36/06/17
تحمیل
الموضوع:-
ترك الاستفصال دليل العموم - قواعد وفوائد.
القاعدة الثانية عشرة:- ترك الاستفصال دليل العموم.
المقصود من القاعدة المذكورة هو أنّ السائل يسأل أحياناً عن شيءٍ وحينما يجيبه الإمام عليه السلام لا يفصّل بين حالات ذلك الشيء وعدم استفصال الإمام يدلّ على أنّ هذا الحكم يعمّ جميع حالات ذلك الشيء.
من قبيل:- رواية محمد بن مسلم:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ تزوج المرأة في عدتها، قال:- يفرّق بينهما ولا تحلّ له أبداً )[1]، إن الإمام عليه السلام لم يستفصل بين أن يكون الزواج في عدّة طلاقٍ أو وفاةٍ أو وطئ شبهةٍ أو غير ذلك وعدم استفصاله يدلّ على العموم.
ومن قبيل:- صحيحة الكاهلي الواردة في التيمّم ونصّها:- ( سالته عن التيمّم، قال:- فضرب بيده على البساط فمسح بها وجهه ثم مسح كفّيه إحداهما على ظهر الأخرى )[2]، إنه عليه السلام لم يستفصل عن كون التيمّم الذي يريده السائل هو التيمّم بدل الوضوء أو التيمم بدل الغسل فعدم استفصاله يدلّ على أنّ ما ذكره عليه السلام يعمّ الاثنين معاً، وهذا مطلب واضح.
والسؤال:- ما الفارق بين فكرة الإطلاق وبين فكرة عدم الاستفصال ؟ يعني متى نتمسّك بالاطلاق ومتى نتمسّك بعدم الاستفصال ؟ أو بالأحرى لماذا لا نقول إنَّ هاتان الروايتان هما من باب الإطلاق وحكمنا بأنهما من باب عدم الاستفصال فما هو الميزان للتفرقة ؟
والجواب:- هنا لا يمكن تطبيق فكرة الإطلاق لأنك إذا أردت تطبيقها ففي الرواية الأولى مثلاً اتي تقول:- ( سألت أبا عبد الله عن رجل تزوج المرأة في عدتها ) فنقول إنَّ كلمة ( عدّة ) مطلقة، وأجيبك وأقول:- صحيح أنها مطلقة ولكن ماذا ينفعني فإنّ هذا إطلاقٌ في كلام السائل وكلام السائل ليس بحجة وإطلاقه ليس بحجة أيضاً، فكلّ ما يقوله السائل ليس حجّة حتى حيثية الإطلاق في كلامه وأنا أريد أطلاقاً يكون حجّةً فلابدّ وأن تقول إنّ الإمام عليه السلام حينما أجاب لم يُفصّل بين فردي العدّة ولم يقل إنْ كانت العدّة من الوفاة فالحكم كذا وإن كانت غيرها فالحكم كذا فعادة الحجيّة إلى عدم استفصال الإمام ووجود الإطلاق في كلام السائل لم ينفع شيئاً فلا معنى لأن نطبق فكرة الإطلاق.
وتعال إلى الرواية الثانية حيث قالت:- ( سألته عن التيمم ) فالتيمّم مطلقٌ لكن لا فائدة فيه فإنّه إطلاقٌ في كلام السائل وهو لا حجّيته له فهو لا ينفعنا ما لم نضمّ أنّ الإمام في مقام الجواب حينما بيّن كيفية التيمّم لم يفصّل بين فردي التيمّم وكونه بدلاً عن الوضوء أو الغسل.
نعم يكون المورد من الإطلاق لو كانت الفقرة واردة في كلام الإمام عليه السلام، كما لو فرضنا أنّ التعبير في الرواية كان هكذا:- ( من تزوّج امرأةً في عدّتها فُرِّق بينهما ) هنا نتمسّك بالاطلاق لأنّ كلام الإمام عليه السلام يشتمل على الإطلاق ولا معنى لتطبيق فكرة ترك الاستفصال فنقول إنَّ الإمام أطلق ولم يقيّد بما إذا كانت العدّة عدّة كذا.
والخلاصة:- إنّه متى ما كانت الكلمة التي كنّا نريد التمسّك بإطلاقها واردة في كلام السائل فهذا مورد ترك الاستفصال، ومتى ما كانت واردة في كلام الإمام فهذا مورد التمسّك بالإطلاق، وفي موارد السؤال والجواب عادةً يكون المورد من ترك الاستفصال لأنّ الكلمة التي نريد التمسّك بإطلاقها واردة هي في كلام السائل وهي لا عبرة بها فلا معنى لتطبيق فكرة الإطلاق بل نطبّق فكرة ترك الاستفصال.
ولكن أحياناً قد نتساهل ونقول ( إنّ الرواية الأولى دلّت بإطلاقها على عدم الفرق بين أفراد العدّة ) وهذا ليس فنّياً بل المناسب أن نقول ( إنّها بترك الاستفصال دلّت على عموم الحكم لجميع أفراد العدّة ) ولكن قد تحصل الغفلة أو التسامح في التعبير.
وقد تسأل وتقول:- ما الفرق بين ترك الاستفصال وبين عدم الفصل ؟
والجواب:- إنَّ عدم الفصل يستعمل عادةً فيما إذا فرض أنّ الرواية وردت في موردٍ والفقهاء يعمّمون حكمها للمورد الآخر حيث لم يفصّلوا بين الموردين كالعيوب الخمسة أو الستة للمرأة فإنّه إمّا أن تكون خمستها توجب الفسخ أو خمستها لا توجبه أمّا أنّ اثنين منها يوجبان الفسخ وثلاثة لا توجبه فلا يوجد من يقول بذلك، فإذا دلّت رواية واردة في اثنين أنهما يوجبان الفسخ فبضمّ عدم الفصل القطعي يعمّ الحكم بقيّة الأفراد، وهذا ما يعبّر عنه بعدم الفصل يعني أنَّ الفقهاء لم يفصّلوا.
أمّا عدم الاستفصال فلا ربط له بالفقهاء وإنما نقول إنَّ الإمام لم يستفصل من السائل ولم يقل له هل تسألني عن الزواج في عدّة الوفاة أو الزواج في عدّةٍ أخرى ؟
وقد تسأل وتقول:- هل من ثمرةٍ عمليّة بين فكرة الإطلاق وفكرة ترك الاستفصال ؟ ولا أريد الفارق النظري فإنّه قد تبيّن وهو أنّ ترك الاستفصال يفترض فيه أنّ اللفظة المطلقة واردة في كلام السائل دون كلام الإمام فهناك سؤالٌ وجوابٌ والكلمة المطلقة تأتي في كلام السائل، بينما مورد الإطلاق هو ما إذا فرض أنّ الكلمة المطلقة جاءت في كلام الإمام عليه السلام، وهذا فارقٌ نظريٌّ وأنا أسأل عن الفارق العملي فهل يترتّب فارق عمليّ أو لا ؟
والجواب:- نعم يوجد فارقٌ ونوضحه من خلال المثال.
فخذ الرواية الأولى التي جاء فيها:- ( سألت أبا عبد الله عن رجل يتزوج المرأة في عدتها، قال يفرق بينهما ولا تحلّ له أبداً ) فإنّه بترك الاستفصال بين عدّة الوفاة والعدّة الأخرى استنتجنا العموم.
ولكن هناك شيئاً آخر فنقول:- لو فرض أنّ شخصاً تزوّج امرأة في عدتها بزواجٍ فقد بعض شرائطه غير شرطيّة أن لا يكون في العدّة كما لو عقدا بلغةٍ أخرى وكنّا نشترط اللغة العربية وهما يجهلان أنه فاقدٌ لبعض الشرائط - يعني أنّه تزوّجها بعقدٍ فاسدٍ - فهل الرواية تشمل هذا أو لا - نحن وهذه الرواية - فهل تحرم عليه مؤبداً بمقتضى هذه الرواية أو لا ؟
قد يقول قائل:- نعم فإنّ الإمام عليه السلام لم يستفصل بين أن يكون الزواج جامعاً للشرائط من غير جهة الوقوع في العدّة أو لا فعدم استفصاله يدلّ على العموم.
ولكن يمكن أن يقال:- لا يمكن هنا تطبيق فكرة ترك الاستفصال إذ لعلّ الإمام عليه السلام فهم من كلام السائل أنّ سؤاله عن الزواج الجامع للشرائط عدى هذا الشرط فلا يمكن التمسّك بفكرة ترك الاستفصال، وهذه نكتة ظريفة.
فإذن يمكن أن لا نستفيده العموم من ترك الاستفصال في بعض الموارد فيما إذا احتملنا أنّ الإمام عليه السلام قد فهم من سؤال السائل حيثيّةً معيّنةً وهي حيثية كون العقد جامعٌ للشرائط ما عدى وقوعه في العدّة.
ولا تشكل وتقول:- إنّهإذا فتحت هذا الباب فحينئذٍ سوف يلزم محذور أكبر، فلازمه أيضاً أن لا نعمّم لحالة العلم والجهل فنقول لعلّ الإمام عليه السلام فهم حالة العلم فقط فكيف نعمّم لحالة الجهل ؟ وهكذا لا يمكن التعميم لعدّة الوفاة وعدّة الطلاق وعدّة النكاح المنقطع إذ لعل الإمام عليه السلام فهم من العدّة خصوص عدّة الوفاة مثلاً والطلاق دون عدّة النكاح المنقطع، فإذا صار الأمر هكذا - يعني مجرّد احتمالات - ففكرة ترك الاستفصال سوف يعسر التمسّك بها.
قلت:- هذا قياسٌ وإشكالٌ مع الفارق، فإنّه في مسألة جامعيّة العقد للشرائط ما عدى الوقوع في العدّة قضيّة لو كنّا نحن المسؤولون بدل الإمام عليه السلام لكان ينصرف ذهننا إلى ذلك أيضاً فهو سألني عن هذه الحيثية يعني أنّ مقصوده هو أنّه تزوجها مع كامل الشروط إلّا هذا الشرط، وهذا انصرافٌ عرفيٌّ بدرجةٍ وجيهةٍ فهو احتمالٌ وجيهٌ، وهذا بخلافه في مورد النقض فإنّه لا معنى للتفرقة بين أن يكون الشخص عالما أو جاهلاً وكون العدّة عدّة وفاة أو نكاح منقطع فإنّه لا موجب لتعيّن أحد الاحتمالات من باب الانصراف أو من باب غير ذلك.
إذن نحن نقول هذا الكلام فقط وفقط في الموارد التي يكون من الوجيه احتمال هذا الفهم الخاص ولا نطبّق على أيّ احتمالٍ كيفما اتفق بل خصوص ما إذا كان الاحتمال وجيهاً بدرجةٍ عرفيّة، وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها، فإنه بناءً على هذا لا يمكن التمسّك بفكرة ترك الاستفصال في هذا المورد.
بينما لو كان يوجد إطلاقٌ بأن قال الإمام عليه السلام:- ( من تزوج امرأة في عدتها فُرّق بينهما )، فقد يقول قائل:- إنّه لا مانع من التمسّك بالاطلاق لأنّ ( تزوّج ) صادقٌ ودعوى الانصراف لا أجد لها مبرراً.
وهذا كلامٌ وجيهٌ لو كان هناك إطلاقٌ أمّا إذا كان هناك ترك الاستفصال فنحن نقول إنّ الامام لم يستفصل لأنّه فهم من هذا السؤال النكاح الواجد للشرائط فكيف تستفيد العموم من ترك الاستفصال!!
والمهمّ الذي أريد أن أقوله:- هو أنّك قد لا توافقني على هذا المثال ولكنّ توافقني في أمثلة أخرى، والمهم أني أريد أن أقول هو أنّه في فكرة ترك الاستفصال إنما نُثبت العموم فيما إذا فرضنا أنّنا لم نحتمل أنّ عدم استفصال الإمام نشأ من فهمه للحالة المعيّنة، بينما في الإطلاق لا يأتي هذا الكلام بل يوجد لفظٌ موضوعٌ للطبيعي فنتمسّك باطلاقه . هذه نكتةٌ فارقةٌ بين الموردين وهي نكتةٌ وفارقٌ مهمّ ينبغي الالتفات إليه.
وهناك سؤال آخر وهو:- هل يمكن أن يجتمع ترك الاستفصال والإطلاق في موردٍ واحدٍ أو أنّ بينمها تباين من حيث المورد، فهل النسبة هي العموم والخصوص من وجه أو هي التباين ؟
ربما يقال:- إنّه عمومٌ وخصوصٌ من وجه، فإنّه قد يتحقّق ترك الاستفصال بلا إطلاقٍ كما في مورد الروايتين السابقتين فإنّه لا يمكن تطبيق الإطلاق وهو مورد ترك الاستفصال، وقد يكون الأمر بالعكس كما لو فرض أنّ الإمام عليه السلام قال:- ( الزواج في العدّة موجبٌ للتفريق ) فإنه هنا لا يمكن التمسّك بفكرة ترك الاستفصال بل هو من مورد الإطلاق كما هو واضح.
وربما يجتمعان كما لو فرض أنّه سئل الإمام عليه السلام عن عدّة المطلّقة فقيل له:- ( ما عدّة المطلقة ؟ فقال:- ثلاثة اقراء ) فهنا يمكن التمسّك بترك الاستفصال كما يمكّن التمسّك بالإطلاق، أمّا أنّه يمكن التمسّك بترك الاستفصال فواضحٌ حيث إنّ السائل سأل والإمام أجاب من دون تفصيلٍ، وأما أنّه يمكن التمسّك بالاطلاق فباعتبار أنّ الإمام كرّر كلمة المطلّقة وقال ( عدّة المطلقة ) فمادام قد كرّرها ولم يقل ( ثلاثة اقراء ) من دون أن يكرّرها فيصير مورد ترك الاستفصال، أمّا إذا كرّر وقال ( عدّة المطلقة ثلاثة أقراء ) فهذا يكون تمسّكاً بالإطلاق، فإذن اجتمعا فيمكن هذا ويمكن ذاك.
وإنما قلت ( ربما يحتمل أنّ النسبة عموم من وجهٍ ) ولم اجزم بذلك ؟
إذ قد يقول قائل:- هما في الحقيقة لم يجتمعا في موردٍ واحدٍ وإنما هما في موردين ولكن أحدهما في جوار الثاني فلا أقبل بهذا المثال وما شاكله.
فإن رفضت فحينئذِ تكون النسبة بينهما هي التباين من حيث المورد، وإن قبلت فيصير المورد من العموم والخصوص من وجه.
القاعدة الثانية عشرة:- ترك الاستفصال دليل العموم.
المقصود من القاعدة المذكورة هو أنّ السائل يسأل أحياناً عن شيءٍ وحينما يجيبه الإمام عليه السلام لا يفصّل بين حالات ذلك الشيء وعدم استفصال الإمام يدلّ على أنّ هذا الحكم يعمّ جميع حالات ذلك الشيء.
من قبيل:- رواية محمد بن مسلم:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ تزوج المرأة في عدتها، قال:- يفرّق بينهما ولا تحلّ له أبداً )[1]، إن الإمام عليه السلام لم يستفصل بين أن يكون الزواج في عدّة طلاقٍ أو وفاةٍ أو وطئ شبهةٍ أو غير ذلك وعدم استفصاله يدلّ على العموم.
ومن قبيل:- صحيحة الكاهلي الواردة في التيمّم ونصّها:- ( سالته عن التيمّم، قال:- فضرب بيده على البساط فمسح بها وجهه ثم مسح كفّيه إحداهما على ظهر الأخرى )[2]، إنه عليه السلام لم يستفصل عن كون التيمّم الذي يريده السائل هو التيمّم بدل الوضوء أو التيمم بدل الغسل فعدم استفصاله يدلّ على أنّ ما ذكره عليه السلام يعمّ الاثنين معاً، وهذا مطلب واضح.
والسؤال:- ما الفارق بين فكرة الإطلاق وبين فكرة عدم الاستفصال ؟ يعني متى نتمسّك بالاطلاق ومتى نتمسّك بعدم الاستفصال ؟ أو بالأحرى لماذا لا نقول إنَّ هاتان الروايتان هما من باب الإطلاق وحكمنا بأنهما من باب عدم الاستفصال فما هو الميزان للتفرقة ؟
والجواب:- هنا لا يمكن تطبيق فكرة الإطلاق لأنك إذا أردت تطبيقها ففي الرواية الأولى مثلاً اتي تقول:- ( سألت أبا عبد الله عن رجل تزوج المرأة في عدتها ) فنقول إنَّ كلمة ( عدّة ) مطلقة، وأجيبك وأقول:- صحيح أنها مطلقة ولكن ماذا ينفعني فإنّ هذا إطلاقٌ في كلام السائل وكلام السائل ليس بحجة وإطلاقه ليس بحجة أيضاً، فكلّ ما يقوله السائل ليس حجّة حتى حيثية الإطلاق في كلامه وأنا أريد أطلاقاً يكون حجّةً فلابدّ وأن تقول إنّ الإمام عليه السلام حينما أجاب لم يُفصّل بين فردي العدّة ولم يقل إنْ كانت العدّة من الوفاة فالحكم كذا وإن كانت غيرها فالحكم كذا فعادة الحجيّة إلى عدم استفصال الإمام ووجود الإطلاق في كلام السائل لم ينفع شيئاً فلا معنى لأن نطبق فكرة الإطلاق.
وتعال إلى الرواية الثانية حيث قالت:- ( سألته عن التيمم ) فالتيمّم مطلقٌ لكن لا فائدة فيه فإنّه إطلاقٌ في كلام السائل وهو لا حجّيته له فهو لا ينفعنا ما لم نضمّ أنّ الإمام في مقام الجواب حينما بيّن كيفية التيمّم لم يفصّل بين فردي التيمّم وكونه بدلاً عن الوضوء أو الغسل.
نعم يكون المورد من الإطلاق لو كانت الفقرة واردة في كلام الإمام عليه السلام، كما لو فرضنا أنّ التعبير في الرواية كان هكذا:- ( من تزوّج امرأةً في عدّتها فُرِّق بينهما ) هنا نتمسّك بالاطلاق لأنّ كلام الإمام عليه السلام يشتمل على الإطلاق ولا معنى لتطبيق فكرة ترك الاستفصال فنقول إنَّ الإمام أطلق ولم يقيّد بما إذا كانت العدّة عدّة كذا.
والخلاصة:- إنّه متى ما كانت الكلمة التي كنّا نريد التمسّك بإطلاقها واردة في كلام السائل فهذا مورد ترك الاستفصال، ومتى ما كانت واردة في كلام الإمام فهذا مورد التمسّك بالإطلاق، وفي موارد السؤال والجواب عادةً يكون المورد من ترك الاستفصال لأنّ الكلمة التي نريد التمسّك بإطلاقها واردة هي في كلام السائل وهي لا عبرة بها فلا معنى لتطبيق فكرة الإطلاق بل نطبّق فكرة ترك الاستفصال.
ولكن أحياناً قد نتساهل ونقول ( إنّ الرواية الأولى دلّت بإطلاقها على عدم الفرق بين أفراد العدّة ) وهذا ليس فنّياً بل المناسب أن نقول ( إنّها بترك الاستفصال دلّت على عموم الحكم لجميع أفراد العدّة ) ولكن قد تحصل الغفلة أو التسامح في التعبير.
وقد تسأل وتقول:- ما الفرق بين ترك الاستفصال وبين عدم الفصل ؟
والجواب:- إنَّ عدم الفصل يستعمل عادةً فيما إذا فرض أنّ الرواية وردت في موردٍ والفقهاء يعمّمون حكمها للمورد الآخر حيث لم يفصّلوا بين الموردين كالعيوب الخمسة أو الستة للمرأة فإنّه إمّا أن تكون خمستها توجب الفسخ أو خمستها لا توجبه أمّا أنّ اثنين منها يوجبان الفسخ وثلاثة لا توجبه فلا يوجد من يقول بذلك، فإذا دلّت رواية واردة في اثنين أنهما يوجبان الفسخ فبضمّ عدم الفصل القطعي يعمّ الحكم بقيّة الأفراد، وهذا ما يعبّر عنه بعدم الفصل يعني أنَّ الفقهاء لم يفصّلوا.
أمّا عدم الاستفصال فلا ربط له بالفقهاء وإنما نقول إنَّ الإمام لم يستفصل من السائل ولم يقل له هل تسألني عن الزواج في عدّة الوفاة أو الزواج في عدّةٍ أخرى ؟
وقد تسأل وتقول:- هل من ثمرةٍ عمليّة بين فكرة الإطلاق وفكرة ترك الاستفصال ؟ ولا أريد الفارق النظري فإنّه قد تبيّن وهو أنّ ترك الاستفصال يفترض فيه أنّ اللفظة المطلقة واردة في كلام السائل دون كلام الإمام فهناك سؤالٌ وجوابٌ والكلمة المطلقة تأتي في كلام السائل، بينما مورد الإطلاق هو ما إذا فرض أنّ الكلمة المطلقة جاءت في كلام الإمام عليه السلام، وهذا فارقٌ نظريٌّ وأنا أسأل عن الفارق العملي فهل يترتّب فارق عمليّ أو لا ؟
والجواب:- نعم يوجد فارقٌ ونوضحه من خلال المثال.
فخذ الرواية الأولى التي جاء فيها:- ( سألت أبا عبد الله عن رجل يتزوج المرأة في عدتها، قال يفرق بينهما ولا تحلّ له أبداً ) فإنّه بترك الاستفصال بين عدّة الوفاة والعدّة الأخرى استنتجنا العموم.
ولكن هناك شيئاً آخر فنقول:- لو فرض أنّ شخصاً تزوّج امرأة في عدتها بزواجٍ فقد بعض شرائطه غير شرطيّة أن لا يكون في العدّة كما لو عقدا بلغةٍ أخرى وكنّا نشترط اللغة العربية وهما يجهلان أنه فاقدٌ لبعض الشرائط - يعني أنّه تزوّجها بعقدٍ فاسدٍ - فهل الرواية تشمل هذا أو لا - نحن وهذه الرواية - فهل تحرم عليه مؤبداً بمقتضى هذه الرواية أو لا ؟
قد يقول قائل:- نعم فإنّ الإمام عليه السلام لم يستفصل بين أن يكون الزواج جامعاً للشرائط من غير جهة الوقوع في العدّة أو لا فعدم استفصاله يدلّ على العموم.
ولكن يمكن أن يقال:- لا يمكن هنا تطبيق فكرة ترك الاستفصال إذ لعلّ الإمام عليه السلام فهم من كلام السائل أنّ سؤاله عن الزواج الجامع للشرائط عدى هذا الشرط فلا يمكن التمسّك بفكرة ترك الاستفصال، وهذه نكتة ظريفة.
فإذن يمكن أن لا نستفيده العموم من ترك الاستفصال في بعض الموارد فيما إذا احتملنا أنّ الإمام عليه السلام قد فهم من سؤال السائل حيثيّةً معيّنةً وهي حيثية كون العقد جامعٌ للشرائط ما عدى وقوعه في العدّة.
ولا تشكل وتقول:- إنّهإذا فتحت هذا الباب فحينئذٍ سوف يلزم محذور أكبر، فلازمه أيضاً أن لا نعمّم لحالة العلم والجهل فنقول لعلّ الإمام عليه السلام فهم حالة العلم فقط فكيف نعمّم لحالة الجهل ؟ وهكذا لا يمكن التعميم لعدّة الوفاة وعدّة الطلاق وعدّة النكاح المنقطع إذ لعل الإمام عليه السلام فهم من العدّة خصوص عدّة الوفاة مثلاً والطلاق دون عدّة النكاح المنقطع، فإذا صار الأمر هكذا - يعني مجرّد احتمالات - ففكرة ترك الاستفصال سوف يعسر التمسّك بها.
قلت:- هذا قياسٌ وإشكالٌ مع الفارق، فإنّه في مسألة جامعيّة العقد للشرائط ما عدى الوقوع في العدّة قضيّة لو كنّا نحن المسؤولون بدل الإمام عليه السلام لكان ينصرف ذهننا إلى ذلك أيضاً فهو سألني عن هذه الحيثية يعني أنّ مقصوده هو أنّه تزوجها مع كامل الشروط إلّا هذا الشرط، وهذا انصرافٌ عرفيٌّ بدرجةٍ وجيهةٍ فهو احتمالٌ وجيهٌ، وهذا بخلافه في مورد النقض فإنّه لا معنى للتفرقة بين أن يكون الشخص عالما أو جاهلاً وكون العدّة عدّة وفاة أو نكاح منقطع فإنّه لا موجب لتعيّن أحد الاحتمالات من باب الانصراف أو من باب غير ذلك.
إذن نحن نقول هذا الكلام فقط وفقط في الموارد التي يكون من الوجيه احتمال هذا الفهم الخاص ولا نطبّق على أيّ احتمالٍ كيفما اتفق بل خصوص ما إذا كان الاحتمال وجيهاً بدرجةٍ عرفيّة، وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها، فإنه بناءً على هذا لا يمكن التمسّك بفكرة ترك الاستفصال في هذا المورد.
بينما لو كان يوجد إطلاقٌ بأن قال الإمام عليه السلام:- ( من تزوج امرأة في عدتها فُرّق بينهما )، فقد يقول قائل:- إنّه لا مانع من التمسّك بالاطلاق لأنّ ( تزوّج ) صادقٌ ودعوى الانصراف لا أجد لها مبرراً.
وهذا كلامٌ وجيهٌ لو كان هناك إطلاقٌ أمّا إذا كان هناك ترك الاستفصال فنحن نقول إنّ الامام لم يستفصل لأنّه فهم من هذا السؤال النكاح الواجد للشرائط فكيف تستفيد العموم من ترك الاستفصال!!
والمهمّ الذي أريد أن أقوله:- هو أنّك قد لا توافقني على هذا المثال ولكنّ توافقني في أمثلة أخرى، والمهم أني أريد أن أقول هو أنّه في فكرة ترك الاستفصال إنما نُثبت العموم فيما إذا فرضنا أنّنا لم نحتمل أنّ عدم استفصال الإمام نشأ من فهمه للحالة المعيّنة، بينما في الإطلاق لا يأتي هذا الكلام بل يوجد لفظٌ موضوعٌ للطبيعي فنتمسّك باطلاقه . هذه نكتةٌ فارقةٌ بين الموردين وهي نكتةٌ وفارقٌ مهمّ ينبغي الالتفات إليه.
وهناك سؤال آخر وهو:- هل يمكن أن يجتمع ترك الاستفصال والإطلاق في موردٍ واحدٍ أو أنّ بينمها تباين من حيث المورد، فهل النسبة هي العموم والخصوص من وجه أو هي التباين ؟
ربما يقال:- إنّه عمومٌ وخصوصٌ من وجه، فإنّه قد يتحقّق ترك الاستفصال بلا إطلاقٍ كما في مورد الروايتين السابقتين فإنّه لا يمكن تطبيق الإطلاق وهو مورد ترك الاستفصال، وقد يكون الأمر بالعكس كما لو فرض أنّ الإمام عليه السلام قال:- ( الزواج في العدّة موجبٌ للتفريق ) فإنه هنا لا يمكن التمسّك بفكرة ترك الاستفصال بل هو من مورد الإطلاق كما هو واضح.
وربما يجتمعان كما لو فرض أنّه سئل الإمام عليه السلام عن عدّة المطلّقة فقيل له:- ( ما عدّة المطلقة ؟ فقال:- ثلاثة اقراء ) فهنا يمكن التمسّك بترك الاستفصال كما يمكّن التمسّك بالإطلاق، أمّا أنّه يمكن التمسّك بترك الاستفصال فواضحٌ حيث إنّ السائل سأل والإمام أجاب من دون تفصيلٍ، وأما أنّه يمكن التمسّك بالاطلاق فباعتبار أنّ الإمام كرّر كلمة المطلّقة وقال ( عدّة المطلقة ) فمادام قد كرّرها ولم يقل ( ثلاثة اقراء ) من دون أن يكرّرها فيصير مورد ترك الاستفصال، أمّا إذا كرّر وقال ( عدّة المطلقة ثلاثة أقراء ) فهذا يكون تمسّكاً بالإطلاق، فإذن اجتمعا فيمكن هذا ويمكن ذاك.
وإنما قلت ( ربما يحتمل أنّ النسبة عموم من وجهٍ ) ولم اجزم بذلك ؟
إذ قد يقول قائل:- هما في الحقيقة لم يجتمعا في موردٍ واحدٍ وإنما هما في موردين ولكن أحدهما في جوار الثاني فلا أقبل بهذا المثال وما شاكله.
فإن رفضت فحينئذِ تكون النسبة بينهما هي التباين من حيث المورد، وإن قبلت فيصير المورد من العموم والخصوص من وجه.