36/11/17
تحمیل
الموضـوع:- مسألة (
16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب
التجارة.
ذكرنا مطلباً جانبياً وكان مضمونه أنّ الإمام في بعض الروايات يقول ربما قمت للصلاة وبين يدي الوسادة فيها تماثيل فأسترها وأصلّي، ونحن قلنا إنّ هذا المضمون من الروايات قد يتنافى مع ما ورد من أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تمثال فكيف نجمع بين المطلبين ؟
وذكرنا في هذا المجال أنّه لو رجعنا إلى تلك الروايات التي تقول ( إنّ الملائكة لا تدخل ) لوجدنا في بعضها التقييد بصورة إنسان وهذا التقييد يدلّنا على أنّ عدم دخول الملائكة لا يدور مدار وجود صورةٍ أو تمثالٍ في البيت بأيّ شكلٍ اتفق بل المهمّ هو صورة الإنسان أمّا مطلق الصورة فلا، وعلى هذا الأساس سوف يرتفع التنافي بين الروايات.
وربَّ قائل يقول :- نحن في بعض المباحث السابقة كنّا نذكر أنّه إذا كان الدليلان مثبتين فلا موجب لتقييد أحدهما بالآخر والآن خالفنا ما ذكرناه فإنّ المورد من المثبتين لأنّ الرواية التي تقول:- ( نحن معاشر الملائكة لا ندخل بيتاً فيه صورة إنسان ) مثبتٌ فلماذا يقيّد المثبت الآخر الذي يقول إذا كانت هناك صورة على الوسادة فاسترها وصلِّ، فلماذا نقيّد ونقول إنّ المقصود من الصورة على الوسادة هي صورة غير الإنسان مع أنهما مثبتان ؟
والجواب:- نحن لابد وأن نلاحظ الموارد ولا ينبغي أن نتساير مع المصطلحات الأصوليّة ونهمل تحكيم الوجدان في المورد، بل عليك أن تتساير مع الاثنين معاً لا أن تأخذ بالقوانين والقواعد الأصوليّة بعرضها العريض من دون تحكيمٍ للوجدان ولا أن تهمل القواعد والقوانين الأصوليّة بشكلٍ مطلقٍ، وبناءً على هذا لابد وأن نلاحظ كلّ موردٍ بخصوصه.
والآن حينما أتعامل مع النصوص وأعطي النتائج لا أسير طبق القوانين الأصوليّة وإنما أضع وجداني وأتساير معه ولكنّه يتفق مع القاعدة الأصوليّة، وتعال إلى موردنا ففيه نقول:- مادامت رواية ( إنّا معاشر الملائكة لا ندخل بيتاً فيه صورة إنسان ) قد قيّدت فيتبيّن أنّ لصورة الإنسان خصوصيّة وليس المدار على مطلق الصورة، فحينئذٍ أنتهي إلى أنّ وجود مطلق الصورة لا يمنع من دخول الملائكة وإنما الذي يمنع والقدر المتيقّن هو صورة الإنسان.
كما تقدّم في موردٍ آخر - وهو أنّ الحرام مطلق الصورة أو خصوص صورة الحيوان وهكذا الحيوان بالكامل أو ولو بعض أجزاءه - أن قلنا أنّ المدار على صورة الحيوان لا مطلق الصورة إذ رواية محمد بن مروان قيّدت بصورة الحيوان فإذا كانت بقيّة الروايات المطلقة تامّة السند والدلالة نقيّدها بصورة الحيوان وإلا كان التقييد بالحيوان لغواً.
إذن نحن تسايرنا مع الوجدان، وما ذكرناه هناك لا يتنافى مع ما ذكرناه في قضيّة دخول الملائكة.
ولكن بالنسبة إلى كون المدار على كامل الحيوان أو على رسم بعض أجزاءه فقد قلنا فيما سبق أنّ المدار على أن يصدق صورة حيوان ولا يكفي رسم جزءٍ من الحيوان، وهذا الذي ذكرناه لا يتنافى أيضاً مع الموازين الأصوليّة فإنَّ كلمة حيوان نريد أن نستفيد منها استفادتين الأولى أنّ المدار على الحيوان وليس على صورة الشجر أو النخلة أو ما شاكل ذلك، والثانية نريد أن نستفيد منها أنّ المدار على أن يصدق حيوان لأنّ الإمام عليه السلام قال ( حيوان ).
أما بالنسبة إلى القضية الأولى فهي تامّة لأنّ الامام عليه السلام قيّد بالحيوان فيدلّ على أنّ لصورة الحيوان مدخليّة.
وأما بالنسبة إلى القضية الثانية - وهي أن المدار على صورة الحيوان كاملاً - فهنا قلنا إنّه في مثل هذه الحالة يكون المدار على أن يصدق عليه صورة حيوان لو كانت هذه الرواية وحدها، وأما إذا كانت توجد روايات أخرى كما هو على رأي المشهور ففي مثل هذه الحالة نأخذ بإطلاق بقيّة الروايات ونكتفي برسم صورة الجزء أيضاً.
وقلنا لا منافاة بين رواية محمد بن مروان المقيّدة بصورة حيوان وبين بقيّة الروايات التي قالت ( صورة ) فنأخذ بإطلاق تلك.
وقد يشكل عليّ مشكلٌ ويقول:- أنت أخذت كلمة ( صورة ) في بقية الروايات وقلت هي تصدق على الجزء ولم تجعل رواية محمد بن مروان مقيّدة أوليس هذا يتنافى مع ما انتهينا إليه من كون المدار في المنع من دخول الملائكة على كون الصورة صورة إنسان، فأنت هل تتمسّك بالمفهوم في المثبتين أو تقيّد ؟ أو يظهر أنك تقبله في موردٍ ولا تقبله في موردٍ آخر وهذا تنافٍ ؟
ونقول دفعاً للإشكال:- إنّ التقييد بصورة حيوان نفهم منه أنّ الحيوان له خصوصيّة في مقابل الشجر مثلاً وأمّا في مقابل جزء الحيوان فليس له مفهومٌ، فيبقى إطلاق بقيّة الروايات على حاله فإنّ الإمام عليه السلام إذا أراد أن يبيّن أنّ المدار على صورة الحيوان وليس على صورة الشجر فكيف يعبّر ؟! إنّه لابد وأن يعبّر هكذا، فهذا التعبير يفهم منه أنّ المدار على صورة الحيوان أمّا أنّه يلزم أن يكون الحيوان كاملاً فهذا لا يفهم منه حتى نقيّد إطلاق كلمة الصورة الواردة في بقيّة الروايات.
إذن لا تنافي بين المطلبين من هذه الناحية، وكان هدفي هو أن أبين أنّ الموارد تختلف ويلزم أن نلاحظ ما هو المناسب في كلّ مورد.
الدليل الثالث[1]:- جاء في رواية أو موثقة السكوني – على الخلاف بالنسبة إلى النوفلي لأنه ورد في السند - المتقدّمة:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- قال أمير المؤمنين عليه السلام:- بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة فقال لا تدع صورة إلا محوتها ولا قبراً إلا سويته ولا كلباً إلا قتلته )[2] وتقريب الدلالة:- هو أنّه لو كان يجوز إبقاء الصور فلماذا قال النبي لأمير المؤمنين ( ولا صورة إلا محوتها ) ؟ فالأمر بإمحاء الصور يدلّ على أنّ إبقاءها شيءٌ ليس جائزاً، وهو المطلوب.
وفيه:- إنّ الرواية - كما قلنا سابقاً - هي قضيّة في واقعة، فالإمام يقول ( بعثني النبي صلى الله عليه وآله ) أمّا ما هي تلك الصور التي أمر النبي بمحوها ؟ وما يه تلك الكلاب التي أمر بقتلها ؟ إنّه مجملٌ، فلعل تلك الصور كانت صور أصنام العبادة وهي لابدّ من محوها، كما ولعلّ تلك الكلاب كانت مصابة بداء الكَلَب فهي مؤذية فلابد من التخلّص منها.
إذن الرواية قضية في واقعة فلا يمكن الاستشهاد بها على أنّ كلّ صورةٍ لابد من إعدامها.
وهذ الجواب الذي ذكرناه أولى من جواب الشيخ الأعظم(قده) الذي نقلناه سابقاً حينما ذكرنا هذه الرواية حيث قال:- إنّه بقرينة ( ولا كلباً إلا قتلته ولا قبراً إلا سوّيته ) نحمل الأمر بمحو الصورة على الكراهة لأنّ تسوية القبر مكروه فهذا يكون مكروهاً أيضاً.
وبعبارة أخرى:- إنًّ الأمر هناك لا يمكن الالتزام بأنّه إلزامٌ فهنا أيضاً نحمله على الإلزام.
ونحن نقول:- إنّ ما ذكرناه أولى لأنّ القضيّة إذا كانت في واقعة لا تصل النوبة إلى الكراهة، نعم إذا لم يمكن الأخذ بقضيّة في واقعة فحينئذٍ نقول إنَّ السياق قرينة على الكراهة، إمّا إذا كان عندك جوابٌ يرفع المشكلة من الأساس فلا تصل النوبة إلى مسألة الحمل على الكراهة.
الدليل الرابع:- وهو مركّب من مقدّمتين:-
الأولى:- إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يكره وجود الصور في البيوت.
الثانية:- إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن يكره الحلال.
إذن تبيّن أنّ وجد الصور في البيت حرامٌ وبذلك ثبت المطلوب.
ولكن هذا يحتاج إلى ثبات المقدّمتين:-
أما المقدمة الأولى:- فقد يستدلّ لها برواية المحاسن عن ابن العرزمي عن حاتم بن اسماعيل عن جعفر عليه السلام عن ابيه:-- ( أن علياً كان يكره الصورة في البيت )[3].
بيد أنّ هذا السند قابلٌ للتأمل باعتبار أنّ ابن العرزمي لم يوثق، وهكذا حاتم بن اسماعيل، فهذه الرواية ليست معتبرة السند.
ولكن يمكن التعويض عنها بروايةٍ أخرى، وهي ما رواه المحاسن أيضاً عن أبيه عن محمد بن عمير عن المثنى عن أبي عبد الله عليه السلام والمتن نفس المتن هي:- ( إنّ علياً كان يكره الصورة في البيوت )
إذن لا مشكلة فإنّه رواها عن أبيه - يعني محمد بن خالد - وهو ثقة، عن محمد بن عمير وهو من أجلاء أصحابنا، والمثنى أيضاً يمكن توثيقه، فلا مشكلة في السند إذن.
إلا أن يقال - كما شرنا سابقاً -:- أنّ كتاب المحاسن الذي ينقل عنه صاحب الوسائل(قده) لا نعرف سنده إليه.
وبلكمة أوضح:- إنّ صاحب الوسائل ذكر أسانيده إلى الكتب التي نقل عنها ومنها المحاسن ولكن نحتمل أنّ هذه الطرق تبركيّة، فإذا لم نقل بأنّها تبركيّة فلا مشكلة، ولكن إذا احتملنا التبركيّة فحينئذٍ تتولّد مشكلة في هذه الرواية أيضاً، فماذا نصنع ؟
والجواب:- يمكن التعويض برواية ثالثة وهي قد رواها الشيخ الكليني(قده) في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن المثنى عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( إنّ علياً عليه السلام كره الصورة في البيوت )[4]، ولا مشكلة في هذا السند.
إذن المقدّمة الأولى تامّة ولا مشكلة فيها.
وأما المقدّمة الثانية:- فتدلّ عليها صحيحة سيف التمّار قال:- ( قلت لأبي بصير:- أحبّ أن تسأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل استبدل قوصرتين فيهما بُسْر مطبوخ بقوصرة فها تمرٌ مشقّق[5]- مشقّح - قال فسأله ابو بصير فقال:- هذا مكروهٌ، فقال أبو بصير:- ولم يكره ؟ قال:- إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يكره أن يستبدل وَسَقاً من تمر المدينة بوَسَقين من تمر خيبر لأنّ تمر المدينة أدونهما[6]ولم يكن عليّ عليه السلام يكره الحلال )[7]، وشاهدنا هو في عبارة ( ولم يكن علي عليه السلام يكره الحلال ).
إذن تمّت الصغرى والكبرى، والنتيجة هي أنّه لابد وأن نقول إنّ إبقاء الصور في البيوت حرامٌ لأنّ الإمام عليه السلام كان يكره الصور في البيوت.
ذكرنا مطلباً جانبياً وكان مضمونه أنّ الإمام في بعض الروايات يقول ربما قمت للصلاة وبين يدي الوسادة فيها تماثيل فأسترها وأصلّي، ونحن قلنا إنّ هذا المضمون من الروايات قد يتنافى مع ما ورد من أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تمثال فكيف نجمع بين المطلبين ؟
وذكرنا في هذا المجال أنّه لو رجعنا إلى تلك الروايات التي تقول ( إنّ الملائكة لا تدخل ) لوجدنا في بعضها التقييد بصورة إنسان وهذا التقييد يدلّنا على أنّ عدم دخول الملائكة لا يدور مدار وجود صورةٍ أو تمثالٍ في البيت بأيّ شكلٍ اتفق بل المهمّ هو صورة الإنسان أمّا مطلق الصورة فلا، وعلى هذا الأساس سوف يرتفع التنافي بين الروايات.
وربَّ قائل يقول :- نحن في بعض المباحث السابقة كنّا نذكر أنّه إذا كان الدليلان مثبتين فلا موجب لتقييد أحدهما بالآخر والآن خالفنا ما ذكرناه فإنّ المورد من المثبتين لأنّ الرواية التي تقول:- ( نحن معاشر الملائكة لا ندخل بيتاً فيه صورة إنسان ) مثبتٌ فلماذا يقيّد المثبت الآخر الذي يقول إذا كانت هناك صورة على الوسادة فاسترها وصلِّ، فلماذا نقيّد ونقول إنّ المقصود من الصورة على الوسادة هي صورة غير الإنسان مع أنهما مثبتان ؟
والجواب:- نحن لابد وأن نلاحظ الموارد ولا ينبغي أن نتساير مع المصطلحات الأصوليّة ونهمل تحكيم الوجدان في المورد، بل عليك أن تتساير مع الاثنين معاً لا أن تأخذ بالقوانين والقواعد الأصوليّة بعرضها العريض من دون تحكيمٍ للوجدان ولا أن تهمل القواعد والقوانين الأصوليّة بشكلٍ مطلقٍ، وبناءً على هذا لابد وأن نلاحظ كلّ موردٍ بخصوصه.
والآن حينما أتعامل مع النصوص وأعطي النتائج لا أسير طبق القوانين الأصوليّة وإنما أضع وجداني وأتساير معه ولكنّه يتفق مع القاعدة الأصوليّة، وتعال إلى موردنا ففيه نقول:- مادامت رواية ( إنّا معاشر الملائكة لا ندخل بيتاً فيه صورة إنسان ) قد قيّدت فيتبيّن أنّ لصورة الإنسان خصوصيّة وليس المدار على مطلق الصورة، فحينئذٍ أنتهي إلى أنّ وجود مطلق الصورة لا يمنع من دخول الملائكة وإنما الذي يمنع والقدر المتيقّن هو صورة الإنسان.
كما تقدّم في موردٍ آخر - وهو أنّ الحرام مطلق الصورة أو خصوص صورة الحيوان وهكذا الحيوان بالكامل أو ولو بعض أجزاءه - أن قلنا أنّ المدار على صورة الحيوان لا مطلق الصورة إذ رواية محمد بن مروان قيّدت بصورة الحيوان فإذا كانت بقيّة الروايات المطلقة تامّة السند والدلالة نقيّدها بصورة الحيوان وإلا كان التقييد بالحيوان لغواً.
إذن نحن تسايرنا مع الوجدان، وما ذكرناه هناك لا يتنافى مع ما ذكرناه في قضيّة دخول الملائكة.
ولكن بالنسبة إلى كون المدار على كامل الحيوان أو على رسم بعض أجزاءه فقد قلنا فيما سبق أنّ المدار على أن يصدق صورة حيوان ولا يكفي رسم جزءٍ من الحيوان، وهذا الذي ذكرناه لا يتنافى أيضاً مع الموازين الأصوليّة فإنَّ كلمة حيوان نريد أن نستفيد منها استفادتين الأولى أنّ المدار على الحيوان وليس على صورة الشجر أو النخلة أو ما شاكل ذلك، والثانية نريد أن نستفيد منها أنّ المدار على أن يصدق حيوان لأنّ الإمام عليه السلام قال ( حيوان ).
أما بالنسبة إلى القضية الأولى فهي تامّة لأنّ الامام عليه السلام قيّد بالحيوان فيدلّ على أنّ لصورة الحيوان مدخليّة.
وأما بالنسبة إلى القضية الثانية - وهي أن المدار على صورة الحيوان كاملاً - فهنا قلنا إنّه في مثل هذه الحالة يكون المدار على أن يصدق عليه صورة حيوان لو كانت هذه الرواية وحدها، وأما إذا كانت توجد روايات أخرى كما هو على رأي المشهور ففي مثل هذه الحالة نأخذ بإطلاق بقيّة الروايات ونكتفي برسم صورة الجزء أيضاً.
وقلنا لا منافاة بين رواية محمد بن مروان المقيّدة بصورة حيوان وبين بقيّة الروايات التي قالت ( صورة ) فنأخذ بإطلاق تلك.
وقد يشكل عليّ مشكلٌ ويقول:- أنت أخذت كلمة ( صورة ) في بقية الروايات وقلت هي تصدق على الجزء ولم تجعل رواية محمد بن مروان مقيّدة أوليس هذا يتنافى مع ما انتهينا إليه من كون المدار في المنع من دخول الملائكة على كون الصورة صورة إنسان، فأنت هل تتمسّك بالمفهوم في المثبتين أو تقيّد ؟ أو يظهر أنك تقبله في موردٍ ولا تقبله في موردٍ آخر وهذا تنافٍ ؟
ونقول دفعاً للإشكال:- إنّ التقييد بصورة حيوان نفهم منه أنّ الحيوان له خصوصيّة في مقابل الشجر مثلاً وأمّا في مقابل جزء الحيوان فليس له مفهومٌ، فيبقى إطلاق بقيّة الروايات على حاله فإنّ الإمام عليه السلام إذا أراد أن يبيّن أنّ المدار على صورة الحيوان وليس على صورة الشجر فكيف يعبّر ؟! إنّه لابد وأن يعبّر هكذا، فهذا التعبير يفهم منه أنّ المدار على صورة الحيوان أمّا أنّه يلزم أن يكون الحيوان كاملاً فهذا لا يفهم منه حتى نقيّد إطلاق كلمة الصورة الواردة في بقيّة الروايات.
إذن لا تنافي بين المطلبين من هذه الناحية، وكان هدفي هو أن أبين أنّ الموارد تختلف ويلزم أن نلاحظ ما هو المناسب في كلّ مورد.
الدليل الثالث[1]:- جاء في رواية أو موثقة السكوني – على الخلاف بالنسبة إلى النوفلي لأنه ورد في السند - المتقدّمة:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- قال أمير المؤمنين عليه السلام:- بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة فقال لا تدع صورة إلا محوتها ولا قبراً إلا سويته ولا كلباً إلا قتلته )[2] وتقريب الدلالة:- هو أنّه لو كان يجوز إبقاء الصور فلماذا قال النبي لأمير المؤمنين ( ولا صورة إلا محوتها ) ؟ فالأمر بإمحاء الصور يدلّ على أنّ إبقاءها شيءٌ ليس جائزاً، وهو المطلوب.
وفيه:- إنّ الرواية - كما قلنا سابقاً - هي قضيّة في واقعة، فالإمام يقول ( بعثني النبي صلى الله عليه وآله ) أمّا ما هي تلك الصور التي أمر النبي بمحوها ؟ وما يه تلك الكلاب التي أمر بقتلها ؟ إنّه مجملٌ، فلعل تلك الصور كانت صور أصنام العبادة وهي لابدّ من محوها، كما ولعلّ تلك الكلاب كانت مصابة بداء الكَلَب فهي مؤذية فلابد من التخلّص منها.
إذن الرواية قضية في واقعة فلا يمكن الاستشهاد بها على أنّ كلّ صورةٍ لابد من إعدامها.
وهذ الجواب الذي ذكرناه أولى من جواب الشيخ الأعظم(قده) الذي نقلناه سابقاً حينما ذكرنا هذه الرواية حيث قال:- إنّه بقرينة ( ولا كلباً إلا قتلته ولا قبراً إلا سوّيته ) نحمل الأمر بمحو الصورة على الكراهة لأنّ تسوية القبر مكروه فهذا يكون مكروهاً أيضاً.
وبعبارة أخرى:- إنًّ الأمر هناك لا يمكن الالتزام بأنّه إلزامٌ فهنا أيضاً نحمله على الإلزام.
ونحن نقول:- إنّ ما ذكرناه أولى لأنّ القضيّة إذا كانت في واقعة لا تصل النوبة إلى الكراهة، نعم إذا لم يمكن الأخذ بقضيّة في واقعة فحينئذٍ نقول إنَّ السياق قرينة على الكراهة، إمّا إذا كان عندك جوابٌ يرفع المشكلة من الأساس فلا تصل النوبة إلى مسألة الحمل على الكراهة.
الدليل الرابع:- وهو مركّب من مقدّمتين:-
الأولى:- إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يكره وجود الصور في البيوت.
الثانية:- إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن يكره الحلال.
إذن تبيّن أنّ وجد الصور في البيت حرامٌ وبذلك ثبت المطلوب.
ولكن هذا يحتاج إلى ثبات المقدّمتين:-
أما المقدمة الأولى:- فقد يستدلّ لها برواية المحاسن عن ابن العرزمي عن حاتم بن اسماعيل عن جعفر عليه السلام عن ابيه:-- ( أن علياً كان يكره الصورة في البيت )[3].
بيد أنّ هذا السند قابلٌ للتأمل باعتبار أنّ ابن العرزمي لم يوثق، وهكذا حاتم بن اسماعيل، فهذه الرواية ليست معتبرة السند.
ولكن يمكن التعويض عنها بروايةٍ أخرى، وهي ما رواه المحاسن أيضاً عن أبيه عن محمد بن عمير عن المثنى عن أبي عبد الله عليه السلام والمتن نفس المتن هي:- ( إنّ علياً كان يكره الصورة في البيوت )
إذن لا مشكلة فإنّه رواها عن أبيه - يعني محمد بن خالد - وهو ثقة، عن محمد بن عمير وهو من أجلاء أصحابنا، والمثنى أيضاً يمكن توثيقه، فلا مشكلة في السند إذن.
إلا أن يقال - كما شرنا سابقاً -:- أنّ كتاب المحاسن الذي ينقل عنه صاحب الوسائل(قده) لا نعرف سنده إليه.
وبلكمة أوضح:- إنّ صاحب الوسائل ذكر أسانيده إلى الكتب التي نقل عنها ومنها المحاسن ولكن نحتمل أنّ هذه الطرق تبركيّة، فإذا لم نقل بأنّها تبركيّة فلا مشكلة، ولكن إذا احتملنا التبركيّة فحينئذٍ تتولّد مشكلة في هذه الرواية أيضاً، فماذا نصنع ؟
والجواب:- يمكن التعويض برواية ثالثة وهي قد رواها الشيخ الكليني(قده) في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن المثنى عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( إنّ علياً عليه السلام كره الصورة في البيوت )[4]، ولا مشكلة في هذا السند.
إذن المقدّمة الأولى تامّة ولا مشكلة فيها.
وأما المقدّمة الثانية:- فتدلّ عليها صحيحة سيف التمّار قال:- ( قلت لأبي بصير:- أحبّ أن تسأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل استبدل قوصرتين فيهما بُسْر مطبوخ بقوصرة فها تمرٌ مشقّق[5]- مشقّح - قال فسأله ابو بصير فقال:- هذا مكروهٌ، فقال أبو بصير:- ولم يكره ؟ قال:- إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يكره أن يستبدل وَسَقاً من تمر المدينة بوَسَقين من تمر خيبر لأنّ تمر المدينة أدونهما[6]ولم يكن عليّ عليه السلام يكره الحلال )[7]، وشاهدنا هو في عبارة ( ولم يكن علي عليه السلام يكره الحلال ).
إذن تمّت الصغرى والكبرى، والنتيجة هي أنّه لابد وأن نقول إنّ إبقاء الصور في البيوت حرامٌ لأنّ الإمام عليه السلام كان يكره الصور في البيوت.
[1]على حرمة الابقاء.
[5]وقد ذكر
المجلسي(قده) في مرآة العقول على ما رأيت على هامش الكافي، ج5، ص188 أنه يحتمل
أنه تمرٌ لا نواة له أو أنه نوع خاص من التمر ولكن هذا التمر أحسن من ذاك البسر
المطبوخ.
[6] المناسب أن يكون هو أن تمر المدينة أجودهما كما نبّ عليه في بعض
الحواشي بل جاء في بعض الروايات ف هذا الباب توجد فه كلمة أجود.