34/11/04
تحمیل
الموضوع:- تنبيهات ( التنبيه الثالث:- الاستصحاب التعليقي ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
الجواب الثاني:- ما أفاده الشيخ العراقي(قده) في نهاية الافكار
[1]
وحاصله:- إن ما ذكره الشيخ النائيني(قده) يتم فيما لو فسرنا الحكم بالاعتبار فإنه وقع كلام أن حقيقة الحكم وأنها ماهي فهل هو اعتبار لا غير أو هو عبارة عن الارادة وليس هو الاعتبار فروح الحكم هو بالإرادة وليس بالاعتبار ؟ إن هذه نقطة خلاف وقعت بين العلمين النائيني والعراقي فالنائيني قال إن الحكم هو اعتبار بينما الشيخ العراقي قال إن الحكم عبارة عن الارادة ، فإن فسرنا الحكم بالاعتبار كما قال الشيخ النائيني(قده) فوجود مرحلتين للحكم يصير شيئاً وجيهاً فالمولى حينما يشرّع الحكم ويقول:- ( ولله على الناس حج البيت ) نقول إن هذا اعتبارٌ على مستوى الجعل فهذا التشريع هو جعلٌ - ويصح أن نسميه جعل او تشريع او حكم إنشائي فهذه كلها تعابير مترادفة - وفي هذه المرحلة يأخذ المولى شروطاً موضوعاً ولكنه يأخذها بوجودها اللحاظي شروطاً وموضوعاً فالمولى يلاحظ المكلف ويلاحظ الشرط - أعني الاستطاعة - ويقول آنذاك:- ( ولله على الناس حج البيت ) ففي مرحلة التشريع يكفي ملاحظة الشرط وهو ما يعبر عنه بالوجود اللحاظي ويُلاحَظ المكلف ولا يلزم في هذه المرحلة أن يكون المكلف والشرط موجودان في الخارج كلا فلعله لا يوجد مكلف ولا توجد استطاعة رغم هذا يقول ( ولله على الناس حج البيت ) إنه شيء وجيه هذه هي المرحلة الاولى ، ثم المرحلة الثانية هي مرحلة الفعليّة - يعني اذا تحققت الاستطاعة والمكلف خارجاً - فهنا تحصل مرحلة الفعليّة ويعبّر عنها حسب تعبير الشيخ النائيني(قده) بـ( المجعول ) فالحكم الفعلي مع الحكم المجعول هما سيّان وواحدٌ وشرط هذه المرحلة كما ذكرنا هو وجود الشرط والموضوع خارجاً ولا يكفي لحاظاً.
وشيء جانبي آخر أقوله:- وهو أن الحكم ينقسم الى هاتين المرحلتين - يعني الى جعل والى مجعول - ويوجد مشير عرفيّ إليهما فقبل الوصول الى مرحلة الفعليّة - يعني المكلف بعد لم يستطع خارجاً - فلا ينسب الوجوب الى المكلف هذا يعني لا تقول ( هذا المكلف يجب عليه الحج ) أو ( أنا يجب علي الحج ) بل تقول ( أنا إن استطعت فيجب عليَّ الحج ) واذا قال لي شخصٌ انت يجب عليك الحج فسأقول له كلا لأني ليس مستطيعاً بينما إذا استطعت خارجاً وحصلت الفعليّة فسوف ينتسب إليَّ الوجوب آنذاك وأقول أنا يجب علي الحج . إذن هذا مائز بين مرحلة الفعليّة ومرحلة الجعل ففي مرحلة الجعل ينتسب الوجوب الى الجميع بنحوٍ واحدٍ ولكن على مستوى إن الشرطية ( إن استطعت وجب علي الحج ) بينما في مرحلة الفعليّة ينتسب الى هذا المكلف بخصوصه أو ذاك بخصوصه ونقول هذا يجب عليه الحج . إذن يصح أن نعبّر عن مرحلة الفعليّة بالمرحلة التي يصحّ أن ننسب فيها الوجوب لشخصٍ خاص ونقول ( هذا يجب عليه الحج ) بينما في مرحلة الجعل لا تصحّ هذه النسبة بل ينتسب الى الجميع بنحو القضيّة الشرطيّة بنحوٍ واحد . إذن الحكم ينقسم الى مرحلتين مرحلة جعل ومرحلة مجعول بناءً على تفسير الحكم بالاعتبار كما فسّره الشيخ النائيني(قده) بذلك فإنه بناءً على هذا يتم ما أفاده الشيخ النائيني(قده) يعني نقول إن الجعل لا معنى لاستصحابه لأننا لا نشك في بقائه والمجعول - يعني الفعليّة - نجزم بعدمها سابقاً فأي شيء يستصحب ؟!
أما إذا أنكرنا هذا المعنى وقلنا إن الحكم عبارة عن الارادة وروحه إرادة وليس اعتبار فحينئذ نقول إن شرط تحقق الارادة هو ماذا فهل هو الوجود اللحاظي للشرط أو هو الوجود الخارجي ؟ أجاب(قده) وقال:- إن شرط فعليّة الارادة هو الوجود اللحاظي دون الوجود الخارجي لأن الارادة أمرٌ نفسيٌّ والأمر النفسي لا يمكن أن يناط بالوجود الخارجي بل يلزم أن يناط بأمرٍ نفسي أيضاً - أعني الوجود اللحاظي - ، وعلى هذا الأساس لا توجد مرحلتان - مرحلة جعل ومرحلة مجعول - بل عند الجعل يتحقق المجعول يعني أن الفعليّة متحققة دائماً حين الجعل لأن شرط فعليّة الارادة كما قلنا هو الوجود اللحاظي والوجود اللحاظي ثابت دائماً من البداية فالإرادة دائماً هي فعليّة ومادام الحكم فعلياً سابقاً فنستصحب آنذاك الحكم الفعلي فصيحّ على رأي الشيخ النائيني(قده) أنه لا فعليّة سابقاً أما على رأينا فالفعليّة ثابتة بمجرد الجعل إذ هي تتحقق بالوجود اللحاظي للشرط فإذا كان الحكم فعليّ يعني أن الارادة فعلية - فنستصحب ذلك الحكم الفعلي ولا نستصحب الجعل حتى تقول إن الجعل لا نحتمل نسخة.
وإن قلت:- إذا كان الوجود اللحاظي هو شرط الفعليّة فهذا معناه أو الوجود الخارجي لا تأثير له في فعليّة الارادة والحال أننا نشعر أن الوجود الخارجي هو الذي يحركنا ويبعثنا دون الوجود اللحاظي فما هو جوابك ؟
أجاب(قده) عن ذلك وقال:- إن الوجود الخارجي يُصيّر الارادة ذات فاعليّة وذات تحريك لا ذات فعليّة فإن الفعليّة هي موجودة بمجرد الوجود اللحاظي ولكن هذه الارادة لا تصير محرّكة وباعثة إلا بتحقق الوجود الخارجي فالوجود الخارجي شرطٌ لفاعليّة الارادة وليس شرطاً لفعليّتها.
ثم أضاف وقال:- يلزمكم أن تقولوا أن الوجود اللحاظي هو الشرط دون الوجود الخارجي وإلا يلزم أن الفقيه لا يمكنه أن يجري استصحاب بقاء نجاسة الماء المتغيّر إذا زال تغيّره من قبل نفسه - فإنه بلا أشكال أن هذا الاستصحاب يجري - إلا اذا جاء الفقيه بماءٍ متغيّر في غرفته ثم ينتظره الى أن يزول التغيّر من قبل نفسه ثم يجري الاستصحاب والحال أن الفقيه لا يتوقف اجراؤه للاستصحاب على ذلك وهذا كاشف عن أن الوجود اللحاظي - يعني ملاحظة الماء وملاحظة التغيّر - يكفي لفعليّة النجاسة فيجري الاستصحاب حينئذ.
والخلاصة:- إن الشيخ العراقي(قده) أشكل على الشيخ النائيني(قده) قائلاً إن ما ذكرته من دليلٍ ومن وجهٍ يتم على مبناك والذي تفسّر فيه الحكم بالاعتبار أما بناءً على تفسيري الذي أرى فيه أن الحكم عبارة عن الارادة لا أكثر فلا توجد مرحلتان - جعل ومجعول - بل الفعليّة موجودة حين الجعل فإن شرط فعليّة الارادة هو الوجود اللحاظي والوجود اللحاظي متحقق من البداية فيجري استصحاب الحكم الفعلي.
ثم قال(قده):- ومما يدل على صحة ما أقول - يعني أن الوجود اللحاظي هو الشرط دون الوجود الخارجي - هو أنه لو كان الشرط هو الوجود الخارجي فلازمه أنك أيها النائيني لا يمكنك أن تجري نجاسة استصحاب الماء المتغيّر إلا اذا أدخلته في غرفتك حتى يزول تغيّره.
[1] نهاية الافكار، العراقي، ج4، ص167.