37/03/21
تحمیل
الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 25.
تفصيل وجوه الجمع المتقدمة:-
الجمع الاول: وهو المعروف بين فقهائنا وهو حمل اخبار الطائفة الثانية على الكراهة ولذا التزموا بجواز الخروج لكن على كراهة, كما هو في الكثير من الفتاوى, وهذا الجمع يعتبروه جمعاً عرفياً بين الادلة بأعتبار ما يذكر في محله من أن روايات الجواز (الطائفة الاولى) صريحة في الجواز بينما روايات المنع (الطائفة الثانية) ظاهرة في التحريم, لأن الروايات تعبر ب (لا) أي لا تفعل مثلاً وهذا التعبير وان كان ظاهراً في التحريم لكن يحتمل احتمالاً معتداً به أن يراد به الكراهة, بينما روايات الجواز نصاً في الجواز وصريحة به وحينئذ نتصرف في الظاهر لصالح النص فنرفع اليد عن الظهور في التحريم الذي في روايات الطائفة الثانية لصالح الروايات الصريحة في الجواز فنحمل المنع في روايات الطائفة الثانية على الكراهة, فيكون الخروج مكروهاً مطلقاً سواء كانت هناك حاجة أو لا نعم قد ترتفع الكراهة عند الحاجة الضرورية لكن مقتضى اطلاق كلامهم هو أن الخروج مطلقاً يكون جائزاً على كراهة, وقد ذهب إلى هذا الجمع من قدمائنا الشيخ الصدوق في الفقيه[1] كما يظهر ذلك من عبارته حيث قال بعد أن ذكر الروايات الناهية (في النهي عن الخروج في شهر رمضان نهي كراهة لا نهي تحريم)[2] ثم بعد ذلك ذكر روايات الجواز وكأنه يريد أن يقول أن روايات الجواز هي التي تكون قرينة على حمل الروايات المانعة على الكراهة, وهذا اشارة إلى هذا الجمع الذي يعتبره جمعاً عرفياً بل من اوضح انحاء الجمع العرفي بين دليلين من هذا القبيل ولعل عبارة الشيخ الصدوق بظاهرها اشارة إلى هذا الجمع العرفي بين الدليلين وتبعه على ذلك جماعة ممن تأخر عنه بل بعضهم ادعى الاجماع على ذلك (أي على أن السفر جائز لكنه مكروه), وان كان هذا الاجماع ليس واضحاً جداً في محل الكلام.
الجمع الثاني: حمل الطائفة الاولى(الروايات المجوزة) على صورة وجود الحاجة والطائفة الثانية (الروايات المانعة) تحمل على صورة عدم وجود الحاجة.
وتظهر الثمر في من يسافر فراراً من الصوم فعلى الجمع الاول يجوز له ذلك على كراهة وعلى الجمع الثاني لا يجوز له ذلك لأنه ليس له حاجة حسب الفرض.
ويمكن أن يقال أن في روايات الطائفة الاولى والطائفة الثانية ما ينافي هذا الجمع (الثاني) فيكون اشكالاً على هذا الجمع بهذا الشكل أما بالنسبة إلى روايات الطائفة الاولى (المجوزة) فقد يقال أن صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا ، ثم يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر ؟ فسكت ، فسألته غير مرة فقال : يقيم أفضل إلا أن تكون له حاجة لا بد له من الخروج فيها أو يتخوف على ماله)[3] تنافي هذا الجمع بأعتبار انها ظاهرة في افضلية الاقامة فيما اذا لم تكن له حاجة وهذا يعني جواز كلا الطرفين (الاقامة و السفر) غاية الأمر أن الاقامة افضل, بينما هذا الجمع يقول بأختصاص جواز السفر بصورة وجود الحاجة, فهذا الوجه يقول بأن الجواز يختص بصورة وجود الحاجة ولابد من حمل الروايات المجوزة على صورة وجود الحاجة, والرواية تقول بجواز السفر في صورة عدم وجود الحاجة.
أما بالنسبة إلى ما ينافي هذا الجمع من روايات الطائفة الثانية (المانعة) فهو من قبيل معتبرة أبي بصير (قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الخروج إذا دخل شهر رمضان ؟ فقال لا ، إلا فيما اخبرك به : خروج إلى مكة ، أو غزو في سبيل الله ، أو مال تخاف هلاكه ، أو أخ تخاف هلاكه ، وإنه ليس أخا من الاب والام)[4] فهي ظاهرة في عدم الجواز حتى في صورة وجود الحاجة بينما هذا الجمع يقول بأن الروايات المانعة نحملها على صورة عدم وجود الحاجة.
والملحوظ أن كل ما ذكر في الاستثناء يجمعها الحاجة الضرورية سواء كانت دينية أو دنيوية وقبل الاستثناء منع الامام عليه السلام السائلَ من الخروج, وهذا يعني عدم جواز الخروج حتى مع وجود الحاجة التي لا تكون من قبيل ما ذكر فضلاً عما لو لم تكن حاجة فالحصر واضح في أن الجواز يختص بهذه الحالات (التي يجمعها أنها ضرورية) وحينئذ كيف يمكن حمل الرواية على انها تدل على عدم الجواز في صورة عدم وجود الحاجة كما يدّعى في هذا الجمع.
إذن هذا الجمع يشكل عليه بما ينافيه من الروايات في الطائفة الاولى والطائفة الثانية ولعل هناك روايات اخرى من هذا القبيل (أي تنافي هذا ا لجمع).
نعم قد يقال بأن المستثنيات في هذه الرواية نحملها على انها امثلة لمطلق الحاجة وكأن الامام عليه السلام استثنى مطلق الحاجة وحينئذ يختص المستثنى منه بعدم وجود الحاجة وحينئذ يرتفع التنافي مع هذا الجمع بل تكون الرواية مؤيدة لهذا الجمع.
لكن هذا الحمل كما ترى!!
فالمذكور في الرواية من الامور الضرورية _ خروج إلى مكة ، أو غزو في سبيل الله ، أو مال تخاف هلاكه ، أو أخ تخاف هلاكه _ لا يمكن جعله مثالاً لمطلق الحاجة ولو لم تكن ضرورية, ومن هنا تكون هذه الرواية منافية لهذا الجمع بظهورها الاولي.
نعم هذا الجمع قد يصح في مثل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وحديث الاربع مائة المتقدم ايضاً الذي هو من اخبار الطائفة الثانية حيث كانت صحيحة محمد بن مسلم تدل على الجواز مطلقاً وحديث الاربع مائة يدل على عدم الجواز مطلقاً وحينئذ يمكن أن يقال بإمكان حمل صحيحة محمد بن مسلم على صورة وجود حاجة وحديث الاربع مائة المانع مطلقاً يحمل على صورة عدم وجود حاجة, فهذا يمكن في هاتين الروايتين لكنه لا يصح في الروايات الاخرى, ويضاف إلى كل هذا أنه لو سلمنا أنه حتى في رواية محمد بن مسلم وحديث الاربع مائة فهو لا يخرج عن كونه جمعاً تبرعياً, أي أن حمل الرواية المجوزة مطلقاً على صورة وجود حاجة والرواية المانعة مطلقاً على صورة عدم وجود حاجة جمع تبرعي لا شاهد له.