37/05/05
تحمیل
الموضوع:- الشرط المتأخر للمأمور به ( أي الواجب ) - مقدّمة الواجب.
هذا وقد أشكل الشيخ النائيني(قده) على جواب الشيخ الخراساني(قده) باشكالاتٍ ثلاثة[1] :-
الاشكال الأوّل:- إنّ هذه الطريقة التي أشار إليها الشيخ الخراساني(قده) - وهي أن من قصد امتثال الوجوب الغيري فقد قصد بالتبع امتثال الاستحباب النفسي - تتم في من هو ملتفت ويعرف أن هناك استحباب نفسي وأن الوجوب الغيري تعلّق بالمستحب النفسي - فإن من اطلع هذين المطلبين يتم ما أفاده الشيخ الخراساني(قده) في حقه من أن من قصد امتثال الوجوب الغيري يكون قاصداً امتثال الاستحباب النفسي غايته يقصد بالواسطة وبالتبع - ، أما الذي يجهل كلّ هذا فكيف تقول عنه أنه لو قصد امتثال الوجوب الغيري فقد قصد امتثال الاستحباب النفسي ؟! كلا فإن القصد فرع الالتفات وهذا لا التفات له أبداً.
هكذا أشكل الشيخ النائيني(قده) ، وقد قبل من جاء بعده هذا الجواب منه.
ولكن يمكن أن يقال في الدفاع عن الشيخ الخراساني(قده) وذلك بأن نقول:- صحيح أنّ الذي أوجب عبادية الوضوء هو الاستحباب النفسي - ونحن نتكلم على طريق الشيخ الخراساني- ، لكن في مقام الاتيان بالوضوء بنحو العبادية هل يتحتّم أن اقصد الاستحباب النفسي الذي هو ولّد العبادية وهل ينحصر تحقيق العبادية في الوضوء بهذا الطريق فقط - يعني بأن اقصد الاستحباب النفسي - أو أنه يوجد طريق آخر يمكن من خلاله أن يصير الوضوء المأتي به عبادة وإن لم يكن هذا الطريق الآخر مولداً للعبادية ؟
نعم هناك طريق آخر:- وهو أن أقصد الوضوء لأنه واجب غيري ، إنه بهذا المقدر يصير الوضوء عبادة؛ إذ بالتالي أنا أتيت به لأجل أنه واجب غيري - أي لأجل أنه مطلوب لله عزّ وجلّ لكن بالطلب الغيري - وهذا يكفي لصيرورته عبادة وإن لم يكن هو المنشيء والمولّد للعباديّة ، فإنّ المولد للعبادية هو الاستحباب النفسي ، لكن بعد أن صار الوضوء عبادة من خلال الاستحباب النفسي ففي مقام اتصافه بالعبادية بالفعل والتقرب بالفعل هل يتوقف على أن أقصد فقط وفقط الاستحباب النفسي أو يمكنني من خلال طريق آخر أن أحقق العبادية وهو أن أقصد امتثال وجوبه الغيري ؟
نعم يمكن ذلك ، وهذا طريق ثانٍ لا بأس به.
وإذا قبلنا بهذا ارتفع الاشكال عن الشيخ الخراساني(قده) ، يعني من حقه أن يجيب ويقول:- إنَّ الاستحباب النفسي هو المولّد لعبادية الوضوء ولكن في مقام الاتيان به بنحو العبادية يكفي أن يقصد المكلف امتثال الوجوب الغيري أو أنّ الله عزّ وجلّ يريده فيقع الوضوء صحيحاً ، ولا يتمّ إشكال الشيخ النائيني(قده) - من أنه يلزم بطلان الوضوء في حق غالب الناس لأنهم لم يلتفتوا لكون الوضوء مستحباً نفسياً ... الخ -بل نحن نقول هناك طريق معبّد قصير للاتيان بالوضوء بنحو العبادية - وواضح أنه بعد أن تولّدت عباديته بسبب الاستحباب النفسي - فإنه في مقام جعله عبادة بالفعل لا يلزم أن نقصد الاسيتحباب النفسي بل نقصد أموراً أخرى كامتثال الوجوب الغيري ، وبهذا يرتفع اشكال الشيخ النائيني(قده) ، وبهذا أيضاً لا نحتاج إلى جواب الشيخ الخراساني(قده) وإنما هذه طريقة جديدة علمية ظريفة.
إن قلت:- إذا كان لا يلزم قصد الاستحباب النفسي الذي ولّد العبادية في اتصاف الوضوء بالعبادية ويكفي قصد أي وجوبٍ آخر فننقض عليك بأنّ لازم هذا أنّه في صلاة الظهر مثلاً سوف يصحّ للمكلف أن يأتي بها لأجل كونها مقدمة لصلاة العصر وشرطٌ لوقوع العصر صحيحة ، فأنا المكلف أأتي بصلاة الظهر لا لأجل وجوبها النفسي العبادي بل لأجل أن تصح صلاة العصر إذ من دون الاتيان بالظهر لا تصح العصر فهل تلتزم بأن هذا يكفي ؟
وهكذا في مثل الاعتكاف الذي يلزم فيه الصوم فأقول ( أأتي بالصوم في الاعتكاف لا لأجل أنه واجب عبادي مأمور به وإنما لأجل أنه شرط في صحة الاعتكاف ) ، فهل تلتزم بكفاية هذا ؟
إنه يلزم أن تكتفي بذلك؛ إذ على منوال ما ذكرت في الوضوء يأتي هنا ، فأنت في الوضوء قلت صحيحٌ أن الاستحباب النفسي هو الذي ولّد العبادية ولكن وقوعه خارجاً بصفة العباديّة لا يتوقف على قصد ذلك المولّد ، فتعال إلى هنا والتزم وقل إنَّ صلاة الظهر وجوبها النفسي وإن تولّد من الأمر النفسي ولكن ليس من اللازم أن أقصد ذلك الأمر النفسي بل يكفيني أن أقصد كونها مقدّمة لوقوع العصر صحيحة ، وهكذا بالنسبة إلى الصوم في الاعتكاف فأأتي بالصوم لا لأجل أنه مأمور به في الاعتكاف بالأمر الاستحبابي النفسي أو الوجوب النفسي بل لأجل أنه مقدّمة لصحّة الاعتكاف ، وهل تلتزم بذلك ؟
قلت:-
أوّلاً:- هذان المثالان يغايران محلّ كلامنا - يعني القياس أشبه بالقياس مع الفارق - فإنه في باب الوضوء يمكن أن نشير إلى الوضوء ونقول هو واجب بالوجوب الغيري ، وأنا حينما أقصد الوجوب الغيري تحققت بذلك العبادية ، فيكفي ذلك في الصحة ، وهذا بخلافه في المثالين فإنّ كون صلاة الظهر مقدّمة للعصر ليس سبباً لوجوبها الشرعي ، بل هي ليست واجبة شرعاً لأجل أنها مقدّمة ، فلا يوجد وجوبٌ من هذه الناحية حتى نقول يكفي قصده لتحقّق العباديّة ، ونحن نقول إنَّ قصد أيّ وجوبٍ يكفي لتحقّق العبادية ولكن يلزم أن تقصد وجوباً ، وهنا لا يوجد وجوبٌ حتى تقصده ، فكيف تقيس هذين المثالين على مقامنا إنه قياس مع الفارق !!
ثانياً:- يمكن أن نلتزم بالصّحة في هذين المثالين ونقول إنّه إذا أتى المكلف بصلاة الظهر لأجل أنها مقدّمة شرعاً وعند الله عزّ وجلّ للعصر الصحيحة فيمكن أن يقال هذا يكفي أيضاً لتحقّق القربيّة فيها ، وبالتالي يكفي لتحقق كونها صحيحة ، وهكذا بالنسبة إلى صيام الاعتكاف.