37/02/09
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط
جريان الأصول العملية
قلنا في الدرس السابق أنّالمحقق النائيني(قدّس سرّه) قال أنّ الاحتياط إذا كان على خلافه حجّة معتبرة؛ فحينئذٍ يعتبر في حُسنه أن يعمل المكلّف أولاً بمقتضى الحجّة المعتبرة، ثمّ بعد ذلك يحتاط، ومنع من العكس، وقلنا أنّه عللّ ذلك بأنّ معنى حجّية الحجّة هو إلغاء احتمال الخلاف وعدم الاعتناء به، وكأنّه يرى أنّ الإتيان بالاحتياط قبل العمل بمقتضى الحجّة المعتبرة فيه نوع من الاعتناء باحتمال الخلاف، فهو لم يلغِ احتمال الخلاف عملاً، وإنما اعتنى به، بينما هو مأمور ــــــــ بحسب الفرض ــــــــ بعدم الاعتناء باحتمال الخلاف؛ ولذا كان المناسب أن يقدّم العمل بمقتضى الإمارة والحجّة المعتبرة، ثمّ بعد ذلك يحتاط.
ما ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) إذا كان بهذه الحدود الموجودة في التقريرات، فيُلاحظ عليه أنّ الذي يُستفاد من دليل حجّية اعتبار الإمارة هو وجوب العمل بمفاده، ولازم وجوب العمل بمفاده هو عدم جواز الاقتصار على ما يخالفه، يعني في مقام العمل لا يجوز للمكلّف أن يقتصر على ما يخالف مؤدّى الإمارة؛ لأنّ المكلّف مأمور بالعمل بمؤدّى الإمارة. وأمّا مسألة عدم جواز فعل ما يخالف مؤدّى الإمارة مع عدم الاقتصار عليه في مقام العمل، وإنما هو يعمل بما يخالف مؤدّى الإمارة، لكن مع عدم الاقتصار عليه، وإنّما يأتي به من باب الاحتياط، يضمّ إليه العمل بمؤدّى الإمارة. إذن: هو يعمل بمؤدّى الإمارة، ويأتي بما يخالف مؤدّى الإمارة احتياطاً وإدراكاً للواقع. هذا لا يمكن أن نستفيد عدم جوازه من دليل اعتبار الإمارة، حيث أنّ مفاد دليل اعتبار الإمارة هو عدم جواز الاقتصار في مقام العمل على ما يخالف مؤدّى الإمارة، وفي محل الكلام هو لا يقتصر على ما يخالف مؤدّى الإمارة في مقام العمل. غاية الأمر أنّه قدّم الاحتياط على العمل بمؤدّى الإمارة، فيكون المقصود بعدم الاعتناء باحتمال الخلاف ـــــــ بناءً على هذا ــــــ في مقابل الاعتناء بمؤدى الطريق، ومعنى الاعتناء بمؤدى الطريق هو وجوب العمل به وجواز الاقتصار عليه، فيكون معنى عدم الاعتناء باحتمال الخلاف هو عدم جواز الاقتصار عليه في مقام العمل، هذا لا يمنع من الطريق المطروح في المقام وهو أن يأتي بالاحتياط قبل العمل بمؤدّى الإمارة، ولا يكون دليل الحجّية مانعاً من ذلك.
من جملة المباحث التي وقع الكلام فيها في مقام بيان شروط العمل بالاحتياط هو جريان الاحتياط في العبادات، أنّه هل العمل بالاحتياط في العبادات جائز قبل الفحص، أو لا ؟
هنا ذكروا أنّه لا إشكال في حُسن الاحتياط في العبادات في حالة تعذر الامتثال التفصيلي بعلمٍ أو علمي، وإن استلزم التكرار، وإنما الإشكال وقع بينهم فيما إذا تمكّن من تحصيل الامتثال العلمي ـــــــ الامتثال التفصيلي ــــــــ أي بإمكانه أن يعرف ما هو الواقع، صلاة الظهر، أو صلاة الجمعة، أو بإمكانه أن يعثر على الحجّة المعتبرة التي تشخّص وجوب أحدهما، هو لا يحصّل العلم، ولا يبحث عن الحجّة المعتبرة التي هي(العلمي) ويحتاط، فيأتي بالصلاتين معاً. هنا وقع الكلام في جواز الاحتياط في حالة التمكّن من تحصيل الامتثال التفصيلي بعلمٍ، أو بعلمي، هل يجوز له الامتثال الإجمالي الذي هو عبارة عن الاحتياط، أو لا ؟ هذه المسألة مطروحة وتقدّم الكلام عنها مفصلاً سابقاً في آخر مباحث القطع. فيه كلام تقدّم سابقاً ولا حاجة إلى تكراره وإعادته، وتبيّن هناك أنّ الصحيح هو جواز الامتثال الإجمالي حتى في صورة التمكّن من الامتثال التفصيلي، فضلاً عن صورة عدم التمكن من الامتثال التفصيلي. هذا كلّه في ما يرتبط بالمقام الأوّل، أي في شروط العمل بالاحتياط.
المقام الثاني: شروط العمل بالبراءة.
هنا يقع البحث في جواز إجراء البراءة قبل الفحص وعدم جوازه. أو بعبارةٍ أخرى: وقع الكلام في وجوب الفحص عن الحجّة على التكليف، والحجّة أعم من العلم، أو الحجّة المعتبرة. هل يجب الفحص عن الحجّة على التكليف قبل إجراء البراءة، أو أنّ المكلّف بمجرّد تحقق موضوع البراءة وهو الشك في التكليف يجري البراءة ؟ ولا يجب عليه الفحص عن الأدلة؛ لأنّه قد يفحص عن الأدلة ويعثر على ما يثبت التكليف. فهل يجوز له إجراء البراءة بمجرّد الشك في التكليف قبل الفحص عن ما يثبته من حجّة معتبرة من علمٍ، أو علمي، أو لا يجوز له ذلك إلاّ بعد الفحص وعدم العثور على ما يثبت ذلك التكليف المحتمل. هذا محل الكلام فعلاً.
الكلام تارةً يقع في الشبهات الحكمية، وأخرى في الشبهات الموضوعية، والكلام عن الثاني إنما ينفتح المجال له إذا فرغنا في المقام الأول عن لزوم الفحص في الشبهات الحكمية، وإذا قلنا في الشبهة الحكمية وجوب الفحص قبل إجراء البراءة؛ حينئذٍ يقع الكلام في أنّه في الشبهة الموضوعية أيضاً لابدّ من الفحص قبل إجراء البراءة، أو يجوز العمل بالبراءة قبل الفحص في الشبهات الموضوعية ؟ وأمّا إذا قلنا في الشبهات الحكمية بعدم وجوب الفحص وجواز إجراء البراءة قبل الفحص عمّا يثبت التكليف، لا إشكال في جواز ذلك بالنسبة إلى الشبهة الموضوعية؛ ولذا قدّمنا الكلام عن الشبهات الحكمية حتى نعرف ما هي النتيجة.
لزوم الفحص في الشبهات الحكمية: الكلام أيضاً تارةً يقع في اشتراط الفحص في جريان البراءة العقلية ـــــــ بناءً على الإيمان بالبراءة العقلية ـــــــ وأخرى يقع الكلام في اشتراط الفحص في جريان البراءة الشرعية. كلامنا فعلاً في جواز التمسّك بالبراءة العقلية ــــــــ بناءً على القول بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ـــــــ في الشبهات الحكمية قبل الفحص.
المعروف هو اشتراط الفحص في جريان البراءة العقلية ولا يجوز التمسّك بالبراءة العقلية في الشبهات الحكمية قبل الفحص عمّا يثبت التكليف؛ بل ذكروا أنّ هذا المطلب واضح ولا إشكال فيه ولا ينبغي التأمّل في اشتراط الفحص قبل إجراء البراءة العقلية في الشبهات الحكمية. واستدلوا على ذلك بأنّ موضوع حكم العقل بقبح العقاب هو عدم البيان؛ فحينئذٍ لكي نحرز البراءة وقبح العقاب لابدّ من إحراز موضوع هذه القاعدة وهو عدم البيان. إذن: لابدّ من إحراز عدم البيان حتى يمكن إثبات البراءة العقلية وقبح العقاب، ومن الواضح أنّ المكلّف قبل البحث عن الأدلة التي تثبت الأحكام عادةً هو لا يستطيع أن يحرز عدم البيان، فإذا كان لا يحرز عدم البيان قبل الفحص، فكيف يجوز له التمسّك بالقاعدة لإثبات محمولها، وإثبات الحكم فيها وهو البراءة وقبح العقاب، فإذن: لابدّ من الفحص حتى يحرز بعد الفحص وعدم العثور على دليلٍ مثبت للتكليف يستطيع أن يقول بعدم وجود البيان، فإذا أحرز عدم البيان بعد الفحص؛ حينئذٍ تجري البراءة العقلية. نعم، هو قبل الفحص يحرز عدم وصول البيان إليه، لكن البيان الذي أُخذ عدمه موضوعاً في قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا يُراد به البيان الواصل، وإنما المراد هو البيان الذي يكون ما عبّروا عنه بــــ(الذي يكون في معرض الوصول) بحيث أنّ المكلّف عادةً إذا فحص يعثر عليه إن كان موجوداً، فإذن موضوع القاعدة هو عدم البيان الذي يكون في معرض الوصول، ومن الواضح أنّ المكلّف قبل الفحص لا يحرز عدم هذا البيان، ولعلّ هذا البيان موجود وإذا فحص يعثر عليه، فهو قبل الفحص لا يحرز عدم وجود بيان في معرض الوصول، وإنما يحرز عدم وجود بيان واصل إليه، لكن الموضوع في القاعدة ليس هو البيان الواصل، وإنما الموضوع هو البيان الذي يكون في معرض الوصول، وإحراز عدمه يتوقف على الفحص، فالمكلّف إذا لم يفحص لا يحرز عدم مثل هذا البيان، فلا يجوز له التمسّك بالقاعدة، وإذا فحص وعثر على بيان؛ فحينئذٍ ينتفي موضوع القاعدة، لكن إذا فحص ولم يعثر على بيان يستطيع أن يقول أنا أحرز عدم وجود بيان في معرض الوصول، فيجوز له التمسّك بالقاعدة، لكن بعد الفحص. هذا هو الدليل على عدم جواز التمسّك البراءة العقلية قبل الفحص.
الظاهر أنّه يمكن تتميم ما ذكروه حتى بناءً على إنكار قاعدة قبح العقاب بلا بيان؛ وذلك لأنّ من ينكر قاعدة قبح العقاب بلا بيان في الحقيقة هو ينكرها كقاعدةٍ عقلية، فالعقل لا يحكم بهذا الشيء، باعتبار أنّ مولوية المولى ثابتة حتى في التكاليف المحتملة والموهومة، فضلاً عن التكاليف المعلومة، هي مولوية واسعة وثابتة في كل شيءٍ؛ وحينئذٍ يكون له حق الطاعة في التكليف ولو كان محتملاً وموهوماً، لكنّه يؤمن بها كقاعدة عقلائية جرى عليها العقلاء في مولوياتهم العرفية فيما بينهم، قاعدة قبح العقاب بلا بيان حتى إذا كانت قاعدة عقلائية هي مشروطة بالفحص؛ لأنّ العقلاء لا يقبلون العذر فيما إذا تبيّن وجود تكليف وأجرى البراءة قبل الفحص، يعني عندما يكون التكليف في معرض الوصول، وعندما تكون عادة المكلّف والمولى هي أن لا يوصل البيان إلى كل مكلّفٍ بيده، وإنما يجعله في معرض الوصول، التمسّك بالبراءة قبل الفحص لا يراه العقلاء عذراً ومبرراً للمكلّف بحيث هو لا يستحق العقاب؛ بل يرونه مستحقاً للعقاب عندما ينفي التكليف عند الشك فيه قبل الفحص؛ لأنّهم يقولون له أنّ البيان على التكليف جُعل في معرض الوصول، فعليك الفحص حتى يمكنك التمسّك بالبراءة. هذا بالنسبة إلى البراءة العقلية.
وأمّا البراءة الشرعية، يعني الأدلة الدالة على البراءة وهي كثيرة. هنا قالوا: لو بقينا نحن ودليل البراءة الشرعية، فدليلها مطلق وكما يشمل حالة ما بعد الفحص أيضاً يشمل حالة ما قبل الفحص وليس في دليل البراءة ما يوجب تقييدها بما بعد الفحص، فهي تشمل كلتا الحالتين. قالوا: أنّ الكلام في المقام يقع في المانع، يعني كأنّهم فرغوا عن إطلاق دليل البراءة، وإنما الكلام في وجود ما يمنع من ثبوت البراءة لحالة ما قبل الفحص.
وبعبارة أخرى: كأنّهم يرون أنّ المقتضي للبراءة قبل الفحص موجود وهو إطلاق دليل البراءة، وإنّما الكلام في وجود ما يمنع من ذلك؛ ولذلك تكلموا في أنّ المانع ما هو ؟ هل هو مانع عقلي، أو مانع شرعي ؟ واختلفوا في ذلك، لكنّ ظاهرهم هو الاتفاق على أنّه لا قصور في المقتضي، وأنّ الأدلة مطلقة بلحاظ ما قبل الفحص وبلحاظ ما بعد الفحص بحيث إذا ناقشنا في المانع المدّعى في المقام سواء كان عقلياً، أو كان شرعياً؛ حينئذٍ إطلاق الأدلة يكفي لإثبات البراءة حتى في صورة ما قبل الفحص.
في المقابل هناك رأي يرى أنّ هناك قصوراً في المقتضي، يعني هناك رأي يمنع من الإطلاق في أدلة البراءة الشرعية بنحوٍ يشمل حتى صورة ما قبل الفحص، ومن هنا المنع من جريان البراءة قبل الفحص في الشبهات الحكمية والمقصود هو البراءة الشرعية، المنع من جريان البراءة يمكن أن يُبيّن بلسان قصور المقتضي وعدم وجود إطلاقٍ في أدلة البراءة، وله بيانات أخرى، فقد يُبيّن بلسان الاعتراف بوجود المقتضي وإطلاق الأدلة، لكن هناك مانع عقلي يمنع من ثبوت البراءة الشرعية في صورة ما قبل الفحص. وقد يُبيّن بلسان وجود مانع شرعي يمنع من ذلك كما سيظهر من خلال البحث.
بالنسبة إلى قصور المقتضي ــــــــ وهذه نقطة مهمّة جداً ــــــــ إنّ أدلة البراءة هل فيها إطلاق يشمل صورة ما قبل الفحص، أو ليس فيها إطلاق ؟ إذا لاحظنا أدلة البراءة وحدها وقصرنا النظر عليها، فالظاهر أنّه لا مجال للتشكيك في وجود إطلاق من قبيل(رُفع ما لا يعلمون)، و(ما كنّا معذّبين حتى نبعث رسولا).....الخ من الأدلة التي استُدل بها على البراءة، ليس فيها خصوص ما يشير إلى تقييد البراءة المجعولة فيها بما بعد الفحص، لكن ادُعي أنّ هناك قصوراً في أدلة البراءة وليس في أدلة البراءة جميعاً بلا فرقٍ بين دليل ودليل، ليس فيها إطلاق يشمل ما قبل الفحص، ادُعي ذلك ببيان: أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان(البراءة العقلية) سواء قلنا أنّها قاعدة عقلية، أو قلنا بأنّها قاعدة عقلائية، على كلا التقديرين لا إشكال في أنّها قاعدة مركوزة في أذهان العقلاء وجروا عليها فيما بينهم، وطبّقوها في المولويات الموجودة عندهم وعلى غيرهم أيضاً؛ حينئذٍ في مثل هذه الحالة يقال في مقام بيان قصور المقتضي يقال: عندما ترِد نصوص شرعية بما يطابق هذه القاعدة المرتكزة في أذهان العقلاء، يعني الدليل الشرعي يكون مطابقاً للارتكاز العقلائي؛ حينئذٍ في حالة من هذا القبيل هذا الدليل الشرعي ينصرف إلى ما هو المرتكز في أذهان العقلاء ويتحدد بحدوده ويتبعه في السعة والضيق، فإذا كانت تلك القاعدة مرتكزة في أذهان العقلاء وكان لها حدود معيّنة، الدليل الشرعي أيضاً سوف يتحدد بتلك الحدود، فإذا كانت واسعة ومطلقة، فالدليل الشرعي أيضاً سيكون واسعاً ومطلقاً، وأمّا إّذا كانت هذه القاعدة المرتكزة ضيقة وتثبت في حالة معيّنة، الدليل الشرعي أيضاً يتبعها في ذلك وينصرف إلى خصوص تلك الحالة المعينة التي هي مرتكزة في أذهان العقلاء؛ حينئذٍ هذا الكلام يمكن أن يُطبّق في محل الكلام، فالقاعدة العقلية هي قاعدة ارتكازية، بعد الفراغ عن ذلك؛ حينئذٍ نقول: وردت أدلة شرعية مفادها البراءة الشرعية. إذن: وردت نصوص شرعية بما يطابق تلك القاعدة المرتكزة في أذهان العقلاء؛ حينئذٍ نطبّق ما تقدّم سابقاً على ذلك، فيقال: بأنّ هذا الدليل الشرعي لا يستطيع أن يتسع إلى ما لا يتسع إليه الارتكاز، وإنّما هو يتحدد بحدودها وينصرف إلى ما هو المرتكز في أذهان العقلاء، فإذا فرضنا كما تقدّم أنّ الارتكاز العقلائي لقاعدة قبح العقاب بلا بيان موجود فقط فيما بعد الفحص؛ لأننا قلنا بعدم وجود ارتكاز لدى العقلاء على المعذورية قبل الفحص، عندما يكون المولى مولى من هذا القبيل، المولى هو لم يلتزم بإيصال البيان على تكاليفه إلى كل مكلّف كما هي العادة تقتضي هكذا في كل القوانين لا يصل البيان على التكاليف إلى كل مكلّفٍ مكلّف، وإنّما المولى يجعله في معرض الوصول، في مثل هذه الحالة الارتكاز العقلائي لا يساعد على المعذرية قبل الفحص، وإنما يقول له أفحص، لعلّك تعثر على دليل على التكليف، وهذا معناه أنّ البراءة العقلية التي هي أمر ارتكازي هي مخصوصة بصورة ما بعد الفحص، فقبل الفحص لا يوجد ارتكاز على البراءة والمعذرية، الدليل الشرعية الذي هو يوافق هذه القاعدة الارتكازية أيضاً هو ينصرف إلى ذلك ويتحدد بهذه الحدود، وبالتالي تكون الأدلة الشرعية على البراءة مختصّة بصورة ما بعد الفحص، فإذن: لا إطلاق في أدلّة البراءة بناءً على هذا الكلام حتى نبحث عن المانع، وإنما هناك قصور في المقتضي يمنع من التمسك بهذه الأدلة إثبات البراءة في صورة ما قبل الفحص.
قلنا في الدرس السابق أنّالمحقق النائيني(قدّس سرّه) قال أنّ الاحتياط إذا كان على خلافه حجّة معتبرة؛ فحينئذٍ يعتبر في حُسنه أن يعمل المكلّف أولاً بمقتضى الحجّة المعتبرة، ثمّ بعد ذلك يحتاط، ومنع من العكس، وقلنا أنّه عللّ ذلك بأنّ معنى حجّية الحجّة هو إلغاء احتمال الخلاف وعدم الاعتناء به، وكأنّه يرى أنّ الإتيان بالاحتياط قبل العمل بمقتضى الحجّة المعتبرة فيه نوع من الاعتناء باحتمال الخلاف، فهو لم يلغِ احتمال الخلاف عملاً، وإنما اعتنى به، بينما هو مأمور ــــــــ بحسب الفرض ــــــــ بعدم الاعتناء باحتمال الخلاف؛ ولذا كان المناسب أن يقدّم العمل بمقتضى الإمارة والحجّة المعتبرة، ثمّ بعد ذلك يحتاط.
ما ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) إذا كان بهذه الحدود الموجودة في التقريرات، فيُلاحظ عليه أنّ الذي يُستفاد من دليل حجّية اعتبار الإمارة هو وجوب العمل بمفاده، ولازم وجوب العمل بمفاده هو عدم جواز الاقتصار على ما يخالفه، يعني في مقام العمل لا يجوز للمكلّف أن يقتصر على ما يخالف مؤدّى الإمارة؛ لأنّ المكلّف مأمور بالعمل بمؤدّى الإمارة. وأمّا مسألة عدم جواز فعل ما يخالف مؤدّى الإمارة مع عدم الاقتصار عليه في مقام العمل، وإنما هو يعمل بما يخالف مؤدّى الإمارة، لكن مع عدم الاقتصار عليه، وإنّما يأتي به من باب الاحتياط، يضمّ إليه العمل بمؤدّى الإمارة. إذن: هو يعمل بمؤدّى الإمارة، ويأتي بما يخالف مؤدّى الإمارة احتياطاً وإدراكاً للواقع. هذا لا يمكن أن نستفيد عدم جوازه من دليل اعتبار الإمارة، حيث أنّ مفاد دليل اعتبار الإمارة هو عدم جواز الاقتصار في مقام العمل على ما يخالف مؤدّى الإمارة، وفي محل الكلام هو لا يقتصر على ما يخالف مؤدّى الإمارة في مقام العمل. غاية الأمر أنّه قدّم الاحتياط على العمل بمؤدّى الإمارة، فيكون المقصود بعدم الاعتناء باحتمال الخلاف ـــــــ بناءً على هذا ــــــ في مقابل الاعتناء بمؤدى الطريق، ومعنى الاعتناء بمؤدى الطريق هو وجوب العمل به وجواز الاقتصار عليه، فيكون معنى عدم الاعتناء باحتمال الخلاف هو عدم جواز الاقتصار عليه في مقام العمل، هذا لا يمنع من الطريق المطروح في المقام وهو أن يأتي بالاحتياط قبل العمل بمؤدّى الإمارة، ولا يكون دليل الحجّية مانعاً من ذلك.
من جملة المباحث التي وقع الكلام فيها في مقام بيان شروط العمل بالاحتياط هو جريان الاحتياط في العبادات، أنّه هل العمل بالاحتياط في العبادات جائز قبل الفحص، أو لا ؟
هنا ذكروا أنّه لا إشكال في حُسن الاحتياط في العبادات في حالة تعذر الامتثال التفصيلي بعلمٍ أو علمي، وإن استلزم التكرار، وإنما الإشكال وقع بينهم فيما إذا تمكّن من تحصيل الامتثال العلمي ـــــــ الامتثال التفصيلي ــــــــ أي بإمكانه أن يعرف ما هو الواقع، صلاة الظهر، أو صلاة الجمعة، أو بإمكانه أن يعثر على الحجّة المعتبرة التي تشخّص وجوب أحدهما، هو لا يحصّل العلم، ولا يبحث عن الحجّة المعتبرة التي هي(العلمي) ويحتاط، فيأتي بالصلاتين معاً. هنا وقع الكلام في جواز الاحتياط في حالة التمكّن من تحصيل الامتثال التفصيلي بعلمٍ، أو بعلمي، هل يجوز له الامتثال الإجمالي الذي هو عبارة عن الاحتياط، أو لا ؟ هذه المسألة مطروحة وتقدّم الكلام عنها مفصلاً سابقاً في آخر مباحث القطع. فيه كلام تقدّم سابقاً ولا حاجة إلى تكراره وإعادته، وتبيّن هناك أنّ الصحيح هو جواز الامتثال الإجمالي حتى في صورة التمكّن من الامتثال التفصيلي، فضلاً عن صورة عدم التمكن من الامتثال التفصيلي. هذا كلّه في ما يرتبط بالمقام الأوّل، أي في شروط العمل بالاحتياط.
المقام الثاني: شروط العمل بالبراءة.
هنا يقع البحث في جواز إجراء البراءة قبل الفحص وعدم جوازه. أو بعبارةٍ أخرى: وقع الكلام في وجوب الفحص عن الحجّة على التكليف، والحجّة أعم من العلم، أو الحجّة المعتبرة. هل يجب الفحص عن الحجّة على التكليف قبل إجراء البراءة، أو أنّ المكلّف بمجرّد تحقق موضوع البراءة وهو الشك في التكليف يجري البراءة ؟ ولا يجب عليه الفحص عن الأدلة؛ لأنّه قد يفحص عن الأدلة ويعثر على ما يثبت التكليف. فهل يجوز له إجراء البراءة بمجرّد الشك في التكليف قبل الفحص عن ما يثبته من حجّة معتبرة من علمٍ، أو علمي، أو لا يجوز له ذلك إلاّ بعد الفحص وعدم العثور على ما يثبت ذلك التكليف المحتمل. هذا محل الكلام فعلاً.
الكلام تارةً يقع في الشبهات الحكمية، وأخرى في الشبهات الموضوعية، والكلام عن الثاني إنما ينفتح المجال له إذا فرغنا في المقام الأول عن لزوم الفحص في الشبهات الحكمية، وإذا قلنا في الشبهة الحكمية وجوب الفحص قبل إجراء البراءة؛ حينئذٍ يقع الكلام في أنّه في الشبهة الموضوعية أيضاً لابدّ من الفحص قبل إجراء البراءة، أو يجوز العمل بالبراءة قبل الفحص في الشبهات الموضوعية ؟ وأمّا إذا قلنا في الشبهات الحكمية بعدم وجوب الفحص وجواز إجراء البراءة قبل الفحص عمّا يثبت التكليف، لا إشكال في جواز ذلك بالنسبة إلى الشبهة الموضوعية؛ ولذا قدّمنا الكلام عن الشبهات الحكمية حتى نعرف ما هي النتيجة.
لزوم الفحص في الشبهات الحكمية: الكلام أيضاً تارةً يقع في اشتراط الفحص في جريان البراءة العقلية ـــــــ بناءً على الإيمان بالبراءة العقلية ـــــــ وأخرى يقع الكلام في اشتراط الفحص في جريان البراءة الشرعية. كلامنا فعلاً في جواز التمسّك بالبراءة العقلية ــــــــ بناءً على القول بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ـــــــ في الشبهات الحكمية قبل الفحص.
المعروف هو اشتراط الفحص في جريان البراءة العقلية ولا يجوز التمسّك بالبراءة العقلية في الشبهات الحكمية قبل الفحص عمّا يثبت التكليف؛ بل ذكروا أنّ هذا المطلب واضح ولا إشكال فيه ولا ينبغي التأمّل في اشتراط الفحص قبل إجراء البراءة العقلية في الشبهات الحكمية. واستدلوا على ذلك بأنّ موضوع حكم العقل بقبح العقاب هو عدم البيان؛ فحينئذٍ لكي نحرز البراءة وقبح العقاب لابدّ من إحراز موضوع هذه القاعدة وهو عدم البيان. إذن: لابدّ من إحراز عدم البيان حتى يمكن إثبات البراءة العقلية وقبح العقاب، ومن الواضح أنّ المكلّف قبل البحث عن الأدلة التي تثبت الأحكام عادةً هو لا يستطيع أن يحرز عدم البيان، فإذا كان لا يحرز عدم البيان قبل الفحص، فكيف يجوز له التمسّك بالقاعدة لإثبات محمولها، وإثبات الحكم فيها وهو البراءة وقبح العقاب، فإذن: لابدّ من الفحص حتى يحرز بعد الفحص وعدم العثور على دليلٍ مثبت للتكليف يستطيع أن يقول بعدم وجود البيان، فإذا أحرز عدم البيان بعد الفحص؛ حينئذٍ تجري البراءة العقلية. نعم، هو قبل الفحص يحرز عدم وصول البيان إليه، لكن البيان الذي أُخذ عدمه موضوعاً في قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا يُراد به البيان الواصل، وإنما المراد هو البيان الذي يكون ما عبّروا عنه بــــ(الذي يكون في معرض الوصول) بحيث أنّ المكلّف عادةً إذا فحص يعثر عليه إن كان موجوداً، فإذن موضوع القاعدة هو عدم البيان الذي يكون في معرض الوصول، ومن الواضح أنّ المكلّف قبل الفحص لا يحرز عدم هذا البيان، ولعلّ هذا البيان موجود وإذا فحص يعثر عليه، فهو قبل الفحص لا يحرز عدم وجود بيان في معرض الوصول، وإنما يحرز عدم وجود بيان واصل إليه، لكن الموضوع في القاعدة ليس هو البيان الواصل، وإنما الموضوع هو البيان الذي يكون في معرض الوصول، وإحراز عدمه يتوقف على الفحص، فالمكلّف إذا لم يفحص لا يحرز عدم مثل هذا البيان، فلا يجوز له التمسّك بالقاعدة، وإذا فحص وعثر على بيان؛ فحينئذٍ ينتفي موضوع القاعدة، لكن إذا فحص ولم يعثر على بيان يستطيع أن يقول أنا أحرز عدم وجود بيان في معرض الوصول، فيجوز له التمسّك بالقاعدة، لكن بعد الفحص. هذا هو الدليل على عدم جواز التمسّك البراءة العقلية قبل الفحص.
الظاهر أنّه يمكن تتميم ما ذكروه حتى بناءً على إنكار قاعدة قبح العقاب بلا بيان؛ وذلك لأنّ من ينكر قاعدة قبح العقاب بلا بيان في الحقيقة هو ينكرها كقاعدةٍ عقلية، فالعقل لا يحكم بهذا الشيء، باعتبار أنّ مولوية المولى ثابتة حتى في التكاليف المحتملة والموهومة، فضلاً عن التكاليف المعلومة، هي مولوية واسعة وثابتة في كل شيءٍ؛ وحينئذٍ يكون له حق الطاعة في التكليف ولو كان محتملاً وموهوماً، لكنّه يؤمن بها كقاعدة عقلائية جرى عليها العقلاء في مولوياتهم العرفية فيما بينهم، قاعدة قبح العقاب بلا بيان حتى إذا كانت قاعدة عقلائية هي مشروطة بالفحص؛ لأنّ العقلاء لا يقبلون العذر فيما إذا تبيّن وجود تكليف وأجرى البراءة قبل الفحص، يعني عندما يكون التكليف في معرض الوصول، وعندما تكون عادة المكلّف والمولى هي أن لا يوصل البيان إلى كل مكلّفٍ بيده، وإنما يجعله في معرض الوصول، التمسّك بالبراءة قبل الفحص لا يراه العقلاء عذراً ومبرراً للمكلّف بحيث هو لا يستحق العقاب؛ بل يرونه مستحقاً للعقاب عندما ينفي التكليف عند الشك فيه قبل الفحص؛ لأنّهم يقولون له أنّ البيان على التكليف جُعل في معرض الوصول، فعليك الفحص حتى يمكنك التمسّك بالبراءة. هذا بالنسبة إلى البراءة العقلية.
وأمّا البراءة الشرعية، يعني الأدلة الدالة على البراءة وهي كثيرة. هنا قالوا: لو بقينا نحن ودليل البراءة الشرعية، فدليلها مطلق وكما يشمل حالة ما بعد الفحص أيضاً يشمل حالة ما قبل الفحص وليس في دليل البراءة ما يوجب تقييدها بما بعد الفحص، فهي تشمل كلتا الحالتين. قالوا: أنّ الكلام في المقام يقع في المانع، يعني كأنّهم فرغوا عن إطلاق دليل البراءة، وإنما الكلام في وجود ما يمنع من ثبوت البراءة لحالة ما قبل الفحص.
وبعبارة أخرى: كأنّهم يرون أنّ المقتضي للبراءة قبل الفحص موجود وهو إطلاق دليل البراءة، وإنّما الكلام في وجود ما يمنع من ذلك؛ ولذلك تكلموا في أنّ المانع ما هو ؟ هل هو مانع عقلي، أو مانع شرعي ؟ واختلفوا في ذلك، لكنّ ظاهرهم هو الاتفاق على أنّه لا قصور في المقتضي، وأنّ الأدلة مطلقة بلحاظ ما قبل الفحص وبلحاظ ما بعد الفحص بحيث إذا ناقشنا في المانع المدّعى في المقام سواء كان عقلياً، أو كان شرعياً؛ حينئذٍ إطلاق الأدلة يكفي لإثبات البراءة حتى في صورة ما قبل الفحص.
في المقابل هناك رأي يرى أنّ هناك قصوراً في المقتضي، يعني هناك رأي يمنع من الإطلاق في أدلة البراءة الشرعية بنحوٍ يشمل حتى صورة ما قبل الفحص، ومن هنا المنع من جريان البراءة قبل الفحص في الشبهات الحكمية والمقصود هو البراءة الشرعية، المنع من جريان البراءة يمكن أن يُبيّن بلسان قصور المقتضي وعدم وجود إطلاقٍ في أدلة البراءة، وله بيانات أخرى، فقد يُبيّن بلسان الاعتراف بوجود المقتضي وإطلاق الأدلة، لكن هناك مانع عقلي يمنع من ثبوت البراءة الشرعية في صورة ما قبل الفحص. وقد يُبيّن بلسان وجود مانع شرعي يمنع من ذلك كما سيظهر من خلال البحث.
بالنسبة إلى قصور المقتضي ــــــــ وهذه نقطة مهمّة جداً ــــــــ إنّ أدلة البراءة هل فيها إطلاق يشمل صورة ما قبل الفحص، أو ليس فيها إطلاق ؟ إذا لاحظنا أدلة البراءة وحدها وقصرنا النظر عليها، فالظاهر أنّه لا مجال للتشكيك في وجود إطلاق من قبيل(رُفع ما لا يعلمون)، و(ما كنّا معذّبين حتى نبعث رسولا).....الخ من الأدلة التي استُدل بها على البراءة، ليس فيها خصوص ما يشير إلى تقييد البراءة المجعولة فيها بما بعد الفحص، لكن ادُعي أنّ هناك قصوراً في أدلة البراءة وليس في أدلة البراءة جميعاً بلا فرقٍ بين دليل ودليل، ليس فيها إطلاق يشمل ما قبل الفحص، ادُعي ذلك ببيان: أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان(البراءة العقلية) سواء قلنا أنّها قاعدة عقلية، أو قلنا بأنّها قاعدة عقلائية، على كلا التقديرين لا إشكال في أنّها قاعدة مركوزة في أذهان العقلاء وجروا عليها فيما بينهم، وطبّقوها في المولويات الموجودة عندهم وعلى غيرهم أيضاً؛ حينئذٍ في مثل هذه الحالة يقال في مقام بيان قصور المقتضي يقال: عندما ترِد نصوص شرعية بما يطابق هذه القاعدة المرتكزة في أذهان العقلاء، يعني الدليل الشرعي يكون مطابقاً للارتكاز العقلائي؛ حينئذٍ في حالة من هذا القبيل هذا الدليل الشرعي ينصرف إلى ما هو المرتكز في أذهان العقلاء ويتحدد بحدوده ويتبعه في السعة والضيق، فإذا كانت تلك القاعدة مرتكزة في أذهان العقلاء وكان لها حدود معيّنة، الدليل الشرعي أيضاً سوف يتحدد بتلك الحدود، فإذا كانت واسعة ومطلقة، فالدليل الشرعي أيضاً سيكون واسعاً ومطلقاً، وأمّا إّذا كانت هذه القاعدة المرتكزة ضيقة وتثبت في حالة معيّنة، الدليل الشرعي أيضاً يتبعها في ذلك وينصرف إلى خصوص تلك الحالة المعينة التي هي مرتكزة في أذهان العقلاء؛ حينئذٍ هذا الكلام يمكن أن يُطبّق في محل الكلام، فالقاعدة العقلية هي قاعدة ارتكازية، بعد الفراغ عن ذلك؛ حينئذٍ نقول: وردت أدلة شرعية مفادها البراءة الشرعية. إذن: وردت نصوص شرعية بما يطابق تلك القاعدة المرتكزة في أذهان العقلاء؛ حينئذٍ نطبّق ما تقدّم سابقاً على ذلك، فيقال: بأنّ هذا الدليل الشرعي لا يستطيع أن يتسع إلى ما لا يتسع إليه الارتكاز، وإنّما هو يتحدد بحدودها وينصرف إلى ما هو المرتكز في أذهان العقلاء، فإذا فرضنا كما تقدّم أنّ الارتكاز العقلائي لقاعدة قبح العقاب بلا بيان موجود فقط فيما بعد الفحص؛ لأننا قلنا بعدم وجود ارتكاز لدى العقلاء على المعذورية قبل الفحص، عندما يكون المولى مولى من هذا القبيل، المولى هو لم يلتزم بإيصال البيان على تكاليفه إلى كل مكلّف كما هي العادة تقتضي هكذا في كل القوانين لا يصل البيان على التكاليف إلى كل مكلّفٍ مكلّف، وإنّما المولى يجعله في معرض الوصول، في مثل هذه الحالة الارتكاز العقلائي لا يساعد على المعذرية قبل الفحص، وإنما يقول له أفحص، لعلّك تعثر على دليل على التكليف، وهذا معناه أنّ البراءة العقلية التي هي أمر ارتكازي هي مخصوصة بصورة ما بعد الفحص، فقبل الفحص لا يوجد ارتكاز على البراءة والمعذرية، الدليل الشرعية الذي هو يوافق هذه القاعدة الارتكازية أيضاً هو ينصرف إلى ذلك ويتحدد بهذه الحدود، وبالتالي تكون الأدلة الشرعية على البراءة مختصّة بصورة ما بعد الفحص، فإذن: لا إطلاق في أدلّة البراءة بناءً على هذا الكلام حتى نبحث عن المانع، وإنما هناك قصور في المقتضي يمنع من التمسك بهذه الأدلة إثبات البراءة في صورة ما قبل الفحص.