36/03/20
تحمیل
الموضوع:- الأحكام الشرعية
مجعولة بنحو القضية الحقيقية – مباحث الحكم.
بينما أجاب الشيخ العراقي(قده)[1]قائلاً:- إني استصحب الحرمة الفعليّة، بتقريب:- أنّ الحرمة وإن كانت مشروطة بالغليان ولكن الشرط هو لحاظ الغليان وحيث أنّه ثابتٌ عند الجعل فعلى هذا الأساس تكون الارادة التي هي عبارة أخرى عن الحكم متحقّقة بالفعل لتحقّق شرطها فالحرمة فعليّة بفعليّة شرطها فيجري استصحاب تلك الحرمة الفعليّة . هكذا وجّه الشيخ العراقي(قده) جريان الاستصحاب التعليقي، وهذا كما ترى ثمرة للاختلاف بين العلمين.
الثمرة الثالثة:- إنّه على رأي الشيخ العراقي(قده) يمكن التمسّك بالاطلاق ومقدّمات الحكمة لإثبات أنّ الأمر يقتضي الوجوب بالبيان التالي وذلك بأن يقال:- إنّ الفارق بين الوجوب والاستحباب هو أنّ الوجوب إرادةٌ شديدةٌ والاستحباب إرادةٌ ضعيفة[2].
ثم ذكر مقدّمة أخرى وهي أنّ شدّة الشيء هي من جنس الشيء فشدّة البياض مثلاً ما هي إلا زيادة في البياض يعني أنَّ ما به الامتياز عين ما به الاشتراك فيشتركان في البياض ويمتازان في البياض أيضاً، وهذا بخلاف الارادة الضعيفة فإن ضعف الارادة هو عدم مقدار من الارادة وعدم الارادة ليس نفس الارادة فما به الامتياز يختلف عمّا به الاشتراك.
وهناك مقدّمة ثالثة وهي أنّه إذا كان ما به الامتياز عين ما به الاشتراك فلا نحتاج إلا إلى دالٍ واحد يدلّ على الارادة إذ المفروض أنّ ما به الامتياز إرادةٌ أيضاً وما به الاشتراك إرادةٌ فنحتاج إلى دالٍّ واحدٍ يدلّ على الارادة، وهذا بخلافه فيما إذا فرض أنّ ما به الامتياز يختلف عمّا به الاشتراك فنحتاج إلى داليّن دالٌ على الارادة - أي ما به الاشتراك - ودالٌّ على ما به الامتياز لأنّ ما به الامتياز ليس ارادة . إذن في الوجوب الذي هو إرادة شديدة نكتفي بدالٍّ واحدٍ بينما في الاستحباب الذي هو إرادة ضعيفة نحتاج إلى دالّين.
وحيث إنّ الأمر - كالأمر بالصلاة أو الصوم أو غير ذلك - يدلّ على الارادة لا أكثر فيتعيّن أن يكون المقصود هو الوجوب لأنّ الوجوب بأجمعه إرادةٌ وارادة الاستحباب هي التي تحتاج إلى بيانٍ زائدٍ ودالٍّ آخر فعدم الدال الآخر وعدم البيان الزائد يثبت أنّ المقصود للمتكلم هو الوجوب.
وهل هذا البيان صحيح أو لا ؟ سيأتي ذلك في موضعه المناسب.
ولكن نريد أن نقول الآن:- إنَّ هذا البيان مبنيٌّ على تفسير الحكم والوجوب بالإرادة، أما على مبنى الشيخ النائيني(قده) فلا يأتي لأنّ الوجوب ليس إرادةً وإنما هو اعتبارٌ . إذن هذا البيان يتمّ على مبنى الشيخ العراقي حيث فسّر الحكم بالإرادة ولا يأتي على مبنى الشيخ النائيني الذي فسّر الحكم بالاعتبار.
هذه ثمرات عمليّة ثلاث بين هذين الرأيين.
وألفت النظر إلى قضيّةٍ:- وهي أنّ تلميذ الشيخ العراقي - وأعني السيد الحكيم(قده) - ممن تبنّى رأي أستاذه فلا حظ المستمسك[3] في مسألة أنّ الزبيب هل يحرم بالغليان، وهو لم يتعرّض إلى مسألة أنّ الحكم هو إرادة ويأخذ بالدفاع عنه وكأنّه أخذه شيئاً مفروغاً عنه، وإنما تعرّض إلى قضيّةٍ وهي أنه قال:- إنّ الشرط في حرمة الزبيب ليس هو الغليان الخارجي وإنما هو لحاظ الغليان، والوجه في ذلك إنّه لو كان الشرط هو الغليان الخارجي للزم التفكيك بين الجعل والمجعول فالجعل موجودٌ منذ فترةٍ طويلة والمجعول هو الآن حين الغليان الخارجي فيلزم التفكيك بين الجعل والمجعول وهذا شيء غير ممكن واستحالته أوضح من استحالة التفكيك بين العلة والمعلول، ولماذا أوضح ؟ باعتبار أنّ العلّة شيءٌ والمعلول شيءٌ آخر وربما يقال إنّه يمكن التفكيك بينهما ماداما شيئين، ولكن الجعل والمجعول هما واحدٌ حقيقةً والاختلاف بالاعتبار، فالجعل عين المجعول إلّا أنّ الجعل يُلحَظ من زاوية الصدور من الفاعل فيقال له جعلٌ بينما المجعول لا يلحظ فيه ذلك، من قبيل الكسر والانكسار - وهذا المثال منّي هو لم يذكره - فهما واحدٌ حقيقةً والفارق بالاعتبار فالكسر فعلٌ للفاعل والانكسار هو نتيجة الكسر، فالكسر مصدرٌ والانكسار بنتيجة المصدر - يعني أشبه باسم المصدر - وهذا فارقٌ اعتباريٌّ وإلّا فلا يوجد شيآن في الخارج حقيقةً، والجعل والمجعول من هذا القبيل، فعلى هذا الأساس لو انفك المجعول عن الجعل يلزم انفكاك الشيء عن نفسه فيلزم اجتماع المتناقضين الوجود والعدم أو تفكيك الشيء عن نفسه.
ونعود إلى الشيخ العراقي(قده) ونقول:- إنّه أفاد مطلبين:-
المطلب الأوّل:- إن الحكم عبارة عن الارادة.
المطلب الثاني:- إنّ شرط فعليّة الارادة هو لحاظ الشرط دون الوجود الخارجي.
أما بالنسبة إلى المطلب الاّول:- فلم يستدلّ له بدليلٍ وإنما ذكرها كدعوى وسلّمها، ونحن سوف نتعرّض إلى هذه القضيّة فيما بعد.
وأمّا بالنسبة إلى المطلب الثاني:- فيمكن أن نحصّل له من كلماته بيانين، وإذا ضممنا بيان السيد الحكيم(قده) صار المجموع ثلاثة، وهي كالتالي:-
البيان الأوّل:- أن يقال إنّ الارادة أمرٌ نفسيٌّ وشرط الامر النفسي يلزم أن يكون نفسياً ولا يمكن أن يكون خارجياً وإلا يلزم أن يكون وجود ما في النفس في الخارج أو أنّ الخارج يدخل في النفس، فإذن يتعيّن أن يكون شرط الارادة بعد كونها أمراً نفسياً هو الوجود الذهني دون الوجود الخارجي.
البيان الثاني:- إنّ الشخص يشتغل في تحصيل مقدّمات المراد قبل تحقّق الوجود الخارجي للشرط، فإرادتنا للطعام مشروطةٌ بالجوع ولكن الجوع يحصل ظهراً مثلاً فالوجود الخارجي للجوع هو ظهراً ولكننا نهيئ الطعام من الآن - أي صباحاً - فلو كان شرط الارادة هو الوجود الخارجي للجوع يلزم أن لا توجد إرادة الآن ومادام لا توجد إرادة كيف نرتّب المقدّمات من الآن ونشتغل بها ؟!! إنّ الاشتغال بالمقدّمات كاشفٌ عن وجود الارادة قبل تحقّق الشرط بوجوده الخارجي.
البيان الثالث:- وهو ما ذكره السيد الحكيم(قده) قبل قليل.
هذا كلّه بيانٌ وتوضيحٌ لما أفاده العلمان في هذه القضيّة.
وفي تحقيق الحال نتكلم في نقطتين:-
النقطة الأولى:- هل الاعتبار الذي ذهب إليه الشيخ النائيني يقصد به أنّه شيءٌ ضروريٌّ في الحكم أو ليس بضروري وإنما يقصد به أنّ واقع الحال كذلك، يعني يريد أن يقول إن واقع الحال هو أنّ الاحكام هي اعتباراتٌ أمّا أنّ الاعتبار هو شيءٌ واقعٌ في الحكم فلا أريد أن أقوله ولا أريد أن ادّعي الضرورة وإنما أريد أن أدّعي أن واقع الحال ذلك يعني أنّه في مرحلة الوقوع الحكم عادةً هو اعتبارٌ، فهل مقصوده هو الأوّل أو الثاني ؟
بينما أجاب الشيخ العراقي(قده)[1]قائلاً:- إني استصحب الحرمة الفعليّة، بتقريب:- أنّ الحرمة وإن كانت مشروطة بالغليان ولكن الشرط هو لحاظ الغليان وحيث أنّه ثابتٌ عند الجعل فعلى هذا الأساس تكون الارادة التي هي عبارة أخرى عن الحكم متحقّقة بالفعل لتحقّق شرطها فالحرمة فعليّة بفعليّة شرطها فيجري استصحاب تلك الحرمة الفعليّة . هكذا وجّه الشيخ العراقي(قده) جريان الاستصحاب التعليقي، وهذا كما ترى ثمرة للاختلاف بين العلمين.
الثمرة الثالثة:- إنّه على رأي الشيخ العراقي(قده) يمكن التمسّك بالاطلاق ومقدّمات الحكمة لإثبات أنّ الأمر يقتضي الوجوب بالبيان التالي وذلك بأن يقال:- إنّ الفارق بين الوجوب والاستحباب هو أنّ الوجوب إرادةٌ شديدةٌ والاستحباب إرادةٌ ضعيفة[2].
ثم ذكر مقدّمة أخرى وهي أنّ شدّة الشيء هي من جنس الشيء فشدّة البياض مثلاً ما هي إلا زيادة في البياض يعني أنَّ ما به الامتياز عين ما به الاشتراك فيشتركان في البياض ويمتازان في البياض أيضاً، وهذا بخلاف الارادة الضعيفة فإن ضعف الارادة هو عدم مقدار من الارادة وعدم الارادة ليس نفس الارادة فما به الامتياز يختلف عمّا به الاشتراك.
وهناك مقدّمة ثالثة وهي أنّه إذا كان ما به الامتياز عين ما به الاشتراك فلا نحتاج إلا إلى دالٍ واحد يدلّ على الارادة إذ المفروض أنّ ما به الامتياز إرادةٌ أيضاً وما به الاشتراك إرادةٌ فنحتاج إلى دالٍّ واحدٍ يدلّ على الارادة، وهذا بخلافه فيما إذا فرض أنّ ما به الامتياز يختلف عمّا به الاشتراك فنحتاج إلى داليّن دالٌ على الارادة - أي ما به الاشتراك - ودالٌّ على ما به الامتياز لأنّ ما به الامتياز ليس ارادة . إذن في الوجوب الذي هو إرادة شديدة نكتفي بدالٍّ واحدٍ بينما في الاستحباب الذي هو إرادة ضعيفة نحتاج إلى دالّين.
وحيث إنّ الأمر - كالأمر بالصلاة أو الصوم أو غير ذلك - يدلّ على الارادة لا أكثر فيتعيّن أن يكون المقصود هو الوجوب لأنّ الوجوب بأجمعه إرادةٌ وارادة الاستحباب هي التي تحتاج إلى بيانٍ زائدٍ ودالٍّ آخر فعدم الدال الآخر وعدم البيان الزائد يثبت أنّ المقصود للمتكلم هو الوجوب.
وهل هذا البيان صحيح أو لا ؟ سيأتي ذلك في موضعه المناسب.
ولكن نريد أن نقول الآن:- إنَّ هذا البيان مبنيٌّ على تفسير الحكم والوجوب بالإرادة، أما على مبنى الشيخ النائيني(قده) فلا يأتي لأنّ الوجوب ليس إرادةً وإنما هو اعتبارٌ . إذن هذا البيان يتمّ على مبنى الشيخ العراقي حيث فسّر الحكم بالإرادة ولا يأتي على مبنى الشيخ النائيني الذي فسّر الحكم بالاعتبار.
هذه ثمرات عمليّة ثلاث بين هذين الرأيين.
وألفت النظر إلى قضيّةٍ:- وهي أنّ تلميذ الشيخ العراقي - وأعني السيد الحكيم(قده) - ممن تبنّى رأي أستاذه فلا حظ المستمسك[3] في مسألة أنّ الزبيب هل يحرم بالغليان، وهو لم يتعرّض إلى مسألة أنّ الحكم هو إرادة ويأخذ بالدفاع عنه وكأنّه أخذه شيئاً مفروغاً عنه، وإنما تعرّض إلى قضيّةٍ وهي أنه قال:- إنّ الشرط في حرمة الزبيب ليس هو الغليان الخارجي وإنما هو لحاظ الغليان، والوجه في ذلك إنّه لو كان الشرط هو الغليان الخارجي للزم التفكيك بين الجعل والمجعول فالجعل موجودٌ منذ فترةٍ طويلة والمجعول هو الآن حين الغليان الخارجي فيلزم التفكيك بين الجعل والمجعول وهذا شيء غير ممكن واستحالته أوضح من استحالة التفكيك بين العلة والمعلول، ولماذا أوضح ؟ باعتبار أنّ العلّة شيءٌ والمعلول شيءٌ آخر وربما يقال إنّه يمكن التفكيك بينهما ماداما شيئين، ولكن الجعل والمجعول هما واحدٌ حقيقةً والاختلاف بالاعتبار، فالجعل عين المجعول إلّا أنّ الجعل يُلحَظ من زاوية الصدور من الفاعل فيقال له جعلٌ بينما المجعول لا يلحظ فيه ذلك، من قبيل الكسر والانكسار - وهذا المثال منّي هو لم يذكره - فهما واحدٌ حقيقةً والفارق بالاعتبار فالكسر فعلٌ للفاعل والانكسار هو نتيجة الكسر، فالكسر مصدرٌ والانكسار بنتيجة المصدر - يعني أشبه باسم المصدر - وهذا فارقٌ اعتباريٌّ وإلّا فلا يوجد شيآن في الخارج حقيقةً، والجعل والمجعول من هذا القبيل، فعلى هذا الأساس لو انفك المجعول عن الجعل يلزم انفكاك الشيء عن نفسه فيلزم اجتماع المتناقضين الوجود والعدم أو تفكيك الشيء عن نفسه.
ونعود إلى الشيخ العراقي(قده) ونقول:- إنّه أفاد مطلبين:-
المطلب الأوّل:- إن الحكم عبارة عن الارادة.
المطلب الثاني:- إنّ شرط فعليّة الارادة هو لحاظ الشرط دون الوجود الخارجي.
أما بالنسبة إلى المطلب الاّول:- فلم يستدلّ له بدليلٍ وإنما ذكرها كدعوى وسلّمها، ونحن سوف نتعرّض إلى هذه القضيّة فيما بعد.
وأمّا بالنسبة إلى المطلب الثاني:- فيمكن أن نحصّل له من كلماته بيانين، وإذا ضممنا بيان السيد الحكيم(قده) صار المجموع ثلاثة، وهي كالتالي:-
البيان الأوّل:- أن يقال إنّ الارادة أمرٌ نفسيٌّ وشرط الامر النفسي يلزم أن يكون نفسياً ولا يمكن أن يكون خارجياً وإلا يلزم أن يكون وجود ما في النفس في الخارج أو أنّ الخارج يدخل في النفس، فإذن يتعيّن أن يكون شرط الارادة بعد كونها أمراً نفسياً هو الوجود الذهني دون الوجود الخارجي.
البيان الثاني:- إنّ الشخص يشتغل في تحصيل مقدّمات المراد قبل تحقّق الوجود الخارجي للشرط، فإرادتنا للطعام مشروطةٌ بالجوع ولكن الجوع يحصل ظهراً مثلاً فالوجود الخارجي للجوع هو ظهراً ولكننا نهيئ الطعام من الآن - أي صباحاً - فلو كان شرط الارادة هو الوجود الخارجي للجوع يلزم أن لا توجد إرادة الآن ومادام لا توجد إرادة كيف نرتّب المقدّمات من الآن ونشتغل بها ؟!! إنّ الاشتغال بالمقدّمات كاشفٌ عن وجود الارادة قبل تحقّق الشرط بوجوده الخارجي.
البيان الثالث:- وهو ما ذكره السيد الحكيم(قده) قبل قليل.
هذا كلّه بيانٌ وتوضيحٌ لما أفاده العلمان في هذه القضيّة.
وفي تحقيق الحال نتكلم في نقطتين:-
النقطة الأولى:- هل الاعتبار الذي ذهب إليه الشيخ النائيني يقصد به أنّه شيءٌ ضروريٌّ في الحكم أو ليس بضروري وإنما يقصد به أنّ واقع الحال كذلك، يعني يريد أن يقول إن واقع الحال هو أنّ الاحكام هي اعتباراتٌ أمّا أنّ الاعتبار هو شيءٌ واقعٌ في الحكم فلا أريد أن أقوله ولا أريد أن ادّعي الضرورة وإنما أريد أن أدّعي أن واقع الحال ذلك يعني أنّه في مرحلة الوقوع الحكم عادةً هو اعتبارٌ، فهل مقصوده هو الأوّل أو الثاني ؟