37/03/29
تحمیل
الموضوع:- مقدمة الواجب.
الإشكال الثاني:- ما أفاده الشيخ النائيني(قده) أيضاً[1] ، من أنّه يلزم محذور التسلسل.
وبيان ذلك:- إنّ المقدّمة الموصلة بناءً على وجوبها هي مركّبة من جزأين هما ذات المقدّمة وحيثية الإيصال ، وكلٍّ من هذين الجزأين هو مقدّمة ، وكيف يكون هو مقدّمة ؟ وأين ذو المقدّمة ؟ إنّ ذو المقدّمة هو الكلّ المركّب ، فالكلّ المركّب هو ذو المقدّمة ، وكلّ واحدٍ من الأجزاء مقدّمة لتحقّق الكلّ المركّب ، وهذا ما يصطلح عليه بالمقدّمة الداخلية ، فالصلاة مثلاً مركّبة من سجودٍ وركوعٍ وغير ذلك ، فكلّ جزءٍ تستطيع أن تقول هو مقدّمة لكنّه مقدّمة للصلاة - للكلّ - ويعبّر عنه بالمقدّمة الداخلية كمصطلحٍ في مقابل المقدّمة الخارجيّة التي هي الشرط كالقبلة وطهارة الثوب وما شاكل ذلك ، فإذن كلّ جزءٍ صار مقدّمةً لكنّه مقدّمة داخلية.
فإذن كلّ واحدٍ من هذين الجزأين هو مقدّمة ولكنّه مقدمة إلى الكلّ المركب ، فالكلّ المركّب هو ذو المقدّمة ، وكلّ واحدٍ من هذه الأجزاء هو مقدّمة لذلك الكلّ.
ثم نقول:- نأخذ الجزء الأوّل - أعني ذات المقدّمة الذي جعلناه الآن جزءاً ومقدّمةً - ونسأل ونقول إنّه بعدما كانت مقدّمة يلزم أن يتوجّه الوجوب الغيري إليها لأنّ المقدّمة يتوجّه الوجوب الغيري إليها فنقول هل هذا الوجوب الغيري يتوجّه إلى ذات المقدّمة - وقصدي من المقدّمة هي الجزء الأوّل أمّا الجزء الثاني وهوحيثية الإيصال فلم ننظر إليه الآن - ولو لم تكن موصلة أو مع قيد الإيصال إلى ذي المقدّمة - أعني لكلّ المركب - ؟ فإن قلت:- إنّ الوجوب الغيري ينصبّ على ذاتها من دون قيد الإيصال فحينئذٍ نقول ما الفرق بين هذه المقدمة وبين سائر المقدّمات ؟ فقل في جميع المقدّمات أنَّ الوجوب الغيري ينصبّ على ذات المقدّمة فلماذا تقول في هذا إنَّ الوجوب الغيري ينصب على ذات المقدّمة من دون قيد الإيصال بينما في سائر الموارد تقول ينصبّ على المقدّمة بقيد الإيصال فإنّ هذا غير ممكن ؟!! فالوجوب الغيري إذا كان ينصبّ على ذات المقدّمة فليزم أن ينصبّ على ذات المقدّمة في جميع المقدّمات ، وإذا كان ينصبّ على الموصلة فيلزم أن ينصبّ على الموصلة في جميع المقدّمات ، فهنا حينما قلت إنّه ينصبّ على ذات المقدّمة فهذا معناه إنّه ينصبّ على ذات المقدّمة في كلّ المقدّمات وهذا مانريده ، خلافاً لك حيث أنّك تقول - يا صاحب الفصول - إّ الوجوب الغيري ينصبّ على المقدّمة الموصلة فثبت بطلان ما تقول ، والصحيح هو ما نقول - يعني ينصبّ على ذات المقدّمة في كلّ المقدّمات.
وأمّا إذا اخترت الشقّ الثاني - يعني ينصبّ على المقدّمة بقيد الإيصال إلى ذي المقدّمة الذي هو الكلّ المركّب - فحينئذٍ نقول:- إنَّ المقدّمة بقيد الإيصال هي مركّبة من جزأين هما ذات المقدّمة زائداً قيد الإيصال إلى الكلّ المركّب ، ونكرّر نفس الكلام فنقول:- نذهب إلى الجزء الأوّل - يعني ذات المقدّمة - ونقول هل الوجوب الغيري ينصبّ على ذات المقدّمة - ويلزم أنّه يكون هكذا في كلّ المقدّمات - أو ينصبّ عليها بقيد الإيصال إلى الكلّ المرّكب ، فحينئذٍ نقول إنّ المقدّمة بقيد الإيصال إلى الكلّ المرّكب هي مركّبة من جزأين ..... فيأتي نفس الكلام ، فيلزم التسلسل.
ويردّه:-
أوّلاً:- إنّ كلّ هذا البيان مبنيٌّ على أنّ الجزء مقدّمة وأنها واجبة بالوجوب الغيري ، ولكن هناك كلام نحن لم نتعرض إليه سابقاً لأجل أن نطوي بعض المطالب العلمية التي هي مجرد ترفٌ فكري وأحدها هذا المطلب فإنّا قد طويناه سابقاً ، والآن نشير إليه بصورة مجملة :- فإنّه وقع كلام في أنّ الصلاة حينما نقول هي مركّبة من ركوع أو سجود و..... هل هذا الركوع مقدّمة أو ليس بمقدّمة ؟ وعلى تقدير كونه مقدّمة هل هو واجب بالوجوب الغيري أو لا ؟
هناك كلامٌ ، فقد يقال هو أصلاً ليس بمقدمة ، باعتبار أنّ الجزء عين الكلّ وليس غيره فيلزم اتحاد المقدّمة مع ذي المقدّمة والحال أنّ المقدّمية فرع المغايرة ، فالأجزاء لا تصير مقدّمةً لأنها عين الكلّ غايته بشرط الاجتماع ، فهي عين الكلّ فإنّ كلّ جزءٍ بشرط الاجتماع هو الكلّ المركّب ، فلا تحصل اثنينية حتى تثبت المقدّمية ومقدّمية شيءٍ لشيءٍ فرع الاثنينة بينهما وهنا لا توجد اثنينين.
وحاول صاحب الكفاية(قده) التغلّب على هذه المشكلة فقال:- إنّه توجد مغايرة بين الكلّ والجزء حيث قال إنّ الجزء يكون جزءاً إذا أخذ بشرط لا ، يعني بشرط عدم الانضمام إلى الأجزاء الأخرى والكلّ هو عبارة عن الجزء بشرط شيءٍ - يعني شرط الاجتماع - ، فصارت مغايرة بين الجزء وبين الكلّ ، فالأجزاء إذا أخذت بشرط الاجتماع كانت عين الكلّ ، وإذا أخذت بشرط عدم الاجتماع كانت أجزءً ، فتحقّقت المغايرة ، فحصلت المقدّمية ، لأنّ المقدمية تحتاج إلى مغايرة وهذه مغايرة.
ولكن قد يقال في ردّه:- إنّ هذه مغايرة اعتبارية ونحن نريد مغايرة خارجية ، فالمقدّمية فرع الاثنينة في عالم الخارج لا في عالم الاعتبار ، وأنت أوجدت المغايرة في عالم الاعتبار وليس في عالم الخارج ، ففي عالم الخارج الأجزاء من الركوع والسجود مع الصلاة هي واحدة لا مغايرة بينهما فكيف تصير مقدّمية ؟!!
ولو سلّمنا بثبوت المقدّمية نقول:- إنّه يمكن أن يقال لا تتصف هذه المقدّمة الداخلية بالوجب الغيري لأنّه لخصوصية فيها - وهي أنها متّصفة بالوجوب النفسي - فالأجزاء من الركوع والسجود متّصفة بالوجوب النفسي فكيف تتّصف بالوجوب الغيري فإنّ هذا اجتماع وجوبين واجتماع مثلين وهذا غير ممكن ، والتأكد لا يمكن للمخالفة في عالم الرتبة.
إذن خلاصة ما أفاده الشخ النائني(قده) مبنيٌّ على أنّ أجزاء المركّب هي مقدّمات ، ومبنيٌّ على أنّ المقدّمات الداخلية - التي هي أجزاء - قابلة للاتصاف بالوجوب الغيري وهذا لم يثبت.
وأنا لا أريد أن أسجل هذا كأشكالٍ وإنما أردت بيان واقع ، واتضح أن ما أفاده يجري على بعض المباني ، وكلٌّ على مبناه.
ثانياً:- وهو المهم - ذكرنا فيما سبق أنّ قيد الإيصال يؤخذ بنحو المشيرية إلى ذات المقدّمة ، يعني يريد أن يقول المولى ( هذه هي المقدّمة المحبوبة لي والمرادة لي ) - أي السفر الذي حصل بعده الحج - ، فهو يريد أن يشير ، وهو مأخوذٌ بنحو المشيريّة ، ومعه فلا يلزم التحريك إلى قيد الإيصال ، فالمقدّمة الموصلة لا ينصبّ الوجوب فيها على جزأين أحدهما ذات المقدّمة والثاني قيد الايصال ، وإنما المقدّمة الموصلة هي بسيطة وليست مركّبة من جزأين ، فالبيان الذي ذكره الشيخ النائيني(قده)مبنيٌّ على أنّ المقدّمة الموصلة مركّبة من جزأين ، والتركب من جزأين يبتني على أنّ قيد الإيصال يكون مأخوذاً كقيدٍكسائر القيود التي يحرّك نحوها الوجوب - كقيد طهارة الثوب مثلاً - ، أما إذا قلنا إنّه مأخوذٌ بنحو المشيريّة والمرآتية فلا يلزم تحريك نحوه ، وبالتالي لا يلزم أن تكون المقدّمة الموصلة مركّبة من جزأين حتى يأتي ما أشار إليه(قده).