37/04/12
تحمیل
الموضـوع:- حكم الأناشيد والتصفيق والرقص والزغاريد - مسألة ( 17 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
هذا ولكن ينبغي الالتفات إلى أنّ الرقص يشتمل على عنوان ثانويّ:- وهو تهييج الغرائز والشهوة ، يعني من شأنه ذلك؛ إذ أن فيه تحريكاً للمواضع الحسّاسة في البدن والذي يرى ذلك يتهيّج ، فمثار التهييج موجودٌ فيه وهذه قضة ليست قابلة للإنكار ، على أنّه في حدّ نفسه صفة غير محبّذة وغير إيجابية فالتشجيع عليها من قبل الفقيه ليس أمراً حسناً ، وإذا أفتى بالجواز كان ذلك نحواً من التشجيع على هذه الصفة ، فلذلك من المناسب للفقيه أن لا يفتي بالجواز للمحذور الذي أشرنا إليه ، كما أنه لا يفتي بالحرمة باعتبار أنّه لم يتمّ دليلٌ بالشكل المعتبر على الحرمة ، فيصير إلى الاحتياط الوجوبي بالترك ، أو يقول ( فيه إشكال ) الذي هو بحكم الاحتياط الوجوبي ، إنّ هذه قضية ينبغي مراعاتها.
ولا نوافق السيد الخوئي(قده) حيث كان يفتي بالجواز ، ومن يراجع صراط النجاة يرى فتواه صريحة في ذلك ، ولكن من المناسب ملاحظة هذه القضيّة التي أشرنا إليها.
إن قلت:- إنّ هذا عبارة أخرى عن مسألة سدّ الذرائع وإعمال الاستحسان ، فنحن وإن كنّا نتهرّب ونرفض هذه المصطلحات ولكن بالتالي صرنا إليها من حيث لا نشعر ولا نريد ؟
قلت:- إنّ من يبني على هذه المصطلحات هو يجزم ويفتي استناداً إليها ، ونحن لا نفتي إلا على طبق الجزم والاطمئنان وأما إذا لم يحصل ذلك فالظن ليس بحجّة عندنا ، ومسألة الاستحسان وغير ذلك لا تورث إلا الظنّ فلذلك لا نعتمد على مثل هذه الأمور ، وإنما نحن نتوقّف عن الفتوى بالجواز وفرقٌ بين الأمرين ، يعني بين أن نفتي بالحرمة فحينئذٍ يقال هذا تمسّكٌ بمسألة سدّ الذرائع أو الاستحسان وبين أن لا نفتي بالجواز ولا نفتي بالحرمة بل نصير متوقّفين فيقول الفقيه فيه إشكال أو أنّ الاحتياط عدمه وهو شيءٌ جيّدٌ ، فمتى ما لاحظ الفقيه أنّه سوف تترتب مفاسد وما شاكل ذلك فالتوقّف في الفتوى بالجواز يكون أمراً وجيهاً.
وبهذا يندفع الإشكال:- بأن هذا فتوى بلا علم والفتوى بلا علم وبلا دليل لا تجوز والمفروض أنّه لا دليل على الحرمة فكيف تفتي بهذا ؟
فجوابه:- بأنّا لا نفتي بالحرمة وإنما نتوقّف من الحكم بالجواز ، والتوقّف في الحكم بالجواز ليس نحواً من الفتوى.
إذن المناسب التوقّف بنحو الاحتياط أو فيه إشكال كما أشرنا.
وهذا من دون فرقٍ بين الرجال والنساء ، فقد ترقص المرأة أمام النساء فيأتي ما ذكرنا من الاحتياط والإشكال ، وكذلك الحال بالنسبة إلى الرجال.
نعم نستثني من ذلك رقص الزوجة لزوجها فإنّه لا مانع منه إذ غاية ما فيه هو تهييج الزوج وهو شيءٌ مطلوب.
وهكذا لو فرض أنها كانت ترقص وحدها إذ الجنبة التي توقّفنا لأجلها هو التأثير على المجتمع وهذا التأثير لا يحصل لو فرض أنها ترقص لوحدها - أو يرقص الرجل وحده - ، فلا مانع منه من هذه الناحية.
وأمّا بالنسبة إلى التصفيق:-
فالمناسب جوازه ، لأنه لا يشمله أي عنوانٍ محرّمٍ حتى نحكم بحرمته ، والعناوين الثانوية لا تنطبق عليه عادةً ، فلا مشكلة من هذه الناحية.
بيد أن الشيخ الأعظم(قده) على مذاقه يحكم بالحرمة ، فإنه يذهب إلى حرمة عنوان اللهو - على ما هو الظاهر من بعض كلماته - ، والتصفيق داخلٌ تحت هذا العنوان ، ومن هنا قال(قده):- ( نعم لو خُصّ اللهو بما يكون من البطر وفسّر بشدّة الفرح كان الأقوى تحريمه ، ويدخل في ذلك الرقص والتصفيق والضرب بالطشت بدل الدفّ وكلّ ما يفيد فائدة آلات اللهو )[1] .
ونحن نصلح ونرمّم ما أفاده(قده) فنقول:- لابد وأنّه لا يقصد التصفيق العادي فإنّ هذا لم ينشأ من شدّة الفرح والبطر ، بل بقصد التصفيق غير المتعارف والذي ويكون بين أصحاب الدنيا والفسوق والفجور ، فذلك التصفيق هو الناشئ من شدّة الفرح والبطر.
وعلى أيّ حال عرفت ممّا سبق أن لا دليل على حرمة اللهو بعرضه العريض كما قلنا فإنّ هذا واضح وإلا يلزم حرمة مثل اللعب بالمسبحة وغير ذلك ، ولا توجد طبقة متوسّطة متعيّنة حتى يمكن القول بأنها هي المقصودة ونحمل عليها حرمة هذا العنوان ، فيحصل إجمالٌ فنأخذ بالقدر التيقّن وهو الغناء الذي يكون طربيّاً.
نعم نستثني بعض الموارد التي ينطبق فيها بعض العناوين الثانوية ، كما إذا كان التصفيق موجباً للهتك والاهانة كما ربما يقال في بعض مواليد أهل البيت عليهم السلام يكون التصفيق فيها قويّاً فقد لا يتناسب مع مقام صاحب المناسبة ، فإذا فرض هكذا فهذا إهانة إلى المقام السامي لصاحب المناسبة فيكون محرّماً من تلك الجهة.
وهكذا إذا كان التصفيق تأييداً لباطلٍ ، كما لو انعقد مجلس محرّم لأهل الجور والفسوق فنصفّق ، فالتصفيق ينطبق عليه آنذاك عنوان التأييد لهذا الخطّ المنحرف ، فإذا انطبق على التصفيق عنوان ثانويّ موجب للتحريم فآنذاك يكون محرّما ، ولا أقل يكون المجال مفتوحاً للاحتياط الوجوبي بعدم الجواز ، أمّا إذا لم ينطبق عنوان ثانوي فحينئذٍ لا بأس به وهو جائز.
الزغاريد:-
والمقصود منها الهلاهل وهي جمع هلهولة ، والتي هي متعارفة بين النساء ، فقد نقل صاحب الجواهر(قده) تحريم ذلك عن بعض مشايخه[2] ، وأيضاً هذا هو المناسب لمذاق ومباني الشيخ الأعظم(قده) فإنّه وإن لم يتعرّض إلى حكم الزغاريد ولكن المناسب أنّه يميل إلى التحريم للّهو فإذا كان اللهو حراماً عنده فيلزم أن تكون الزغاريد محرّمة ، خصوصاً إذا كانت ناشئة من شدّة الفرح والبطر على ما فسّره هو(قده)وما ذهب إليه سابقاً.
ولكن المناسب هو الجواز لعدم الدليل على التحريم ، اللهم إلا إذا انطبق عنوان ثانوي ، كما لو كانت أصوات الزغاريد تصل إلى الرجال وتوجب الإثارة فيدخل تحت الكبرى الكلّية التي أشرنا إليها سابقاً وهي قوله تعالى:- ﴿ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ﴾[3] فإذا استفدنا أنّ كلّ ما يوجب الإثارة والطمع هو مبغوض فحينئذٍ لا يجوز.
وهكذا لو فرض أنّه كان في مناسبة المواليد بشكلٍ يوجب الإهانة لصاحب المناسبة فهنا يحرم أيضاً بالعنوان الثانوي.
وإذا شكّكنا في أنّ هذا إهانة لصاحب المقام أو لا ؟ فنبني على البراءة لأنّ الشبهة تصير موضوعيّة تحريميّة فيشملها حديث ( رفع عن أمتي ) وما شاكل ذلك بلا تأمّل.
المورد الرابع[4] :- الغناء في القرآن الكريم.
ربما يظهر من بعض عبائر السبزواري(قده) الجواز ، بتقريب:- أنّه وردت روايات تحثّ على قراءة القرآن بالصوت الحسن وبالصوت الحزين وعادةً الصوت الحزين والحسن هو غناءٌ ، فإذا دلّت الرواية على جواز أو رجحان قراءة القرآن بالصوت الحسن فهي تدلّ إذن على جواز قراءته قراءةً غنائيةً ، ونصّ عبارته:- ( ولا خلاف عندنا في تحريم الغناء في الجملة والأخبار الدالّة عليه متضافرة ، وصرّح المحقّق وجماعة ممن تأخر عنه بتحريم الغناء ولو كان في القرآن لكن غير واحد من الأخبار يدل على جوازه بل استحبابه في القرآن بناءً على دلالة الروايات على جواز حسن الصوت والتحزين والترجيع في القرآن بل استحبابه ، والظاهر أن شيئاً منها لا يوجد بدون الغناء على ما استفيد من كلام أهل اللغة وغيرهم )[5] .