37/03/22
تحمیل
الموضـوع:- الغناء في الأعراس - مسألة ( 17 ) حكم الغناء - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وهذا الإشكال قد قبله جمعٌ من الفقهاء ، كما ربما يظهر من الشيخ الأعظم(قده) فإنّه توقف على ما نقلنا عبارته.
وقد اختلفت كلمات السيد الخوئي(قده) ففي بعض المواضع سلّم بالإشكال[1] كما في التنقيح في رواية أبي بصير الدالة على أن الكرّ ثلاثة أشبار ونصف طولاً وعرضاً وعمقاً ، حيث نقل الرواية ونصّها:- ( محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عسى عن ابن مسكان عن أبي بصير قال:- سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكرّ من الماء كم يكون قدره ؟ قال:- إذا كان الماء ثلاثة أشبارٍ ونصف في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض فذلك الكرّ من الماء )[2] ، وهنا ردّها(قده) حيث قال إنّها معارضة بما دلّ على أنّ الكرّ ما كان كلّ واحدٍ من أبعاده ثلاثة أشبار - حيث يوجد عندنا عدد من الروايات بهذا - ، فهو ردّ هذه الرواية من جهة أبي بصير.
وهكذا قبل الإشكال في المحاضرات[3] من ناحية أبي بصير في مسألة الغناء في الأعراس ، ونصّ عبارته:- ( ولضعف النصّ لم يستثنِ بعض الأصحاب ذلك والحكم بالجواز فيه متوقّف على انجبار ضعفها بالعمل فإن قلنا به كان الجواز أظهر وحيث منعنا في الأصول من جبر العمل الضعيف فلا مقتضي لرفع اليد عن إطلاقات الحرمة ).
إذن هو في المحاضرات - في الدورة الأولى - يبني على الحرمة وهذا من أحد الموارد التي يختلف فيها رأي الفقيه الواحد.
ولكنه في مصباح الفقاهة في نفس مسألتنا[4] وافق على استثناء الغناء في الأعراس وقال:- ( للروايات الدالة على الجواز كصحيحة أبي بصير ) وسكت بالمرّة عمّا كان يقول به سابقاً.
وهكذا رأيه في المعجم[5] حيث أخذ بروايات أبي بصير ودفع محذور الاشتراك.
ونحن طيلة حضورنا عنده(قده) لم نسمع منه مرّةً الإشكال من ناحية أبي بصير.
وعلى أيّ حال هذه المسألة من المسائل التي وقعت محلّاً للكلام وقد أُلّفت فيها بعض الرسائل من جملتها رسالة السيد محمد مهدي الخوانساري(قده).
ولتحقيق الحال نقول:- إنّ أبا بصير كما ذكرنا مشتركٌ بين خمسة:-
الأوّل:- يحيى بن القاسم - بن أبي القاسم -.
وهذا لا إشكال في وثاقته لتصريح النجاشي والشيخ بذلك ، وهو قد ولد بصيراً وقائده علي بن أبي حمزة.
ومتى ما رأيت الراوي علي بن أبي حمزة فأعرف أنّه أبو بصير ، وقد روى على ما يقال عن الإمام بالباقر والصادق بل قيل أيضاً والكاظم عليهم السلام ، فإذن لا إشكال في وثاقته ، وقد ذكر النجاشي والشيخ في ترجمته أنّ له كتاباً وذكر النجاشي سنده إلى ذلك الكتاب - فهو إذن صاحب كتاب[6] -.
وأذكر فائدة جانبية لا ربط لها في بحثنا:- وهي أنّ هناك روايات رواها الكشي في حقّ أبي بصير يحيى بن القاسم لا يخلو الاطلاع عليها من فائدة وهي:-
الرواية الأولى:- ما ذكره الكشي في ترجمة عَلباء بن درّاع الأسدي[7] تنهي إلى أبي بصير سنداً ، قال:- ( حضرت - يعني عَلباء الأسدي - عند موته فقال لي:- إنّ أبا جعفر عليه السلام قد ضمن لي الجنة فذكّره ذلك ، قال:- فدخلت على أبي جعفر عليه السلام فقال:- حضرت عَلباء عند موته ؟ قال:- قلت نعم فأخبرني أنك ضمنت له الجنة وسألني أن أذكّرك ذلك ، قال:- صدق ، قال:- فبكيت ثم قلت جعلت فداك ألست الكبير السنّ الضرير البصر فاضمنها لي ، قال:- قد فعلت ، قلت:- اضمنها لي على آبائك وسميتهم واحداً واحداً ، قال:- قد فعلت ، قلت:- فاضمنها لي على رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال:- قد فعلت ، قلت:- اضمنها لي على الله عزّ وجلّ ، قال:- قد فعلت ).
الرواية الثانية:- قال له الإمام عليه السلام مرّةً:- ( ادنُ منّي ومسح على وجهي وعلى عيني فأبصرت السماء والأرض والبيوت ، فقال لي:- أتحبّ أن تكون كذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أم تعود كما كنت ولك الجنّة الخالص ، قلت:- أعود كما كنت فمسح على عيني فعدت )[8] .
الراية الثالثة:- عن أبي بصير:- ( كنت أقرئ امرأةً كنت أعلمها القرآن قال فمازحتها بشيءٍ ، قال:- فقدمت على أبي جعفر عليه السلام فقال لي:- يا أبا بصير أيّ شيءٍ قلت للمرأة ؟ قال:- قلت بيدي هكذا إليها وغطّى وجهه ، قال:- فقال لي لا تعودَنَّ )[9] .
الرواية الرابعة:- وقد ذكرها العلامة(قده) في رجاله[10] عن العقيقي - الرجالي المعروف - أنه:- ( ولد مكفوفاً رأى الدنيا مرّتين مسح أبو عبد الله عليه السلام على عينيه وقال انظر ما ترى ؟ قال أرى كوّة[11] في البيت وقد أرانيها أبوك من قبلك ).
وهذه الروايات - كما قلت - أجنبية عن محلّ كلامنا والرجل هو ثقةٌ بلا إشكالٍ لتوثيق النجاشي والشيخ له.
الثاني:- ليث بن البختري.
فقد ذكره النجاشي والشيخ وذكرا أنّ له كتاباً ولكن لم يوثّقاه ، ولكن ذكر الكشي رواية صحيحة السند تدلّ على وثاقته ، بل إنّه في أعلى درجات الوثاقة وهي:- ( عن حمدويه بن نصير قال حدثنا يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن جميل بن درّاج[12] قال:- سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- بشّر المخنتين بالجنّة بريد بن معاوية العجلي وأبا بصير ليث بن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة ، أربعةٌ نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست )[13] ، وهذه الرواية لا تدلّ على وثاقة أبي بصير فقط بل تدّل على جلالة قدره وعلى ما هو أعلى من الوثاقة - إن صحّ التعبير -.
لكن ربما يشكل ويقال:- إنّ الرواية قالت:- ( بشر المخبتين بالجنة بريد بن معاوية العجلي وأبا بصير ليث بن البختري ) ، فعبارة ( ليث بن البختري ) هل هي من الإمام عليه السلام أو هو تشخيصٌ من الراوي - وهو الكشي مثلاً - ؟ وإذا حصل تردّدٌ بين الاحتمالين فحينئذٍ لا عبرة بهذه الرواية لأنّها دلّت على توثيق أبي بصير ولعلّ المقصود هو يحيى بن القاسم ، فهي إذن لا تنفعنا في إثبات وثاقة ليث بن البختري.
ولا يوجد جواب إلّا أن نقول:- هذا مخالفٌ للظاهر جدّاً ، لأنّه لا يوجد فيها كلمة ( يعني ) ، فلو كانت هذه الكلمة موجودة فسوف يتولّد احتمال كونها تفسير من الراوي لأنّ الإمام عليه اللام لا يقول ( يعني ) ، أمّا بعد عدم وجودها فلا مبرّر لأن يكون هذا تفسيراً من الراوي ، بل هو من الإمام عليه السلام ، فلا موجب للتوقّف من هذه الناحية.
الثالث:- عبد الله بن محمد الأسدي.
وهذا الرجل قد ذكره الشيخ الطوسي في رجاله ، حيث قال ما نصّه:- ( عبد الله بن محمد الأسدي كوفي يكنّى أبا بصير )[14] .
الرابع:- يوسف بن الحارث.
وقد ذكره الشيخ الطوسي في رجالة في أصحاب الباقر عليه السلام حيث قال:- ( يوسف بن الحارث بتريٌّ يكنّى أبا بصير )[15] ، ولم يذكر شيئاً بعد هذا.
الخامس:- حمّاد بن عبد الله بن أسيد.
وهو لم يذكره حتى الشيخ في رجاله ، فمن أين جاء ؟
والجواب:- إنّ المنشاء لذكره في جنب الأربعة المتقدّمين وجود عبارة للكشّي في ترجمة بعض الرواة ، حيث قال في ترجمة يونس بن عبد الرحمن:- ( روي عن أبي بصير حمّاد بن عبيد الله بن أسيد الهروي عن داود بن القاسم أن أبا جعفر الجعفري قال أدخلت كتاب يومٍ وليلةٍ الذي ألّفه يونس بن عبد الرحمن على أبي الحسن العسكري عليه السلام فنظر فيه وتصفّحه كلّه ثم قال:- هذا ديني ودين آبائي وهو الحقّ كلّه )[16] ، والشاهد هو أنّ الكشي قال ( روي عن أبي بصير حمّاد ) فــ( حمّاد ) بدلٌ من ( أبي بصير ) ، فإذن أحد الأشخاص المكنّين بأبي بصير هو حمّاد ، فهذا التعبير من الكشي في ترجمة يونس يظهر منه أنّ أبا بصير كنية لحمّاد ، فلذلك صار المكنّون بأبي بصير خمسة ، فماذا نصنع ؟