35/01/15
تحمیل
الموضوع:-
تنبيهات / التنبيه الرابع ( الأصل المثبت ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
وفيه:- إنه(قده)
إذا أراد الاستناد إلى المثال الذي ذكره بحيث يجعل هذا المثال دليلاً على ما أراد –
يعني أنه ذكره لإثبات أن النجاسة لم تبتنِ شرعاً على السببيّة بل على الاعتبار - فيرد
عليه أن هذا توسعة للإشكال وليس دفعاً له فنحن نوسّع أشكالنا من مقامنا إلى هذا
المثال ونقول إنه من قال إن استصحاب طهارة الأول واستصحاب نجاسة الثاني يكونان
جاريين ، فالهدف من ذلك ماذا ؟ إن الهدف ليس إلا إثبات أن الطاهر - أعني الأول - تنجس
بملاقاة الثاني فإن الهدف من الاستصحاب لابد وأن يكون هو هذا وهذا لا يمكن الأخذ
به فإن نجاسة الأوّل لم تنشأ من نجاسة الثاني فالإشكال سوف يتسّع لهذا المثال لا
أن هذا المثال يصير دافعاً للإشكال فإذا كان الإشكال في مساحة ضيّقة فالآن سوف
يتوسّع ولم نرفع الإشكال فنحن نشكل حتى في هذا المثال ونقول من قال إن
الاستصحابين - أي استصاب طهارة هذا واستصحاب نجاسة ذاك - يجريان وبالتالي نحكم
بنجاسة الأول بسبب ملاقاته للثاني فهذا أوّل الكلام ؟!وأما إذا كان مقصوده من ذكر هذا المثال هو توضيح المطلب الفكرة لا أنه ذكره كدليلٍ بل غاية ما يقال هو يريد أن يقول إنه بقطع النظر عن هذا المثال إن باب النجاسة مبنيّ على فكرة الاعتبار وليس على فكرة التسبيب ، إن هذا هو الذي يريد أن يدّعيه.
ونحن نقول:- سلمنا هذا ولكن هذا لا يدفع الاشكال فإن الشارع إما أنه يعتبر النجاسة في اليد الملاقية فيما إذا تحقق موضوع النجاسة فإنه اعترف بذلك حيث قال إن الشارع يعتبر النجاسة عند تحقّق موضوعها ونحن نسأل ما هو موضوعها ؟ هو نجاسة الملاقى - يعني بدن الحيوان - فلابد وأن يثبت أن بدن الحيوان نجسٌ فحينئذٍ يعتبر الشارع النجاسة للملاقي ولكن كيف يثبت هذا الموضوع - أعني نجاسة الملاقى - ؟ إنه يثبت من خلال الاستصحاب - يعني استصحاب بقاء نجاسة البدن - فإذا جرى تنقّح موضوع نجاسة الملاقي - اليد - ويعتبر الشارع النجاسة لليد ولكن إذا فرض أنه جرى الاستصحاب في بدن الحيوان وثبت الموضوع وأما إذا لم يثبت الموضوع فلا يعتبر الشارع النجاسة لليد الملاقية ومن قال إن الأصل يجري في بدن الحيوان ؟ إن الكلام هنا والنزاع هنا وهو أن الاستصحاب في نجاسة البدن يجري أو لا ؟ فإن جرى نقّح الموضوع وأما إذا لم يجرِ فلا يتنقّح الموضوع وحينئذ نسأل هل يجري أو لا ؟ إن الأعلام الثلاثة يقولون إنه لا يجري لأن جريانه فرع وجود أثرٍ له وإلا فهو لا يجري لأنه لغوٌ ، والأثر ما هو ؟ إذا كان الأثر هو إثبات تنجّس اليد عند عدم وجود النجاسة على بدن الحيوان فهذا لا يمكن لأن بدن الحيوان آنذاك طاهر فكيف تتنجس اليد بملاقاة بدن الحيوان ، وإن كان هو إثبات نجاسة اليد بملاقاة بدن الحيوان عند وجود النجاسة على بدن الحيوان فحينئذ تتنجس اليد بملاقاة النجاسة وليس بملاقاة بدن الحيوان فاستصحاب نجاسة بدن الحيوان يعود بلا أثر فلم يتنقّح موضوع نجاسة الملاقي حتى يعتبر الشارع النجاسة للملاقي ، هذا ما نقوله في مناقشته(قده).
وبهذا اتضح أن ما أفاده في المصباح والتنقيح قابل للتأمل.
الإشكال الثالث:- وهو للشيخ أغا رضا الهمداني(قده)[1] ووافقه السيد الخوئي(قده) على ذلك في التنقيح[2] وحاصله:- إن استصحاب نجاسة البدن لا يجري حتى بناءً على تنجّس بدن الحيوان فكما أن استصحاب بقاء النجاسة لا يجري كذلك استصحاب نجاسة بدن الحيوان لا يجري حتى إذا قلنا بتنجّس بدن الحيوان وذلك لنكتةٍ خاصةٍ وهو أنه جاءت ورايات تدلّ على أن الطير الجارح إذا وضع منقاره في الماء فلا يحكم بنجاسة الماء إلا أن ترى في منقاره دماً ، من قبيل موثقة عمار الساباطي:- ( كل شيء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دماً فلا تتوضأ منه ولا تشرب )[3] ، وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام:- ( سألته عن الدود يقع من الكنيف على الثوب أيصلى فيه ؟ قال:- نعم إلا أن ترى فيه أثراً فتغسله )[4] ، إن هاتين الروايتين تدلّان على أن المدار في الحكم بالنجاسة هو على رؤية الدم على المنقار وهذا يعني أنه لو شكّ في بقاء النجاسة فلا يجري الاستصحاب فإن المدار على الرؤية فإذا لم ترَ فتوضأ من الماء وهذا معناه أن الاستصحاب لا يجري ويرفض الشارع إجراء الاستصحاب . إذن هذه الثمرة باطلة من هذه الجهة - أي من جهة أن هذه الرواية تدلّ على أن الاستصحاب غير قابل للجريان على كلا الاحتمالين فإن الشارع يريد رؤية النجاسة بالعين - ، هكذا ذكر العلمان الهمداني والخوئي.
وأضاف السيد الخوئي(قده) إضافة حاصلها أنه لا يقول قائل:- صحيح أن الشارع اعتبر العلم بالنجاسة ولكن الاستصحاب الجاري يقوم مقام العلم الطريقي فإن العلم هنا مأخوذٌ بنحو الطريقية والرؤية مأخوذة بنحو الطريقية - يعني الى وجود النجاسة - والاستصحاب يُثبِت وجود النجاسة فيقوم مقام العلم الطريقي وقد قرأنا في موضعه المناسب أن الاستصحاب يقوم مقام العلم الطريقي.
أجاب(قده) وقال:- إن العلم هنا مأخوذٌ بنحو الصفتيّة دون الطريقيّة والاستصحاب لا يقوم مقام الصفتيّة وإنما يقوم مقام العلم الطريقي.
أما كيف أن العلم هنا صفتي وليس بطريقي ؟ فهذا لم يتعرض إليه(قده).
ثم قال:- ولو تنزلنا وقلنا إن العلم طريقيّ فالمناسب هو أن الاستصحاب يجري سواءً بنينا على أن جسم الحيوان يتنجس أو بنينا على أنه لا يتنجس فحتى لو بنينا على أنه لا يتنجس يجري استصحاب بقاء النجاسة ولا يكون مثبتاً خلافاً لما كنا نقول سابقاً من أن استصحاب بقاء النجاسة على البدن يكون مثبتاً كلّا إنه لا يكون مثبتاً والوجه في ذلك هو إن الرواية قالت:- ( إلا أن ترى في منقاره دماً ) ولم تقل ( إلا أن يصيب الدم الذي على المنقار الماء ) كلّا بل مجرد وجود الدم على المنقار كافٍ للحكم بنجاسة الماء عند ملاقاة الماء للمنقار فيكفي للتنجس مجرد ملاقاة المنقار مادام يوجد دم ولو في أعلى المنقار فأنا استصحب بقاء الدم على المنقار في طرفه الأعلى وحينئذٍ أقول إن ملاقاة المنقار للماء وجدانية ووجود الدم على الطرف الأعلى للمنقار ثابت بالاستصحاب والرواية لم تشترط أن يكون الدم الذي على المنقار يصيب الماء ، فإذن نحكم بنجاسة الماء حتى بناءً على أن بدن الحيوان لا يتنجس فالثمرة إذن باطلة.
والمناسب هو إما عدم جريان الاستصحاب على كلا التقديرين أو جريانهما على كلا التقديرين فالعلم إذا كان صفتياً فالمناسب هو أنه لا يجري على كلا التقديرين وإذا كان طريقياً فالمناسب أنه يجري على كلا التقديرين.