34/03/29
تحمیل
الموضوع: حجية الظواهر القرانية
كان الكلام في حجية الظواهر القرانية ومرّ ان جملة كثيرة من الأخباريين يمنعون من العمل بحجية الظواهر الاّ مع وجود الرواية في ذيل الايات وطبعا ان أقوال الأخباريين متعددة ولكن أشهرها وانضجها هو هذا القول وينسب اليهم
وقبل ان نستعرض الملاحظات وتحليل كلام أدلة الأخباريين لابأس بالخوض في أدلة النظرية المقابلة وهو نظرية العلامة الطباطبائي
وان نظرية العلامة الطباطبائي (رحمه الله) هي تحت شعار تفسير القران بالقران وهذه النظرية كما مرّ بنا هي نظرية لها ابعاد وقواعد تفسيرية وقواعد على صعيد اصول الفقه وقواعد على صعيد نفس الفقه ولها مناشيئ كلامية أو معرفية
ومنشأها المعرفي عند العلامة الطباطبائي هو ان القران الكريم حجيته أعلى من حجية سيد الأنبياء (صلى الله عليه واله وسلم) وان حجية سيد الأنبياء (صلى الله عليه واله وسلم) منبثقة من حجية القران ومن ثم بنى هو خلافا للمتفق عليه عند مشهور الفريقين بنى على ان السنة لاتنسخ القران الكريم فالكتاب لايُنسخ الاّ بالكتاب
بل في بعض كلمات العلامة الطباطبائي في شرحه على اصول الكفاية ومبنى آخر وهو ان عموم الكتاب لايخصص بالسنة وهذا جدا غريب وهو خلاف المتسالم أو خلاف الضرورة تقريبا عند الفريقين
وهذه المباني المتعددة لدى العلامة الطباطبائي كلها ناشئة من ان الكتاب حجيته أعظم من حجية سيد الأنبياء (صلى الله عليه واله وسلم) فحجية الظواهر هو مبنى من مبانيه
ومبناه في حجية الظواهر هو ان دور السنة الذي هي النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) دورها ليس تبيين مفاد ومرادات الآيات والسور وان كانت تبيّن ذلك الاّ ان دورها هو ان تبيّن المنهج في نظام دلالة الآيات والسور
وملخصه انه نظام أوسع من المصاديق المادية فهو نظام يشمل معالم عديدة فدور سنة المعصومين (عليهم السلام) هو ان تزيح التشعب المتشقق لهذاالمنهج وتبيّن ان سببه هو النظرة المادية للاشياء بمعنى ان حصر الاشياء بالمادية والماديات هو سبب التشابك
فالمفسر في بداية أمره يحتاج الى الروايات كي يتدرب ويتعلم منهج التفسير وبعد ذلك يقوم هو بالتفسير فان القران هو يفسر نفسه وهذا هو من تفسير القران بالقران
ويستدل العلامة الطباطبائي على هذه النظرية والمدعى بعدّة أدلة
الدليل الأول: ان القران الكريم قد وصف بالنور والبيان والمبين ومعه فكيف يكون محتاجا الى غيره فلابد ان يكون هو في نفسه بيّن ولايحتاج ولايفتقر الى نور غيره
فهذه الأوصاف في القران الكريم تقتضي ان لايكون هناك اجمال ولاغموض ولاحاجة من غيره اليه بل هو يبيّن نفسه بنفسه
ان قلت: هناك تشابه في القران والقران يعترف بذلك
فيقول: ان هذا التشابه ليس من الصفات الذاتة للقران بل ان هذا وصف لادراك البشر اذا تعلق بالقران نتيجة ان البشر مشبع بذهنية الماديات فيصبح عندهم تشابه في معاني القران ويأتي هنا دور السنة الشريفة لتبين ان القران ليس منحصرا بالمصاديق المادية بل هو لشمول كل العوالم
الدليل الثاني: ان القران لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فاذا كان القران كذلك فلا يأتيه شيئ يبطله بل هو دائما حق قائم
وعلى وفق هذا الدليل فهو لايقبل ان السنة تنسخ القران لأنه اذا كانت السنة تنسخ القران فانه قد جاء من خارج القران مايبطل القران والحال ان القران لايأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه فالقران غير محتاج الى غيره
الدليل الثالث: ان القران هداية كما انه نور من العمى ومع كون القران هداية فكيف يفتقر الى غيره مع انه وصف أيضا بالهداية في روايات عديدة
الدليل الرابع: هناك أوصاف مهولة وعظيمة للقران الكريم وصف بها نفسه فهذه العظمة وأوصاف العظمة تقتضي ان لايفتقر القران الكريم لغيره منها وصفه بكونه مهيمن ومعه فكيف يكون مهيمن عليه
الدليل الخامس: وجود روايات تقول بأنه لابد من العرض على الكتاب فهذا دليل على محورية القران الكريم وليس وراء القران محورية
ولكن مع الاحترام للعلامة الطباطبائي فان هذا المنهج كما مرّ بنا نتيجته ومقتضاه عملا حسبنا كتاب الله وقد نحى هذا المنحى بعض تلامذة العلامة الطباطبائي
وقد استعرضنا أدلة العلامة الطباطبائي في قبال مدعى الأخباريين وكثيرا ما الأدلة صحيحة لكل منهما ولكن الاشكال في كيفية الاستنتاج من الادلة فان النتيجة ليس كما ذهبوا اليه وسنبين ان مذهب مشهور الاصوليين وان تمت بلورته بمعنى معين ولكن هناك ارتكازات لمبنى المشهور كما سيتضح، فنقول:
أولا: ان معية الثقلين للقران هو أمر مهم وهذه المعية كما مرّ ليست فقط شعار بل هذه المعية في كل الأصعدة وهو تأبيد حيثي وجهتي وقواعدي وماهوي وليس فقط تأبيد زماني
ثانيا: ان حجية سيد الأنبياء (صلى الله عليه واله) هي فوق حجية القران فان أحد معاجز النبي (صلى الله عليه واله) هو القران العظيم أما نفس حجية النبي (صلى الله عليه واله) فلا تنحصر بالقران وان القران هو أحد مواليد حجية النبي (صلى الله عليه واله)
ثالثا: عندما نقارب بين النبي (صلى الله عليه واله) والقران ليس الكلام في مقاربة الحديث النبوي والقران الكريم نعم بالنسبة للحديث النبوي الصامت فان القران كلام أعظم من حديث النبي (صلى الله عليه واله) أما اذا كانت المقارنة بين النبي الناطق والقران فان حجية النبي (صلى الله عليه واله) أعظم
وكما مرّ بنا سابقا فان الامام الحي هو قران ناطق بينما المصحف فهو قران صامت وقد علمنا ذلك المولى أمير المؤمنين (عليه السلام) في حرب صفين فالامام الناطق أعظم من القران الصامت وقد غفل العلامة الطباطبائي عن هذه النقظة
رابعا: قد ورد وصف الثقل الأكبر للقران والثقل الأصغر العترة كما انه ورد وصف الثقل الأكبر للعترة والثقل الأصغر للقران
وهذا ليس من التناقض ولاالتدافع بل هو يرجع الى ان القران الكريم هو طبقات كما ان العترة طبقات فإذا أردنا ان نقارن بين كلام الائمة (عليهم السلام) والمصحف الشريف فان المصحف الشريف هو الثقل الأكبر وكلام الائمة (عليهم السلام) هو الثقل الأصغر وقد التبس هذا المبحث على العلامة الطباطبائي والتبس أيضا على الأخباريين
أما اذا أردنا ان نقارن بين الامام الناطق فضلا عن النبي الناطق مع القران الصامت فان القران هو الثقل الأصغر لأن القران لايبيّن محل التطبيق لأنه ليس له لسان فلا يعصم عصمة تامة مع ان الامام الناطق هو الذي يعصم