37/03/16
تحمیل
الموضوع:-مقدمة الواجب.
وأمّا الرأي الثاني أعني رأي الشيخ الأعظم(قده):- ففي البداية لابد وأن نعرف الفوارق بينه وبني رأي صاحب المعالم(قده) فهناك فارقان:-
الأوّل:- إنّ صاحب المعالم أخذ القيد قيداً لوجوب المقدّمة، بينما الشيخ الأعظم أخذه قيداً للواجب وليس للوجوب، فصاحب المعالم قال هكذا ( تجب إذا أراد المكلّف فعل ذي المقدّمة ) فهذا القيد - يعني ( إن أراد فعل ذي المقدمة ) - هو قيد لوجوب المقدمة فإن لم يرد فعل ذي المقدّمة فلا وجوب للمقدمة وإن أراد وجبت المقدّمة فيصير وجوب المقدّمة وجوباً مشروطاً ومقيداً.
أمّا الشيخ الأعظم فهو يجعل القيد للواجب أي لمتعلّق الوجوب، فالوجوب عنده مطلقٌ ولكن متعلّق الوجوب الغيري حصّة ضيقة وهو المقدّمة التي قصد بها التوصل إلى فعل ذي المقدّمة، فمتعلّق الوجوب - أعني الواجب - هو المقيّد نفس الوجوب.
الثاني:- إنّ القيد عند صاحب المعالم هو إرادة فعل ذي المقدّمة، بيما القيد عن الشيخ هو إرادة التوصّل إلى فعل ذي المقدّمة - يعني يتوّصل بفعل المقدّمة إلى فعل المقدّمة -، فالقيد هو قصد التوصّل بالمقدّمة إلى فعل ذي المقدّمة، وهذا قيدٌ أخر غير القيد الذي ذكره صاحب المعالم فإن الذي ذكره صاحب المعالم هو إرادة فعل ذي المقدّمة أمّا التوصّل فلم يأخذه بعين الاعتبار.
وباتضاح ذلك نقول:- ما هو الحجة والمستند فيما ذكره الشيخ الإعظم من أنّ الواجب بالوجوب الغيري هو المقدمة التي قصد بها التوصل ؟
والجواب:- إنه لم ينسب له دليلٌ واضح، ولكن يمكن أن يستدلّ له بالدليلين التاليين:-
الدليل الأوّل:- إنّ الواجب بالوجوب الغيري هو عنوان المقدّمة ولا يتحقّق عنوان المقدّمة إلّا إذا قُصِدَ العنوان المذكور - أي عنوان المقدمة -، ولا يتحقّق قصد عنوان المقدّمة إلّا بقصد التوصّل إلى ذي المقدّمة، فإنّ الإنسان إذا قصد عنوان المقدّمة وقال أأتي به بما هو مقدّمة - أي مقدّمة لذي المقدمة - فهذا معناه أنه قصد التوصل فقصد التوصل لازم من هذا الباب.
وهذا البيان مركّب من مقدّمات ثلاث:-
الأولى:- إنّ الواجب بالجوب الغيري هو عنوان المقدّمة.
الثانية:- إنّ عنوان المقدّمة لا يتحقّق إلا بقصده فإذا قصدت عنوان المقدّمة فحينئذٍ تحقّق العنوان المذكور.
الثالثة:- إنّ قصد عنوان المقدّمة يلازم قصد التوصّل بها إلى ذي المقدّمة.
وإذا تمت هذه المقدّمات فالنتيجة هي أنّ متعلّق الوجوب الغيري هو المقدّمة التي قصد بها التوصّل إلى فعل ذي المقدّمة.
والإشكال عليه واضح:- فإنّ المقدّمة الثانية وجيهة - يعني عنوان المقدّمة لا يتحقّق إلّا إذا قُصِدَ -، والمقدّمة الثالثة تامّة - يعني من قصد عنوان المقدّمة لفعل ذيها فهذا نتيجته قصد التوصّل إلى فعل ذي المقدّمة -.
إنما الإشكال في الأولى، فمن أين لك أنّ الوجوب الغيري متعلّقٌ بعنوان بل هو متعلّق بواقع المقدّمة إذ ذو المقدّمة يتوقّف على واقع المقدّمة وليس على عنوان مقدّميتها، فالحج يتوقّف على ذات السفر لا عنوان مقدّمية السفر للحج فإنّ هذا العنوان ليس مقدّمة، بل واقع السفر هو المقدّمة، فالمقدّمة الأولى ليست بتامّة فهذا البيان مرفوض
البيان الثاني :- وهو مركّب من مقدمتين:-
الأولى:- إن الأحكام العقلية تختلف عن الأحكام الشرعية في الفارق التالي وهو إن الأحكام العقلية تكون الحيثيات التعليلية فيها حيثياتٍ تقييديّة، فكل حيثية تعليلية هي حيثية تقييدية – اي أن علة الحكم تصير موضوعاً له -، بينما الأحكام الشرعية ليست حيثياتها التعليلية حيثياتٍ تقييدية.
ونوضّح ذلك بالمثال:-
فبالنسبة للأحكام العقلية نقول مثلاً:- ( ضرب اليتيم حسن لتأديبه )، فهذا حكمٌ عقليّ وليس شرعياً، فهنا ( لتأديبه ) حيثية تعليلية والمقصود منها أنها علّة الحكم - فعلّة الشيء يعبّر عنها بالحيثية التعيليلة - وهذه الحيثية التعليلية هي حيثية تقييدية يعني هي مصبّ الحكم واقعاً، يعني العقل حينما يحكم بالحسن فإنه يحكم بحسن ماذا واقعاً ؟ إنّه يحكم بحسن التأديبب، فموصوع الحكم بالحسن العقلي ومركزه ومصبّه هو التأديب بما هو تأديب، فالتاديب إذن صار حيثية تقييدية يعني هو مصّب الحكم ومركزه وموضوعه، فإذن هذه القضية تامّة .
وفي زماننا نقول:- لا يجوز التجاوز على القانون عقلاً قبل الشرع لأنّه يلزم الفوضى، فــ( يلزم الفوضى ) صار علّة للحكم عقلاً بعدم جواز مخالفة القانون، فهذا سوف يصير موضوع الحكم، يعني العقل في البداية هو يحكم بأنّه يقبح الفوضى فالفوضى في الأمور قبيحٌ، فالعقل يحكم بقبح الفوضى لكن هو حّول هذا الحكم الواقعي بصياغةٍ أخرى وقال ( يقبح مخالفة القانون للفوضى ).
إذن كلّ الأحكام العقلية عللها هي موضوعات لتلك الأحكام العقلية، وبالعبارة العلمية قل ( الحيثيات التعليلة في الأحكام العقلية هي حيثيات تقييدية لها ).
وكمثال آخر لذلك أيضاً:- أنا قرأنا في علم الأوصل أنه يستحيل عقلاً تقييد الحكم بالعلم به لأنّه يلزم الدور، و ( ويلزم الدور ) هي حيثية تعليلة لهذا الحكم العقلي، فهو في الحقيقة موضوع الحكم، كأنه يراد أن ( العقل يحكم باستحالة الدور ) فروح هذا إلى هذا.
وكمثالً ثالث وهو المهم[1]:- ( يجب عقلاً السفر للحج الواجب لأنه مقدمة )، فـــ( لأنه مقدمة ) حيثية تعليلية، فهي علة للحكم بوجوب الحكم العقلي وهو وجوب السفر، وهذه الحيثية التعليلية هي حيثية تقييدية يعين العقل يقول تجب المقدمة، فالمهم هو عنده مركز الحكم العقلي بالوجوب هو المقدمة وليس السفر والسفر أحد مصاديق المقدمة فالمقدمة هي الواجبة عقلاً.
وأمّا في الأحكام الشرعية فليس الأمر كذلك:-
مثال ذلك:- ( تجب الصلاة شرعاً لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر )، فــ( لانها تنهى ) حيثية تعليلية ولكن ليست هي موضوع الحكم يعني لا يمكن أن نقول الحكم بالوجوب شرعاً هو ثابت للنهي عن الفحشاء والمنكر، كلا بل موضوع الوجوب هو الصلاة وليس هو النهي عن الفحشاء والمنكر، ولكن لماذا ؟ إمّا لأجل أن تحديد مركز الوجوب - وأن هذا هو الذي يجوز وذاك الذي يحرم وذاك الذي يباح - يرجع إلى المولى فهو الذي يتمكن أن يجعل الوجوب ولا يجعله على النهي عن الفحشاء فيقول أنا أريد عنوان الصلاة منك ولذلك يلزم أن تقصد عنوان الصلاة أمّا عنوان الانتهاء عن الفحشاء والمنكر فأنا لم أوجّه عليك ولذلك لا يلزمك بأنه لو أردت أن تصلّي أن تقصد عنوان الانتهاء عن الفحشاء والمنكر، كلا بل يلزم قصد عنوان الصلاة فقط، فتحديد مركز الوجوب يرجع إلى المولى، فعلى هذا الأساس لا نتمكن أن نقول إنَّ الحيثيات العليلة حيثيات تقييدية.
أو نقول:- إنّ هذا الذي ذكر بعنوان كونه علّة - وهو لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر - هو أقرب إلى حكمة الحكم منه إلى العلّة والحكمة لا تكون مصبّاً للوجوب فإنّ الذي يكون مصبّاً للوجوب لو سلّمناه هو العلّة دون الحكمة وعادةً نكات الأحكام هي من قبيل الحكمة وليست من قييل العلّة والعلّة لا يعرفها إلّا الله عزّ وجلّ والذي يذكر هو أقرب إلى الحكمة فلا معنى لجعله حيثية تقييدية.
وباختصار لهذه المقدّمة نقول:-إنَّ الأحكام العقلية تختلف عن الأحكام الشرعية في قضيّة وهي أنّه في الأحكام العقلية موضوعات لها - يعني الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية هي حيثيات تقييدية وهذا بخلافه في الأحكام الشرعية فإن الأمر ليس كذلك إما لأن تحديد مركز الوجوب يعود للمولى فالعقل لا يستطيع أن يقول هذا هو موضوع الحكم، أو لأجل أنّ ما يذكره هو اقرب إلى الحكمة منه إلى الحكمة منه إلى العلة.
الثانية:- إنَّ متعلّق الوجوب هو الحّصة الاختيارية إذ الأحكام تتعلّق بما يكون داخلاً تحت اختيار المكلّف، فالحصّة الاختيارية هي المتعلّق للوجوب، والحصّة إنما تكون اختيارية بقصدها فإنها إذا قصدت صارت اختيارية، وحيث إنّ مركز الوجوب في باب المقدمة هو حيثيىة المقدّمية فإن المقدّمة وجبت عقلاً لحيثية المقدّمية، فتصير حيثية المقيدّمة التي هي تعليلية تقييديةً، ولا تصير حيثية المقدّمية إلا بقصدها، فيلزم قصد حيثيّة المقدّمية أي لذي المقدّمة وهو بعبارة أخرى عن قصد التوصّل بالمقدّمة إلى ذي المقّدمة، فإذن وجب قصد التوصّل بالمقدّمة إلى ذي المقدمة، فإذن وجب قصد التوصّل بالمقدّمة إلى ذي المقدّمة وصار ذلك هو مركز ومحطّ الوجوب الغيري، وبذلك ثبت المطلوب.
وأمّا الرأي الثاني أعني رأي الشيخ الأعظم(قده):- ففي البداية لابد وأن نعرف الفوارق بينه وبني رأي صاحب المعالم(قده) فهناك فارقان:-
الأوّل:- إنّ صاحب المعالم أخذ القيد قيداً لوجوب المقدّمة، بينما الشيخ الأعظم أخذه قيداً للواجب وليس للوجوب، فصاحب المعالم قال هكذا ( تجب إذا أراد المكلّف فعل ذي المقدّمة ) فهذا القيد - يعني ( إن أراد فعل ذي المقدمة ) - هو قيد لوجوب المقدمة فإن لم يرد فعل ذي المقدّمة فلا وجوب للمقدمة وإن أراد وجبت المقدّمة فيصير وجوب المقدّمة وجوباً مشروطاً ومقيداً.
أمّا الشيخ الأعظم فهو يجعل القيد للواجب أي لمتعلّق الوجوب، فالوجوب عنده مطلقٌ ولكن متعلّق الوجوب الغيري حصّة ضيقة وهو المقدّمة التي قصد بها التوصل إلى فعل ذي المقدّمة، فمتعلّق الوجوب - أعني الواجب - هو المقيّد نفس الوجوب.
الثاني:- إنّ القيد عند صاحب المعالم هو إرادة فعل ذي المقدّمة، بيما القيد عن الشيخ هو إرادة التوصّل إلى فعل ذي المقدّمة - يعني يتوّصل بفعل المقدّمة إلى فعل المقدّمة -، فالقيد هو قصد التوصّل بالمقدّمة إلى فعل ذي المقدّمة، وهذا قيدٌ أخر غير القيد الذي ذكره صاحب المعالم فإن الذي ذكره صاحب المعالم هو إرادة فعل ذي المقدّمة أمّا التوصّل فلم يأخذه بعين الاعتبار.
وباتضاح ذلك نقول:- ما هو الحجة والمستند فيما ذكره الشيخ الإعظم من أنّ الواجب بالوجوب الغيري هو المقدمة التي قصد بها التوصل ؟
والجواب:- إنه لم ينسب له دليلٌ واضح، ولكن يمكن أن يستدلّ له بالدليلين التاليين:-
الدليل الأوّل:- إنّ الواجب بالوجوب الغيري هو عنوان المقدّمة ولا يتحقّق عنوان المقدّمة إلّا إذا قُصِدَ العنوان المذكور - أي عنوان المقدمة -، ولا يتحقّق قصد عنوان المقدّمة إلّا بقصد التوصّل إلى ذي المقدّمة، فإنّ الإنسان إذا قصد عنوان المقدّمة وقال أأتي به بما هو مقدّمة - أي مقدّمة لذي المقدمة - فهذا معناه أنه قصد التوصل فقصد التوصل لازم من هذا الباب.
وهذا البيان مركّب من مقدّمات ثلاث:-
الأولى:- إنّ الواجب بالجوب الغيري هو عنوان المقدّمة.
الثانية:- إنّ عنوان المقدّمة لا يتحقّق إلا بقصده فإذا قصدت عنوان المقدّمة فحينئذٍ تحقّق العنوان المذكور.
الثالثة:- إنّ قصد عنوان المقدّمة يلازم قصد التوصّل بها إلى ذي المقدّمة.
وإذا تمت هذه المقدّمات فالنتيجة هي أنّ متعلّق الوجوب الغيري هو المقدّمة التي قصد بها التوصّل إلى فعل ذي المقدّمة.
والإشكال عليه واضح:- فإنّ المقدّمة الثانية وجيهة - يعني عنوان المقدّمة لا يتحقّق إلّا إذا قُصِدَ -، والمقدّمة الثالثة تامّة - يعني من قصد عنوان المقدّمة لفعل ذيها فهذا نتيجته قصد التوصّل إلى فعل ذي المقدّمة -.
إنما الإشكال في الأولى، فمن أين لك أنّ الوجوب الغيري متعلّقٌ بعنوان بل هو متعلّق بواقع المقدّمة إذ ذو المقدّمة يتوقّف على واقع المقدّمة وليس على عنوان مقدّميتها، فالحج يتوقّف على ذات السفر لا عنوان مقدّمية السفر للحج فإنّ هذا العنوان ليس مقدّمة، بل واقع السفر هو المقدّمة، فالمقدّمة الأولى ليست بتامّة فهذا البيان مرفوض
البيان الثاني :- وهو مركّب من مقدمتين:-
الأولى:- إن الأحكام العقلية تختلف عن الأحكام الشرعية في الفارق التالي وهو إن الأحكام العقلية تكون الحيثيات التعليلية فيها حيثياتٍ تقييديّة، فكل حيثية تعليلية هي حيثية تقييدية – اي أن علة الحكم تصير موضوعاً له -، بينما الأحكام الشرعية ليست حيثياتها التعليلية حيثياتٍ تقييدية.
ونوضّح ذلك بالمثال:-
فبالنسبة للأحكام العقلية نقول مثلاً:- ( ضرب اليتيم حسن لتأديبه )، فهذا حكمٌ عقليّ وليس شرعياً، فهنا ( لتأديبه ) حيثية تعليلية والمقصود منها أنها علّة الحكم - فعلّة الشيء يعبّر عنها بالحيثية التعيليلة - وهذه الحيثية التعليلية هي حيثية تقييدية يعني هي مصبّ الحكم واقعاً، يعني العقل حينما يحكم بالحسن فإنه يحكم بحسن ماذا واقعاً ؟ إنّه يحكم بحسن التأديبب، فموصوع الحكم بالحسن العقلي ومركزه ومصبّه هو التأديب بما هو تأديب، فالتاديب إذن صار حيثية تقييدية يعني هو مصّب الحكم ومركزه وموضوعه، فإذن هذه القضية تامّة .
وفي زماننا نقول:- لا يجوز التجاوز على القانون عقلاً قبل الشرع لأنّه يلزم الفوضى، فــ( يلزم الفوضى ) صار علّة للحكم عقلاً بعدم جواز مخالفة القانون، فهذا سوف يصير موضوع الحكم، يعني العقل في البداية هو يحكم بأنّه يقبح الفوضى فالفوضى في الأمور قبيحٌ، فالعقل يحكم بقبح الفوضى لكن هو حّول هذا الحكم الواقعي بصياغةٍ أخرى وقال ( يقبح مخالفة القانون للفوضى ).
إذن كلّ الأحكام العقلية عللها هي موضوعات لتلك الأحكام العقلية، وبالعبارة العلمية قل ( الحيثيات التعليلة في الأحكام العقلية هي حيثيات تقييدية لها ).
وكمثال آخر لذلك أيضاً:- أنا قرأنا في علم الأوصل أنه يستحيل عقلاً تقييد الحكم بالعلم به لأنّه يلزم الدور، و ( ويلزم الدور ) هي حيثية تعليلة لهذا الحكم العقلي، فهو في الحقيقة موضوع الحكم، كأنه يراد أن ( العقل يحكم باستحالة الدور ) فروح هذا إلى هذا.
وكمثالً ثالث وهو المهم[1]:- ( يجب عقلاً السفر للحج الواجب لأنه مقدمة )، فـــ( لأنه مقدمة ) حيثية تعليلية، فهي علة للحكم بوجوب الحكم العقلي وهو وجوب السفر، وهذه الحيثية التعليلية هي حيثية تقييدية يعين العقل يقول تجب المقدمة، فالمهم هو عنده مركز الحكم العقلي بالوجوب هو المقدمة وليس السفر والسفر أحد مصاديق المقدمة فالمقدمة هي الواجبة عقلاً.
وأمّا في الأحكام الشرعية فليس الأمر كذلك:-
مثال ذلك:- ( تجب الصلاة شرعاً لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر )، فــ( لانها تنهى ) حيثية تعليلية ولكن ليست هي موضوع الحكم يعني لا يمكن أن نقول الحكم بالوجوب شرعاً هو ثابت للنهي عن الفحشاء والمنكر، كلا بل موضوع الوجوب هو الصلاة وليس هو النهي عن الفحشاء والمنكر، ولكن لماذا ؟ إمّا لأجل أن تحديد مركز الوجوب - وأن هذا هو الذي يجوز وذاك الذي يحرم وذاك الذي يباح - يرجع إلى المولى فهو الذي يتمكن أن يجعل الوجوب ولا يجعله على النهي عن الفحشاء فيقول أنا أريد عنوان الصلاة منك ولذلك يلزم أن تقصد عنوان الصلاة أمّا عنوان الانتهاء عن الفحشاء والمنكر فأنا لم أوجّه عليك ولذلك لا يلزمك بأنه لو أردت أن تصلّي أن تقصد عنوان الانتهاء عن الفحشاء والمنكر، كلا بل يلزم قصد عنوان الصلاة فقط، فتحديد مركز الوجوب يرجع إلى المولى، فعلى هذا الأساس لا نتمكن أن نقول إنَّ الحيثيات العليلة حيثيات تقييدية.
أو نقول:- إنّ هذا الذي ذكر بعنوان كونه علّة - وهو لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر - هو أقرب إلى حكمة الحكم منه إلى العلّة والحكمة لا تكون مصبّاً للوجوب فإنّ الذي يكون مصبّاً للوجوب لو سلّمناه هو العلّة دون الحكمة وعادةً نكات الأحكام هي من قبيل الحكمة وليست من قييل العلّة والعلّة لا يعرفها إلّا الله عزّ وجلّ والذي يذكر هو أقرب إلى الحكمة فلا معنى لجعله حيثية تقييدية.
وباختصار لهذه المقدّمة نقول:-إنَّ الأحكام العقلية تختلف عن الأحكام الشرعية في قضيّة وهي أنّه في الأحكام العقلية موضوعات لها - يعني الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية هي حيثيات تقييدية وهذا بخلافه في الأحكام الشرعية فإن الأمر ليس كذلك إما لأن تحديد مركز الوجوب يعود للمولى فالعقل لا يستطيع أن يقول هذا هو موضوع الحكم، أو لأجل أنّ ما يذكره هو اقرب إلى الحكمة منه إلى الحكمة منه إلى العلة.
الثانية:- إنَّ متعلّق الوجوب هو الحّصة الاختيارية إذ الأحكام تتعلّق بما يكون داخلاً تحت اختيار المكلّف، فالحصّة الاختيارية هي المتعلّق للوجوب، والحصّة إنما تكون اختيارية بقصدها فإنها إذا قصدت صارت اختيارية، وحيث إنّ مركز الوجوب في باب المقدمة هو حيثيىة المقدّمية فإن المقدّمة وجبت عقلاً لحيثية المقدّمية، فتصير حيثية المقيدّمة التي هي تعليلية تقييديةً، ولا تصير حيثية المقدّمية إلا بقصدها، فيلزم قصد حيثيّة المقدّمية أي لذي المقدّمة وهو بعبارة أخرى عن قصد التوصّل بالمقدّمة إلى ذي المقّدمة، فإذن وجب قصد التوصّل بالمقدّمة إلى ذي المقدمة، فإذن وجب قصد التوصّل بالمقدّمة إلى ذي المقدّمة وصار ذلك هو مركز ومحطّ الوجوب الغيري، وبذلك ثبت المطلوب.