36/05/17
تحمیل
الموضـوع:- مسألة (
7 ) - المكاسب المحرمة -كتاب
التجارة.
هذا ويمكن أن نستثني مورداً واحداً فيقال بوجوب الإعلام الشخصي فيه:- وهو بالنسبة إلى الولي بلحاظ أولاده فيمكن أن يقال بوجوب البيان الخاص، يعني إذا كان ولده جاهلاً مقصّراً فيلزمه أن يبيّن له كيفيّة الصلاة أو الصوم وكيفيّة الأعمال الأخرى، فهو بخصوصه يلزم عليه البيان الخاصّ بلحاظه، نعم يكفي البيان العام بلحاظ الآخرين كما لو تكلّم في الفضائيات أو ما شاكل ذلك، أمّا بالنسبة إلى أولاده فلابد من أن يذهب إليهم ويعلّمهم إذا كانوا جاهلين مقصّرين وذلك لقوله تعالى:- ﴿ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ﴾[1]، فهذه الآية الكريمة حيث قالت:- ﴿ قوا أنفسكم وأهليكم ﴾ ووقاية الأهل من النار تحقّق بأنّ يذهب الولي إلى ولده مثلاً يعلمه كيفيّة الصلاة والصوم وما شاكل ذلك من الأحكام، وواضح أنّه حيث إن الآية الكريمة قالت ﴿ قوا انفسكم وأهليكم ناراً ﴾ فيلزم أن نفترض أنّ ولده جاهل مقصّر أمّا إذا كان جاهلاً قاصراً فحينئذٍ لا تكون الآية شاملة له لأنّ ﴿ قوا انفسكم .... ناراً ﴾ لا يأتي في حقّه لأنّه جاهل قاصر، فإذا فرضنا أنّه كان جاهلاً مقصّراً أي يمكن أن يتعلّم كما هي العادة فحينئذٍ الآية الكريمة توجب الولي أن يبيّن له الأحكام الشرعيّة.
إذن هذا الشخص يلزم أن تبيّن له الأحكام بالوسيلة الخاصّة أما سائر الناس فتكفي الوسيلة العامة، ولكن الأرجح والأفضل هو أن يعلم كلّ إنسان مهما أمكن إلى أن يصيبه الحرج، ولكن الراجح والمفضّل أنّه إذا رأى شخصاً كان هناك خلل في صلاته أو في أموره الأخرى أن يذهب إليه ويعلّمه.
وفي هذا المجال أرجو أن لا يحصل خلطٌ بين الجاهل والعالم، فالعالم بالحكم الشرعي لا يلزم أن أهذب إليه بل تكفي الوسيلة العامة للقصور في المقتضي، وأمّا إذا فرض أنه كان عالماً ويخالف كما لو كانت المرأة تعلم بلزوم الحجاب ولكنها تخالف فهنا يلزم أن أنهاها من باب النهي عن المنكر ويأتي ما ذكر من أنّه ﴿ ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة ﴾ وهذه قضية جانبية.
فنحن نقول لا يلزم التعليم الخاصّ فيما إذا كان جاهلاً، أمّا إذا كان عالماً ويخالف فهذا يلزم أن ننهاه من باب النهي عن المنكر.
وقد تسأل وتقول:- لو رأينا شخصاً يصلّي لا إلى جهة القبلة فهل يلزم أن نبيّن له جهة القبلة - ومقصودي أنّه يعلم بلزوم التوجّه إلى القبلة في الصلاة ولكنه لا يدري أنّ القبلة في هذه الجهة -، وهكذا لو فرض أنه كانت توجد نجاسة في ثوبه، أو كان هناك ثقب في ثوبه قد تتبيّن عورته من خلاله، أو امرأة وقد برز شيء من شعرها، أو فرض أنّ شخصاً يغتسل وبقيت منطقة من بدنه لم يغسلها، أو فرض أنّ شخصاً أراد أن يتزوج أخته من الرضاع وهو لا يعلم بذلك، وعلى هذه الوتيرة موارد أخرى، فالحكم هنا معلومٌ ولكنّه جاهلٌ بالموضوع، ففي مثل هذه الموارد هل يجب الإعلام أو لا ؟
والجواب:- كلّا لا يجب الإعلام للقصور في المقتضي، فإنّ غاية ما ثبت بالأدلّة هو وجوب إعلام الأحكام الشرعيّة والمفروض أنّ الحكم الشرعي بالنسبة إلى هذا الشخص واضح، وأمّا الإعلام بالموضوعات فلا يوجد ما يدلّ على لزومه.
إذن يكفينا فكرة القصور في المقتضي فإنه لا دليل على وجوب ذلك فنتمسّك بأصل البراءة.
نعم فيما إذا فرض أنّ المورد كان الغرض فيه مهمّاً لدى الشارع بحيث نعلم أنّه يبغض المخالفة ولو عن جهلٍ بالموضوع كما إذا فرض أنّ شخصاً أراد أن يقتل شخصاً آخر بتخيّل أنه عدوّ أو غير ذلك ولكنّه شخص بريء ففي مثل هذه الحالة يمكن أن يقال بوجوب البيان ولكن هذه خصوصيّة للمورد لأنّا نعلم أنّ الشارع يبغض قتل النفس البريئة، ولو كان هناك مورد من هذا القبيل نلحقه به، أمّا إذا لم يكن فالقاعدة تقتضي إجراء البراءة بعد عدم الدليل على لزوم الفحص.
وقد يقال إنّ الدليل موجودٌ وهو أحد أمرين:-
الأوّل:- لو فرض أنّ شخصاً كان يصلّي في ثوبٍ متنجّس فيجب عليّ أن أبيّن ذلك من باب النهي عن المنكر، وهذا ما نقله الشيخ الأعظم عن العلامة حيث قال الشيخ الاعظم ما نصه:- ( بل قد يقال بوجوب الإعلام وإن لم يكن منه تسبيب كما لو رأى نجساً في يده يريد أكله وهو الذي صرّح به العلامة رحمه الله في أجوبة المسائل المهنائيّة حيث سأله السيد المهنا عمّن رأى في ثوب المصلّي نجاسة فأجاب بأنّه يجب الإعلام لوجوب النهي عن المنكر، لكن إثبات هذا مشكل )[2].
والجواب عمّا أفاده العلامة واضح:- حيث إنّه لا دليل على وجوب إعلام الجاهل في الموضوعات وإنما قام الدليل في باب الأحكام من باب نشر وتعليم الأحكام، وفكرة النهي عن المنكر لا معنى لتطبيقها إذ أنَّ صدق المنكر فرع العلم أمّا إذا كان جاهلاً فالمورد ليس مورد المنكر بل مورد تعليم الجاهل، هذا مضافاً إلى ورود بعض الروايات التي تنهى عن البيان في باب الموضوعات.
ثانياً:- التمسّك بفكرة تنقيح المناط، بمعنى أنّه توجد روايات تقدّمت الإشارة إليها وهي قد دلّت على أنّ من أراد أن يبيع الدهن المتنجّس يلزمه أن يُعلِم به وخصوصيّة البيع ملغيّة بالنظر العرفي فنتعدّى حينئذٍ إلى بقيّة الموارد وإن لم يفترض وجود بيع، فعلى هذا الأساس إذا رأيت شخصاً يأكل الطعام المتنجّس فيلزمني الإعلام بإلغاء خصوصيّة البيع.
والجواب واضح:- فإنّ الرواية أخذ فيها خصوصيّتان خصوصيّة البيع وهي كما قيل ملغيّة بالنظر العرفي، وخصوصيّة التسبيب لأنك في هذا المورد مادمت أنت قد بعت وسلّمت المتنجّس وسكتَّ فيحصل تسبيبٌ منك إلى أكل المتنجّس وهذه خصوصيّة ثانية، ففي هذا المورد أوجبت الروايات الإعلام والعرف يلغي الخصوصيّة الأولى وأمّا الخصوصية الثانية فمن قال إنّه يلغيها ؟!! كلّا بل العرف يرى الفرق بين أن نفترض أنّ أقدّم الطعام المتنجس إلى الشخص ولا أخبره بذلك فهذا نحو تسبيبٍ والناس قد يعاتبونني على ذلك وبين ما إذا فرض أني لم أقدم له ذلك وإنما هو يريد أن يشرب شيئاً متنجّساً بتخيّل أنّه طاهر، فهنا يوجد فرقٌ بين هذا المورد وذاك، فهناك يوجد تسبيبٌ وأما هنا فلا يوجد تسبيبٌ فإلغاء خصوصيّة التسبيب لا معنى لها، فإذن لا يلزم البيان لو رأيت شخصاً يأكل الشيء المتنجّس.
هذا مضافاً إلى ما أشرنا إليه:- من ورود رواياتٍ تردع عن البيان في الشبهات الموضوعيّة وأنك إذا رأيت شخصاً يغتسل مثلاً وبقيت بقعة لم يغسلها فلا حاجة إلى أن تبيّن له ذلك، ونلغي خصوصيّة المورد فنتعدّى إلى سائر الموارد الشبيهة بذلك والروايات هي:-
من قبيل:- صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:- ( سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دماً وهو يصلّي، قال:- لا يؤذنه حتى ينصرف )[3]، فقوله:- ( لا يؤذنه حتى ينصرف ) ليس المقصود منه النهي التحريمي بل لا يلزمك أن تؤذنه إلى أن ينتهي.
ومن قبيل:- صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( اغتسل أبي من الجنابة فقيل له قد أبقيت لمعة[4]في ظهرك لم يصبها الماء، فقال له:- ما كان عليك لو سكتَّ ثم مسح تلك اللمعة بيده )[5]، وعلى هذا المنوال توجد روايات أخرى في نفس الباب وفي غيره تدلّ على عدم لزوم التنبيه.
نعم في خصوص هذه الروية ومن باب الكلام يجرّ الكلام قد يقال:- إنّ إبقاء الإمام منطقةً لم يغسلها يتنافى مع ما نعتقده من عصمة الإمام عليه السلام وأنه لا يغيب عليه شيء ؟
وفي مقام الجواب نقول:- إنّ الرواية لا تدلّ على أنّ الإمام عليه السلام نساها وإنما قالت ( اغتسل أبي من الجنابة فقيل له قد ابقيت لمعة ) فذلك الشخص كان متسرّعاً ولعل الإمام كان يريد غسلها فيما بعد، فلم يقل الصادق عليه السلام ( فنسي أبي فقال له شخص ) فإنه لو قال هكذا لتمّ ما ذكر ولكن المفروض أن الرواية قالت ( اغتسل أبي من الجنابة فقيل له قد ابقيت لمعة في ظهرك ) وكما قلنا إنّه هذا لعله من باب أنّ الامام يريد أن يغسل تلك اللمعة ولكن هذا الشخص تسرّع في كلامه.
مضافاً إلى أنّه ربما يقال:- إنّ الإمام عليه السلام صنع ذلك عمداً - أي أنَّه تأخّر قليلاً عمداً - لكي يعترض عليه أحد وحتى يبيّن الإمام الحكم الشرعي.
هذا كلّه إذا فرضنا أننا قلنا بأنّ الإمام عليه السلام يعلم بكلّ شيءٍ علماً حاضراً.
أما إذا قلنا بأنّه متى أراد أن يعلم عَلِمَ فإنه توجد روايات في الكافي في كتاب الحجّة تدلّ على ذلك وهو أنَّ الإمام إذا أراد أن يعلم عَلِمَ، فإذا قيدنا بهذا فتنحلّ المشكلة أيضاً.
هذا ويمكن أن نستثني مورداً واحداً فيقال بوجوب الإعلام الشخصي فيه:- وهو بالنسبة إلى الولي بلحاظ أولاده فيمكن أن يقال بوجوب البيان الخاص، يعني إذا كان ولده جاهلاً مقصّراً فيلزمه أن يبيّن له كيفيّة الصلاة أو الصوم وكيفيّة الأعمال الأخرى، فهو بخصوصه يلزم عليه البيان الخاصّ بلحاظه، نعم يكفي البيان العام بلحاظ الآخرين كما لو تكلّم في الفضائيات أو ما شاكل ذلك، أمّا بالنسبة إلى أولاده فلابد من أن يذهب إليهم ويعلّمهم إذا كانوا جاهلين مقصّرين وذلك لقوله تعالى:- ﴿ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ﴾[1]، فهذه الآية الكريمة حيث قالت:- ﴿ قوا أنفسكم وأهليكم ﴾ ووقاية الأهل من النار تحقّق بأنّ يذهب الولي إلى ولده مثلاً يعلمه كيفيّة الصلاة والصوم وما شاكل ذلك من الأحكام، وواضح أنّه حيث إن الآية الكريمة قالت ﴿ قوا انفسكم وأهليكم ناراً ﴾ فيلزم أن نفترض أنّ ولده جاهل مقصّر أمّا إذا كان جاهلاً قاصراً فحينئذٍ لا تكون الآية شاملة له لأنّ ﴿ قوا انفسكم .... ناراً ﴾ لا يأتي في حقّه لأنّه جاهل قاصر، فإذا فرضنا أنّه كان جاهلاً مقصّراً أي يمكن أن يتعلّم كما هي العادة فحينئذٍ الآية الكريمة توجب الولي أن يبيّن له الأحكام الشرعيّة.
إذن هذا الشخص يلزم أن تبيّن له الأحكام بالوسيلة الخاصّة أما سائر الناس فتكفي الوسيلة العامة، ولكن الأرجح والأفضل هو أن يعلم كلّ إنسان مهما أمكن إلى أن يصيبه الحرج، ولكن الراجح والمفضّل أنّه إذا رأى شخصاً كان هناك خلل في صلاته أو في أموره الأخرى أن يذهب إليه ويعلّمه.
وفي هذا المجال أرجو أن لا يحصل خلطٌ بين الجاهل والعالم، فالعالم بالحكم الشرعي لا يلزم أن أهذب إليه بل تكفي الوسيلة العامة للقصور في المقتضي، وأمّا إذا فرض أنه كان عالماً ويخالف كما لو كانت المرأة تعلم بلزوم الحجاب ولكنها تخالف فهنا يلزم أن أنهاها من باب النهي عن المنكر ويأتي ما ذكر من أنّه ﴿ ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة ﴾ وهذه قضية جانبية.
فنحن نقول لا يلزم التعليم الخاصّ فيما إذا كان جاهلاً، أمّا إذا كان عالماً ويخالف فهذا يلزم أن ننهاه من باب النهي عن المنكر.
وقد تسأل وتقول:- لو رأينا شخصاً يصلّي لا إلى جهة القبلة فهل يلزم أن نبيّن له جهة القبلة - ومقصودي أنّه يعلم بلزوم التوجّه إلى القبلة في الصلاة ولكنه لا يدري أنّ القبلة في هذه الجهة -، وهكذا لو فرض أنه كانت توجد نجاسة في ثوبه، أو كان هناك ثقب في ثوبه قد تتبيّن عورته من خلاله، أو امرأة وقد برز شيء من شعرها، أو فرض أنّ شخصاً يغتسل وبقيت منطقة من بدنه لم يغسلها، أو فرض أنّ شخصاً أراد أن يتزوج أخته من الرضاع وهو لا يعلم بذلك، وعلى هذه الوتيرة موارد أخرى، فالحكم هنا معلومٌ ولكنّه جاهلٌ بالموضوع، ففي مثل هذه الموارد هل يجب الإعلام أو لا ؟
والجواب:- كلّا لا يجب الإعلام للقصور في المقتضي، فإنّ غاية ما ثبت بالأدلّة هو وجوب إعلام الأحكام الشرعيّة والمفروض أنّ الحكم الشرعي بالنسبة إلى هذا الشخص واضح، وأمّا الإعلام بالموضوعات فلا يوجد ما يدلّ على لزومه.
إذن يكفينا فكرة القصور في المقتضي فإنه لا دليل على وجوب ذلك فنتمسّك بأصل البراءة.
نعم فيما إذا فرض أنّ المورد كان الغرض فيه مهمّاً لدى الشارع بحيث نعلم أنّه يبغض المخالفة ولو عن جهلٍ بالموضوع كما إذا فرض أنّ شخصاً أراد أن يقتل شخصاً آخر بتخيّل أنه عدوّ أو غير ذلك ولكنّه شخص بريء ففي مثل هذه الحالة يمكن أن يقال بوجوب البيان ولكن هذه خصوصيّة للمورد لأنّا نعلم أنّ الشارع يبغض قتل النفس البريئة، ولو كان هناك مورد من هذا القبيل نلحقه به، أمّا إذا لم يكن فالقاعدة تقتضي إجراء البراءة بعد عدم الدليل على لزوم الفحص.
وقد يقال إنّ الدليل موجودٌ وهو أحد أمرين:-
الأوّل:- لو فرض أنّ شخصاً كان يصلّي في ثوبٍ متنجّس فيجب عليّ أن أبيّن ذلك من باب النهي عن المنكر، وهذا ما نقله الشيخ الأعظم عن العلامة حيث قال الشيخ الاعظم ما نصه:- ( بل قد يقال بوجوب الإعلام وإن لم يكن منه تسبيب كما لو رأى نجساً في يده يريد أكله وهو الذي صرّح به العلامة رحمه الله في أجوبة المسائل المهنائيّة حيث سأله السيد المهنا عمّن رأى في ثوب المصلّي نجاسة فأجاب بأنّه يجب الإعلام لوجوب النهي عن المنكر، لكن إثبات هذا مشكل )[2].
والجواب عمّا أفاده العلامة واضح:- حيث إنّه لا دليل على وجوب إعلام الجاهل في الموضوعات وإنما قام الدليل في باب الأحكام من باب نشر وتعليم الأحكام، وفكرة النهي عن المنكر لا معنى لتطبيقها إذ أنَّ صدق المنكر فرع العلم أمّا إذا كان جاهلاً فالمورد ليس مورد المنكر بل مورد تعليم الجاهل، هذا مضافاً إلى ورود بعض الروايات التي تنهى عن البيان في باب الموضوعات.
ثانياً:- التمسّك بفكرة تنقيح المناط، بمعنى أنّه توجد روايات تقدّمت الإشارة إليها وهي قد دلّت على أنّ من أراد أن يبيع الدهن المتنجّس يلزمه أن يُعلِم به وخصوصيّة البيع ملغيّة بالنظر العرفي فنتعدّى حينئذٍ إلى بقيّة الموارد وإن لم يفترض وجود بيع، فعلى هذا الأساس إذا رأيت شخصاً يأكل الطعام المتنجّس فيلزمني الإعلام بإلغاء خصوصيّة البيع.
والجواب واضح:- فإنّ الرواية أخذ فيها خصوصيّتان خصوصيّة البيع وهي كما قيل ملغيّة بالنظر العرفي، وخصوصيّة التسبيب لأنك في هذا المورد مادمت أنت قد بعت وسلّمت المتنجّس وسكتَّ فيحصل تسبيبٌ منك إلى أكل المتنجّس وهذه خصوصيّة ثانية، ففي هذا المورد أوجبت الروايات الإعلام والعرف يلغي الخصوصيّة الأولى وأمّا الخصوصية الثانية فمن قال إنّه يلغيها ؟!! كلّا بل العرف يرى الفرق بين أن نفترض أنّ أقدّم الطعام المتنجس إلى الشخص ولا أخبره بذلك فهذا نحو تسبيبٍ والناس قد يعاتبونني على ذلك وبين ما إذا فرض أني لم أقدم له ذلك وإنما هو يريد أن يشرب شيئاً متنجّساً بتخيّل أنّه طاهر، فهنا يوجد فرقٌ بين هذا المورد وذاك، فهناك يوجد تسبيبٌ وأما هنا فلا يوجد تسبيبٌ فإلغاء خصوصيّة التسبيب لا معنى لها، فإذن لا يلزم البيان لو رأيت شخصاً يأكل الشيء المتنجّس.
هذا مضافاً إلى ما أشرنا إليه:- من ورود رواياتٍ تردع عن البيان في الشبهات الموضوعيّة وأنك إذا رأيت شخصاً يغتسل مثلاً وبقيت بقعة لم يغسلها فلا حاجة إلى أن تبيّن له ذلك، ونلغي خصوصيّة المورد فنتعدّى إلى سائر الموارد الشبيهة بذلك والروايات هي:-
من قبيل:- صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:- ( سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دماً وهو يصلّي، قال:- لا يؤذنه حتى ينصرف )[3]، فقوله:- ( لا يؤذنه حتى ينصرف ) ليس المقصود منه النهي التحريمي بل لا يلزمك أن تؤذنه إلى أن ينتهي.
ومن قبيل:- صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( اغتسل أبي من الجنابة فقيل له قد أبقيت لمعة[4]في ظهرك لم يصبها الماء، فقال له:- ما كان عليك لو سكتَّ ثم مسح تلك اللمعة بيده )[5]، وعلى هذا المنوال توجد روايات أخرى في نفس الباب وفي غيره تدلّ على عدم لزوم التنبيه.
نعم في خصوص هذه الروية ومن باب الكلام يجرّ الكلام قد يقال:- إنّ إبقاء الإمام منطقةً لم يغسلها يتنافى مع ما نعتقده من عصمة الإمام عليه السلام وأنه لا يغيب عليه شيء ؟
وفي مقام الجواب نقول:- إنّ الرواية لا تدلّ على أنّ الإمام عليه السلام نساها وإنما قالت ( اغتسل أبي من الجنابة فقيل له قد ابقيت لمعة ) فذلك الشخص كان متسرّعاً ولعل الإمام كان يريد غسلها فيما بعد، فلم يقل الصادق عليه السلام ( فنسي أبي فقال له شخص ) فإنه لو قال هكذا لتمّ ما ذكر ولكن المفروض أن الرواية قالت ( اغتسل أبي من الجنابة فقيل له قد ابقيت لمعة في ظهرك ) وكما قلنا إنّه هذا لعله من باب أنّ الامام يريد أن يغسل تلك اللمعة ولكن هذا الشخص تسرّع في كلامه.
مضافاً إلى أنّه ربما يقال:- إنّ الإمام عليه السلام صنع ذلك عمداً - أي أنَّه تأخّر قليلاً عمداً - لكي يعترض عليه أحد وحتى يبيّن الإمام الحكم الشرعي.
هذا كلّه إذا فرضنا أننا قلنا بأنّ الإمام عليه السلام يعلم بكلّ شيءٍ علماً حاضراً.
أما إذا قلنا بأنّه متى أراد أن يعلم عَلِمَ فإنه توجد روايات في الكافي في كتاب الحجّة تدلّ على ذلك وهو أنَّ الإمام إذا أراد أن يعلم عَلِمَ، فإذا قيدنا بهذا فتنحلّ المشكلة أيضاً.