37/02/09
تحمیل
الموضوع: الصوم, كفارة الافطار,
مسألة, 24.
اشرنا إلى الخلاف في مسألة التسليم حيث نسب إلى ا لمشهور القول بكفاية تسليم مد في كفارة افطار شهر رمضان التي هي محل الكلام في حين ذهب الشيخ الطوسي وبعض اتباعه إلى القول بالمدين, ويدل على القول الاول روايات ثلاث وهي العمدة وان كان هناك روايات اخرى لكن فيها كلام من حيث السند, والروايات الثلاث(التي هي صريحة في كفاية المد الواحد) هي:
اولاً: رواية عبد المؤمن بن الهيثم الانصاري (عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : هلكت وأهلكت ! فقال : وما أهلكك ؟ قال : أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اعتق رقبة، قال : لا أجد، قال فصم شهرين متتابعين، قال : لا اطيق، قال، تصدق على ستين مسكينا، قال : لا أجد، فاتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : خذ هذا فتصدق بها، فقال : والذي بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فقال : خذه وكله أنت وأهلك فانه كفارة لك)[1]
وهذه الرواية فيها كلام في سندها فأن عبدالمؤمن بن الهيثم الانصاري كما هو مذكور في الوسائل الظاهر أنه اشتباه بعبدالمؤمن بن القاسم الانصاري, كما هو كذلك في بعض نسخ التهذيب وكما نقل الشيخ الصدوق ذلك في هذه الرواية في معاني الاخبار وكما هو المتعارف في كتب الرجال وفي كتب الروايات فالظاهر أنه اشتباه كما اشار إلى ذلك السيد الخوئي (قد) في المعجم.
وعبدالمؤمن ثقة بلا اشكال لكن الكلام في طريق الشيخ الصدوق إليه لأن الرواية يرويها صاحب الوسائل عن الشيخ الصدوق بأسناده عن عبدالمؤمن بن الهيثم _ كما يقوله وابن القاسم كما هو الصحيح _ الانصاري, وطريق الشيخ الصدوق إليه فيه شخصان فيهما كلام الاول: الحكم بن مسكين والثاني: ابو كهمس الذي هو الهيثم بن عبدالله أو ابن عبيد الله على الخلاف وهذان الرجلان فيهما كلام من جهة انهما لم يوثقا صريحاً في كتب الرجال, ويمكن اثبات وثاقة الحكم بن مسكين بأعتبار رواية بعض المشايخ الثلاثة عنه بسند صحيح لكن يبقى الاشكال في السند من جهة ابو كهمس فليس له طريق لأثبات وثاقته فيبقى الاشكال في سند الفقيه من جهة ابو كهمس, لكن هذه الرواية رواها الشيخ الصدوق في معاني الاخبار _كما اشرنا_ بهذا السند ( عن ابيه عن سعد عن موسى بن الحسن عن محمد بن عبدالحميد عن سيف بن عميرة عن منصور بن حازم عن عبدالمؤمن بن القاسم الانصاري) والظاهر أن هذا السند معتبر اذ ليس فيه من يمكن أن يخدش فيه الا محمد بن عبدالحميد وهو محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار ويوجد كلام في وثاقته وعدمها لكنه يمكن اثبات وثاقته أما بدعوى توثيق النجاشي حيث يذكر في ترجمة محمد بن عبدالحميد عبارة فيها توثيق لكن وقع الكلام في أن هذا التوثيق يرجع للاب (عبدالحميد) أو للابن (محمد) لأنه يتعرض ضمناً إلى عبدالحميد ثم يذكر التوثيق بعد ذلك والعبارة هي (روى عبدالحميد عن ابي الحسن موسى عليه السلام وكان ثقة من اصحابنا الكوفيين) فمن هو اسم كان؟؟ فأن كان عبدالحميد الذي ذكره اخيراً فلا يكون توثيقاً للابن, وان كان اسم كان هو الضمير الذي يعود على المترجم له (محمد) فحينئذ يكون توثيقاً له.
اقول يمكن اثبات وثاقة محمد بن عبدالحميد إما بأن نلتزم _كما التزم جماعة_ بأن التوثيق يعود إلى المعنون(محمد) وهذه الجملة(روى عبدالحميد عن ابي الحسن موسى عليه السلام) جملة اعتراضية ذكرها في اثناء ترجمة الابن, وحينئذ يمكن الاعتماد على قول النجاشي لأثبات وثاقته وإما بأن نثبت وثاقته برواية بعض المشايخ الثلاثة عنه بسند معتبر كما في رواية الشيخ الطوسي(وبإسناده عن أبي القاسم بن قولويه، عن جعفر بن محمد - يعني : ابن مسعود - عن عبد الله بن نهيك، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن عبد الحميد، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ))
والمشكلة في هذا السند في جعفر بن محمد فأن المراد به _كما فسر_ ابن مسعود الذي هو (مسعود)العياشي صاحب التفسير المعروف فأن جعفر يكون ابنه(العياشي), وقد روى جميع كتب ابيه, وهو(جعفر) لم ينص على وثاقته فإذا تجاوزنا هذه المشكلة وقلنا بأنه اعتمد عليه الاصحاب في اخذ روايات ابيه عنه يثبت صحة هذا السند ويثبت توثيق محمد بن عبدالحميد واذا قلنا بعدم الاعتماد على ذلك فأن هذا الطريق لا يثبت وثاقة محمد بن عبدالحميد.
وإما أن نثبت وثاقة محمد بن عبدالحميد لرواية محمد بن احمد بن يحيى صاحب النوادر عنه (محمد بن عبدالحميد) ولم يستثنى بناءً على أن من يروي عنه صاحب النوادر ولم يستثنى من قبل ابن الوليد والشيخ الصدوق وامثالهما يكون هذا توثيقاً له, فرجال نوادر الحكمة _لمحمد بن احمد بن يحيى القمي_ فيهم من استثناهم ابن الوليد وفيهم من لم يستثنهم, فمن استناه ضعيف ومن لم يستنه يكون ثقة, وبناءً على هذا فأن هذا الرجل (محمد بن عبدالحميد) روى عنه محمد بن احمد في نوادر الحكمة ونعرف ذلك_ أنه روى عنه في نوادر الحكمة مع عدم وجود كتاب نوادر الحكمة_ من الشيخ الطوسي الذي روى في التهذيب في الجزء الخامس (ص203 ح678) وفي الجزء السابع (ص376 ح 1521) حيث بدأ سند الرواية بمحمد بن احمد ابن يحيى عن محمد بن عبدالحميد والشيخ الطوسي يلتزم في التهذيب بأنه عندما يبدأ السند بشخص فأنه اخذ روايته من كتابه والكتاب المعروف لمحمد بن احمد بن يحيى هو نوادر الحكمة وحينئذ يثبت بذلك أن محمد بن احمد بن يحيى روى عن محمد بن عبدالحميد في كتاب نوادر الحكمة, أما أنه لم يستثنى فأنه واضح لأن من استثناه ابن الوليد وتبعه غيره معروفون وليس منهم محمد بن عبدالحميد.
فإذا تم احد هذه الطرق الثلاثة يكفي لأثبات وثاقة محمد بن عبدالحميد بن سالم العطار.
ثانياً: رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا، قال : عليه خمسة عشر صاعاُ، لكل مسكين مد بمد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أفضل)[2]
وهذه الرواية _التي لا اشكال في سندها _تصرح بأن لكل مسكين مد وتفيد بأن تقسيم خمسة عشر صاعاً يساوي مداً لكل مسكين في كفارة افطار شهر رمضان عمداً
ثالثاً: ورواية سماعة (قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ؟ قال : عليه إطعام ستين مسكينا، مد لكل مسكين) [3]
وهذه الرواية _التي لا اشكال في سندها_ وان لم يكن فيها اشارة إلى شهر رمضان لكن لا اشكال بأن المقصود أن الرجل فعل ذلك_ لزق بأهله_ في شهر رمضان.
والقول الثاني الذي ذهب إليه الشيخ الطوسي وهو اعتبار المدين فليس له رواية واضحة في محل الكلام, وإنما هناك رواية وردت في الظهار وهي عبارة عن صحيحة أبي بصير ) عن أحدهما )عليهما السلام ) في كفارة الظهار قال : تصدق على ستين مسكينا ثلاثين صاعا ( لكل مسكين ) مدين مدين .)[4]
والرواية صريحة في أن لكل مسكين مدين مع انها تذكر مقدار الكفارة بحسب مقدار الصاع, وهي واضحة في عدم كفاية المد الواحد, والاستدلال بها يحتاج إلى عناية فأما أن نقول بعدم الفصل فيتعدى من مورد هذه الرواية إلى محل الكلام وبناءً على ذلك يقع التعارض بينها وبين ما دل على كفاية المد الواحد, وأما أن نحتمل الفصل وحينئذ تسلم روايات المد الواحد في محل كلامنا من المعارض.
قالوا بأن النتيجة واحدة سواء قلنا بالتعدي أو بعدمه, أما على القول بعدم التعدي فيكتفى بالمد الواحد عملاً بالروايات السابقة الدالة على كفاية المد وان قلنا بالتعدي فلا مشكلة ايضاً لأنه في هذه الحالة لابد من حمل صحيحة ابي بصير على الاستحباب لصراحة روايات المد في كفاية المد الواحد فصحيحة ابي بصير ظاهرة في تعين المدين بينهما روايات المد صريحة في كفاية المد الواحد, فيحمل الظاهر على النص(الصريح) فيجمع بينهما برفع اليد عن ظهور صحيحة ابي بصير في تعين المدين فتحمل على الاستحباب وهذا جمع عرفي بين كل دليلين من هذا القبيل وحينئذ نصل إلى نفس النتيجة وهي كفاية المد الواحد وان كان يستحب له أن يطعمهم بمدين.
قد يقال _لأثبات عدم الفرق بين كفارة الظهار وكفارة اليمين وكفارة افطار شهر رمضان بالنسبة إلى مقدار ما يعطى للفقير والمسكين_ أن المستفاد من هذه الروايات هي انها في مقام تحديد الاطعام الوارد في الآية الشريفة فكأن (مثلاً) صحيحة ابي بصير تريد أن تقول بأن الاطعام الواجب في الكفارة هو عبارة أن يعطي لكي مسكين من الستين مدين من دون خصوصية لكفارة الظهار وإنما الاطعام الواجب في الكفارات هو بهذا الشكل, كما أن ذلك لابد من فرضه في الروايات السابقة التي تقول بكفاية المد أي انها ناظرة إلى تفسير الاطعام الواجب في الكفارة من دون خصوصية لكفارة افطار شهر رمضان, وهذا يعني التعدي من مورد الرواية إلى غيره, والنتيجة يقع التعارض بين الروايات.
وهذا الوجه غير واضح ايضاً فرواية ابي بصير مثلاً تقول (قال : تصدق على ستين مسكينا ثلاثين صاعا ( لكل مسكين ) مدين مدين) ومن الصعب أن نثبت انها في مقام تفسير الاطعام ستين مسكيناً في كفارة الظهار في الآية من دون خصوصية لكفارة الظهار, فلما لا نقول بأنها في مقام تفسير اطعام ستين مسكيناً في كفارة الظهار, لأنها عندما تكون ناظرة إلى الآية فأنها تكون ناظرة إلى الآية التي وردت فيها كفارة الظهار المرتبة.
هذا بالنسبة إلى روايات المد وروايات المدين وهناك بعض روايات المدين الضعيفة سنداً التي لم نذكرها لضعفها السندي والعمدة هي صحيحة ابي بصير, ويوجد بعض النصوص التي تدل على لزوم اعطاء عشرين صاعاً وهي لابد من أن تؤخذ بنظر الاعتبار لأنها يحتمل أن تكون معارضة لروايات الطائفة الاولى(روايات المد).
وهي عبارة عن:
اولاً: صحيحة جميل بن دراج (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ؟ فقال : إن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : هلكت يا رسول الله ! فقال : مالك ؟ قال : النار يا رسول الله ! قال : ومالك ؟ قال : وقعت على أهلي، قال : تصدق واستغفر فقال الرجل : فوالذي عظم حقك ما تركت في البيت شيئا، لا قليلا ولا كثيرا، قال : فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : خذ هذا التمر فتصدق به ...الحديث)[5]
وهذه الرواية تامة سنداً
ثانياً: ورواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله (قال : سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمداً ؟ قال : يتصدق بعشرين صاعا ويقضي مكانه)[6]وهذه الرواية تامة سنداًايضاً.
ثالثاً: رواية محمد بن النعمان عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان، فقال : كفارته جريبان من طعام وهو عشرون صاعا)[7]
المقصود بمحمد بن النعمان هو مؤمن الطاق وسند الشيخ الصدوق إلى مؤمن الطاق كما في المشيخة هو (وما كان فيه عن محمد بن النعمان : فقد رويته عن محمد بن علي ماجيلويه، رضي الله عنه، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير والحسن بن محبوب : جميعا : عن محمد بن النعمان)[8]وهو تام.
رابعاً: رواية ادريس بن هلال (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل أتى أهله في شهر رمضان، قال عليه عشرون صاعا من تمر، فبذلك أمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الرجل الذي أتاه فسأله عن ذلك)[9]
وهذه الرواية ضعيفة بأدريس بن هلال نفسه حيث لم تثبت وثاقته.
وحينئذ يقع التعارض بين هذه الروايات وروايات المد المتقدمة وللجمع بين هذه الروايات طرحت بعض الاحتمالات منها أن يقال بأن نحمل هذه الزيادة(أي ما زاد على المد) على انها ليست هي الواجبة اساساً وإنما فرضت على من يدفع الكفارة لكي يصل إلى المسكين مد صافٍ لأنه اذا اعطاه مداً فأنه سوف يستهلك بعضه بمقدمات الاطعام كالطحن وغيره فلا يبقى مد للمسكين بل يبقى اقل منه.
وهذا الجمع قد تشير إليه بعض الاخبار من قبيل رواية هشام بن الحكم (عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في كفارة اليمين مد مد من حنطة وحفنة لتكون الحفنة في طحنه وحطبه)[10]
وهذه الرواية معتبرة سنداً
اشرنا إلى الخلاف في مسألة التسليم حيث نسب إلى ا لمشهور القول بكفاية تسليم مد في كفارة افطار شهر رمضان التي هي محل الكلام في حين ذهب الشيخ الطوسي وبعض اتباعه إلى القول بالمدين, ويدل على القول الاول روايات ثلاث وهي العمدة وان كان هناك روايات اخرى لكن فيها كلام من حيث السند, والروايات الثلاث(التي هي صريحة في كفاية المد الواحد) هي:
اولاً: رواية عبد المؤمن بن الهيثم الانصاري (عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : هلكت وأهلكت ! فقال : وما أهلكك ؟ قال : أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اعتق رقبة، قال : لا أجد، قال فصم شهرين متتابعين، قال : لا اطيق، قال، تصدق على ستين مسكينا، قال : لا أجد، فاتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : خذ هذا فتصدق بها، فقال : والذي بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فقال : خذه وكله أنت وأهلك فانه كفارة لك)[1]
وهذه الرواية فيها كلام في سندها فأن عبدالمؤمن بن الهيثم الانصاري كما هو مذكور في الوسائل الظاهر أنه اشتباه بعبدالمؤمن بن القاسم الانصاري, كما هو كذلك في بعض نسخ التهذيب وكما نقل الشيخ الصدوق ذلك في هذه الرواية في معاني الاخبار وكما هو المتعارف في كتب الرجال وفي كتب الروايات فالظاهر أنه اشتباه كما اشار إلى ذلك السيد الخوئي (قد) في المعجم.
وعبدالمؤمن ثقة بلا اشكال لكن الكلام في طريق الشيخ الصدوق إليه لأن الرواية يرويها صاحب الوسائل عن الشيخ الصدوق بأسناده عن عبدالمؤمن بن الهيثم _ كما يقوله وابن القاسم كما هو الصحيح _ الانصاري, وطريق الشيخ الصدوق إليه فيه شخصان فيهما كلام الاول: الحكم بن مسكين والثاني: ابو كهمس الذي هو الهيثم بن عبدالله أو ابن عبيد الله على الخلاف وهذان الرجلان فيهما كلام من جهة انهما لم يوثقا صريحاً في كتب الرجال, ويمكن اثبات وثاقة الحكم بن مسكين بأعتبار رواية بعض المشايخ الثلاثة عنه بسند صحيح لكن يبقى الاشكال في السند من جهة ابو كهمس فليس له طريق لأثبات وثاقته فيبقى الاشكال في سند الفقيه من جهة ابو كهمس, لكن هذه الرواية رواها الشيخ الصدوق في معاني الاخبار _كما اشرنا_ بهذا السند ( عن ابيه عن سعد عن موسى بن الحسن عن محمد بن عبدالحميد عن سيف بن عميرة عن منصور بن حازم عن عبدالمؤمن بن القاسم الانصاري) والظاهر أن هذا السند معتبر اذ ليس فيه من يمكن أن يخدش فيه الا محمد بن عبدالحميد وهو محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار ويوجد كلام في وثاقته وعدمها لكنه يمكن اثبات وثاقته أما بدعوى توثيق النجاشي حيث يذكر في ترجمة محمد بن عبدالحميد عبارة فيها توثيق لكن وقع الكلام في أن هذا التوثيق يرجع للاب (عبدالحميد) أو للابن (محمد) لأنه يتعرض ضمناً إلى عبدالحميد ثم يذكر التوثيق بعد ذلك والعبارة هي (روى عبدالحميد عن ابي الحسن موسى عليه السلام وكان ثقة من اصحابنا الكوفيين) فمن هو اسم كان؟؟ فأن كان عبدالحميد الذي ذكره اخيراً فلا يكون توثيقاً للابن, وان كان اسم كان هو الضمير الذي يعود على المترجم له (محمد) فحينئذ يكون توثيقاً له.
اقول يمكن اثبات وثاقة محمد بن عبدالحميد إما بأن نلتزم _كما التزم جماعة_ بأن التوثيق يعود إلى المعنون(محمد) وهذه الجملة(روى عبدالحميد عن ابي الحسن موسى عليه السلام) جملة اعتراضية ذكرها في اثناء ترجمة الابن, وحينئذ يمكن الاعتماد على قول النجاشي لأثبات وثاقته وإما بأن نثبت وثاقته برواية بعض المشايخ الثلاثة عنه بسند معتبر كما في رواية الشيخ الطوسي(وبإسناده عن أبي القاسم بن قولويه، عن جعفر بن محمد - يعني : ابن مسعود - عن عبد الله بن نهيك، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن عبد الحميد، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ))
والمشكلة في هذا السند في جعفر بن محمد فأن المراد به _كما فسر_ ابن مسعود الذي هو (مسعود)العياشي صاحب التفسير المعروف فأن جعفر يكون ابنه(العياشي), وقد روى جميع كتب ابيه, وهو(جعفر) لم ينص على وثاقته فإذا تجاوزنا هذه المشكلة وقلنا بأنه اعتمد عليه الاصحاب في اخذ روايات ابيه عنه يثبت صحة هذا السند ويثبت توثيق محمد بن عبدالحميد واذا قلنا بعدم الاعتماد على ذلك فأن هذا الطريق لا يثبت وثاقة محمد بن عبدالحميد.
وإما أن نثبت وثاقة محمد بن عبدالحميد لرواية محمد بن احمد بن يحيى صاحب النوادر عنه (محمد بن عبدالحميد) ولم يستثنى بناءً على أن من يروي عنه صاحب النوادر ولم يستثنى من قبل ابن الوليد والشيخ الصدوق وامثالهما يكون هذا توثيقاً له, فرجال نوادر الحكمة _لمحمد بن احمد بن يحيى القمي_ فيهم من استثناهم ابن الوليد وفيهم من لم يستثنهم, فمن استناه ضعيف ومن لم يستنه يكون ثقة, وبناءً على هذا فأن هذا الرجل (محمد بن عبدالحميد) روى عنه محمد بن احمد في نوادر الحكمة ونعرف ذلك_ أنه روى عنه في نوادر الحكمة مع عدم وجود كتاب نوادر الحكمة_ من الشيخ الطوسي الذي روى في التهذيب في الجزء الخامس (ص203 ح678) وفي الجزء السابع (ص376 ح 1521) حيث بدأ سند الرواية بمحمد بن احمد ابن يحيى عن محمد بن عبدالحميد والشيخ الطوسي يلتزم في التهذيب بأنه عندما يبدأ السند بشخص فأنه اخذ روايته من كتابه والكتاب المعروف لمحمد بن احمد بن يحيى هو نوادر الحكمة وحينئذ يثبت بذلك أن محمد بن احمد بن يحيى روى عن محمد بن عبدالحميد في كتاب نوادر الحكمة, أما أنه لم يستثنى فأنه واضح لأن من استثناه ابن الوليد وتبعه غيره معروفون وليس منهم محمد بن عبدالحميد.
فإذا تم احد هذه الطرق الثلاثة يكفي لأثبات وثاقة محمد بن عبدالحميد بن سالم العطار.
ثانياً: رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا، قال : عليه خمسة عشر صاعاُ، لكل مسكين مد بمد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أفضل)[2]
وهذه الرواية _التي لا اشكال في سندها _تصرح بأن لكل مسكين مد وتفيد بأن تقسيم خمسة عشر صاعاً يساوي مداً لكل مسكين في كفارة افطار شهر رمضان عمداً
ثالثاً: ورواية سماعة (قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ؟ قال : عليه إطعام ستين مسكينا، مد لكل مسكين) [3]
وهذه الرواية _التي لا اشكال في سندها_ وان لم يكن فيها اشارة إلى شهر رمضان لكن لا اشكال بأن المقصود أن الرجل فعل ذلك_ لزق بأهله_ في شهر رمضان.
والقول الثاني الذي ذهب إليه الشيخ الطوسي وهو اعتبار المدين فليس له رواية واضحة في محل الكلام, وإنما هناك رواية وردت في الظهار وهي عبارة عن صحيحة أبي بصير ) عن أحدهما )عليهما السلام ) في كفارة الظهار قال : تصدق على ستين مسكينا ثلاثين صاعا ( لكل مسكين ) مدين مدين .)[4]
والرواية صريحة في أن لكل مسكين مدين مع انها تذكر مقدار الكفارة بحسب مقدار الصاع, وهي واضحة في عدم كفاية المد الواحد, والاستدلال بها يحتاج إلى عناية فأما أن نقول بعدم الفصل فيتعدى من مورد هذه الرواية إلى محل الكلام وبناءً على ذلك يقع التعارض بينها وبين ما دل على كفاية المد الواحد, وأما أن نحتمل الفصل وحينئذ تسلم روايات المد الواحد في محل كلامنا من المعارض.
قالوا بأن النتيجة واحدة سواء قلنا بالتعدي أو بعدمه, أما على القول بعدم التعدي فيكتفى بالمد الواحد عملاً بالروايات السابقة الدالة على كفاية المد وان قلنا بالتعدي فلا مشكلة ايضاً لأنه في هذه الحالة لابد من حمل صحيحة ابي بصير على الاستحباب لصراحة روايات المد في كفاية المد الواحد فصحيحة ابي بصير ظاهرة في تعين المدين بينهما روايات المد صريحة في كفاية المد الواحد, فيحمل الظاهر على النص(الصريح) فيجمع بينهما برفع اليد عن ظهور صحيحة ابي بصير في تعين المدين فتحمل على الاستحباب وهذا جمع عرفي بين كل دليلين من هذا القبيل وحينئذ نصل إلى نفس النتيجة وهي كفاية المد الواحد وان كان يستحب له أن يطعمهم بمدين.
قد يقال _لأثبات عدم الفرق بين كفارة الظهار وكفارة اليمين وكفارة افطار شهر رمضان بالنسبة إلى مقدار ما يعطى للفقير والمسكين_ أن المستفاد من هذه الروايات هي انها في مقام تحديد الاطعام الوارد في الآية الشريفة فكأن (مثلاً) صحيحة ابي بصير تريد أن تقول بأن الاطعام الواجب في الكفارة هو عبارة أن يعطي لكي مسكين من الستين مدين من دون خصوصية لكفارة الظهار وإنما الاطعام الواجب في الكفارات هو بهذا الشكل, كما أن ذلك لابد من فرضه في الروايات السابقة التي تقول بكفاية المد أي انها ناظرة إلى تفسير الاطعام الواجب في الكفارة من دون خصوصية لكفارة افطار شهر رمضان, وهذا يعني التعدي من مورد الرواية إلى غيره, والنتيجة يقع التعارض بين الروايات.
وهذا الوجه غير واضح ايضاً فرواية ابي بصير مثلاً تقول (قال : تصدق على ستين مسكينا ثلاثين صاعا ( لكل مسكين ) مدين مدين) ومن الصعب أن نثبت انها في مقام تفسير الاطعام ستين مسكيناً في كفارة الظهار في الآية من دون خصوصية لكفارة الظهار, فلما لا نقول بأنها في مقام تفسير اطعام ستين مسكيناً في كفارة الظهار, لأنها عندما تكون ناظرة إلى الآية فأنها تكون ناظرة إلى الآية التي وردت فيها كفارة الظهار المرتبة.
هذا بالنسبة إلى روايات المد وروايات المدين وهناك بعض روايات المدين الضعيفة سنداً التي لم نذكرها لضعفها السندي والعمدة هي صحيحة ابي بصير, ويوجد بعض النصوص التي تدل على لزوم اعطاء عشرين صاعاً وهي لابد من أن تؤخذ بنظر الاعتبار لأنها يحتمل أن تكون معارضة لروايات الطائفة الاولى(روايات المد).
وهي عبارة عن:
اولاً: صحيحة جميل بن دراج (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ؟ فقال : إن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : هلكت يا رسول الله ! فقال : مالك ؟ قال : النار يا رسول الله ! قال : ومالك ؟ قال : وقعت على أهلي، قال : تصدق واستغفر فقال الرجل : فوالذي عظم حقك ما تركت في البيت شيئا، لا قليلا ولا كثيرا، قال : فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : خذ هذا التمر فتصدق به ...الحديث)[5]
وهذه الرواية تامة سنداً
ثانياً: ورواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله (قال : سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمداً ؟ قال : يتصدق بعشرين صاعا ويقضي مكانه)[6]وهذه الرواية تامة سنداًايضاً.
ثالثاً: رواية محمد بن النعمان عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان، فقال : كفارته جريبان من طعام وهو عشرون صاعا)[7]
المقصود بمحمد بن النعمان هو مؤمن الطاق وسند الشيخ الصدوق إلى مؤمن الطاق كما في المشيخة هو (وما كان فيه عن محمد بن النعمان : فقد رويته عن محمد بن علي ماجيلويه، رضي الله عنه، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير والحسن بن محبوب : جميعا : عن محمد بن النعمان)[8]وهو تام.
رابعاً: رواية ادريس بن هلال (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل أتى أهله في شهر رمضان، قال عليه عشرون صاعا من تمر، فبذلك أمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الرجل الذي أتاه فسأله عن ذلك)[9]
وهذه الرواية ضعيفة بأدريس بن هلال نفسه حيث لم تثبت وثاقته.
وحينئذ يقع التعارض بين هذه الروايات وروايات المد المتقدمة وللجمع بين هذه الروايات طرحت بعض الاحتمالات منها أن يقال بأن نحمل هذه الزيادة(أي ما زاد على المد) على انها ليست هي الواجبة اساساً وإنما فرضت على من يدفع الكفارة لكي يصل إلى المسكين مد صافٍ لأنه اذا اعطاه مداً فأنه سوف يستهلك بعضه بمقدمات الاطعام كالطحن وغيره فلا يبقى مد للمسكين بل يبقى اقل منه.
وهذا الجمع قد تشير إليه بعض الاخبار من قبيل رواية هشام بن الحكم (عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في كفارة اليمين مد مد من حنطة وحفنة لتكون الحفنة في طحنه وحطبه)[10]
وهذه الرواية معتبرة سنداً