34/11/09
تحمیل
الموضوع:- تنبيهات ( التنبيه الثالث:- الاستصحاب التعليقي ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
وكلا هذين قابلان للمناقشة:-
والوجه في ذلك هو أن الحكم وإن سلمنا أنه عبارة عن الارادة وسلمنا أيضاً أن شرط فعلية الارادة هو الوجود اللحاظي ولكن نقول ليس الشرط هو الوجود اللحاظي بما هو لحاظ ووجود ذهني بل هو اللحاظ بما أنه عين الخارج فإنا قد ذكرنا في أبحاث سابقة في مسألة أن الأحكام هل تتعلق بالوجود الخارجي للأشياء أو بالوجود الذهني - أعني المفاهيم الذهنية - فوجوب الصلاة بمَ هو متعلق فهل هو متعلق بالصلاة الخارجية أو بالصلاة الذهنية - أعني مفهوم الصلاة - وهناك ذكر بعضٌ أن الأحكام تتعلق بالوجودات الخارجية وممن بنى على ذلك صاحب الكفاية(قده) حيث قال إن مركز الآثار هو الوجود الخارجي والصلاة الخارجية هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر دون الصلاة الذهنية - أعني مفهوم الصلاة - وبناءً على هذا رتّب امتناع اجتماع الأمر والنهي فقال إنه بناءً على هذا سوف يلزم عند الصلاة في الدار المغصوبة اجتماع الأمر النهي لأن الوجود واحدٌ فوجود الصلاة عين وجود الغصب ووجود الغصب عين وجود الصلاة والشيء الواحد لا يتحمل حكمان فيمتنع اجتماع الأمر والنهي.
ولكن نحن ذكرنا هناك أن الأحكام لا تتعلق بالوجودات الخارجية إذ نسأل ونقول هل هي تتعلق بالوجود الخارجي بعد تحققه - يعني حينما وجدت الصلاة خارجاً وبعد ذلك المشرع يقول تجب الصلاة ؟ - إن هذا تحصيل للحاصل ، وإذا كان يتعلق بها قبل وجودها فهذا معناه التعلق بالمعدوم وهو أيضاً لا يمكن . إذن لا معنى لتعلق الأحكام بالوجودات الخارجية لهذا المحذور وغيره مما ذكرنا سابقاً ، ولكن في نفس الوقت ذُكِر أن الأحكام لا تتعلق بالوجودات الذهنية بما هي وجود ذهني فإن الوجود الذهني بما هو كذلك لا معنى لتعلق الحكم به إذ ليس مركزا للآثار وليس محبوباً ولا غير ذلك ولكن هناك شيءٌ متوسط تتعلق به الأحكام وهو الوجود الذهني والمفهوم الذهني بما هو عين الخارج فإن الله عز وجل أعطى للذهن البشري قدرة على أن الخارج من خلال المفاهيم الذهنية وذكرنا عدّة شواهد لذلك من قبيل أن الانسان الجالس في الغرفة ويتذكر التاريخ الماضي فإذا ذكر أيام زواجه مثلاً فيفرح وإذا ذكر العس فالعكس وكذلك الخطيب الحسيني يقرأ المصيبة ونحن نبكي فالبكاء على ماذا فهل هو على المفاهيم الذهنية ؟ إنه ليس له معنى بل نحن نرى الخارج بتلك المفاهيم الذهنية . إذن هناك حدٌّ متوسط وهو المفهوم الذهني بما هو عين الخارج فالأحكام تتعلق بالمفاهيم الذهنية بما هي عين الخارج وحينئذ لا يرد اشكالٌ بناءً على هذا وأنت لاحظ نفسك فإنك حينما تصدر حكماً على شيءٍ كيف تصدره ؟ فحيمنا تقول ( اطبخوا الطعام ) فهل تصدره على الطعام المطبوخ فهذا ليس له معنى إذ هو مطبوخٌ ، أو أنك تصدره على المفهوم الذهني كما هو مفهوم ذهني وهذا أيضا لا معنى له وإنما هو بهذا الشكل الذي ذكرناه - والظاهر أن الشيخ العراقي(قده) قد يقبله في باب الأحكام - فإذا قبلنا هذا في باب الأحكام نسرّيه ونسحبه الى المقام فنقول إن شرط الارادة ليس هو الوجود الخارجي كما قال الشيخ العراقي(قده) ولكن في نفس الوقت نقول إن الشرط ليس هو اللحاظ الذهني بما هو لحاظ فإن اللحاظ بما هو لحاظ لا يسمن ولا يغني من جوع ولا معنى لصيرورة الارادة فعليّة بمجرد اللحاظ بما هو لحاظ وإنما الشرط هو اللحاظ بما هو عين الخارج ، هكذا ينغي أن يقول الشيخ العراقي(قده) .
وإذا قبل بهذا وألزمناه به فنقول له - تكملة للحديث -:- وفي مقامنا لا يمكن أن ننظر الى الغليان - الذي هو الشرط - كصورة ذهنية هي عين الخارج لأنه لو فرضنا خارجاً تحقق الغليان وافترضنا تحقق الغليان للعنب سابقاً فهو لا يصير بعد ذلك زبيباً . إذن نحن ننظر الى العنب من دون أن يغلي وإلا إذا لاحظناه قد غلى فهو لا يصير زبيباً ، وعلى هذا الأساس لأجل المورد توجد خصوصيّة لا يمكن أن يلحظ مفهوم الغليان - الذي هو الشرط - بما هو عين الخارج - أي بما هو متحقق - فإنه إذا نظرنا إليه كذلك فلا يصير حينئذ بعد ذلك زبيباً بل نفترض أن الغليان ليس متحقق في الخارج فمفهوم الغليان لا يلحظ بما هو عين الخارج ومعه كيف تصير الارادة فعليّة وبالتالي كيف يجري استصحاب الحكم الفعلي إن الارادة لا تصير فعليّة والحكم لا يصير فعلياً وبالتالي لا يمكن جريان استصحاب الحكم التعليقي لعدم كونه فعلياً.
بهذا يتضح أن الأمور الثلاثة التي ذكرت سابقاً لإثبات أن الشرط هو اللحاظ كلها مدفوعة فإنه ذكر سابقاً ثلاثة أمور لإثبات أن الشرط هو اللحاظ الأول والثاني ذكرهما الشيخ العراقي(قده) والثالث ذكره السيد الحكيم(قده) فالشيخ العراقي قال:-
الأمر الأول:- إن الحكم مادام هو الارادة والارادة أمر نفسي فلا يمكن أن يكون شرطها هو الوجود الخارجي بل لابد وأن يكون شرطها الوجود النفسي أيضاً واللحاظ الذهني فإن الأمر الذهني - أعني الارادة - لابد وأن يكون شرطه ذهني أيضاً .
وقد اتضح جوابه:- فإنا نسلم له أن شرط الأمر الذهني لا بد وأن يكون ذهنياً - أي لابد وأن يكون الشرط هو لحاظ الشيء كلحاظ الغليان مثلاً دون الوجود الخارجي - ولكن ليس الشرط هو اللحاظ بما هو لحاظ بل بما هو عين الخارج والمفروض هنا أنه لا يمكن أن نلحظ مفهوم الغيان بما هو عين الخارج وإلا لم يصر العنب زبيباً فقد فرضنا أذن خارجاً أنه لا غليان.
وأما الامر الثاني:- هو أنه ذكر أن الفقهاء يجرون استصحاب نجاسة الماء المتغيّر والحال أنه لا يوجد عندهم حين اجراء الاستصحاب وجود خارجي - يعني وجود ماء متغير ثم زال تغيره - بل أقصى ما هناك هو اللحاظ وهذا معناه أن اللحاظ يكفي لفعليّة الحكم بالنجاسة وجريان استصحاب النجاسة.
وقد اتضح جوابه حيث يقال:- صحيح أنهم يستعينون باللحاظ كما قال(قده) ولكن أقول إنهم لا يستعينون باللحاظ بما هو لحاظ بل بما هو عين الخارج ويرون به الخارج وفي مقامنا لا يمكن أن يكون لحاظ الغليان بما هو عين الخارج لخصوصيّة في المقام كما أشرنا.
وأما ما ذكره السيد الحكيم(قده):- والذي كان حاصله هو أن المجعول عين الجعل ولا يمكن الانفكاك بينهما فلو فرض أن الفعلية تحققت بعد ذلك - أي عند تحقق الشرط بوجوده الخارجي - يلزم من ذلك انفكاك المجعول عن الجعل فالجعل صدر من المشرّع قبل ألف سنة أو أكثر مثلاً بينما المجعول - أعني الفعلية - قد تحققت الآن - حين الاستطاعة الآن - فقد انفك بذلك المجعول عن الجعل والحال أن الجعل عين المجعول والتغاير بينهما ليس إلا اعتبارياً.
وفي مقام التعليق نقول:- إن المشرّع حينما صدر منه الجعل ماذا جعل ؟ هل جعل الفعلية ؟ إنه إذا جعل الفعلية الآن - أي حين الجعل - فنسلّم أنه لو لم تتحقق الفعليّة الآن وتحققت بعد ذلك - أي حين تحقق الاستطاعة خارجاً - يلزم انفكاك الجعل عن المجعول ولكن نقول إن الذي تحقق من المولى هو جعل القضيّة الشرطية - يعني إن استطعت تحقق وجوب فعلي - فالمولى لم يجعل الآن الوجوب الفعلي بشكلٍ مطلق بل جعله مشروطٌ - أي إن استطعت أما إذا لم تستطع فإنا لم أجعله - وعلى هذا الأساس يكون المجعول هو الوجوب الفعلي على تقدير تحقق الشرط - فهذا هو المجعول - وهذا قد تحقق بالجعل فبنفس الجعل قد تحقق انفكاكٌ بينه وبين الجعل وأما ذلك الوجوب الفعلي الذي يتحقق بعد ذلك فهو وجوب فعليّ ليس على مستوى القضيّة الشرطية بل هو وجوب فعليّ لا على نحو القضية الشرطية وهذا ليس مجعولاً حين الجعل - أو بالجعل - حتى تقول إنه سوف يلزم التفكيك بين ما هو المجعول وبين الجعل ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها .
نعم من حق السيد الحكيم أن يقول:- أنا سلمت ما تقول ولكن أسأل وأقول:- أن هذا الوجوب البعدي ممَّ يحصل ؟ فهل يحصل وحده بلا علّة وهذا لازمه صدور المعلول بلا علة ، أو تقول إن الاستطاعة هي التي تحقق الوجوب وهذا لا معنى له أيضاً فإن الاستطاعة ليست محققة للوجوب وإنما المحقق هو الجعل وفعل الله عز وجل دون نفس الاستطاعة ، وإذا قلت إن ذلك الجعل السابق هو الذي يحقّق هذا الوجوب الفعلي فهذا معناه انفكاك المعلول عن العلّة وبذلك عاد الإشكال.
وجوابه:- إن هذا الوجوب الفعلي الحاصل بالاستطاعة الخارجية ليس وجوباً ذا وجودٍ حقيقيّ حتى يقال من أين حصل وإنما هو مجرد اعتبار ولا محذور في أن يتحقق هذا الاعتبار المتأخر بسبب ذلك الجعل المتقدم فالعقلاء يرون - على مستوى الاعتبارات عندهم أن وجوب الحج صار فعلياً الآن ولكن هذا الوجود ليس وجوداً حقيقياً بمعنى أن الدنيا ازدادت وتحقق في عالم الوجود الخارجي شيءٌ زائد كلا وإنما هو مجرد اعتبار ولا محذور في أن هذا الاعتبار يتأخر وسببه يكون متقدماً كما هو الحال في باب التدبير وهكذا في باب الوصية فإن الشخص لو أوصى قبل وفاته وقال ( لفلان كذا بعد وفاتي ) فبعد الموت تتحقق الملكية للموصى له بتلك الوصية المتقدمة وهل هذا شيءٌ مستحيل ؟ كلا إنه مجرد اعتبار ولا محذور في أن هذا الاعتبار يتحقق بذلك الشيء المتقدّم .