36/04/28
تحمیل
الموضوع:- شمولية
التشريع - مباحث الحكم.
وتوجد تتمة للقضيّة العقلية التي بينتها:- قلنا إنّ العقل يحكم بأن التشريع شاملٌ بعد ملاحظة ثلاث مقدّمات وهي أنّ الله عزّ وجلّ مطلعٌ على جميع الوقائع، وأنّه يعرف كلّ الملاكات، ولا يوجد مانعٌ يمنعه من جعل الحكم، ولكن هل تكفي هذه مقدمات لضرورة شموليّة التشريع ؟ كلّا بل لابد من ضمّ مقدّمةٍ رابعةٍ وهي أنّ الله عزّ وجلّ يفعل على طبق ما تقتضيه المصلحة من باب اللطف، فإنّه لطيف بعباده فيعمل ما تقتضيه المصلحة فيرسل الأنبياء ويجعل الأئمة والأوصياء وغير ذلك من باب اللطف، وهنا لابد من إضافة هذه المقدّمة لأنّه لو لم نضفها فأقصى ما يلزم هو أنّه يمكن أن يشرّع وييمكن أن لا يشرّع فإنّ الأمر بيده فإنه قد يترك التشريع فلا تثبت الضرورة، وإنما تثبت الضرورة فيما إذا قلنا بأنّ الله عزّ وجلّ عند وجود المقتضي وفقدان المانع يلزم أن يفعل بمقتضى لطفه، فإن بنينا على هذا فسوف تثبت حينئذٍ ضروريّة الشموليّة أمّا إذا غضضنا النظر عن ذلك فأقصى ما يثبت هو الإمكان.
ثم بعد أن ثبتت شموليّة التشريع لجميع مجالات الحياة نقول:-
أوّلاً:- إنَّ هذا لا ينافي نصب الأحكام الظاهرية، فلا يقولنّ قائلٌ إنّه مادام قد شرّع أحكماً واقعيّة لجميع الوقائع فلا يعود مجالٌ آنذاك لتشريع الأحكام الظهرية.
إذ نقول:- إنّ هذا الكلام لا يأتي باعتبار أنّه قد يخفى الحكم الواقعي على المكلّف فماذا يصنع حينئذٍ ؟ إنّه يحتاج هنا إلى تشريعٍ ليبيّن له إنّه إذا اختفى عليك الحكم الواقعي واحتملت الحرمة الواقعيّة مثلاً فعليك بمقتضى الوظيفة الظاهرية الاحتياط مثلاً أو من حقّك أن تجري البراءة.
إذن جعل أحكام ظاهريّة شيء مناسب أيضاً رغم وجود أحكام واقعيّة في جميع الوقائع.
ثانياً:- ما ذكرناه من الشموليّة لا يتنافى مع وجود منطقة الفراغ، وسوف نتكلّم عن منطقة الفراغ فيما بعد تحت عنوان مستقل، ولكن نشير الآن إلى ذلك إشارة لا أكثر فنقول إنَّ الشرع ترك للحاكم الاسلامي مساحةً يملؤها حسب ما تملي عليه العناوين اللثانويّة، فاحتكار سلعةٍ معيّنة كالسكّر هل هو جائزٌ أو لا ؟ إنّ الشرع يترك هذا للحاكم الاسلامي فقد يرى الحاكم الاسلامي في ظرفٍ تحريم الاحتكار لأنّه سوف يؤدي إلى اختلال حياة الناس فبالعنوان الثانوي يمنع منه، أو قد يمنع من تصدير بعض السلع المعيّنة إذا كانت تؤثر على الناس سلباً، أو يمنع من استيراد بعض السلع إذا كانت تؤثر أيضاً على حياة الناس واقتصادهم، وقد يفرض المنع من مخالفة النظام فالدولة مثلاً تعطي ماءً وكهرباءً وقد يقول قائل إنّ الماءء من المباحات العامّة ولو خلّينا نحن والقاعدة العامة فهي تقتضي الجواز فإنّه لا يوجد طرفٌ شخصيٌّ نتعامل معه حتى يكون ذلك ملزِما لنا من باب البيع أو الإجارة أو غير ذلك، ولكن رغم هذا يوجد حقّ للحاكم الإسلامي في أن يمنع من هذا ويقول لا بد لكلّ شخصٍ أن يدفع أجرةً كما هو المقرّر حفاظاً على نظام الحياة.
ولا يوقلن قائل:- أنتم التزمتم بأنّ التشريع شاملٌ فكيف تلتزمون الآن بوجود منطقة فراغ فإنّ هذا تافٍ ومعناه أنّ الاسلام في أنظمته وأحكامه لا توجد له شموليّة في جميع مجالات الحياة بل هذا نقصٌ فيه حيث لم يشرّع أحكاماً في بعض المساحات ؟!
قلت:- سوف يأتينا أنّه بالتالي قد أعطى زمام التشريع في هذا المجال إلى الحاكم الاسلامي وهذا لا يعدّ سلبيّة بل يعدُّ ايجابيّة لأنّه أعطى مرونةً وتجاوباً مع الحياة، فالذين يقولون إنَّ الإسلام لا يمكنه التجاوب مع الحياة فنقول له كلّا بل هو يتجاوب معها لأنّه أعطى مرونةً.
ولا يتنافى أيضاً مع قانوان ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم ﴾ فإنّ الإكمال قد تحقّق بنصب الأئمة عليهم السلام ومن ثم الفقهاء وجعل زمام ملئ منطقة الفراغ بيد الإمام ومن ثم بيد الفقيه وهذا لا يتنافى مع الإكمال، فالإكمال قد تحقّق وكمُل من خلال هذا الجعل، وسوف نترك هذا الكلام إلى محلّة، والذي أردت أن أبيّنه هنا هو أنّ الشموليّة التي نقول بها لا تتنافى مع وجود منطلقة الفراغ التي يملأها الحاكم الاسلامي.
الثالث:- ما ذكرناه لا يتنافى مع عدم تشريع حكمٍ فيما إذا كان العقل حاكماً كما في مقدّمة الواجب فقد وقع كلام فيها وهل هي واجبة أو لا ؟ إنّها بعنوانها الأوّلي قد شرع الله عزّ وجلّ لها حكماً، فالسفر بعنوانه الأوّلي قد شرّع الله عزّ وجلّ له حكماً فقال ( سيروا في الأرض ) ولكن لأجل مقدّمة الواجب هل يحكم الشرع بالوجوب - وهذا هو الخلاف الذي وقع بين الأصوليين - ؟ فهناك وجوبٌ عقليٌّ بمعنى اللابديّة العقليّة ويمكن لقائل أن يقول إنّه بعد أن كانت لابديّة عقليّة وأنّ الحجّ مثلاً لا يمكن أن يتحقّق إلا بالسفر فما الحاجة إلى أن يحكم الشرع بوجوب السفر بل يكتفي بحكم العقل ؟!! فعلى هذا الأساس عدم حكم الشارع في هذا المورد لا يتنافى مع الشموليّة إذ الشارع في هذا المورد قد اكتفى بحكم العقل.
ومن هذا القبيل أيضاً مسألة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع، فإنّ هناك كلاماً في أنّ العقل إذا حكم بشيءٍ هل يلزم أن يحكم الشرع على طبق حكمه أو لا ؟ قال البعض نعم وقال البعض لا، ويمكن لقائلٍ أن يقول لا يلزم أن يحكم فإنّه بعد حكم العقل يكتفي الشرع بحكم القعل ولا داعي إلى أن يحكم وعدم حكمه لا يتنافى مع الشموليّة التي ندّعيها فهي ثابتةٌ في موردٍ لا يوجد فيه من يتصدّى للحكم لو لم يحكم الشرع أمّا بعد أن تصدّى العقل وكان صالحاً لأن يدفع المكلف نحو العمل أو نحو ترك الشيء فمن حقّ الشارع أن يكتفي بحكمه من دون حاجةٍ إلى أن يصدر حكماً في هذا المجال . إذن عدم صدور الحكم في هذا المجال لا يتنافى ايضاً مع الشموليّة.
وتوجد تتمة للقضيّة العقلية التي بينتها:- قلنا إنّ العقل يحكم بأن التشريع شاملٌ بعد ملاحظة ثلاث مقدّمات وهي أنّ الله عزّ وجلّ مطلعٌ على جميع الوقائع، وأنّه يعرف كلّ الملاكات، ولا يوجد مانعٌ يمنعه من جعل الحكم، ولكن هل تكفي هذه مقدمات لضرورة شموليّة التشريع ؟ كلّا بل لابد من ضمّ مقدّمةٍ رابعةٍ وهي أنّ الله عزّ وجلّ يفعل على طبق ما تقتضيه المصلحة من باب اللطف، فإنّه لطيف بعباده فيعمل ما تقتضيه المصلحة فيرسل الأنبياء ويجعل الأئمة والأوصياء وغير ذلك من باب اللطف، وهنا لابد من إضافة هذه المقدّمة لأنّه لو لم نضفها فأقصى ما يلزم هو أنّه يمكن أن يشرّع وييمكن أن لا يشرّع فإنّ الأمر بيده فإنه قد يترك التشريع فلا تثبت الضرورة، وإنما تثبت الضرورة فيما إذا قلنا بأنّ الله عزّ وجلّ عند وجود المقتضي وفقدان المانع يلزم أن يفعل بمقتضى لطفه، فإن بنينا على هذا فسوف تثبت حينئذٍ ضروريّة الشموليّة أمّا إذا غضضنا النظر عن ذلك فأقصى ما يثبت هو الإمكان.
ثم بعد أن ثبتت شموليّة التشريع لجميع مجالات الحياة نقول:-
أوّلاً:- إنَّ هذا لا ينافي نصب الأحكام الظاهرية، فلا يقولنّ قائلٌ إنّه مادام قد شرّع أحكماً واقعيّة لجميع الوقائع فلا يعود مجالٌ آنذاك لتشريع الأحكام الظهرية.
إذ نقول:- إنّ هذا الكلام لا يأتي باعتبار أنّه قد يخفى الحكم الواقعي على المكلّف فماذا يصنع حينئذٍ ؟ إنّه يحتاج هنا إلى تشريعٍ ليبيّن له إنّه إذا اختفى عليك الحكم الواقعي واحتملت الحرمة الواقعيّة مثلاً فعليك بمقتضى الوظيفة الظاهرية الاحتياط مثلاً أو من حقّك أن تجري البراءة.
إذن جعل أحكام ظاهريّة شيء مناسب أيضاً رغم وجود أحكام واقعيّة في جميع الوقائع.
ثانياً:- ما ذكرناه من الشموليّة لا يتنافى مع وجود منطقة الفراغ، وسوف نتكلّم عن منطقة الفراغ فيما بعد تحت عنوان مستقل، ولكن نشير الآن إلى ذلك إشارة لا أكثر فنقول إنَّ الشرع ترك للحاكم الاسلامي مساحةً يملؤها حسب ما تملي عليه العناوين اللثانويّة، فاحتكار سلعةٍ معيّنة كالسكّر هل هو جائزٌ أو لا ؟ إنّ الشرع يترك هذا للحاكم الاسلامي فقد يرى الحاكم الاسلامي في ظرفٍ تحريم الاحتكار لأنّه سوف يؤدي إلى اختلال حياة الناس فبالعنوان الثانوي يمنع منه، أو قد يمنع من تصدير بعض السلع المعيّنة إذا كانت تؤثر على الناس سلباً، أو يمنع من استيراد بعض السلع إذا كانت تؤثر أيضاً على حياة الناس واقتصادهم، وقد يفرض المنع من مخالفة النظام فالدولة مثلاً تعطي ماءً وكهرباءً وقد يقول قائل إنّ الماءء من المباحات العامّة ولو خلّينا نحن والقاعدة العامة فهي تقتضي الجواز فإنّه لا يوجد طرفٌ شخصيٌّ نتعامل معه حتى يكون ذلك ملزِما لنا من باب البيع أو الإجارة أو غير ذلك، ولكن رغم هذا يوجد حقّ للحاكم الإسلامي في أن يمنع من هذا ويقول لا بد لكلّ شخصٍ أن يدفع أجرةً كما هو المقرّر حفاظاً على نظام الحياة.
ولا يوقلن قائل:- أنتم التزمتم بأنّ التشريع شاملٌ فكيف تلتزمون الآن بوجود منطقة فراغ فإنّ هذا تافٍ ومعناه أنّ الاسلام في أنظمته وأحكامه لا توجد له شموليّة في جميع مجالات الحياة بل هذا نقصٌ فيه حيث لم يشرّع أحكاماً في بعض المساحات ؟!
قلت:- سوف يأتينا أنّه بالتالي قد أعطى زمام التشريع في هذا المجال إلى الحاكم الاسلامي وهذا لا يعدّ سلبيّة بل يعدُّ ايجابيّة لأنّه أعطى مرونةً وتجاوباً مع الحياة، فالذين يقولون إنَّ الإسلام لا يمكنه التجاوب مع الحياة فنقول له كلّا بل هو يتجاوب معها لأنّه أعطى مرونةً.
ولا يتنافى أيضاً مع قانوان ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم ﴾ فإنّ الإكمال قد تحقّق بنصب الأئمة عليهم السلام ومن ثم الفقهاء وجعل زمام ملئ منطقة الفراغ بيد الإمام ومن ثم بيد الفقيه وهذا لا يتنافى مع الإكمال، فالإكمال قد تحقّق وكمُل من خلال هذا الجعل، وسوف نترك هذا الكلام إلى محلّة، والذي أردت أن أبيّنه هنا هو أنّ الشموليّة التي نقول بها لا تتنافى مع وجود منطلقة الفراغ التي يملأها الحاكم الاسلامي.
الثالث:- ما ذكرناه لا يتنافى مع عدم تشريع حكمٍ فيما إذا كان العقل حاكماً كما في مقدّمة الواجب فقد وقع كلام فيها وهل هي واجبة أو لا ؟ إنّها بعنوانها الأوّلي قد شرع الله عزّ وجلّ لها حكماً، فالسفر بعنوانه الأوّلي قد شرّع الله عزّ وجلّ له حكماً فقال ( سيروا في الأرض ) ولكن لأجل مقدّمة الواجب هل يحكم الشرع بالوجوب - وهذا هو الخلاف الذي وقع بين الأصوليين - ؟ فهناك وجوبٌ عقليٌّ بمعنى اللابديّة العقليّة ويمكن لقائل أن يقول إنّه بعد أن كانت لابديّة عقليّة وأنّ الحجّ مثلاً لا يمكن أن يتحقّق إلا بالسفر فما الحاجة إلى أن يحكم الشرع بوجوب السفر بل يكتفي بحكم العقل ؟!! فعلى هذا الأساس عدم حكم الشارع في هذا المورد لا يتنافى مع الشموليّة إذ الشارع في هذا المورد قد اكتفى بحكم العقل.
ومن هذا القبيل أيضاً مسألة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع، فإنّ هناك كلاماً في أنّ العقل إذا حكم بشيءٍ هل يلزم أن يحكم الشرع على طبق حكمه أو لا ؟ قال البعض نعم وقال البعض لا، ويمكن لقائلٍ أن يقول لا يلزم أن يحكم فإنّه بعد حكم العقل يكتفي الشرع بحكم القعل ولا داعي إلى أن يحكم وعدم حكمه لا يتنافى مع الشموليّة التي ندّعيها فهي ثابتةٌ في موردٍ لا يوجد فيه من يتصدّى للحكم لو لم يحكم الشرع أمّا بعد أن تصدّى العقل وكان صالحاً لأن يدفع المكلف نحو العمل أو نحو ترك الشيء فمن حقّ الشارع أن يكتفي بحكمه من دون حاجةٍ إلى أن يصدر حكماً في هذا المجال . إذن عدم صدور الحكم في هذا المجال لا يتنافى ايضاً مع الشموليّة.