37/05/12
تحمیل
الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد, مسألة 2.
قال الماتن
(يجوز له فعل المفطر ولو قبل الفحص ما لم يعلم طلوع الفجر ولم يشهد به البينة ولا يجوز له ذلك إذا شك في الغروب عملا بالاستصحاب في الطرفين)[1] في الاول استصحاب بقاء الليل الذي يجوز الاكل وفي الثاني استصحاب بقاء النهار الذي يمنع من الاكل وقد ذكرنا ادلة اخرى تدل على جواز الاكل من جهة الفجر ( ولو شهد عدل واحد بالطلوع أو الغروب فالأحوط ترك المفطر عملا بالاحتياط للإشكال في حجية خبر العدل الواحد وعدم حجيته إلا أن الاحتياط في الغروب إلزامي)لأستصحاب بقاء النهار ( وفي الطلوع استحبابي نظرا للاستصحاب) مع شكه بحجية الخبر الواحد والشك في الحجية _ كما قالوا _ يساوق القطع بعدمها.
وهذه المسألة _ حجية خبر العدل الواحد أو الثقة الواحد في الموضوعات الخارجية _ خلافية وقيل أن المشهور يذهب إلى عدم الحجية, خلافاً لجماعة ذهبوا إلى حجيته في الموضوعات ومنهم السيد الخوئي (قد) والسيد الشهيد (قد).
وقد استدل القائلون بالحجية بالسيرة (العقلائية) والادلة الخاصة من الاخبار وبعض الآيات الكريمة كأية النبأ ومعظم الآيات التي يستدل بها على الحجية واردة في الشبهات الحكمية فتدل على الحجية في باب الاحكام لكن اية النبأ بالخصوص واردة في الشبهة الموضوعية ( خبر الوليد بن عقبة) فإذا تمت دلالتها على الحجية فالمتيقن منها حجية الخبر الواحد في باب الموضوعات.
وقد استدل القائلون بعدم الحجية ببعض الروايات التي قالوا بأنها ظاهرة في عدم حجية الخبر الواحد في الموضوعات الخارجية لكنهم اختلفوا في كيفية التعامل مع السيرة العقلائية التي استدل بها القائل بالحجية, فبعضهم وهو الاكثر اعترف بهذه السيرة لكنهم ادعوا انها مردوع عنها, وبعضهم انكر السيرة اساساً, وكل منهما (القائل بالحجية والقائل بعدمها) حشّد روايات لأثبات مراده.
وقبل الدخول في صلب البحث لا بأس أن ننبه على بعض الامور فهذه المسألة مهمة وسيالة (وهي عنصر مشترك في باب الاستنباط) وتدخل في كثير من المسائل.
الأمر الاول: أن المقصود في المقام هو اثبات الحجية لخبر الواحد في الموضوعات أو نفيه, والمقصود بالحجية في المقام الحجية التعبدية على غرار الحجيات التعبدية الثابتة في سائر الموارد ومعنى الحجية التعبدية تعني أن هذه حجة تعبداً أي انها ليست مشروطة بحصول الاطمئنان أو ظن بالوفاق بل صرح الشيخ الانصاري في الرسائل أن الحجية التعبدية تحصل حتى مع الظن بالخلاف.
الأمر الثاني: أن المشهور ذهب إلى حجية الخبر الواحد في الاحكام ولكنه ذهب إلى عدم الحجية في الموضوعات الخارجية, وهذا التفريق غير واضح اذا كان مستند المشهور في اثبات الحجية في باب الاحكام هو السيرة العقلائية, فهي لا تفرق بين أن يكون المنقول حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي, فالملاك في البناء على حجية خبر الثقة فيها هو الكاشفية الثابتة لهذا الخبر بأعتبار أن المخبر ثقة وعدل وكونه كذلك يعطي درجة من الكاشفية عن الواقع, والعقلاء بنوا على حجية هذا الخبر بأعتبار الكاشفية, وحينئذ لا فرق بين ما ينقله هذا الثقة العادل سواء نقل حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي يترتب عليه اثر شرعي.
فالسيرة العقلائية إما أن نقبلها في كلا الحالتين وإما أن لا نقبلها فيهما.
نعم اذا كان مستندهم في ذلك غير السيرة العقلائية كما لو كان المستند هو الآيات الشريفة أو الاخبار أو سيرة المتشرعة فأن التفريق يكون واضحاً لأن هذه الادلة تختص بباب الاحكام, فمثلاً اية النفر تقول ﴿ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ ﴾[2] لا ليتفقهوا في الموضوعات الخارجية, وقول الرواية (افيونس بن عبدالرحمن ثقة اخذ عنه معالم ديني) ومعالم الدين ظاهرة في الاحكام والشبهة الحكمية, وهكذا سائر الادلة, وكذلك الكلام في سيرة المتشرعة فالسيرة العملية لأصحاب الائمة عليهم السلام هي العمل بخبر الثقة في نقل الاحكام الشرعية ولم تنعقد سيرتهم على العمل بخبر الثقة في الموضوعات الخارجية أو لا اقل من التشكيك في انعقاد السيرة في ذلك.
الأمر الثالث: هو ما ذكرنا من أن اغلب الادلة على حجية الخبر الواحد مختصة بباب الاحكام والشبهات الحكمية كآية النفر وآية الكتمان وآية السؤال وكذلك معظم الاخبار واردة في باب الاحكام وكذلك سيرة المتشرعة, نعم مورد آية النبأ بالخصوص هو موضوع من الموضوعات الخارجية, وبناءً على هذا يمكن التفريق بين الاحكام والموضوعات.
الأمر الرابع: أن السيرة العقلائية لا تكون حجة بما هي هي وإنما تكون كذلك اذا كانت ممضاة من قبل الشارع, والذي هو في واقعه يعني أن الامضاء هو الحجة لا نفس السيرة, والامضاء يتوقف على عدم الردع من الشارع ولابد من احراز عدم الردع لثبوت الامضاء ومن هنا يكون احتمال الردع فضلاً عن العلم به مانعاً من استكشاف الامضاء.
نأتي إلى اصل المسألة ونذكر ما ذكره السيد الخوئي (قد) هنا وفي مقامات اخرى حيث أنه استدل على حجية خبر الثقة الواحد أو العدل الواحد بدليلين:- الاول السيرة العقلائية والثاني الروايات الخاصة ومنها بعض روايات الباب الذي نتكلم عنه, أما بالنسبة إلى السيرة العقلائية فقد ذكر بأنها عمدة ما يستدل به على حجية خبر الواحد وهو يرى انها منعقدة وتامة ولا يفرق فيها بين الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية, ويقول لابد من الالتزام بتعميم الحجية للشبهات الموضوعية الا أن يقوم دليل خاص يمنع من الحجية في بعض الموارد فيلتزم بذلك كما في باب القضاء وباب الشهادات وهكذا, ثم ذكر أن مقتضى السيرة العقلائية اثبات الحجية للثقة وان لم يكن عادلاً.
وهناك اشكالان رئيسيان على الاستدلال بالسيرة العقلائية في محل الكلام:-
الاشكال الاول: التشكيك في انعقاد سيرة على العمل بخبر الثقة الواحد والعدل الواحد من باب أنه حجة تعبداً (الذي هو محل الكلام) وحاصل هذا التشكيك هو اننا نسلم ونعترف بأن العقلاء يعملون بخبر الثقة الواحد ويرتبون اثراً على كلامه لكن من قال أن عمل العقلاء هذا من باب الحجية التعبدية؟؟ فيمكن تخريج عملهم في الموضوعات على اسس اخرى فيمكن تخريجه على اساس حصول الاطمئنان (الشخصي) وليس غريباً أن يقال أن الاطمئنان يحصل بخبر الثقة الواحد في اغلب الحالات, كما لو اخبرنا الثقة مثلاً بأن زيداً قدم من السفر فأن الاطمئنان يحصل بذلك.
أو لعل عمل العقلاء يكون من باب الاحتياط, كما لو اخبر الثقة شخصاً بأن اباك يقول كذا فأنه يرتب اثراً على ذلك احتياطاً أو اخبره بأن سعر العملة السوقية ارتفع هذا اليوم فأنه يرتب اثراً على ذلك احتياطاً لا من باب حجية خبر الثقة.
وعلى هذا الكلام كيف يمكن الاستدلال بالسيرة العقلائية على حجية خبر الواحد وانه من باب الحجية التعبدية؟؟ فالحجية التعبدية التي يراد اثباتها على غرار الحجية التعبدية الثابتة لسائر الامارات الحجة المعتبرة, أي هي نفس الحجية التي تثبت لخبر الثقة الواحد في باب الاحكام, ومعنى الحجية التعبدية في باب الاحكام أن اخبار الثقة عن الامام عليه السلام لابد أن يُرتب عليه الاثر تعبداً وان لم يحصل الاطمئنان.
وقد يقال لا معنى للتعبد في عمل العقلاء فليس لديهم قضايا تعبدية, فلا معنى للقول بأنهم يعملون بخبر الثقة تعبداً, نعم خبر الثقة كاشف عن الواقع ويعملون به على اساس كاشفيته.
الاشكال الثاني: أنه على تقدير التسليم بإنعقاد السيرة على العمل بالخبر الثقة الواحد تعبداً لكن هذه السيرة مردوع عنها.
وقد استدل القائلون بالردع برواية مسعدة بن صدقة المعروفة (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، أو المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه ، أو خدع فبيع قهرا ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك ، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البينة)[3]
والاستدلال بذيل الرواية (والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البينة) فالذي يرفع الحلية هو احد امرين الأمر الاول أن يستبين لك الخلاف والأمر الثاني أن تقوم البينة على خلاف الحلية والاستدلال بالرواية هو أن يقال أن الرواية ظاهرة في حصر ما يوجب رفع اليد عن الحلية الاصلية بشيئين احدهما العلم والثاني قيام البينة, وخبر العدل الواحد لا يدخل في كل منهما, إذن هو ليس مما ترفع به اليد عن الحلية الثابتة على اساس كل شيء لك حلال وهذا يعني أنه ليس حجة.