37/04/13
تحمیل
الموضوع:- ثمرة وجوب المقدّمة - مقدّمة الواجب.
وفيه:- إنّ وجوب المقدّمة شرعاً - أعني الوجوب الغيري للمقدّمة - إذا كانت له القابلية لازالة الحرمة بحيث متى ما تحقّق الوجوب تزول الحرمة - كما هو المفروض في الثمرة وهو أنّ هذا الوجوب الغيري على تقدير ثبوته يزيل الحرمة - فحينئذٍ ترتفع الحرمة عن الاجتياز حتى إذا لم نقل بالوجوب الغيري ، فانتفت الثمرة.
ولماذا ترتفع الحرمة حتى إذا لم نقل بالوجوب الغيري ؟
والجواب:- ذلك باعتبار أنّ الانقاذ إذا فرضناه أهم أو مساوياً والمفروض أنّه يتوقّف على الاجتياز فهنا العقل يحكم بلابدّية الانقاذ ودخول المغصوب واجتازه ، فبعد حكمه بلزوم الانقاذ فلابد وأن يقول العقل لابدّ وأن تجتاز المغصوب ، وهذا المقدار صالحٌ لأن يزيل الحرمة عن الاجتياز - يعني وجوب الانقاذ مع الانضمام إلى لابدّية الاجتياز عقلاً لتحقيق الانقاذ - فهذا الوجوب الشرعي للانقاذ بإضافة لابدّية الاجتياز تحقيقاً للانقاذ هو بنفسه كافٍ لإزالة الحرمة عن الاجتياز سواء قلنا بالوجوب الغيري أو لم نقل به ، فثبوت الوجوب الغيري ليس هو النكتة لارتفاع الحرمة ، بل حتى إذا لم نقل بثبوت الوجوب الغيري يكفي لارتفاع الحرمة ما أشرنا إليه.
إذن زوال الحرمة عن الاجتياز لا يتوقّف على ثبوت الوجوب الغيري.
الثمرة الرابعة:- أن يفترض أنّ واجباً من الواجبات هو علّة تامّة لتحقّق الحرام ، يعني متى ما تحقّق الواجب فسوف يتحقّق الحرام حتماً.
ومثاله:- ما لو فرضنا أنّ العدو تترّس بالمؤمنين الضعفاء من النساء والعجزة والحفاظ على بيضة الاسلام أو القضاء على العدو يتوقّف على قتل هؤلاء الذين تترّس بهم ، فصار الواجب علّة تامّة إلى ارتكاب الحرام ، ونفترض أنّ الواجب كان أهمّ - مثل الحفاظ على بيضة الاسلام فإنه أهم - ، إنّه في مثل هذه الحالة تظهر الثمرة.
فإذا لم نبنِ على أنّ مقدّمة الواجب واجبة[1] أو مقدّمة الحرام حرام:- فسوف تتحقّق مزاحمة بين دليل وجوب الحفاظ على بيضة الاسلام ودليل حرمة قتل الأبرياء لا تعارض لأنّه يوجد موضوعان لكلّ موضوعٍ حكمه - فإنّ هذا هو باب التزاحم ولكن لا يمكن امتثالهما معاً - ، بينما في باب التعارض يوجد موضوعٌ واحدٌ له حكمان ، فينبغي التفرقة بينهما ، فلذلك إذا فرض أنّه يوجد موضوعٌ واحدٌ له حكمان يصير تكاذبٌ في عالم التشريع لأنّه في عالم التشريع لا يمكن إصدار حكمين إلى موضوعٍ واحدٍ ، أما إذا كانا موضوعين فلكلّ واحدٍ منهما حكمٌ ولكن اتفاقاً في عالم الخارج صار بينهما اجتماع فهنا نقول صار بينهما تزاحم.
وفي موردنا إذا لم نبنٍ على أنّ المقدّمة واجبة ولم نبنِ على أنها محرّمة فيكون عندنا موضوعان لكلّ واحدٍ منهما حكمه أحدهما الحفاظ على بيضة الاسلام والثاني هو قتل الابرياء ، فكلٌّ له حكمه فيحصل بينهما تزاحمٌ في عالم الامتثال فنطبّق قواعد باب التزاحم وهو تقديم الأهمّ ملاكاً - سواء كان أهم ملاكاً جزماً أو احتمالاً -.
وأمّا إذا بنينا على أنّ مقدمة الواجبة واجبة أو أنّ مقدّمة الحرام حرام:- ففي مقامنا سوف يتحقق التعارض بين الدليلين ، لأجل أنّ دليل حرمة قتل الأبرياء يحرّم المقدّمة والعلّة له ، والعلّة التامّة لقتل الأبرياء هو الحفاظ على بيضة الإسلام ، فيصير الحفاظ على بيضة الإسلام محرّماً لأنّه مقدّمة لقتل الأبرياء - أي مقدّمة للحرام - ، فبناءً على أنّ مقدّمة الحرام حرام سوف يصير حراماً والمفروض أنّه واجبٌ ، فاجتمع إذن كلا الحكمين الوجوب والحرمة في موضوعٍ واحدٍ وهو الحفاظ على بيضة الإسلام ، فالحفاظ صار واجباً وصار محرّماً ، وإذا صار تعارض يعني أنّ هناك تكاذبٌ في باب التشريع ، فنطبق قواعد باب التعارض لا قواعد باب التزاحم .
وهذه الثمرة ذكرها السيد الشهيد(قده) في الحلقة الثالثة[2] ولم يذكرها في التقرير ، وأشار إليها السيد الروحاني(قده) أيضاً في منتقى الأصول[3] .
وقبل أن نذكر الجواب نقول:- ما هو الفارق بين هذه الثمرة وبين الثمرة السابقة ؟
ولماذا يلزم أن نفترض أنّ الواجب أهم ؟
أما بالنسبة إلى السؤال الأوّل فقد يقول قائل:- إنّ الفرق بين هذه الثمرة والثمرة السابقة واضحٌ ، فإنّه في الثمرة السابقة كنّا نفترض أنّ الانقاذ - أي الواجب - يتوقّف على اجتياز المغصوب ، يعني كنّا نفترض أنّ الواجب هو ذو المقدّمة والاجتياز هو المقدّمة ، فإذن في الثمرة السابقة كنّا نفترض أنّ الحرام هو ذو المقدّمة والاجتياز هو المقدّمة الذي هو حرام ، بينما هنا فبالعكس ، فالذي صار مقدمةً هو العلّة التامّة يعني الواجب وهو الحفاظ على بيضة الإسلام ، فالواجب الذي هو علّة تامّة هو المقدّمة لأنّ العلّة التامّة هي المقدّمة والحرام صار بمثابة ذا المقدّمة ، فالقضية عكسية.
وجوابه واضح حيث يقال:- إنّ هذا لا يؤثر في مسألة التعارض والتزاحم ، فإن التعارض والتزاحم يمكن تطبيقه في الثمرة السابقة أيضاً فنقول هكذا:- إذا قلنا إنّ مقدّمة الواجب ليست واجبة فالاجتياز سوف يصير ليس بواجب بل هو حرام فقط ، والانقاذ واجبٌ ، فهما موضوعان كلّ له حكمه المستقل فلا تعارض ، بل يحصل بينهما تزاحم.
وإذا بنينا على أنّ مقدّمة الواجب واجبة يحصل التعارض بينهما لأنّ دليل وجوب الانقاذ سوف يدلّ على حكمين الأوّل يجب الانقاذ والثاني يجب الاجتياز فيتعارض ذلك مع دليل حرمة الاجتياز في المغصوب ، فصار تعارضٌ . ففكرة التعارض والتزاحم كما يمكن تطبيقها في هذه الثمرة الرابعة تأتي في الثمرة الثالثة ، ومجرّد أنه في أحدهما فرض أنّ الواجب هو ذو المقدّمة وفي الأخرى هو المقدمة لا يصلح أن يكون فارقاً ، بل ينبغي أن يقال إنّ الثمرة هي التزاحم والتعارض ، فعلى وجوب المقدّمة يحصل تعارضٌ ، وعلى عدم الوجوب يحصل تزاحمٌ ، وهذا له موردين ومثالين فمرّةً يصير الواجب هو ذا المقدّمة ، ومرّةً يصير هو المقدّمة ، وهذا لا يؤثر ، ولا داعي لعقد ثمرتين.