال فلان ) والحال أنه لا يقطع بكونه قد قال ذلك وإنما استند إلى واسطة وتلك الواسطة حيث أنها ثقة فيصح أن يعبّر بقول ( قال فلان ) وسيرتنا جارية على ذلك فنحن ننسب المقالة إلى فلان أو فلان ومستندنا في هذا التعبير هو شهادة الثقة وهذا واقع لا يمكن انكاره في الإخبار والنسب فإنه مادامت هناك واسطة ثقة فيصح أن يعبر بـ( قال فلان ) . نعم في باب الشهادة وأن فلان عادل لا يأتي هذا الكلام أما الإخبار فإنه يمكن الاستناد إلى خبر الثقة ، وحيث قلنا قبل قليل أنا نحتمل أن هذا الثقة مجروح من قبل الآخرين لفرض أنه لم يصرّح باسمه فلا يمكن قبول هذا الإخبار ولا مجال لتطبيق أصالة الحسّ.
هذا مضافاً إلى أنه لو سلمنا حصول القطع بكون صفوان قد قطع بأن فلان قد سأل ولكن لا يلزم أن يكون القطع قطعاً وجدانياً بل يكفي أن يكون قطعاً تعبديّاً.
وفرق هذا الجواب عن سابقه هو أنا كنا نقول في الجواب السابق أن التعبير بـ( قال ) أو ( سأل ) ليس ظاهراً في حصول القطع للناقل ، نعم هو ظاهر في ذلك في مثل مسألة الشهادة بالعدالة أو نحوها ، اما في هذا الجواب فنقول نحن نسلم أنه ظاهر في القطع ولكن لا يلزم أن يكون ذلك القطع وجدانياً بل يلتئم مع القطع التعبدي والقطع التعبدي لا ينفعنا لاحتمال الجارح في البين حيث لم يصرّح باسم الواسطة.
ومن خلال هذا كله اتضح أن الاعتماد على هذه الرواية من حيث السند أمر مشكل ولا أقل نحتاج إلى تريث وتثبت من هذه الناحية لا كما تخيّل صاحب الجواهر(قده) من أن الاشكال منحصر بالإضمار - وقال إنه لا مشكلة من حيث الاضمار - وإنما الاشكال من ناحية أخرى كما أشرنا إلى ذلك . هذا كله من ناحية صحيحة صفوان.
والكلام نفسه يأتي في رواية محمد بن عيسى التي قال فيها ( كتب أبو القاسم مخلد بن ..... ) فإنه لم يصرّح ويقول ( إني رأيت المكاتبة ورأيت جواب الامام ) ولم يقل ( إني أنا كاتبت ) حتى يأتي ما ذكره صاحب الجواهر(قده) من أن المكاتبة لا تضر بحجية الرواية ، كلا فإن الاشكال ليس من هذه الناحية وإنما هو من ناحية أن محمد بن عيسى لم يقل ( رأيت المكاتبة وجواب الإمام ) كما لم يقل ( إن أبا القاسم هو قال لي أني قد كاتبت الإمام ) فيحتمل وجود واسطة نقلت هذه المكاتبة إلى محمد بن عيسى كما هو متداول بيننا في هذا الزمان فنقول ( فلان كتب إلى فلان ) والحال أنا لم نرَ الكتابة وإنما حدثنا شخص ثقة بذلك ، إنه من المحتمل في المقام ذلك وحيث أن ذلك الشخص الوسيط لا نعرف وثاقته ولو كان ثقة نحتمل وجود جارح له حيث لم يصرّح باسمه فتعود الرواية محل تأمل من حيث السند .
ولكن - كما قلنا - هذا لا ضر بما أردنا اثباته وإنما هو قضية فنيّة لا أكثر إذ تكفينا الروايات الأولى الدالة على أنه بالتقصير يحل للمتمتع كل شيء أو صحيحة الحلبي أو ما شاكل ذلك من الروايات . إذن لا ينبغي التأمل والتوقف من هذه الناحية والدليل الأول على عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع هو الروايات التي أشرنا إليها.
ولكن قد يقال:- إن هذه الروايات - أي روايات الدليل الأول - معارضة برواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السلام:- ( إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعاً فطاف بالبيت وصلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم وسعى بين الصفا والمروة وقصّر فقد حلّ له كلّ شيءٍ ما خلا النساء لأن عليه لتحلّة النساء طوافاً وصلاة )
[1]
فإنها دلت على اعتبار طواف النساء في عمرة التمتع إذ صرحت وقالت ( لأن عليه لتحلة النساء طوافاً وصلاة ).
وقد أجاب غير واحد بأنه يحتمل أن تكون هذه الرواية ناظرة إلى الحج لا إلى عمرة التمتع كما نقل ذلك الحر العاملي عن الشيخ الطوسي وغيره واختاره السيد الخوئي أيضاً .
ولكن قد يقال:- توجد قرينة تحول دون ذلك وهي كلمة ( وقصَّر ) فإن هذا لا يتلاءم مع الحج فإن التقصير في الحج يكون قبل الطواف والسعي . اللهم إلا أن تحمل على صاحب العذر التي هي حالة غير طبيعية ، ولكن حملها عليه في غير محلة . إذن حمل الرواية على الحج ليس مناسباً لهذه القرينة التي أشرنا إليها.
والمناسب المناقشة بما يلي:-
إما بأن نقول:- هي قابلة للحمل على الاستحباب ، فإن تلك الروايات قالت ( يحل له كل شيء ) وبعضها كان موردها ذلك مثل صحيحة الحلبي فإن الامام عليه السلام قال ( رحمها الله كانت أفقه منك ) وهي قد قرضت من شعرها بأسنانها فقط لا لأنها طافت فيثبت بذلك أن طواف النساء ليس بلازمٍ في حليّة النساء فتحمل هذه الرواية على الاستحباب.
أو نقول:- يمكن مناقشتها سنداً باعتبار أن سليمان لم تثبت وثاقته إلا من خلال كامل الزيارات وهذه الكبرى مرفوضة عندنا .
هذا كله بالنسبة إلى الدليل الأول في عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع.
[1] المصدر السابق ح7.