36/08/08
تحمیل
الموضـوع:- مسألة (
15 ) - المكاسب المحرمة -كتاب
التجارة.
استدراك لما سبق:- ذكرت أنّه (قده) قال ( إذا أبرز الرجل عورته بقصد أن تنظر المرأة الاجنبية فهذا حرام للتسبيب إلى الحرام ) وهذا لا يوجد عندنا استدراك بلحاظه، ثم قال ( ولصدق التعاون على فعل مبغوض المولى ) - يعني الحرام -.
إذن هو تمسّك بفكرة حرمة التعاون لا بحرمة الاعانة، فالاستدراك الذي أريد أن أقوله هو أنّه يتمسّك بحرمة التعاون لا بحرمة الاعانة وهو ينبي على أنّ الآية الكريمة التي تقول ( ولا تعاونوا ) تدلّ على حرمة التعاون ولا يستفاد منها حرمة الاعانة، فاستدراكنا يكون من هذه الناحية يعني نسلب ونتراجع عمّا ذكرناه من أنّ رأيه هنا يظهر منه حرمة الاعانة بينما في باب بيع العنب وغير ذلك في المكاسب المحرّمة يبني على عدم حرمة الاعانة، كلّا لا توجد مخالفة من هذه الناحية حيث قال هنا بحرمة التعاون لا حرمة الاعانة . نعم من الناحية الثانية التي نقلتها وهي أنّه يظهر منه أنّ القصد معتبرٌ في مفهوم الاعانة فهذا صحيحٌ ولا استدراك بلحاظه - فالاستدراك هو بلحاظ إحدى النسبتين - لأنّه قال هكذا ( إذا لم يكن من قصده أن تنظر الأجنبية حينما أبرز عورته فالإعانة لا تصدق ) - يعني مادام ليست إعانة - فهنا عبّر بالإعانة . ثم قال ( وعلى تقدير صدق الاعانة فالمحرّم هو التعاون دون الاعانة ) وهذا ليس بمهم، بل المهم هو أنّه قال ( مادام ليس بقاصدٍ فالإعانة لا تصدق ) وهذا معناه أنّ الاعانة يتوقّف صدقها على وجود القصد.
إذن التصحيح الذي أريده هو أنّه يقول في باب النكاح إنّ القصد معتبرٌ في مفهوم الاعانة، فالمخالفة عنده هي بهذا المقدار أمّا بذلك المقدار الذي نسبته إليه من أنّه في باب النكاح يبني حرمة الاعانة فلا، فإنه يبني على حرمة التعاون لا حرمة الاعانة فإحدى النسبين ليست بصحيحة.
إذن القيد الأوّل على ما اتضح - وهو القصد - نحن لا نعتبره بمعنى الداعي ونعتبره بمعنى العلم، خلافاً للشيخ الأعظم والسيد الخوئي فإنهما قالا بأنَّ القصد ليس بمعتبرٍ.
وأما بالنسبة إلى القيد الثاني أعني تحقّق الحرام خارجاً:- ( والذي ذكره الشيخ النراقي حيث قال إنّ الاعانة على الحرام لا تصدق إلا إذا تحقّق الحرام وخالف في ذلك الشيخ الأعظم كما قلنا وقفال يلزم تحقق العقوبة فيما إذا فرض أنّ الشخص فعل بعض المقّدمات بقصد تحقّق الحرام فهنا تصدق الاعانة ويستحق العقوبة وعلى رأي النراقي يلزم أنه لو وقع الحرام سوف يستحقّ عقوبةً ثانية مع أنّ الوجدان قاضٍ بعدم تعدّد العقوبة، فالنراقي اعتبر تحقّق الحرام في صدق عنوان الاعانة على الحرام بينما الشيخ الأعظم لم يعتبر ذلك )، ونحن نقول:- إنَّ الحقّ مع الشيخ النراقي(قده) فإنّه إذا لم يتحقق الحرام فلا إعانة عليه ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع إذ لا حرام ليصدق عنوان الاعانة عليه فإنّ صدق هذا العنوان فرع تحقّق الحرام من الشخص المعان فإذا تحقق منه حينذاك يقال تحقّقت الاعانة من المعين للمعان على الحرام، فإذا لم يتحقّق الحرام فالإعانة عليه ليست موجودة ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، وهذا ينبغي أن يكون من المطالب الواضحة.
إذن الحق مع الشيخ النراقي(قده) إذ لو لم يتحقّق الحرام فلا يصدق عنوان الاعانة على الحرام إذ المفروض انتفاء الحرام فكيف تصدق الاعانة عليه ؟!! نعم يستحق الذي قصد الحرام - أي المعين - العقوبة من باب أنّه تجرأ لا من باب أنه أعان على الحرام.
ومنه تتضح مناقشة الشيخ الأعظم(قده):- فإنه قال في ردّ النراقي إنّه يلزم تعدّد العقوبة، ونحن نقول:- كّلا لا يلزم تعدّد العقوبة إذ لو لم يتحقّق الحرام فلا إعانة حتى تلزم العقوبة من باب الاعانة على الحرام، فإذا تحقّق الحرام صدق آنذاك عنوان الاعانة على الحرام فيستحق عقوبة الاعانة على الحرام، أمّا إذا لم يتحقّق الحرام فعقوبة الاعانة عليه لا تثبت له فأين تعدّد العقوبة ؟!! نعم يعاقب من حيث التجرّي، فبمجرّد قصده يعاقب للتجرّي وإن لم يتحقّق الحرام لكن هذا من باب التجري فإذا وقع الحرام استحق العقوبة من باب الاعانة على الحرام فصار العقاب واحداً وليس متعدّداً، ومن قال بتداخل العقوبتان ففيه مجالٌ لأنّ التجرّي قد يقال بأنّه تثبت له العقوبة إذا لم يتحقّق المحرّم أما إذا تحقّق المحرّم فحينئذٍ لا توجد عقوبة على التجرّي، كما لو قصد الإنسان أن يذهب إلى مكانٍ ليرتكب المحرّم فإذا لم يتحقّق المحرّم فسوف نعاقبه على القصد أمّا إذا تحقّق المحرّم فلا نعاقبه على القصد وإنما تتداخل العقوبة ولا تصير هناك عقوبة ثانية.
والخلاصة من كلّ هذا:- إنّ القيد الأوّل - أعني القصد بمعنى العلم - معتبرٌ وبمعنى الداعي فلا، وأمّا القيد الثاني - أعني تحقّق الحرام - فهو معتبرٌ كما ذكر الشيخ النراقي(قده) كما أوضحنا.
النقطة الرابعة:- هل يمكن تخصيص الحكم بحرمة الاعانة.
وقع الكلام في أنّ الحكم المذكور هل يمكن تخصيصه وذلك بأن يقال:- ( الاعانة على الحرام حرامٌ إلا في هذا المورد - مثل بيع العنب على من يصنعه خمراً - ) ؟
ذكر الشيخ النائيني(قده)[1]:- أنّه لا يقبل ذلك فإنّ الحكم المذكور - يعني حرمة الاعانة - كالحكم بالحرمة والظلم فإنّ الحكم بالحرمة لا يقبل التخصيص فلا يمكن أن نقول ( هذا حرام إلا .... ) فإنّ هذا لا يمكن أن يتصوّر فإنّ هذا تناقضٌ إذ كيف هو حرامٌ ومع ذلك نخصّص، أو المعصية فهي معصيّة ورغم ذلك نخصّص ؟!! فعنوان المعصية وعنوان الظلم لا يمكن تخصيصهما فإنّه مادام هذا ظلماً فإنّه لا يقبل ذلك.
والجواب:- لو سلّمنا أن عنوان المعصية لا يقبل التخصيص وهكذا عنوان الظلم إذ لو خصّص يلزم من ذلك التناقض والتهافت - إذ كيف هو ظلم ويجوز وكيف هو معصية ويجوز - فجوازه يعني أنّه ليس بمعصية ولا بظلم، هذا لو فرض أنّه أردنا أن نخصّص عنوان الظلم أو المعصية، ولكن في موردنا لا نريد أن نخصّص ذلك فالحرام والظلم صادرٌ من شخصٍ - وهو المعان - وذاك لا يراد تخصيصه وإنما الذي يراد تخصيصه هو حكمٌ آخر الذي هو صادر من المعين - وهو الاعانة على ذلك الظلم وعلى تلك المعصية - ولا محذور في ذلك فإنّ هذا لا يلزم منه أن تصير المعصية ليست بمعصية أو يصير الظلم ليس ظلماً، فهو يصير كذلك لو قلنا للمعان تجوز لك هذه المعصية ويجوز لك هذا الظلم فهنا يلزم النقض ويلزم سلب الشيء عن نفسه مثلاً، ولكن نحن نقول لشخصٍ آخر إنَّ الاعانة منك على فعل ذاك - والذي هو فعله باقٍ على حرمته - هي ليست محرّمة، فهنا تخصيصٌ في حرمة الاعانة لا في حرمة الظلم والمعصية وهذا لا محذور فيه فإنّه حكمٌ شرعيٌّ فيكون كسائر الأحكام الشرعيّة قابلاً للتخصيص.
إذن لابد من التفرقة بين الظلم والمعصية الصادرة من المعان فلا تقبل التخصيص وبين الاعانة التي هي فعل الغير فهذا كسائر الأحكام يمكن تخصيصه.
نعم قد تقول:- إنّ حرمة الاعانة ثابتة عقلاً ومادامت ثابتة عقلاً فهي لا تقبل التخصيص فإنّ الأحكام العقليّة لا تقبل التخصيص
قلت:- ذكرنا فيما سبق أنّ العقل إنما يحكم بالقبح في حالة الانحصار، فهناك نسلّم بأنه لا يمكن التخصيص كما مثلّنا بأن ينحصر بيع خاتم الذهب الرجالي بمحلٍّ واحدٍ ولا يوجد غيره فهنا يمكن الالتزام بقبح البيع والعقل يمكن أن يحكم بذلك، أمّا إذا فرض أنّه توجد محلّات متعدّدة فحكم العقل بالقبح أوّل الكلام.
ولكن لو تنزّلنا وقلنا إنّ العقل يحكم بالقبح في كلتا الحالتين - الانحصار وعدم الانحصار - ولكن من قال إنّ الأحكام العقلية لا تقبل التخصيص ؟!! فهي إنّما لا تقبل ذلك إذا فرض أنّها كانت بنحو العليّة التامّة للقبح فهذا لا يقبل سلب الحكم عنه مثل الظلم فإنه علّة تامّة للقبح ولا يمكن أن يتزحزح ويزول عنه وكذلك العدل، أمّا بالقياس إلى بقيّة العناوين مثل الكذب والسرقة فهي أيضاً قبيحةٌ ولكن قبحها ليس بنحو العلّة التامّة بل بنحو المقتضي، ومادام بنحو المقتضي فإذن يمكن أن يعلَّق على عدم حكم الشارع فيقال العقل يقول هذا قبيحٌ ولا يجوز فيما فرض أنّ الشارع لم يجوّزه أمّا إذا فرض أنّ الشارع جوّزه فالعقل يرفع يده عن حكمه لأنّ حكمه بنحو التعليق والمقتضي لا بنحو العلّة التامّة التي لا تقبل التعليق، ومادام بنحو المقتضي فلا مشكلة.
إذن حتى لو قلنا بأن الاعانة هي قبيحة عقلاً والعقل يحكم بحرمتها ولكن مع ذلك تكون فكرة التخصيص ممكنة مادام عنوان الاعانة ليس علّة تامّة للقبح وإنما هو بنحو المقتضي، والأحكام العقلية التي بنحو المقتضي تكون قابلة للتخصيص.
استدراك لما سبق:- ذكرت أنّه (قده) قال ( إذا أبرز الرجل عورته بقصد أن تنظر المرأة الاجنبية فهذا حرام للتسبيب إلى الحرام ) وهذا لا يوجد عندنا استدراك بلحاظه، ثم قال ( ولصدق التعاون على فعل مبغوض المولى ) - يعني الحرام -.
إذن هو تمسّك بفكرة حرمة التعاون لا بحرمة الاعانة، فالاستدراك الذي أريد أن أقوله هو أنّه يتمسّك بحرمة التعاون لا بحرمة الاعانة وهو ينبي على أنّ الآية الكريمة التي تقول ( ولا تعاونوا ) تدلّ على حرمة التعاون ولا يستفاد منها حرمة الاعانة، فاستدراكنا يكون من هذه الناحية يعني نسلب ونتراجع عمّا ذكرناه من أنّ رأيه هنا يظهر منه حرمة الاعانة بينما في باب بيع العنب وغير ذلك في المكاسب المحرّمة يبني على عدم حرمة الاعانة، كلّا لا توجد مخالفة من هذه الناحية حيث قال هنا بحرمة التعاون لا حرمة الاعانة . نعم من الناحية الثانية التي نقلتها وهي أنّه يظهر منه أنّ القصد معتبرٌ في مفهوم الاعانة فهذا صحيحٌ ولا استدراك بلحاظه - فالاستدراك هو بلحاظ إحدى النسبتين - لأنّه قال هكذا ( إذا لم يكن من قصده أن تنظر الأجنبية حينما أبرز عورته فالإعانة لا تصدق ) - يعني مادام ليست إعانة - فهنا عبّر بالإعانة . ثم قال ( وعلى تقدير صدق الاعانة فالمحرّم هو التعاون دون الاعانة ) وهذا ليس بمهم، بل المهم هو أنّه قال ( مادام ليس بقاصدٍ فالإعانة لا تصدق ) وهذا معناه أنّ الاعانة يتوقّف صدقها على وجود القصد.
إذن التصحيح الذي أريده هو أنّه يقول في باب النكاح إنّ القصد معتبرٌ في مفهوم الاعانة، فالمخالفة عنده هي بهذا المقدار أمّا بذلك المقدار الذي نسبته إليه من أنّه في باب النكاح يبني حرمة الاعانة فلا، فإنه يبني على حرمة التعاون لا حرمة الاعانة فإحدى النسبين ليست بصحيحة.
إذن القيد الأوّل على ما اتضح - وهو القصد - نحن لا نعتبره بمعنى الداعي ونعتبره بمعنى العلم، خلافاً للشيخ الأعظم والسيد الخوئي فإنهما قالا بأنَّ القصد ليس بمعتبرٍ.
وأما بالنسبة إلى القيد الثاني أعني تحقّق الحرام خارجاً:- ( والذي ذكره الشيخ النراقي حيث قال إنّ الاعانة على الحرام لا تصدق إلا إذا تحقّق الحرام وخالف في ذلك الشيخ الأعظم كما قلنا وقفال يلزم تحقق العقوبة فيما إذا فرض أنّ الشخص فعل بعض المقّدمات بقصد تحقّق الحرام فهنا تصدق الاعانة ويستحق العقوبة وعلى رأي النراقي يلزم أنه لو وقع الحرام سوف يستحقّ عقوبةً ثانية مع أنّ الوجدان قاضٍ بعدم تعدّد العقوبة، فالنراقي اعتبر تحقّق الحرام في صدق عنوان الاعانة على الحرام بينما الشيخ الأعظم لم يعتبر ذلك )، ونحن نقول:- إنَّ الحقّ مع الشيخ النراقي(قده) فإنّه إذا لم يتحقق الحرام فلا إعانة عليه ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع إذ لا حرام ليصدق عنوان الاعانة عليه فإنّ صدق هذا العنوان فرع تحقّق الحرام من الشخص المعان فإذا تحقق منه حينذاك يقال تحقّقت الاعانة من المعين للمعان على الحرام، فإذا لم يتحقّق الحرام فالإعانة عليه ليست موجودة ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، وهذا ينبغي أن يكون من المطالب الواضحة.
إذن الحق مع الشيخ النراقي(قده) إذ لو لم يتحقّق الحرام فلا يصدق عنوان الاعانة على الحرام إذ المفروض انتفاء الحرام فكيف تصدق الاعانة عليه ؟!! نعم يستحق الذي قصد الحرام - أي المعين - العقوبة من باب أنّه تجرأ لا من باب أنه أعان على الحرام.
ومنه تتضح مناقشة الشيخ الأعظم(قده):- فإنه قال في ردّ النراقي إنّه يلزم تعدّد العقوبة، ونحن نقول:- كّلا لا يلزم تعدّد العقوبة إذ لو لم يتحقّق الحرام فلا إعانة حتى تلزم العقوبة من باب الاعانة على الحرام، فإذا تحقّق الحرام صدق آنذاك عنوان الاعانة على الحرام فيستحق عقوبة الاعانة على الحرام، أمّا إذا لم يتحقّق الحرام فعقوبة الاعانة عليه لا تثبت له فأين تعدّد العقوبة ؟!! نعم يعاقب من حيث التجرّي، فبمجرّد قصده يعاقب للتجرّي وإن لم يتحقّق الحرام لكن هذا من باب التجري فإذا وقع الحرام استحق العقوبة من باب الاعانة على الحرام فصار العقاب واحداً وليس متعدّداً، ومن قال بتداخل العقوبتان ففيه مجالٌ لأنّ التجرّي قد يقال بأنّه تثبت له العقوبة إذا لم يتحقّق المحرّم أما إذا تحقّق المحرّم فحينئذٍ لا توجد عقوبة على التجرّي، كما لو قصد الإنسان أن يذهب إلى مكانٍ ليرتكب المحرّم فإذا لم يتحقّق المحرّم فسوف نعاقبه على القصد أمّا إذا تحقّق المحرّم فلا نعاقبه على القصد وإنما تتداخل العقوبة ولا تصير هناك عقوبة ثانية.
والخلاصة من كلّ هذا:- إنّ القيد الأوّل - أعني القصد بمعنى العلم - معتبرٌ وبمعنى الداعي فلا، وأمّا القيد الثاني - أعني تحقّق الحرام - فهو معتبرٌ كما ذكر الشيخ النراقي(قده) كما أوضحنا.
النقطة الرابعة:- هل يمكن تخصيص الحكم بحرمة الاعانة.
وقع الكلام في أنّ الحكم المذكور هل يمكن تخصيصه وذلك بأن يقال:- ( الاعانة على الحرام حرامٌ إلا في هذا المورد - مثل بيع العنب على من يصنعه خمراً - ) ؟
ذكر الشيخ النائيني(قده)[1]:- أنّه لا يقبل ذلك فإنّ الحكم المذكور - يعني حرمة الاعانة - كالحكم بالحرمة والظلم فإنّ الحكم بالحرمة لا يقبل التخصيص فلا يمكن أن نقول ( هذا حرام إلا .... ) فإنّ هذا لا يمكن أن يتصوّر فإنّ هذا تناقضٌ إذ كيف هو حرامٌ ومع ذلك نخصّص، أو المعصية فهي معصيّة ورغم ذلك نخصّص ؟!! فعنوان المعصية وعنوان الظلم لا يمكن تخصيصهما فإنّه مادام هذا ظلماً فإنّه لا يقبل ذلك.
والجواب:- لو سلّمنا أن عنوان المعصية لا يقبل التخصيص وهكذا عنوان الظلم إذ لو خصّص يلزم من ذلك التناقض والتهافت - إذ كيف هو ظلم ويجوز وكيف هو معصية ويجوز - فجوازه يعني أنّه ليس بمعصية ولا بظلم، هذا لو فرض أنّه أردنا أن نخصّص عنوان الظلم أو المعصية، ولكن في موردنا لا نريد أن نخصّص ذلك فالحرام والظلم صادرٌ من شخصٍ - وهو المعان - وذاك لا يراد تخصيصه وإنما الذي يراد تخصيصه هو حكمٌ آخر الذي هو صادر من المعين - وهو الاعانة على ذلك الظلم وعلى تلك المعصية - ولا محذور في ذلك فإنّ هذا لا يلزم منه أن تصير المعصية ليست بمعصية أو يصير الظلم ليس ظلماً، فهو يصير كذلك لو قلنا للمعان تجوز لك هذه المعصية ويجوز لك هذا الظلم فهنا يلزم النقض ويلزم سلب الشيء عن نفسه مثلاً، ولكن نحن نقول لشخصٍ آخر إنَّ الاعانة منك على فعل ذاك - والذي هو فعله باقٍ على حرمته - هي ليست محرّمة، فهنا تخصيصٌ في حرمة الاعانة لا في حرمة الظلم والمعصية وهذا لا محذور فيه فإنّه حكمٌ شرعيٌّ فيكون كسائر الأحكام الشرعيّة قابلاً للتخصيص.
إذن لابد من التفرقة بين الظلم والمعصية الصادرة من المعان فلا تقبل التخصيص وبين الاعانة التي هي فعل الغير فهذا كسائر الأحكام يمكن تخصيصه.
نعم قد تقول:- إنّ حرمة الاعانة ثابتة عقلاً ومادامت ثابتة عقلاً فهي لا تقبل التخصيص فإنّ الأحكام العقليّة لا تقبل التخصيص
قلت:- ذكرنا فيما سبق أنّ العقل إنما يحكم بالقبح في حالة الانحصار، فهناك نسلّم بأنه لا يمكن التخصيص كما مثلّنا بأن ينحصر بيع خاتم الذهب الرجالي بمحلٍّ واحدٍ ولا يوجد غيره فهنا يمكن الالتزام بقبح البيع والعقل يمكن أن يحكم بذلك، أمّا إذا فرض أنّه توجد محلّات متعدّدة فحكم العقل بالقبح أوّل الكلام.
ولكن لو تنزّلنا وقلنا إنّ العقل يحكم بالقبح في كلتا الحالتين - الانحصار وعدم الانحصار - ولكن من قال إنّ الأحكام العقلية لا تقبل التخصيص ؟!! فهي إنّما لا تقبل ذلك إذا فرض أنّها كانت بنحو العليّة التامّة للقبح فهذا لا يقبل سلب الحكم عنه مثل الظلم فإنه علّة تامّة للقبح ولا يمكن أن يتزحزح ويزول عنه وكذلك العدل، أمّا بالقياس إلى بقيّة العناوين مثل الكذب والسرقة فهي أيضاً قبيحةٌ ولكن قبحها ليس بنحو العلّة التامّة بل بنحو المقتضي، ومادام بنحو المقتضي فإذن يمكن أن يعلَّق على عدم حكم الشارع فيقال العقل يقول هذا قبيحٌ ولا يجوز فيما فرض أنّ الشارع لم يجوّزه أمّا إذا فرض أنّ الشارع جوّزه فالعقل يرفع يده عن حكمه لأنّ حكمه بنحو التعليق والمقتضي لا بنحو العلّة التامّة التي لا تقبل التعليق، ومادام بنحو المقتضي فلا مشكلة.
إذن حتى لو قلنا بأن الاعانة هي قبيحة عقلاً والعقل يحكم بحرمتها ولكن مع ذلك تكون فكرة التخصيص ممكنة مادام عنوان الاعانة ليس علّة تامّة للقبح وإنما هو بنحو المقتضي، والأحكام العقلية التي بنحو المقتضي تكون قابلة للتخصيص.