37/02/04
تحمیل
الموضوع:- حكم ارتفاع العذر بعد انتهاء الوقت - أي حكم القضاء - مبحث الإجـــزاء.
وفيه:- إنّ المكلف حينما يأتي بعملٍ يحتاج إلى مؤمّنٍ ومثبتٍ لكون هذا العمل صحيحاً ومفرغاً للذمّة وإلا فلا ينفع مثل هذا العمل ، وهذه قضية مسلّمة ، وحينئذٍ نقول:- إذا احتجنا إلى مؤمّنٍ يُثبت صحّة هذا العمل وهو من قبيل الشك بعد التجاوز أو بعد الفراغ فإنّ الروايات دلّت على أنّ ( كلّ ما مضى فأمضه كما هو ) ، ولكن نحتاج هذا المؤمّن إلى أيّ فترة ؟ فهل نحتاجه إلى فترة يومٍ أو شهرٍ أو سنةٍ أو نحتاجه إلى آخر العمر ؟ المناسب هو أنّ المكلف يحتاج المؤمّن إلى آخر حياته ولا يكفي وجوده لفترة يومين أو ثلاثة أو .... ، هكذا يقول العقل.
فأذا قبلنا بهذا فنقول:- إنّ الأعمال السابقة حين التقليد الأوّل كان يوجد لها مؤمّن وهو فتوى المجتهد الأوّل فإنّها حجّة في حقّه ، بيد أنّ المفروض أنّه مات وحجية آرائه زالت بموته وإلا لكنت أبقى على تقليده ، والمفروض أنّي عدلت عن تقليده إلى تقليد الثاني ، فلمّا عدلت إلى تقليد الثاني فأنا احتاج إلى حجّة بعد عدولي عن تقليد الأوّل والمفروض أنّه ليس بحجّة فإنّ الأوّل لو كان رأيه حجة إلى آخر عمري لما كان هناك حاجة إلى تقليد الثاني والعدول إليه ، فالمفورض أنّ الأوّل مات والميت لا يجوز تقليده مثلاً فأحتاج إلى حجّةٍ وتلك الحجّة قد زالت فمادام قد زالت فحينئذٍ لا تكفيني تلك الأعمال ولابد وأن تكون عندي حجّة جديدة.
نعم لو كان الثاني يوافق الأوّل في الرأي لكان هذا حجّة أيضاً واستعين به ، ولكن المفروض أنّ الثاني يخالفه في الرأي فانقطعت الحجّة بموت الأوّل ، وعلى هذا الأساس لا إجزاء لتلك الأعمال التي أتيت بها طبق الحجّة الأولى ، ولكن لا من باب أنّه انكشف بطلانها حتى يقول القائل إنّه من قال إنّ الحكم الواقعي هو الأوّل ومن قال الصحيح هو الأوّل بل لعلّ الصحيح هو الثاني ؟ كلّا بل ليس من هذه الناحية فإنّ الله تعالى هو العالم بالواقع ، ولكن أنّا كمكلّفٍ يلزم أن تكون عندي حجّة معذّرة دائماً إلى آخر حياتي ، والمستند لذلك هو العقل ، فالعقل يقول إنَّ لازم الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، والفراغ اليقيني يتحقق إذا كان عندي مؤمّنٌ يثبت أنّ عملي كافٍ ، أما إذا لم يوجد عندي مؤمّنٌ فحينئذٍ لا يقول لي العقل هذا كافٍ بل يقول لي العكس - أي الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني - ، فأنا احتاج إلى مؤمّنٍ إلى حين الموت ، وهذه مقدّمة قد سلّمناها.
ثم أأتي إلى مقدّمة ثانية:- وهي أن أقول إنّ المؤمّن الذي كان موجوداً عندي وهو فتوى الأوّل وقد انقطع أمده بموته ، فإذا انقطع هذا المؤمّن فحينئذٍ لا إجزاء.
إن قلت:- لماذا انقطع هذا المؤمّن ؟
قلت:- لو كان هذا المؤمّن موجوداً لكان يجوز لي أن أعمل بآرائه بعد موته ، ولكن المفروض أننا قلنا أنّه لا يجوز ذلك بعد موته ولابد من الانتقال إلى حجّةٍ جديدة ، فلايجوز حينئذٍ العمل على رأيه بعد موته ، فانقطعت هذه الحجّة ، فتبقى هذه الفترة الباقية بلا مؤمّنٍ فتحتاج إلى مؤمنٍ ، والمؤمن ما هو ؟ إنّه إذا عملت على طبق الرأي الثاني كان لي مؤمّنٌ ، ويبقى هذا مؤمنا لي ويستمر معي ، فإن بقيت على تقليد هذا المجتهد الثاني إلى موتي فالمؤمّن مستمر.
فإذن نحتاج إلى الإعادة لا من باب أنه انكشف بالتقليد الثاني بطلان الرأي الأوّل ، بل لعلّ الرأي الثاني هو الباطل ولا مرجّح لهذا على ذاك ، بل تمام النكتة هي أنّ المكلّف حينما يعمل عملاً فهو يحتاج دائماً إلى مؤمّنٍ مسترٍّ إلى آخر حياته ، وبموت الأوّل انقطع المؤمّن ، والمؤمّن الآن يلزم أن يكون على طبق رأي المجتهد الثاني لأنّه هو الحجّة الآن في حقّه.
الوجه الخامس:- ما ذكره الشيخ الاصفهاني(قده)[1] وحاصله - إنّ الأحكام على قسمين وضعية وتكليفية ، وفي كليهما نحكم بالإجزاء.
ولكن توضيح ذلك يحتاج إلى مقدّمة حاصلها:- إنّ الأحكام وضعيّة كانت أو تكليفيّة لابد وأن تنشأ من ملاك ، فنحن لسنا كالأشاعرة فإنهم يقولون لا إجزاء ، أما نحن فنرى لابدّية ذلك وإلا يلزم من ذلك اللغو والقبح فإنّ الحكم بلا مصلحة لا يصدر من عاقلٍ ، أما الاشاعرة فهم يقولون إنّه لا يوجد قبيح وجمّدوا العقل عن الحكم بقبح الأشياء وحسنها.
فنحن نرى أنّ الأحكام تابعة للمصالح تكليفيةً كانت أو وضعية ، ولكن يوجد فارقٌ بينهما ، فالأحكام التكليفية هي تابعة للمصالح الثابتة في المتعلّق ، فمتعلق الحكم التكليفي هو الذي يشتمل على المصلحة ، فحينما قال عزّ من قائل:- ﴿ اقيموا الصلاة ﴾ فالمتعلّق هو الصلاة ويلزم وجود مصلحةٍ في المتعلّق ، فالأحكام تابعة للمصالح في متعلقاتها ، وأمّا في الأحكام الوضعيّة - يعني مثل اعتبار ملكيّة المشتري عند تحقّق البيع - فالمصلحة أين قائمة هل في المتعلق ايضاً ؟ كلّا فإنّ المتعلّق لاعتبار الملكية هو العين ، فالمولى أو العقلاء يعتبرون ملكيّة العين للمشتري والعين لا معنى لثبوت المصلحة فيها فإنّه مضحكٌ للثكلى ، وإنما المصلحة قائمة في نفس الملكيّة - أي في نفس اعتبار الملكية - ، ولا تقل هي قائمة في أصل الجعل فهنا الجعل مصطلحٌ خاصٌّ بالأحكام التكليفيفة أما الأحكام الوضعيّة فهي اعتبارات عقلائية.
وعلى هذا الأساس توجد المصلحة في نفس الاعتبار ، وهذه هي النكتة الفارقة بين الأحكام التكليفية والوضعيّة.
وباتضاح هذه المقدمة نقول:- إنّ عدم الإجزاء يمكن أن يتصوّر في الأحكام التكليفية ، إذ لقائلٍ أن يقول:- حيث إنّ المصلحة في الأحكام التكليفية لم تتحقّق إذ المفروض أنّ المصلحة قائمة بالمتعلّق وهو لم يُؤتَ به على نهجه الصحيح فيمكن أن يقال بعدم الإجزاء - وإن كنّا لا نوافقه كما سيأتي - ، ولكن في الأحكام الوضعيّة لا يوجد مجالٌ لأن يقال بأنّه ينكشف الخلاف فإنّ هذا لا معنى له إذ المفروض أنّ الاعتبار قد ثبت حقيقةً لفرض أن المصلحة ثابتة فيه ، ومادامت المصلحة ثابتة فيه فهو يكون حقيقياً ومتحقّقاً فلا معنى لانكشاف خلافه ، فالإعادة لماذا ولماذا عدم الإجزاء ؟!! هل لأنّ الاعتبار لم بتحقّق ؟ وجوابه واضحٌ إذ قد فرضنا أنّ الاعتبار قد تحّقق حقيقةً لفرض أنّ المصلحة ومتحقّقة وثابتة حقيقةً ، وإذا كان عدم الإجزاء لأجل أنّ المصلحة لم تتحقّق فالمفورض أنّ المصلحة ليست في المتعلّق حتى تقول لم يتحقّق المتعلّق منّي فلم تتحقّق المصلحة ، وإنما المصلحة ثابتة في أصل الاعتبار وليست في الاعتبار ، فلا موجب لعدم الإجزاء ولاعادة ، بل لا معنى لانكشاف الخلاف.
وأمّا الأحكام التكليفية فالحكم فيها هو الإجزاء أيضاً ، والوجه في ذلك:- هو أنّه بالتقليد الثاني لا تسلب الحجّية عن التقليد الأوّل من البداية ، بل التقليد الأوّل حجّة من البداية ولكن تزول حجيته بالتقليد الثاني ، فالأعمال المأتي بها في تلك الفترة تكون مأتياً بها على طبق الحجّة في زمانها ومن الآن يلزم الإتيان بالأعمال على طبق الحجّة الثانية ، أمّا في تلك الفترة فالاعمال مأتيٌّ بها على طبق الحجّة الشرعيّة فلماذا عدم الإجزاء ؟!!
وهذا الوجه هو نفس الوجه الرابع وسوف نجيب عليه بنفس الجواب.