36/03/28
تحمیل
الموضوع:- هل الأحكام الوضعية
مجعولة ؟ – مباحث الحكم.
ولماذا هذه ليست مجعولة بالجعل الاستقلالي ولا الانتزاعي ؟
ذكر(قده) في توجيه ذلك:- أنّ سببيّة الزوال هي في الحقيقة ناشئة من خصوصيّةٍ في الزوال يعرفها الله عزّ وجل ونحن نجهلها فلأجل تلك الخصوصيّة صار الزوال سبباً لوجوب صلاة الظهر، ولكن لماذا يلزم أن نفترض وجود خصوصيّة ؟ قال:- إنّ الوجه ذلك هو أنّه إذا لم تكن هناك خصوصيّة يلزم إمكان صدور كلّ شيءٍ من كلّ شيءٍ فيمكن أن تصدر الحرارة من الثلج وهذا غير يمكنٍ فلابد من وجود خصوصيّةٍ في الثلج ليعطي البرودة ولا يعطي الحرارة، وهنا الأمر كذلك أيضاً فيلزم وجود خصوصيّة في الزوال لأجلها وجبت صلاة الظهر عند الزوال وتلك الخصوصيّة هي السبب، وهذه الخصوصيّة لا يمكن أن تكون مجعولةً بالجعل الاستقلالي كما لا يمكن أن تكون منتزعةً من الحكم التكليفي.
أمّا أنها لا يمكن أن تكون مجعولةً فلأنّ هذه خصوصيّة تكوينيّة والجعل التشريعي لا يُحصِّل أمراً تكوينياً ونحن فرضنا أنَّ هذه الخصوصيّة تكوينيّة وليست اعتباريّة حتى تكون قابلة للجعل.
وأمّا أنها ليست بقابلة للانتزاع من الحكم التكليفي فإنّ لازم كونها منتزعة منه هو أنّ الحكم التكليفي يحصل أوّلاً ثم بعد ذلك تحصل السببيّة والسبب فيلزم تقدّم المسبَّب على السبب وهو مستحيل.
إذن هذه الخصوصيّة - التي هي السببيّة - ليست مجعولةً بالاستقلال وليست منتزعةً وإنما هي مجعولٌ تكوينيٌّ بالعَرَض، يعني أنَّ المورد من قبيل الشخص الذي يُوجِدُ أربع تفّاحاتٍ على الأرض فهو قد أوجد الأربعة تكويناً كما أنّه أوجد الزوجيّة بالعرض، فالمجعول التكويني ابتداءً هو الأربعة وأمّا الزوجيّة فبالعرض، فهو قد جعلها تكويناً لكن لا مباشرةً بل ثانياً وبالعرض، ومقامنا من هذا القبيل فإن الله عزّ وجلّ قد خلق الزوال وجعله بالجعل التكويني وبالعرض جعل وأوجد تلك الخصوصيّة، فتلك الخصوصيّة لم يجعلها ابتداءً وإنما جعلها ثانياً وبالعرض بسبب جعل وإيجاد الزوال.
وفيه:- إنّا نوافقه فيما أفاده في القسمين الآخرين ولا إشكال، وإنما الكلام فيما أفاده في هذا القسم، بمعنى أنّنا نسلّم أنّه لابدّ من وجود خصوصيّة في الزوال لأجلها أوجب الله عزّ وجلّ صلاة الظهر عند الزوال ولكن نقول إنَّ كلامنا هو في السببيّة الشرعيّة وهي لا تتحقّق بمجرّد وجود تلك الخصوصيّة بل لابدّ وأن يجعل لها الشرع السببيّة - إمّا بالجعل الاستقلالي أو الانتزاعي وهذا غير مهمّ - ومن دون ذلك لا تتحقّق السببيّة، نعم هناك شيءٌ تكوينيٌّ وهي تلك الخصوصيّة ولكن ليست وحدها هي السبب والسببيّة فإنها لا تتحقّق بذلك وإلا سوف يلزم أنّ لا تكون الأمور بيد الله تعالى ولا يكون مختاراً في جعل وجوب الصلاة عند الزوال باعتبار أنّ هذه السببيّة سببيّة تكوينيّة فتتحقّق بشكلٍ قهري.
إذن الصحيح هو أنّ هذه الخصوصيّة موجودةٌ والله عزّ وجلّ يجعل الوجوب عند تحقّق الزوال لأجل هذه الخصوصيّة ونحن ننتزع من جعل الوجوب عند الزوال ونقول ( إذن الزوال سببٌ )، إنّ هذه سببيّة انتزاعيّة وهي شرعيّةٌ بشكلٍ من الأشكال.
ثمرة البحث:-
قد يسأل ويقال:- ما هي الثمرة العمليّة لهذا البحث - أعني أنّ الأحكام الوضعيّة هل هي مجعولةٌ أو ليست مجعولةً -؟
والجواب:-
قد يقال في بيان الثمرة:- أنّه بناءً على كون جزئيّة السورة مثلاً مجعولةً فنتمكن أن نطبّق حديث الرفع على الحكم الوضعي ونرفع الجزئيّة، أمّا إذا قلنا بأنّها ليست مجعولةً فلا يمكن تطبيق الحديث عليها فإنَّ الحديث يرفع ما جعله الشرع أمّا الشيء الذي لم يجعله فلا معنى لأن يتدخّل في رفعه بخلافه بناءً على أنّهما مجعولان فإنّه يمكن ذلك.
وقد يقال في الجواب عن هذه الثمرة:- بأنّ هذه الثمرة في حكم العدم إذ بناءً على أنّ الجزئية ليست مجعولةً نسلّم أنّه لا يمكن آنذاك رفعها بتطبيق حديث الرفع عليها ولكن يمكن تطبيق حديث الرفع بملاحظة البديل وذلك بأن نتوجّه إلى منشأ الانتزاع - أعني الوجوب التكليفي - فنقول نحن نشكّ هل الوجوب النفسي تعلّق بالعشرة التي أحدها السورة ؟ فنرفع الوجوب النفسي المتعلّق بالعشرة فإنّه مشكوكٌ.
وقد يقال في بيان الثمرة:- إنّه إذا كانت الجزئيّة أو الشرطيّة مجعولةً فيمكن تطبيق الحديث على أيّ واحدٍ منهما - أي على الأمر الانتزاعي ومنشأ الانتزاع - فيمكن تطبيقها على نفس الجزئيّة وعلى الحكم التكليفي والفقيه يكون مخيّراً بين الأمرين، أمّا بناءً على أنّها ليست مجعولةً فلا يكون الفقيه بالخيار بل يتعيّن عليه تطبيق الحديث على الحكم التكليفي فقط وليس له الحقّ في أن يطبّقه على الجزئية أو الشرطيّة المشكوكة.
ولماذا هذه ليست مجعولة بالجعل الاستقلالي ولا الانتزاعي ؟
ذكر(قده) في توجيه ذلك:- أنّ سببيّة الزوال هي في الحقيقة ناشئة من خصوصيّةٍ في الزوال يعرفها الله عزّ وجل ونحن نجهلها فلأجل تلك الخصوصيّة صار الزوال سبباً لوجوب صلاة الظهر، ولكن لماذا يلزم أن نفترض وجود خصوصيّة ؟ قال:- إنّ الوجه ذلك هو أنّه إذا لم تكن هناك خصوصيّة يلزم إمكان صدور كلّ شيءٍ من كلّ شيءٍ فيمكن أن تصدر الحرارة من الثلج وهذا غير يمكنٍ فلابد من وجود خصوصيّةٍ في الثلج ليعطي البرودة ولا يعطي الحرارة، وهنا الأمر كذلك أيضاً فيلزم وجود خصوصيّة في الزوال لأجلها وجبت صلاة الظهر عند الزوال وتلك الخصوصيّة هي السبب، وهذه الخصوصيّة لا يمكن أن تكون مجعولةً بالجعل الاستقلالي كما لا يمكن أن تكون منتزعةً من الحكم التكليفي.
أمّا أنها لا يمكن أن تكون مجعولةً فلأنّ هذه خصوصيّة تكوينيّة والجعل التشريعي لا يُحصِّل أمراً تكوينياً ونحن فرضنا أنَّ هذه الخصوصيّة تكوينيّة وليست اعتباريّة حتى تكون قابلة للجعل.
وأمّا أنها ليست بقابلة للانتزاع من الحكم التكليفي فإنّ لازم كونها منتزعة منه هو أنّ الحكم التكليفي يحصل أوّلاً ثم بعد ذلك تحصل السببيّة والسبب فيلزم تقدّم المسبَّب على السبب وهو مستحيل.
إذن هذه الخصوصيّة - التي هي السببيّة - ليست مجعولةً بالاستقلال وليست منتزعةً وإنما هي مجعولٌ تكوينيٌّ بالعَرَض، يعني أنَّ المورد من قبيل الشخص الذي يُوجِدُ أربع تفّاحاتٍ على الأرض فهو قد أوجد الأربعة تكويناً كما أنّه أوجد الزوجيّة بالعرض، فالمجعول التكويني ابتداءً هو الأربعة وأمّا الزوجيّة فبالعرض، فهو قد جعلها تكويناً لكن لا مباشرةً بل ثانياً وبالعرض، ومقامنا من هذا القبيل فإن الله عزّ وجلّ قد خلق الزوال وجعله بالجعل التكويني وبالعرض جعل وأوجد تلك الخصوصيّة، فتلك الخصوصيّة لم يجعلها ابتداءً وإنما جعلها ثانياً وبالعرض بسبب جعل وإيجاد الزوال.
وفيه:- إنّا نوافقه فيما أفاده في القسمين الآخرين ولا إشكال، وإنما الكلام فيما أفاده في هذا القسم، بمعنى أنّنا نسلّم أنّه لابدّ من وجود خصوصيّة في الزوال لأجلها أوجب الله عزّ وجلّ صلاة الظهر عند الزوال ولكن نقول إنَّ كلامنا هو في السببيّة الشرعيّة وهي لا تتحقّق بمجرّد وجود تلك الخصوصيّة بل لابدّ وأن يجعل لها الشرع السببيّة - إمّا بالجعل الاستقلالي أو الانتزاعي وهذا غير مهمّ - ومن دون ذلك لا تتحقّق السببيّة، نعم هناك شيءٌ تكوينيٌّ وهي تلك الخصوصيّة ولكن ليست وحدها هي السبب والسببيّة فإنها لا تتحقّق بذلك وإلا سوف يلزم أنّ لا تكون الأمور بيد الله تعالى ولا يكون مختاراً في جعل وجوب الصلاة عند الزوال باعتبار أنّ هذه السببيّة سببيّة تكوينيّة فتتحقّق بشكلٍ قهري.
إذن الصحيح هو أنّ هذه الخصوصيّة موجودةٌ والله عزّ وجلّ يجعل الوجوب عند تحقّق الزوال لأجل هذه الخصوصيّة ونحن ننتزع من جعل الوجوب عند الزوال ونقول ( إذن الزوال سببٌ )، إنّ هذه سببيّة انتزاعيّة وهي شرعيّةٌ بشكلٍ من الأشكال.
ثمرة البحث:-
قد يسأل ويقال:- ما هي الثمرة العمليّة لهذا البحث - أعني أنّ الأحكام الوضعيّة هل هي مجعولةٌ أو ليست مجعولةً -؟
والجواب:-
قد يقال في بيان الثمرة:- أنّه بناءً على كون جزئيّة السورة مثلاً مجعولةً فنتمكن أن نطبّق حديث الرفع على الحكم الوضعي ونرفع الجزئيّة، أمّا إذا قلنا بأنّها ليست مجعولةً فلا يمكن تطبيق الحديث عليها فإنَّ الحديث يرفع ما جعله الشرع أمّا الشيء الذي لم يجعله فلا معنى لأن يتدخّل في رفعه بخلافه بناءً على أنّهما مجعولان فإنّه يمكن ذلك.
وقد يقال في الجواب عن هذه الثمرة:- بأنّ هذه الثمرة في حكم العدم إذ بناءً على أنّ الجزئية ليست مجعولةً نسلّم أنّه لا يمكن آنذاك رفعها بتطبيق حديث الرفع عليها ولكن يمكن تطبيق حديث الرفع بملاحظة البديل وذلك بأن نتوجّه إلى منشأ الانتزاع - أعني الوجوب التكليفي - فنقول نحن نشكّ هل الوجوب النفسي تعلّق بالعشرة التي أحدها السورة ؟ فنرفع الوجوب النفسي المتعلّق بالعشرة فإنّه مشكوكٌ.
وقد يقال في بيان الثمرة:- إنّه إذا كانت الجزئيّة أو الشرطيّة مجعولةً فيمكن تطبيق الحديث على أيّ واحدٍ منهما - أي على الأمر الانتزاعي ومنشأ الانتزاع - فيمكن تطبيقها على نفس الجزئيّة وعلى الحكم التكليفي والفقيه يكون مخيّراً بين الأمرين، أمّا بناءً على أنّها ليست مجعولةً فلا يكون الفقيه بالخيار بل يتعيّن عليه تطبيق الحديث على الحكم التكليفي فقط وليس له الحقّ في أن يطبّقه على الجزئية أو الشرطيّة المشكوكة.