34/03/24
تحمیل
الموضوع: الأحوط أن لا يقصد بالتسليم التحية حقيقة
كنّا في المسألة الخامسة من ان المصلي هل يسوغ له ان يقصد التحيّة بالتسليم حقيقة أم لايجوز ذلك وإنما يخطر معنى التحية في ذهنه إخطارا فيأتي بالتسليم من باب الوظيفة الصلاتية لا انه يتكلم بالالفاظ الواجبة في الصلاة كما ذهب اليه صاحب الجواهر والسيد اليزدي
وهذا البحث بعينه اُثير في مبحث قراءة الحمد والسورة فلو قصد المصلي عند قراءة الحمد لله رب العالمين لو قصد المصلي إنشاء تحميد رب العالمين فقد استشكل البعض في ذلك حيث قال لابد من اتيان اللفظ كوظيفة صلاته أو كقراءة قرآنية وقال البعض ان إنشاء الحمد بالحمد هو يعني عدم قراءة القران فإنما يصدق قراءة القران اذا استعملت اللفظ في اللفظ أي استعملت الحمد لله باللفظ الذي نزل به جبرائيل على سيد الأنبياء (صلى الله عليه واله وسلم)
فيصدق قراءة القران اذا لم ينشئ وهذه المعاني يخطرها ويمررها في باله من دون ان يستخدم اللفظ في المعنى لأن قراءة القران حسب هذا الادعاء متقومة بأن يستعمل اللفظ في اللفظ دون استعمال اللفظ في المعنى ومعه فلا تصدق قراءة القران وبالتالي لم يؤدي في الصلاة الوظيفة الصلاتية
كذا أذكار السجود وأذكار الركوع لاتنشئ التنزيه والتسبيح إنما تمرر تلك المعاني خطرات في القلب
وهنا قول آخر متشدد على عكس ماتقدم وهو مايحُكى عن بعض الأعلام وقد التزم به استاذنا الميرزا هاشم الآملي وهو إنك اذا لم تقصد التمجيد من الحمد لله فيعني انك لم تقرأ القران واذا لم تقصد الدعاء من اهدنا الصراط المستقيم فانك لم تقرأ القران واذا لم تقصد التوحيد في العبادة والالتزام بالتوحيد بالعبادة من اياك نعبد واياك نستعين فانك لم تقرأ القران واذا لم تقصد التوسل الذي هو أول آية في القران وهو أكبر شعار في القران بسم الله الرحمن الرحيم وهو المملوك لله فهنا القائل يقول اذا لم تقصد التوسل فانك لم تقصد البسملة أصلا ولم تقصد العبادة
فهذا القائل بهذا القول الثاني يقول اذا لم يقم بهذه العبادة وهي التوجه والتوسل والاستشفاع فانه لم يقم بالعبادة أصلا فيقول اصحاب هذا القول اذا لم ينشئ هذه المعاني فانه لم يقرأ القران وهذا القول هو على عكس القول الأول تماما
وقول ثالث في المسألة وهو يجمع بين القول الأول والثاني فيقول نستعمل اللفظ في لفط القران ويمكننا ان نستعمل اللفظ في المعنى فهو راجح وليس بملزم
وهذا الكلام الذي في قراءة القران هو بعينه في كل واجبات الصلاة القولية ففي تكبيرة الاحرام هل يجوز انشاء الحمد والتعظيم بها أولا يجوز ذلك فعلى القول الأول لايجوز بل الاتيان بها بما هي واجبة وعلى القول الثاني أصلا لايصدق التكبير بل هو إنشاء تعظيم الله وان معنى التكبير لايصدق الاّ اذا قُصد معناه
والصحيح هو القول الثاني مع تخفيفة بقول ثالث أي صحيح ان اللازم هو انشاء هذه المعاني والاّ فلا تصدق غاية الأمر الاّ ان المعنى الارتكازي كافي ولاحاجة الى المعنى التفصيلي وان كان إحضاره في الخاطر أوكد في تحقق الأمر
فصاحب الجواهر كما ذكرنا بنى على ان الروايات الواردة في ان التسليم يقصد به التحية للملكين أو للمأمومين أو للامام بنى على انها حكمة الحكم وان هذه الروايات ليست للتشريع أي ان مفادها ليس مفادا صناعيا للتشريع بل هذه من باب فلسفة وآداب الحكم والمصالح والمفاسد فهذه دعوى صاحب الجواهر واليزدي وجملة من الأعلام الذين تابعوا صاحب الجواهر وهذا هو أحد أدلة صاحب الجواهر في المسألة وله أدلة اخرى
وهذه أحدى الفوائد التي مرّت بنا في حكمة الحكم وهي مقولة قديمة من ان حكمة الحكم هي فقط فلسفة حكم واخلاق وآداب ولا يستفاد منها شيء
أما بالتدقيق صناعيا في أبواب عديدة لوحظ ان ارتكاز الفقهاء دال على ان حكمة الحكم ذات فوائد صناعية كثيرة وعلى هذا البيان الذي تقدم من الفوائد الخمسة أو الأكثر فنلخص الكلام بعبارة وهي:
انه على هذا البيان فان الروايات والآيات الواردة في حكم الأحكام وفلسفات تشريع الأحكام هي أيضا دلالات صناعية للتقنين لكن من نمط آخر فهناك جهات وحيثيات اخرى للتشريع والتقنين وهذه عبارة جامعة
وتوضيح ذلك ان التقنين الصناعي ليس فقط مجرد اطلاق وتقييد وعموم وخاص وانقلاب نسبة وماشابه ذلك بل ان التقنين له حيثيات عديدة فالمفاد الصناعي ذو حيثيات متعددة منها إباء العموم عن التقييد وهذه حيثية صناعية غير أصل العموم وهكذا وهن العموم فهو غير العموم
وعليه فهذه مقولة صناعية خاطئة قديمة قد أكل عليها الدهر وشرب من ان الروايات والآيات الواردة في فلسفات وأسرار الأحكام مفادها أخلاقي بحت بل كلها أدلة صناعية إنما تعالج حيثيات صناعية اخرى وعليه فكلها آيات أحكام من زوايا اخرى
وقد استدل جملة من الفقهاء ونعم هذا الاستدلال فقد استدلوا على انه يجوز رمي في الجمرات الطابق العلوي وقد استدلوا بروايات معتبرة وآردة في رمي آدم لابليس بأن آدم كان طوله ستون ذراعا وهو مايقارب ثلاثين مترا وهذا يعني الارتفاع الشاهق فاستدلوا على ان أصل التشريع فيه علو وكذا بالنسبة للطواف في الطابق الثاني فهذه الروايات لها دلالات صناعية على التشريع من زوايا اخرى
وهذا مبنى مهم وحساس في كل أبواب الفقه وهو ان الروايات التي تتعرض لفلسفة التشريع أو حكمة التشريع هل يستفاد منها مفاد صناعي أولا يستفاد منها مفاد صناعي؟
نقول نعم غاية الأمر في زوايا اخرى فهناك زوايا صناعية يتكفلها القسم الثاني وهناك زوايا صناعية يتكفلها القسم الأول