35/12/05
تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 435 )/ الواجب
الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني - أعني أنّ الأحوط هو الفصل بساعة بين القضاءين -:- فقد دلّت عليه صحيحة معاوية الأولى حيث جاء فيها:- ( رجل نسي رمي الجمار ، قال:- يرجع فريميها ، قلت:- فإن نسيها حتى أتى مكة ؟ قال:- يرجع فيرمي متفرقاً يفصل بين كلّ رميتين بساعة ) ، ولو كنّا نحن وهذه الرواية لكنّا نقول بأنّ الفصل بين القضاءين بساعةٍ شيءٌ لازم إلّا أنّ المعروف بين الأصحاب عدم لزوم ذلك ولأجل هذا يصير الحكم بالفصل بمقدار ساعةٍ من باب الاحتياط الوجوبي.
أمّا من أين نثبت أنّ المشهور والمعروف بين الأصحاب هو عدم لزوم الفصل ؟
أشار إلى ذلك في الجواهرفإنه بعد أن ذكر صحيحة معاوية المتقدّمة الدالة على الفصل بساعة ما نصّه:- ( ... جمعاً بينه وبين الصحيح المتقدّم الآمر بالفصل بينهما بساعة .... لكن ظاهر الأصحاب الإعراض عن الحديث السابق فليحق بالشواذ )[1] ، فأنه أكّد هذا المعنى وهو أن ظاهر الأصحاب الإعراض عن ذلك.
يبقى شيآن يرتبطان بهذا الحكم:-
الأوّل:- ذكرنا في المسألة السابقة أنّ التفريق مبنيٌّ على الاحتياط الوجوبي ولكن علّلنا بأنّ مورد الروايات لا يشمل المقام ولأجل أنّا نحتمل إلغاء الخصوصيّة فنصير إلى الاحتياط الوجوبي وأمّا هنا فتمسّكنا بإعراض المشهور ، فهل هذا ينافي ما سبق أو أنّه لا يوجد بينهما تنافٍ ؟ إنّه لابد من استيضاح ذلك.
والجواب:- إنّه في المسألة السابقة كنّا نتكلم عمّن كان اللازم عليه القضاء ليومٍ والأداء ليومٍ - يعني الاتيان بالأداء والقضاء وليس الاتيان بالقضاءين - وهي كانت ناظرة إلى ذلك وهناك كنّا نقول لا توجد رواية تدلّ على لزوم الفصل في الحالة المذكورة ، نعم صحيحة عبد الله بن سنان دلّت على لزوم الفصل غدوةً وعند الزوال ولكنّها واردة فيمن فاته رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر ويحتمل أنّ لذلك خصوصيّة فلأجل هذا كنّا نقول إنَّ التعدّي من جمرة العقبة إلى غيرها يحتاج إلى إلغاء الخصوصيّة وحيث إنّه ليس جزميّاً فنصير إلى الاحتياط الوجوبي فمن فاته رمي اليوم الحادي عشر والتفت في اليوم الثاني عشر يفصل بينهما فيأتي بالقضاء غدوةً وبالأداء عند الزوال وسبب هذا الاحتياط الوجوبي هو أنّ الرواية الواردة الدالة على الفصل ناظرة إلى من فاته رمي جمرة العقبة ونحن في المسالة السابقة ناظرين إلى من فاته رمي اليوم الحادي عشر والتفت في اليوم الثاني عشر . فإذن التعدّي يحتاج إلى إلغاء الخصوصيّة.
وأمّا بالنسبة إلى مسألتنا هذه - أي الفصل بين القضاءين وليس بين الأداء والقضاء - فإنه توجد رواية دلّت على لزوم التفريق وهي صحيحة معاوية الأولى التي دلّت على الفصل بساعة ولكن حيث إنّ الأصحاب أعرضوا عنها صرنا إلى الاحتياط الوجوبي.
إذن لا يوجد تنافٍ بين الكلامين ، وهذا توضيحُ حالٍ لا أكثر.
الثاني:- إنّ الوارد في صحيحة معاوية التعبير بــكلمة (ساعة ) حيث قالت:- ( يفصل بينهما بساعة ) وقد قلنا سابقاً أنّ المراد من الساعة عبارة عن الفترة الزمنية وليس المصطلح المتداول في يومنا هذا.
ورب قائلٍ يقول:- لو رجعنا إلى كتب اللغة فلعله نجد جذوراً للساعة بالمعنى المعاصر فبعض أرباب اللغة قد يعبّر بأنّ الساعة عبارة عن جزءٍ من أربعةٍ وعشرين جزءاً ، فإذا كان هذا ثابتاً في كتب اللغة من ابن منظورٍ مثلاً أو غيره فحينئذٍ يشكل الأمر في حمل الساعة على الفترة الزمنيّة.
وجوابه:- إنّه لو ثبت وجود هذا المعنى وسلّمنا به فبإمكاننا أن نقول إنّ هذا ليس معنىً متعارفاً ومشهوراً بحيث يصبح عِدْلاً للمعنى المعروف - أي بمعنى الفترة الزمنية - ، فعلى هذا الأساس لا يوجب ذلك الإجمال أو حمل اللفظ على المعنى المذكور .
ولو تنزّلنا وسلّمنا أنّه معنىً مشهور فنجيب ونقول:- إذن هذا المعنى موجودٌ وذاك المعنى موجودٌ فيحصل بذلك إجمالٌ ومعه لا تتغيّر النتيجة إذ بالتالي نشك أنّ الفاصل اللازم هل هو الساعة بالمعنى المصطلح أو الساعة بمعنى الفترة الزمنيّة وحينئذٍ نرجع إلى الأصل العملي وهو يقتضي البراءة إذ الفصل بمقدار فترةٍ زمنيّةٍ لازمٌ على كِلا التقديرين - أي سواء فسّرت الساعة بهذا أو فسّرت بذاك فإنه شيءٌ مشترك - وإنما المشكوك هو أن تكون تلك الفترة الزمنيّة مقيّدة بكونها عبارة عن ستّين دقيقة ، إنّ هذا يشك في اشتغال الذمة به إذ هو ضيقٌ زائدٌ فتجري البراءة عنه ، فما نجزم باشتغال الذمّة به يتحقّق بالفصل بمقدارٍ ما وما زاد على ذلك نشك في اشتغال الذمّة به فنجري أصل البراءة.
إن قلت:- إن الذمّة قد اشتغلت بعنوان الساعة إذ الرواية قالت ( يفصل بساعة ) فلابد من تفريغها من هذا الذي اشتغلت به يقيناً ولا يحصل الفرغ اليقيني إلّا أن يكون الفاصل بمقدار ستّين دقيقة ، فالأصل إذن صار مقتضياً للاشتغال دون البراءة.
قلت:- الساعة وإن أخذت في الحديث ولكنّها أخذت بنحو المرآتية إلى واقع الزمان وكمشيرٍ إليه وإلا فالمفهوم المذكور لا نحتمل عرفاً وجود خصوصيّة له وإنما الخصوصيّة كلّ الخصوصيّة هي لواقع الساعة وذلك الواقع مردّدٌ بين السعة والضيق ، وحينئذٍ إذا أتينا بمقدارٍ من الفاصل فقد تحقّق ذلك الواقع ونشك في اشتغال الذمة بالزائد.
إذن هذا البيان مبنيٌّ على أنّ الذمّة تنشغل بالمفهوم بما هو مفهوم أمّا إذا كانت منشغلة بالمفهوم بما هو مشير إلى الواقع فحينئذٍ لا يأتي هذا البيان ويكون المرجع هو البراءة.
وقد تسأل وتقول:- كيف نشخّص أنّ ما أخذ في النصّ هو بنحو المرآتية والطريقيّة إلى واقع الشيء أو أنّه أخذ بنحو الموضوعية فما هو الميزان والضابط في ذلك ؟
والجواب:- إنّ هذا ليس له ضابط إذ المرجع في مثل هذا الأمر إلى العرف وهذا يختلف من موردٍ إلى آخر ، فبعض الموارد لا يرى العرف خصوصيّةً للمفهوم وإنما يرى الخصوصيّة لواقع الشيء وأحياناً قد يرى أن الخصوصيّة للمفهوم نفسه، وربما توجد حالة ثالثة وهي أنّ نفس العرف يشك بأنّ هذا مأخوذ بنحو الموضوعيّة أو بنحو الطريقيّة ، ولكن الشيء المهم الذي أريد أن اقوله هو أنّ المرجعيّة هي إلى العرف والعرف حينما يحدّد كيف يحدّد ؟ إنّها مناسبات الحكم والموضوع فهي تقتضي هذا أحياناً وتقتضي ذاك أحياناً أخرى ، فمثلاً لو فرض أنّ المولى قال ( لا تكرم الفاسق ) وشككنا أنّ الفاسق مختصّ بخصوص فاعل الكبيرة أو يعمّ فاعل الصغيرة ولو مرّةً فإذا كان يعمّ فاعل الصغيرة فسوف يصير عدم جواز إكرام فاعل الصغيرة فماذا نصنع في مثل هذه الحالة ؟ عليك أن تلاحظ نفسك بما أنك عرفٌ فهل أنّ عنوان الفاسق بما هو عنوان فاسق له خصوصيّة أو بما هو مشير إلى واقع الفاسق ؟ من الوجيه أن نقول إنّه أخذ بما هو مشير إلى واقع الفاسق ، وحينئذٍ نقول إنّ واقع الفاسق مردّدٌ فبمقدار فاعل الكبيرة يحرم إكرامه جزماً وأمّا ما زاد على ذلك - أي حتى فاعل الصغيرة - يشك في اشتغال الذمّة بالحرمة فنجري أصل بالبراءة.
إذن العرف هنا يأخذ الفاسق كطريقٍ إلى الواقع وليس بما هو مفهوم فلا تنشغل الذمّة بالمفهوم بما هو مفهوم ، بينما لو قلت لك ( جئني بحليب ) وكان في الإناء حليب وأريق عليه ماء وشككنا هل يصدق على هذا أنّه حليب أو لا ؟ ففي مثل هذه الحالة هل يجزي دفع هذا وتقديمه ونقول يحصل به الامتثال ؟ كلّا فإن مقصود الآمر هو الحليب وما يصدق عليه أنّه حليب فالذمّة قد اشتغلت بما يصدق عليه أنّه حليب ، يعني نتمكّن أن نقول إنّ العنوان هو الذي قد انشغلت به الذمّة ، وحينئذٍ لا يكفي دفع هذا المشكوك بل لابد وأن نقدّم شيئاً نجزم بأنّه حليب.
إذن الموارد تختلف ففي بعضها يحمل العرف هذا المفهوم على الموضوعيّة وفي بعضها الآخر يحمله على المرآتية والمفروض أنَّ مقامنا يحمل على نحو المرآتية.
وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني - أعني أنّ الأحوط هو الفصل بساعة بين القضاءين -:- فقد دلّت عليه صحيحة معاوية الأولى حيث جاء فيها:- ( رجل نسي رمي الجمار ، قال:- يرجع فريميها ، قلت:- فإن نسيها حتى أتى مكة ؟ قال:- يرجع فيرمي متفرقاً يفصل بين كلّ رميتين بساعة ) ، ولو كنّا نحن وهذه الرواية لكنّا نقول بأنّ الفصل بين القضاءين بساعةٍ شيءٌ لازم إلّا أنّ المعروف بين الأصحاب عدم لزوم ذلك ولأجل هذا يصير الحكم بالفصل بمقدار ساعةٍ من باب الاحتياط الوجوبي.
أمّا من أين نثبت أنّ المشهور والمعروف بين الأصحاب هو عدم لزوم الفصل ؟
أشار إلى ذلك في الجواهرفإنه بعد أن ذكر صحيحة معاوية المتقدّمة الدالة على الفصل بساعة ما نصّه:- ( ... جمعاً بينه وبين الصحيح المتقدّم الآمر بالفصل بينهما بساعة .... لكن ظاهر الأصحاب الإعراض عن الحديث السابق فليحق بالشواذ )[1] ، فأنه أكّد هذا المعنى وهو أن ظاهر الأصحاب الإعراض عن ذلك.
يبقى شيآن يرتبطان بهذا الحكم:-
الأوّل:- ذكرنا في المسألة السابقة أنّ التفريق مبنيٌّ على الاحتياط الوجوبي ولكن علّلنا بأنّ مورد الروايات لا يشمل المقام ولأجل أنّا نحتمل إلغاء الخصوصيّة فنصير إلى الاحتياط الوجوبي وأمّا هنا فتمسّكنا بإعراض المشهور ، فهل هذا ينافي ما سبق أو أنّه لا يوجد بينهما تنافٍ ؟ إنّه لابد من استيضاح ذلك.
والجواب:- إنّه في المسألة السابقة كنّا نتكلم عمّن كان اللازم عليه القضاء ليومٍ والأداء ليومٍ - يعني الاتيان بالأداء والقضاء وليس الاتيان بالقضاءين - وهي كانت ناظرة إلى ذلك وهناك كنّا نقول لا توجد رواية تدلّ على لزوم الفصل في الحالة المذكورة ، نعم صحيحة عبد الله بن سنان دلّت على لزوم الفصل غدوةً وعند الزوال ولكنّها واردة فيمن فاته رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر ويحتمل أنّ لذلك خصوصيّة فلأجل هذا كنّا نقول إنَّ التعدّي من جمرة العقبة إلى غيرها يحتاج إلى إلغاء الخصوصيّة وحيث إنّه ليس جزميّاً فنصير إلى الاحتياط الوجوبي فمن فاته رمي اليوم الحادي عشر والتفت في اليوم الثاني عشر يفصل بينهما فيأتي بالقضاء غدوةً وبالأداء عند الزوال وسبب هذا الاحتياط الوجوبي هو أنّ الرواية الواردة الدالة على الفصل ناظرة إلى من فاته رمي جمرة العقبة ونحن في المسالة السابقة ناظرين إلى من فاته رمي اليوم الحادي عشر والتفت في اليوم الثاني عشر . فإذن التعدّي يحتاج إلى إلغاء الخصوصيّة.
وأمّا بالنسبة إلى مسألتنا هذه - أي الفصل بين القضاءين وليس بين الأداء والقضاء - فإنه توجد رواية دلّت على لزوم التفريق وهي صحيحة معاوية الأولى التي دلّت على الفصل بساعة ولكن حيث إنّ الأصحاب أعرضوا عنها صرنا إلى الاحتياط الوجوبي.
إذن لا يوجد تنافٍ بين الكلامين ، وهذا توضيحُ حالٍ لا أكثر.
الثاني:- إنّ الوارد في صحيحة معاوية التعبير بــكلمة (ساعة ) حيث قالت:- ( يفصل بينهما بساعة ) وقد قلنا سابقاً أنّ المراد من الساعة عبارة عن الفترة الزمنية وليس المصطلح المتداول في يومنا هذا.
ورب قائلٍ يقول:- لو رجعنا إلى كتب اللغة فلعله نجد جذوراً للساعة بالمعنى المعاصر فبعض أرباب اللغة قد يعبّر بأنّ الساعة عبارة عن جزءٍ من أربعةٍ وعشرين جزءاً ، فإذا كان هذا ثابتاً في كتب اللغة من ابن منظورٍ مثلاً أو غيره فحينئذٍ يشكل الأمر في حمل الساعة على الفترة الزمنيّة.
وجوابه:- إنّه لو ثبت وجود هذا المعنى وسلّمنا به فبإمكاننا أن نقول إنّ هذا ليس معنىً متعارفاً ومشهوراً بحيث يصبح عِدْلاً للمعنى المعروف - أي بمعنى الفترة الزمنية - ، فعلى هذا الأساس لا يوجب ذلك الإجمال أو حمل اللفظ على المعنى المذكور .
ولو تنزّلنا وسلّمنا أنّه معنىً مشهور فنجيب ونقول:- إذن هذا المعنى موجودٌ وذاك المعنى موجودٌ فيحصل بذلك إجمالٌ ومعه لا تتغيّر النتيجة إذ بالتالي نشك أنّ الفاصل اللازم هل هو الساعة بالمعنى المصطلح أو الساعة بمعنى الفترة الزمنيّة وحينئذٍ نرجع إلى الأصل العملي وهو يقتضي البراءة إذ الفصل بمقدار فترةٍ زمنيّةٍ لازمٌ على كِلا التقديرين - أي سواء فسّرت الساعة بهذا أو فسّرت بذاك فإنه شيءٌ مشترك - وإنما المشكوك هو أن تكون تلك الفترة الزمنيّة مقيّدة بكونها عبارة عن ستّين دقيقة ، إنّ هذا يشك في اشتغال الذمة به إذ هو ضيقٌ زائدٌ فتجري البراءة عنه ، فما نجزم باشتغال الذمّة به يتحقّق بالفصل بمقدارٍ ما وما زاد على ذلك نشك في اشتغال الذمّة به فنجري أصل البراءة.
إن قلت:- إن الذمّة قد اشتغلت بعنوان الساعة إذ الرواية قالت ( يفصل بساعة ) فلابد من تفريغها من هذا الذي اشتغلت به يقيناً ولا يحصل الفرغ اليقيني إلّا أن يكون الفاصل بمقدار ستّين دقيقة ، فالأصل إذن صار مقتضياً للاشتغال دون البراءة.
قلت:- الساعة وإن أخذت في الحديث ولكنّها أخذت بنحو المرآتية إلى واقع الزمان وكمشيرٍ إليه وإلا فالمفهوم المذكور لا نحتمل عرفاً وجود خصوصيّة له وإنما الخصوصيّة كلّ الخصوصيّة هي لواقع الساعة وذلك الواقع مردّدٌ بين السعة والضيق ، وحينئذٍ إذا أتينا بمقدارٍ من الفاصل فقد تحقّق ذلك الواقع ونشك في اشتغال الذمة بالزائد.
إذن هذا البيان مبنيٌّ على أنّ الذمّة تنشغل بالمفهوم بما هو مفهوم أمّا إذا كانت منشغلة بالمفهوم بما هو مشير إلى الواقع فحينئذٍ لا يأتي هذا البيان ويكون المرجع هو البراءة.
وقد تسأل وتقول:- كيف نشخّص أنّ ما أخذ في النصّ هو بنحو المرآتية والطريقيّة إلى واقع الشيء أو أنّه أخذ بنحو الموضوعية فما هو الميزان والضابط في ذلك ؟
والجواب:- إنّ هذا ليس له ضابط إذ المرجع في مثل هذا الأمر إلى العرف وهذا يختلف من موردٍ إلى آخر ، فبعض الموارد لا يرى العرف خصوصيّةً للمفهوم وإنما يرى الخصوصيّة لواقع الشيء وأحياناً قد يرى أن الخصوصيّة للمفهوم نفسه، وربما توجد حالة ثالثة وهي أنّ نفس العرف يشك بأنّ هذا مأخوذ بنحو الموضوعيّة أو بنحو الطريقيّة ، ولكن الشيء المهم الذي أريد أن اقوله هو أنّ المرجعيّة هي إلى العرف والعرف حينما يحدّد كيف يحدّد ؟ إنّها مناسبات الحكم والموضوع فهي تقتضي هذا أحياناً وتقتضي ذاك أحياناً أخرى ، فمثلاً لو فرض أنّ المولى قال ( لا تكرم الفاسق ) وشككنا أنّ الفاسق مختصّ بخصوص فاعل الكبيرة أو يعمّ فاعل الصغيرة ولو مرّةً فإذا كان يعمّ فاعل الصغيرة فسوف يصير عدم جواز إكرام فاعل الصغيرة فماذا نصنع في مثل هذه الحالة ؟ عليك أن تلاحظ نفسك بما أنك عرفٌ فهل أنّ عنوان الفاسق بما هو عنوان فاسق له خصوصيّة أو بما هو مشير إلى واقع الفاسق ؟ من الوجيه أن نقول إنّه أخذ بما هو مشير إلى واقع الفاسق ، وحينئذٍ نقول إنّ واقع الفاسق مردّدٌ فبمقدار فاعل الكبيرة يحرم إكرامه جزماً وأمّا ما زاد على ذلك - أي حتى فاعل الصغيرة - يشك في اشتغال الذمّة بالحرمة فنجري أصل بالبراءة.
إذن العرف هنا يأخذ الفاسق كطريقٍ إلى الواقع وليس بما هو مفهوم فلا تنشغل الذمّة بالمفهوم بما هو مفهوم ، بينما لو قلت لك ( جئني بحليب ) وكان في الإناء حليب وأريق عليه ماء وشككنا هل يصدق على هذا أنّه حليب أو لا ؟ ففي مثل هذه الحالة هل يجزي دفع هذا وتقديمه ونقول يحصل به الامتثال ؟ كلّا فإن مقصود الآمر هو الحليب وما يصدق عليه أنّه حليب فالذمّة قد اشتغلت بما يصدق عليه أنّه حليب ، يعني نتمكّن أن نقول إنّ العنوان هو الذي قد انشغلت به الذمّة ، وحينئذٍ لا يكفي دفع هذا المشكوك بل لابد وأن نقدّم شيئاً نجزم بأنّه حليب.
إذن الموارد تختلف ففي بعضها يحمل العرف هذا المفهوم على الموضوعيّة وفي بعضها الآخر يحمله على المرآتية والمفروض أنَّ مقامنا يحمل على نحو المرآتية.