36/11/15
تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
ولكن قد تسأل وتقول:- ما هو دليل من ذهب إلى حرمة الاقتناء والإبقاء - مثل الشيخ الطوسي وصاحب السرائر ؟
والجواب:- يمكن أن يستدل لهما بعدّة أدلة نذكر بعضاً منها:-
الدليل الأوّل:- إنّ ما دلّ على حرمة الإيجاد يدلّ على حرمة الوجود والبقاء:-
إمّا ببيان:- أنّ الإيجاد هو عين الوجود وإنما الاختلاف هو في كيفية اللحاظ ، فإذا جاز الإيجاد جاز الوجود ، فمثلاً ما الفارق بين الكسر والانكسار ؟ إنهما شيء واحد ، فالكسر هو إيجاد الكسر وتلحظ جنبة الفاعل - الكاسر - فإنا الذي ألقيت هذه الزجاجة على الأرض فيقال كسرها فلان ، فالكسر يلحظ فيه جنبة الفاعل ، ثم نقول فأنكسر الإناء ، فـــ ( انكسر الإناء ) هو عين الكسر وليس شيئاً آخر غايته تلحظ هنا جنبة القابل - أي الإناء - ، فهما واحد ولكن إذا لوحظ الفاعل كان ذلك إيجاداً وإذا لوحظ القابل كان ذلك وجوداً وانكساراً ، فإذا دلّ الدليل على أنّ الصنع والإيجاد حرام فالوجود يكون حراماً أيضاً بعدما كان الوجود والإيجاد شيئاً واحداً والاختلاف في كيفيّة اللحاظ.
أو ببيان:- أنّ النهي عن إيجاد الشي يدلّ على مبغوضيّته وجوداً وبقاءً ، ففي باب النواهي يمكن أن يدّعى ذلك ، فإنّ كلّ نهيٍ عن شيءٍ يدلّ على مبغوضيّة حدوثه وبقائه معاً ، من قبيل النهي عن تنجيس المسجد فإنّ حدوثه مبغوضٌ وإذا جاءت رواية وقالت ( لا تنجّس المسجد ) يفهم العرف منها أن إيجاد التنجيس حرامٌ وكذلك بقاءه حرامٌ أيضاً ، فكلاهما مبغوض.
وإذا سلّمنا بهذا فعلى هذا الأساس نأتي إلى مقامنا ونقول:- إنّ الدليل الذي دلّ على حرمة إيجاد الصور فهو وإن دلّ حرمة الإيجاد ولكن بضمّ الفهم العرفي سوف يدلّ على حرمة الوجود والبقاء.
والخلاصة:- إنّ ما دلّ على حرمة الإيجاد يدلّ على حرمة الوجود والبقاء إمّا لأنّ الوجود والإيجاد واحدٌ والاختلاف في اللحاظ ، أو لأنّ العرف يفهم من النهي عن إيجاد شيءٍ مبغوضيته حدوثاً وبقاءً.
وكلاهما يمكن المناقشة فيه:-
أمّا البيان الأوّل:- فيمكن أن نقول:- إنّ الإيجاد وإن كان عين الوجود ولكن أيّ وجود ؟ إنّه الوجود الأوّل دون الوجود الثاني والثالث فإنّ البقاء هو في الحقيقة هو وجودات متعدّدة بعضها متّصلٌ بالبعض الآخر ، فحينما أوجد الشيء فالوجود الأوّل هو عين الإيجاد وهو منهيٌّ عنه لأنّه عين الإيجاد ، فإذا كان الإيجاد منهيّاً عنه فالوجود الأوّل الذي هو عين الإيجاد يكون منهيّاً عنه وهذا صحيح ، وأمّا الوجود الثاني والثالث ... الخ فهو ليس عين الإيجاد ، وهذا واضحٌ وبديهي ووجداني ، فالإيجاد تحقّق في اللحظة الأولى وهو عين الوجود في اللحظة الأولى ، وأما الوجودات المستمرّة بعد ذلك فهي ليست عين الإيجاد فلا موجب لحرمتها.
وأمّا بالنسبة إلى البيان الثاني:- فلا نسلّم ذلك بالجملة ، بل نسلمه في الجملة ، فإنّه إن كان يقصد بيان الملازمة العقليّة بمعنى أنّ النهي يدلّ على مبغوضيّة إيجاد الشيء والعقل يحكم بأنّ بغض الإيجاد أيضاً هو بغضٌ للوجود أو أنّ النهي الدال على بغض الإيجاد دالٌّ على بغض الوجود فهذا مرفوضٌ لأنّ العقل لا يتدخّل في هذه الأمور وإنما هي قضايا عرفيّة فلا توجد ملازمة عقليّة بين بغض الإيجاد وبغض الوجود وأنّ النهي الدال على الإيجاد دالٌّ على بغض الوجود ، وإن كانت هناك فهي ملازمة عرفيّة وفهمٌ عرفيٌّ ، فأنت لابد وأن تدّعي العرف.
وإذا رجعنا إلى العرف فيمكن أن نقول إنّ فهم العرف يختلف باختلاف المقامات والقرائن ، فربما تقوم القرينة على ما ذكرت - يعني يكون البغض للإيجاد والوجود معاً كما في مثال تنجيس المسجد فإنّ العرف يفهم من النهي عن تنجيس المسجد أنّ ذلك لاحترامه وتقديسه ولا فرق في ذلك بين الإحداث والإبقاء لأنّ الاحترام مطلوبٌ وإبقاء النجاسة خلاف الاحترام فيلزم أن يكون النهي عن التنجيس نهيٌ عن إيجاده وبقائه.
ولكن لو فرض أنّ عبداً بنى مسجداً من طابوقٍ وجصٍّ وأرضٍ حلال ولكنّه بناه من دون أن يكسب الإجازة من سيّده ففي مثل هذه الحال هو منهيٌّ عن صرف وقته في إيجاد البناء ولكن هل يستفاد من ذلك عرفاً مبغوضيّة البقاء ونقول له عليك هدم المسجد لأنه بُنِي من دون إذن المولى ؟ كلّا ، بل هو عاصٍ ولكن لا مبغوضية لبقاء المسجد . فإذن بغض إيجاد المسجد لا يلازم بغض بقائه.
إذن نحن لابدّ وأن ننظر إلى القرائن وهي تختلف باختلاف المقامات ، وفي مقامنا يمكن أن نقول إنّ نفس إيجاد التمثال هو مبغوضٌ باعتبار أنّ فيه تشبّه بالخالق عزّ وجلّ - ولو مجرّد احتمال - ولا يلزم من ذلك بغض البقاء.
الدليل الثاني:- صحيحة محمد بن مسلم - التي ذكرناها بعنوان الرواية الأولى من الروايات الثمان - ونصّها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تماثيل الشجر والشمس والقمر ، فقال:- لا بأس ما لم يكن شيئاً من الحيوان )[1] ، وتقريب الدلالة:-
إما ببيان:- أنّ السؤال هنا وإن لم يكن عن الإيجاد أو عن البقاء وإنما هو عن التماثيل - أي عن الذوات - ولكن نقول إنَّ المقصود هنا هو السؤال عن البقاء رغم أنّ السؤال عن الذوات إمّا ببيان:- أنّ السؤال عن الذوات هو سؤالٌ عنها بعد فرض وجودها فكأنها تفرض أنّها موجودة في المرتبة السابقة ثم تسأل عنها ومادامت مفروضة الوجود فالسؤال آنذاك يكون عن بقائها وليس عن إيجادها . أو ببيان:- أنّ السؤال عن الذوات ينصرف إلى الفعل العام المرتبط بها فكما يقال في باب ﴿ حرّمت عليكم أمهاتكم ﴾[2] أنّ التحريم يكون منصبّاً على الفعل البارز وهو النكاح مثلاً فشبيه هذا نقوله في مقامنا ، فحينما يسأل الراوي عن الذات - ولكن هذا يأتي في باب السؤال وليس في باب توجّه الحكم إلى الذات – فهو ينصرف إلى الفعل العام الذي يرتبط بالذات وذلك الفعل العام الذي يرتبط بها ليس هو الرسم فإنّه يختصّ بالرسّام وليس هو الفعل الشائع لدى لناس ، فإذن لابدّ وأن يكون السؤال عن حيثيّة البقاء فإنّ هذا يرتبط بجميع الناس.
وشبيه هذا ما لو سأل السائل وقال:- ( سألت الإمام عن الخمر ) فماذا يفهم من هذا ؟ هل يفهم أنّ السؤال عن إيجاده ؟! كلّا فإنّ الإيجاد حرفةٌ خاصّة بمن يصنع الخمور وليس فعلاً يرتبط بالناس بشكلٍ عام وإنما الذي يرتبط بهم هو الشرب ، فالسؤال ينصرف إلى الشرب.
بل يمكن أن نقول:- إنّ مقامنا - أي الانصراف إلى البقاء واقتناء الصور - أولى من انصراف مثال الخمر إلى الشرب فإنّه في مثال الخمر قد يقال إنّ صناعة الخمر لا تختصّ بجماعةٍ معيّنةٍ بل قد يصنعها الناس في بيوتهم ، وهذا بخلافه في مسألة الرسم فإنها حرفةٌ خاصّة بالرسّام.
إذن إذا سلّمنا الانصراف في مثال الخمر فموردنا يكون أولى ، ولكن هذه الزيادة لا نحتاج إليها ولكنّ الشيخ الأعظم(قده) أشار إليها في المكاسب.