37/01/28
تحمیل
الموضوع: الصوم, كفارة الافطار,
مسألة, 20.
ونوقش في الكبرى(كل دين يجوز التبرع به عن الحي)
اولاً: أن الرواية _رواية الخثعمية_ غير تامة سنداً لأنها غير مروية من طرقنا.
ثانياً : يحتمل أن الرواية ناظرة إلى الميت وكلامنا في الحي.
ثالثاً: أن هذا الذيل (دين الله احق) لا يوجد في رواية الخثعمية في كتب العامة _وان ذكره البعض في كتبنا_ وإنما يوجد هذا النص في رواية عامية اخرى, ورواية الخثعمية الموجودة في كتب العامة بهذا الشكل ابن عباس (ان امرأة من خثعم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع والفضل بن عباس ردفه فقالت إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع ان يستمسك على الرحل فهل ترى ان أحج عنه قال نعم)[1]
أو اضيف اليها غير العبارة التي نحن بصددها كما نقل الشيخ الطوسي ذلك الخلاف (ما روى سفيان عن عيينة عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس (أن امرأة من خثعم سألت رسول الله عليه وآله فقالت : إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على راحلة، فهل ترى أن أحج عنه ؟ فقال صلى الله عليه وآله : نعم . وفي رواية عمرو بن دينار عن الزهري مثله، وزاد : فقالت : يا رسول الله فهل ينفعه ذلك ؟ فقال : نعم كما لو كان عليه دين تقضيه نفعه))[2]
ومن هنا يظهر أن الكبرى غير تامة وليس عندنا دليل يدل على جواز التبرع عن الغير في الدين بمعناه العام الشامل لما يسمى بدين الله كالحج والصلاة, والشيء الذي يمكن الالتزام به هو جواز التبرع بالدين المالي لقيام السيرة العقلائية على ذلك, وان التبرع يوجب سقوط الدين عن ذمة المدين.
ومن هنا لا يتم هذا الدليل القائل بالجواز مطلقاً.
الدليل الثاني: للقول بالجواز مطلقاً هو موثقة إسحاق بن عمار (عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في رجل يجعل عليه صياما في نذر فلا يقوى قال : يعطى من يصوم عنه في كل يوم مدين)[3]
فالذي يفهم من الرواية جواز الاستنابة في الصوم فتدل على جواز ذلك وان كان لا يدخل في باب التبرع وإنما يدخل في باب الاستنابة لكن الاستدلال بالرواية هو أنه تفرغ ذمة الشخص الذي نذر الصوم بفعل الغير في باب النذر, ومنه نفهم تحقق هذا المعنى في محل الكلام أي أن يقال بأن حصول فراغ الذمة بفعل الغير في المقام(الكفارة) بطريق اولى, وهذا معناه كفاية التبرع لأثبات براءة ذمة الشخص الذي وجبت عليه الكفارة.
ويلاحظ على هذا الدليل
اولاً: أن هذه الرواية لم يُعمل بها في موردها _ باب النذر_ فلا احد يجوز الاستنابة من الاصحاب في باب النذر. ثانياً:أن الرواية ظاهرة في التوكيل والاستنابة لا التبرع, والتعدي إلى التبرع يحتاج إلى مؤنة وبيان وهو أننا اذا جوزنا التوكيل في باب النذر يكشف ذلك عن أن المباشرة غير معتبرة في باب الصوم المنذور واذا لم تعتبر المباشرة يمكن التعدي إلى التبرع, لأنه أذا كانت المباشرة غير معتبرة فلا اشكال حينئذ بالتبرع لعدم الخصوصية للتوكيل.
لكن هذا الكلام _ التعدي من التوكيل إلى التبرع _ غير صحيح فيأتي الاشكال الثاني على الرواية وهو أن الرواية واردة في التوكيل ولا يمكن التعدي إلى محل الكلام ( التبرع).
الدليل الثالث: صحيحة جميل المتقدمة والتي ورد فيها (خذ هذا التمر وتصدق به) وهناك رواية اخرى من هذا القبيل بدعوى أن هذه الرواية أو الروايتين تدلان على جواز التبرع بالصدقة فأن الرسول صلى الله عليه واله وسلم تبرع بالتصدق عن هذا الشخص المطلوب كفارة فيجوز التبرع بالكفارة.
وقد تقدم ما في هذا الدليل من احتمال التمليك وقد جزم بعضهم بذلك, فخذ هذا التمر أي تملكه وتصدق به عن نفسك, فيخرج عن محل الكلام (التبرع) لأنه يكون قد تصدق بالطعام بعد أن تملكه, وان لم نقل بأن الرواية ظاهرة في التمليك فلا اقل من الاجمال فيها المانع من الاستدلال بها في محل الكلام.
الدليل الرابع: رواية الخثعمية بأن يقال أن الرواية واضحة في أن دين الله يقضى وهو يشمل الكفارة لأن الكفارة دين الله ايضاً. ولكن تقدم ما في الرواية مضافاً إلى منع صدق دين الله على الكفارة فدين الله لا يصدق على الواجبات الالهية فالدين يصدق على خصوص الديون المالية, وما عدا ذلك من الواجبات المالية أو البدنية ليست ديناً لله وإنما يقال ذلك في بعض النصوص من باب التوسع, وقد تبين أن ادلة الجواز مطلقاً غير ناهضة لأثبات ذلك.
واستدل للقول الثاني (المنع مطلقاً)
بأنه مقتضى القاعدة _فلا يسقط التكليف بالكفارة ولا تفرغ الذمة بتبرع الغير_ لأن ظاهر الادلة (اعتق رقبة أو اطعم ستين مسكيناً أو صم شهرين متتابعين ) هو صدور الفعل من الفاعل الذي ارتكب الافطار العمدي وهو الذي تجب عليه الكفارة ويستند صدورها إليه أما بالمباشرة أو بالتسبيب (التوكيل) فيستند إليه العمل ايضاً كما لو وكل شخصاً بأن يعتق رقبة عنه فأنه يصدق عليه أنه اعتق رقبة غاية الأمر أنه يكون بالتسبيب لا بالمباشرة.
وهذا(التوكيل) غير التبرع لأن التبرع لا يوجب استناد الفعل إلى ذلك الشخص(الذي وجبت عليه الكفارة). ومن هنا يقال بأن مقتضى القاعدة بلحاظ الادلة هو عدم جواز التبرع, كما أن مقتضى القاعدة بلحاظ الاصول العملية لو لم يتم الاستظهار من الادلة هو عدم جواز التبرع ايضاً, لأن الاصل الذي يجري في المقام هو اصالة الاشتغال فأن ذمته مشغولة بالكفارة ويشك في براءتها عند تبرع المتبرع, فالشك في فراغ الذمة بعد اشتغالها فتجري اصالة الاشتغال, اذا لم نقل بجريان استصحاب الشغل المتيقن سابقاً قبل تبرع المتبرع فيشك بعد التبرع في أن ذمته ما زالت مشغولة أو انها فرغت عند التبرع فيستصحب بقاء الشغل الذي يعني عدم جواز التبرع وعدم الاكتفاء به, وعليه يمكن القول بأن مقتضى القاعدة عدم جواز التبرع بلحاظ الادلة والاصول العملية.
نعم يمكن أن نرفع اليد عن القاعدة عند ورود دليل خاص بجواز التبرع.
واستدل للقول الثالث (التفصيل) بين الصوم من جهة فلا يجوز التبرع فيه وبين الاطعام والعتق فيجوز التبرع فيهما.
أما بالنسبة إلى المنع في الصوم فبأعتبار أن الصوم عبادة وفيها غرض معين للشارع كترويض النفس والاتصال بالله سبحانه وتعالى والتقرب إليه, وهذا الغرض لا يحصل بالتبرع فالمطلوب منه الصوم بنفسه, بل لا يحصل الغرض حتى في التوكيل ولذا يمنع التوكيل في باب العبادات, ولذا قلنا بأن الاصحاب لم يعملوا بظاهر رواية اسحاق بن عمار التي فيها التوكيل في العبادة, فالمباشرة معتبرة في العبادة ولا يصح فيها التوكيل فضلاً عن التبرع الذي يسلب استناد الفعل لذلك الشخص الذي تجب عليه العبادة, هذا بالنسبة إلى الصوم وهذا المطلب صحيح في باب العبادات, ومن هنا سندخل إلى اشكال بالنسبة إلى سائر اقسام الكفارة (كالعتق والاطعام) لأن هناك كلام في أن العتق والاطعام عبادة؟؟ أو لا؟
فإذا قلنا بأنهما عبادة ويعتبر فيهما قصد القربة كما تدل عليه بعض الروايات فيأتي الكلام الذي ذكرناه في الصوم فيهما, لأنهما لو كانا عبادة فأن العبادة فيها غرض خاص لا يتأدى الا أن يصدر من الشخص نفسه ولا يتأدى بفعل الغير سواء كان بالتوكيل أو بالتبرع, وكذلك لا يصدق استناد الفعل إلى الموكِل _ عرفاً_عنده فعل الوكيل العبادة, وحينئذ لابد أن ننتهي إلى المنع مطلقاً, أما اذا قلنا بأنهما ليسا عبادة ولا يشترط فيهما قصد القربة فحينئذ يكون التفريق بين الصوم من جهة وبينهما واضحاً فيكون دليل الجواز _بناءً على انهما ليسا عبادة_ هو أن التوكيل يجري في الاطعام والعتق بلا اشكال, ومن هنا نستكشف بأن المباشرة غير معتبرة فيهما, واذا كانت كذلك والغينا خصوصية التوكيل لأنه إنما جاز بأعتبار أن المباشرة غير معتبرة لا لخصوصية فيه(التوكيل) وحينئذ يمكن اثبات هذا المطلب في التبرع.
وهذا ما اشرنا إلى المناقشة فيه وهي أنه ليس من الصحيح أن نستدل بالدليل الدال على جواز التوكيل في العتق والاطعام على جواز التبرع فيهما للفرق الواضح بينهما (كما ذكر السيد الخوئي (قد) ) فالتوكيل يستند فيه العمل إلى نفس الشخص الموكِل لا إلى الوكيل, فيقال فلان (الموكِل) تزوج عندما يوكل شخصاً في تزويجه ولا يقال للوكيل بأنه تزوج, فيكون العمل قد صدر منه(الموكِل) بالتسبيب لا بالمباشرة, بينما التبرع ليس كذلك فأنه لا يوجب استناد العمل إلى الشخص لأنه لم يأتي بالفعل بأمر من ذلك الشخص ولا بوكالة منه ولا بأذنه ولا بتفويضه, غاية الأمر أنه عندما اعتق (مثلاً) قصد النيابة عن ذلك الشخص ولا دليل على أن مجرد قصد النيابة موجب لسقوط التكليف فتكون اصالة الاشتغال محكمة وباقية عند الشك في السقوط فتجري لأثبات عدم كفاية هذا التبرع.
ونحن قلنا بأن الأمر يدور بين المنع مطلقاً وبين التفصيل ولا يمكن الالتزام بالجواز مطلقاً لوضوح أن الصوم لا يقبل التوكيل فضلاً عن التبرع, فالكلام يجب أن يتركز على العتق والاطعام وهل هناك موانع من التبرع فيهما اولا؟؟
فقد يبدو لأول وهلة عدم المانع لكن الذي يبدو أن المسألة ليست بهذا الوضوح لأن هناك ما يمنع من قبول التبرع فيهما بل قد يمنع من قبول التوكيل فيهما كما لو التزمنا بأن العبادة لا تقبل التوكيل وكان العتق عبادة كما في بعض الروايات فحينئذ تكون في المسألة مشكلة ولابد من اختيار القول المنع مطلقاً.
فالأمور من حيث جواز الاتيان بها عن طريق الوكيل أو التبرع تنقسم إلى ثلاثة اقسام:
الاول: ما لا يقبل التوكيل ولا التبرع _بناءً على القاعدة _كالعبادات, والسر في ذلك هو عدم وضوح الاستنابة, فلو وكل شخص شخصاً بالصلاة نيابة عنه فأنه لا يصدق_ عرفاً_ بأن الموكِل قد صلى, ويمكن التعمق اكثر من ذلك ونقول أن السبب في ذلك هو ما اشرنا إليه من أن العبادات نمط خاص من الواجبات وتترتب عليها اغراض معنوية كترويض النفس, وهو لا يترتب ولا يتحقق عند الموكِل عندما يصدر الفعل من وكيله, فالمباشرة معتبرة في باب العبادات ولابد منها.
الثاني: ما يكفي فيه التسبيب ولا يعتبر فيه المباشرة ويعتبر فيه الاستناد وهو (الاستناد) يتحقق بالتسبيب كما يتحقق بالمباشرة, كالتوكيل في عقد الزواج والطلاق وبيع الدار وغير ذلك فأن هذه الامور جميعها يستند الفعل فيها إلى الموكِل لا إلى الوكيل.
الثالث: ما يقبل التوكيل والتبرع فيسقط الواجب بتبرع المتبرع فضلاً عن التوكيل وهو ما يعبر عنها بالديون المالية, فأداء الدين المالي واجب من الواجبات الشرعية وهذا الوجوب يسقط بالتبرع فضلاً عن التوكيل والمباشرة, ولعل السر في ذلك هو أن الذي يُفهم من الدليل الدال على وجوب الدين أن الغرض منه وصول الحق إلى صاحبه, وهو يتحقق بالتبرع كما يتحقق بالتوكيل والمباشرة.
وفي مسألتنا يدخل الصوم في العبادات ولا يقبل التوكيل فضلاً عن التبرع, أما الاطعام والعتق فأنهما يقبلان التوكيل لأن الاستناد يتحقق فيه أما التبرع فلا يقبلانه لعدم تحقق الاستناد به, فلو اعتق شخص عبده نيابة عن زيد الذي يجب عليه العتق فأن هذا العتق لا يستند إلى زيد, وظاهر الادلة أن الفعل الذي يجب على المكلف لابد أن يستند إليه فإذا كان الاستناد يتحقق بالتوكيل نكتفي به أما التبرع فأن الاستناد لا يتحقق به, ومن هنا يظهر أن الاقرب في هذه المسألة هو القول الثاني (المنع مطلقاً).
ونوقش في الكبرى(كل دين يجوز التبرع به عن الحي)
اولاً: أن الرواية _رواية الخثعمية_ غير تامة سنداً لأنها غير مروية من طرقنا.
ثانياً : يحتمل أن الرواية ناظرة إلى الميت وكلامنا في الحي.
ثالثاً: أن هذا الذيل (دين الله احق) لا يوجد في رواية الخثعمية في كتب العامة _وان ذكره البعض في كتبنا_ وإنما يوجد هذا النص في رواية عامية اخرى, ورواية الخثعمية الموجودة في كتب العامة بهذا الشكل ابن عباس (ان امرأة من خثعم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع والفضل بن عباس ردفه فقالت إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع ان يستمسك على الرحل فهل ترى ان أحج عنه قال نعم)[1]
أو اضيف اليها غير العبارة التي نحن بصددها كما نقل الشيخ الطوسي ذلك الخلاف (ما روى سفيان عن عيينة عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس (أن امرأة من خثعم سألت رسول الله عليه وآله فقالت : إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على راحلة، فهل ترى أن أحج عنه ؟ فقال صلى الله عليه وآله : نعم . وفي رواية عمرو بن دينار عن الزهري مثله، وزاد : فقالت : يا رسول الله فهل ينفعه ذلك ؟ فقال : نعم كما لو كان عليه دين تقضيه نفعه))[2]
ومن هنا يظهر أن الكبرى غير تامة وليس عندنا دليل يدل على جواز التبرع عن الغير في الدين بمعناه العام الشامل لما يسمى بدين الله كالحج والصلاة, والشيء الذي يمكن الالتزام به هو جواز التبرع بالدين المالي لقيام السيرة العقلائية على ذلك, وان التبرع يوجب سقوط الدين عن ذمة المدين.
ومن هنا لا يتم هذا الدليل القائل بالجواز مطلقاً.
الدليل الثاني: للقول بالجواز مطلقاً هو موثقة إسحاق بن عمار (عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في رجل يجعل عليه صياما في نذر فلا يقوى قال : يعطى من يصوم عنه في كل يوم مدين)[3]
فالذي يفهم من الرواية جواز الاستنابة في الصوم فتدل على جواز ذلك وان كان لا يدخل في باب التبرع وإنما يدخل في باب الاستنابة لكن الاستدلال بالرواية هو أنه تفرغ ذمة الشخص الذي نذر الصوم بفعل الغير في باب النذر, ومنه نفهم تحقق هذا المعنى في محل الكلام أي أن يقال بأن حصول فراغ الذمة بفعل الغير في المقام(الكفارة) بطريق اولى, وهذا معناه كفاية التبرع لأثبات براءة ذمة الشخص الذي وجبت عليه الكفارة.
ويلاحظ على هذا الدليل
اولاً: أن هذه الرواية لم يُعمل بها في موردها _ باب النذر_ فلا احد يجوز الاستنابة من الاصحاب في باب النذر. ثانياً:أن الرواية ظاهرة في التوكيل والاستنابة لا التبرع, والتعدي إلى التبرع يحتاج إلى مؤنة وبيان وهو أننا اذا جوزنا التوكيل في باب النذر يكشف ذلك عن أن المباشرة غير معتبرة في باب الصوم المنذور واذا لم تعتبر المباشرة يمكن التعدي إلى التبرع, لأنه أذا كانت المباشرة غير معتبرة فلا اشكال حينئذ بالتبرع لعدم الخصوصية للتوكيل.
لكن هذا الكلام _ التعدي من التوكيل إلى التبرع _ غير صحيح فيأتي الاشكال الثاني على الرواية وهو أن الرواية واردة في التوكيل ولا يمكن التعدي إلى محل الكلام ( التبرع).
الدليل الثالث: صحيحة جميل المتقدمة والتي ورد فيها (خذ هذا التمر وتصدق به) وهناك رواية اخرى من هذا القبيل بدعوى أن هذه الرواية أو الروايتين تدلان على جواز التبرع بالصدقة فأن الرسول صلى الله عليه واله وسلم تبرع بالتصدق عن هذا الشخص المطلوب كفارة فيجوز التبرع بالكفارة.
وقد تقدم ما في هذا الدليل من احتمال التمليك وقد جزم بعضهم بذلك, فخذ هذا التمر أي تملكه وتصدق به عن نفسك, فيخرج عن محل الكلام (التبرع) لأنه يكون قد تصدق بالطعام بعد أن تملكه, وان لم نقل بأن الرواية ظاهرة في التمليك فلا اقل من الاجمال فيها المانع من الاستدلال بها في محل الكلام.
الدليل الرابع: رواية الخثعمية بأن يقال أن الرواية واضحة في أن دين الله يقضى وهو يشمل الكفارة لأن الكفارة دين الله ايضاً. ولكن تقدم ما في الرواية مضافاً إلى منع صدق دين الله على الكفارة فدين الله لا يصدق على الواجبات الالهية فالدين يصدق على خصوص الديون المالية, وما عدا ذلك من الواجبات المالية أو البدنية ليست ديناً لله وإنما يقال ذلك في بعض النصوص من باب التوسع, وقد تبين أن ادلة الجواز مطلقاً غير ناهضة لأثبات ذلك.
واستدل للقول الثاني (المنع مطلقاً)
بأنه مقتضى القاعدة _فلا يسقط التكليف بالكفارة ولا تفرغ الذمة بتبرع الغير_ لأن ظاهر الادلة (اعتق رقبة أو اطعم ستين مسكيناً أو صم شهرين متتابعين ) هو صدور الفعل من الفاعل الذي ارتكب الافطار العمدي وهو الذي تجب عليه الكفارة ويستند صدورها إليه أما بالمباشرة أو بالتسبيب (التوكيل) فيستند إليه العمل ايضاً كما لو وكل شخصاً بأن يعتق رقبة عنه فأنه يصدق عليه أنه اعتق رقبة غاية الأمر أنه يكون بالتسبيب لا بالمباشرة.
وهذا(التوكيل) غير التبرع لأن التبرع لا يوجب استناد الفعل إلى ذلك الشخص(الذي وجبت عليه الكفارة). ومن هنا يقال بأن مقتضى القاعدة بلحاظ الادلة هو عدم جواز التبرع, كما أن مقتضى القاعدة بلحاظ الاصول العملية لو لم يتم الاستظهار من الادلة هو عدم جواز التبرع ايضاً, لأن الاصل الذي يجري في المقام هو اصالة الاشتغال فأن ذمته مشغولة بالكفارة ويشك في براءتها عند تبرع المتبرع, فالشك في فراغ الذمة بعد اشتغالها فتجري اصالة الاشتغال, اذا لم نقل بجريان استصحاب الشغل المتيقن سابقاً قبل تبرع المتبرع فيشك بعد التبرع في أن ذمته ما زالت مشغولة أو انها فرغت عند التبرع فيستصحب بقاء الشغل الذي يعني عدم جواز التبرع وعدم الاكتفاء به, وعليه يمكن القول بأن مقتضى القاعدة عدم جواز التبرع بلحاظ الادلة والاصول العملية.
نعم يمكن أن نرفع اليد عن القاعدة عند ورود دليل خاص بجواز التبرع.
واستدل للقول الثالث (التفصيل) بين الصوم من جهة فلا يجوز التبرع فيه وبين الاطعام والعتق فيجوز التبرع فيهما.
أما بالنسبة إلى المنع في الصوم فبأعتبار أن الصوم عبادة وفيها غرض معين للشارع كترويض النفس والاتصال بالله سبحانه وتعالى والتقرب إليه, وهذا الغرض لا يحصل بالتبرع فالمطلوب منه الصوم بنفسه, بل لا يحصل الغرض حتى في التوكيل ولذا يمنع التوكيل في باب العبادات, ولذا قلنا بأن الاصحاب لم يعملوا بظاهر رواية اسحاق بن عمار التي فيها التوكيل في العبادة, فالمباشرة معتبرة في العبادة ولا يصح فيها التوكيل فضلاً عن التبرع الذي يسلب استناد الفعل لذلك الشخص الذي تجب عليه العبادة, هذا بالنسبة إلى الصوم وهذا المطلب صحيح في باب العبادات, ومن هنا سندخل إلى اشكال بالنسبة إلى سائر اقسام الكفارة (كالعتق والاطعام) لأن هناك كلام في أن العتق والاطعام عبادة؟؟ أو لا؟
فإذا قلنا بأنهما عبادة ويعتبر فيهما قصد القربة كما تدل عليه بعض الروايات فيأتي الكلام الذي ذكرناه في الصوم فيهما, لأنهما لو كانا عبادة فأن العبادة فيها غرض خاص لا يتأدى الا أن يصدر من الشخص نفسه ولا يتأدى بفعل الغير سواء كان بالتوكيل أو بالتبرع, وكذلك لا يصدق استناد الفعل إلى الموكِل _ عرفاً_عنده فعل الوكيل العبادة, وحينئذ لابد أن ننتهي إلى المنع مطلقاً, أما اذا قلنا بأنهما ليسا عبادة ولا يشترط فيهما قصد القربة فحينئذ يكون التفريق بين الصوم من جهة وبينهما واضحاً فيكون دليل الجواز _بناءً على انهما ليسا عبادة_ هو أن التوكيل يجري في الاطعام والعتق بلا اشكال, ومن هنا نستكشف بأن المباشرة غير معتبرة فيهما, واذا كانت كذلك والغينا خصوصية التوكيل لأنه إنما جاز بأعتبار أن المباشرة غير معتبرة لا لخصوصية فيه(التوكيل) وحينئذ يمكن اثبات هذا المطلب في التبرع.
وهذا ما اشرنا إلى المناقشة فيه وهي أنه ليس من الصحيح أن نستدل بالدليل الدال على جواز التوكيل في العتق والاطعام على جواز التبرع فيهما للفرق الواضح بينهما (كما ذكر السيد الخوئي (قد) ) فالتوكيل يستند فيه العمل إلى نفس الشخص الموكِل لا إلى الوكيل, فيقال فلان (الموكِل) تزوج عندما يوكل شخصاً في تزويجه ولا يقال للوكيل بأنه تزوج, فيكون العمل قد صدر منه(الموكِل) بالتسبيب لا بالمباشرة, بينما التبرع ليس كذلك فأنه لا يوجب استناد العمل إلى الشخص لأنه لم يأتي بالفعل بأمر من ذلك الشخص ولا بوكالة منه ولا بأذنه ولا بتفويضه, غاية الأمر أنه عندما اعتق (مثلاً) قصد النيابة عن ذلك الشخص ولا دليل على أن مجرد قصد النيابة موجب لسقوط التكليف فتكون اصالة الاشتغال محكمة وباقية عند الشك في السقوط فتجري لأثبات عدم كفاية هذا التبرع.
ونحن قلنا بأن الأمر يدور بين المنع مطلقاً وبين التفصيل ولا يمكن الالتزام بالجواز مطلقاً لوضوح أن الصوم لا يقبل التوكيل فضلاً عن التبرع, فالكلام يجب أن يتركز على العتق والاطعام وهل هناك موانع من التبرع فيهما اولا؟؟
فقد يبدو لأول وهلة عدم المانع لكن الذي يبدو أن المسألة ليست بهذا الوضوح لأن هناك ما يمنع من قبول التبرع فيهما بل قد يمنع من قبول التوكيل فيهما كما لو التزمنا بأن العبادة لا تقبل التوكيل وكان العتق عبادة كما في بعض الروايات فحينئذ تكون في المسألة مشكلة ولابد من اختيار القول المنع مطلقاً.
فالأمور من حيث جواز الاتيان بها عن طريق الوكيل أو التبرع تنقسم إلى ثلاثة اقسام:
الاول: ما لا يقبل التوكيل ولا التبرع _بناءً على القاعدة _كالعبادات, والسر في ذلك هو عدم وضوح الاستنابة, فلو وكل شخص شخصاً بالصلاة نيابة عنه فأنه لا يصدق_ عرفاً_ بأن الموكِل قد صلى, ويمكن التعمق اكثر من ذلك ونقول أن السبب في ذلك هو ما اشرنا إليه من أن العبادات نمط خاص من الواجبات وتترتب عليها اغراض معنوية كترويض النفس, وهو لا يترتب ولا يتحقق عند الموكِل عندما يصدر الفعل من وكيله, فالمباشرة معتبرة في باب العبادات ولابد منها.
الثاني: ما يكفي فيه التسبيب ولا يعتبر فيه المباشرة ويعتبر فيه الاستناد وهو (الاستناد) يتحقق بالتسبيب كما يتحقق بالمباشرة, كالتوكيل في عقد الزواج والطلاق وبيع الدار وغير ذلك فأن هذه الامور جميعها يستند الفعل فيها إلى الموكِل لا إلى الوكيل.
الثالث: ما يقبل التوكيل والتبرع فيسقط الواجب بتبرع المتبرع فضلاً عن التوكيل وهو ما يعبر عنها بالديون المالية, فأداء الدين المالي واجب من الواجبات الشرعية وهذا الوجوب يسقط بالتبرع فضلاً عن التوكيل والمباشرة, ولعل السر في ذلك هو أن الذي يُفهم من الدليل الدال على وجوب الدين أن الغرض منه وصول الحق إلى صاحبه, وهو يتحقق بالتبرع كما يتحقق بالتوكيل والمباشرة.
وفي مسألتنا يدخل الصوم في العبادات ولا يقبل التوكيل فضلاً عن التبرع, أما الاطعام والعتق فأنهما يقبلان التوكيل لأن الاستناد يتحقق فيه أما التبرع فلا يقبلانه لعدم تحقق الاستناد به, فلو اعتق شخص عبده نيابة عن زيد الذي يجب عليه العتق فأن هذا العتق لا يستند إلى زيد, وظاهر الادلة أن الفعل الذي يجب على المكلف لابد أن يستند إليه فإذا كان الاستناد يتحقق بالتوكيل نكتفي به أما التبرع فأن الاستناد لا يتحقق به, ومن هنا يظهر أن الاقرب في هذه المسألة هو القول الثاني (المنع مطلقاً).