35/03/10
تحمیل
الموضوع:- التنبيه الخامس ( الاستصحاب في
الموضوعات المركبة ) / تنبيهات / الاستصحاب / الأصول العملية.
ومن الفروع التي رتّبها على ذلك مسألة الدرهم من الدّم فإنا نعرف أن الدّم في الصلاة من موانع صحتها فلا تجوز الصلاة في الثوب المتنجّس بالدّم، نعم إذا كان الدم بمقدار الدرهم فتجوز الصلاة فيه وهذا حكمٌ ترخيصيٌّ فإذا شككنا أن هذا درهم من الدّم أو أكثر منه فلا تجوز الصلاة فيه فإن الرخصة لا تثبت إلا إذا أحرزنا كون هذا الدّم بمقدار الدرهم.
ومن هذا القبيل أيضاً لو فرض أنّا وجدنا طعاماً كما لو رأيت تفاحةً ولا أدري أنها لي أو ليست لي فإذا كانت لي فيجوز لي حينئذٍ أن آكلها فهل يجوز أكلها أو لا يجوز ؟ وهكذا التصرف في جميع الأشياء إذا شككت في أنها لي أو ليست لي أو أن صاحبها يأذن أو لا يأذن ؟ إنه في مثل هذه الحالة لا يجوز التصرّف في ذلك لأنه هنا الرخصة ثبتت للتصرف في عنوان أنه مالك وعنوان مالك لم تحرزه فالرخصة إذن لا تكون ثابتة ز هذه بعض الفروع التي رتبّها(قده) على القاعدة المذكورة.
وفي مقام التعليق نقول:- إن ما ذكره (قده) - أي في مجموع الصور الثلاث - يعتمد على أصلين موضوعيين الأوّل هو إن الطهارة على ما يستفاد من حديث ( إذا بلغ الماء قدر كر فلا ينجسه شيء ) الطهارة ثابتة فيما إذا سبق عنوان الكريّة على الملاقاة فسبق عنوان الكريّة على الملاقاة هو موضوع الطهارة وعلى ضوء ذلك حكم بالنجاسة في الصورة الأولى وفي الصورة الثانية، والأصل الثاني هو القاعدة التي أشار إليها ( وهي أن الرخصة الثابتة للعنوان الوجودي لا تثبت إلا إذا أحرزنا ثبوت ذلك العنوان الوجودي ) هذان شيآن اعتمد عليهما الشيخ النائيني(قده) وبسبب هذه القاعدة حكم في الصورة الثالثة بالنجاسة وبسب الأصل الأوّل حكم في الصورتين الأوليين بالنجاسة . إذن هذان الأصلان هما المدرك للحكم بالنجاسة في الصور الثلاث.
أما بالنسبة الى الأصل الأوّل - أعني أن المستفاد من الحديث أن الطهارة أثرٌ لسبق الكريّة - فنعلّق عليه ونقول:-
أولاً:- إن الحديث لا يستفاد منه ذلك، نعم إذا أردنا أن نتماشى مع ألفاظه فربما يقال باستفادة ذلك لأنه قال ( إذا بلغ الماء قدر كرٍّ ) ثم قال ( فلا ينجسّه شيء ) وهذا معناه أن الكريّة لا بد وأن تكون ثابتة في مرحلة سابقة ثم حينئذٍ الملاقاة لا تنجّسه، إنه إذا أردنا أن نتماشى مع الألفاظ فلا يبعد ما قاله(قده) ولكن نقول إن التماشي مع الألفاظ ليس شيئاً محموداً دائماً فإنه هنا نحتمل أن يكون مقصود المتكلم هو أن الكرّ لا ينفعل وغير الكرّ ينفعل، إنه يريد أن يبيّن هذا المقدار، وهذا المطلب كما يمكن بيانه بهذا اللسان يمكن بيانه بذاك اللسان أيضاً - يعني كما يمكن بيانه بلسان ( الكرّ لا ينفعل وغير الكرّ ينفعل ) يمكن بيانه بلسان الرواية ( إذا بلغ الماء قدر كرّ فلا ينجسه شيء ) ومادام يمكن تأديته بكلا اللسانين فالمحكَّم آنذاك و المرتكزات العرفيّة ومناسبات الحكم والموضوع ولا إشكال في أن المرتكز في الأذهان أن الكرّ يمنع الانفعال بخلاف غير الكرّ أما عنوان سبق الكريّة فهو شيءٌ لا مدخليّة له . إذن التماشي مع الألفاظ بهذا الشكل ليس شيئاً محموداً مادام يصحّ للمتكلم أن يعبّر بهذا التعبير أو بذاك التعبير فالمناسب في مثل ذلك تحكيم مناسبات الحكم والموضوع والمرتكزات العقلائيّة والعرفيّة وهذه قضيّة مهمّة فليس من الصحيح دائماً التماشي مع الألفاظ ترك المرتكزات ومناسبات الحكم والموضوع بل علينا مراعاتها مادام يصحّ للمتكلم كلا التعبيرين . نعم إذا لم يصحّ له كلا التعبيرين وعدل الى تعبيرٍ خاصّ والتعبير الثاني كان لا يجوز فنعم يقال إن هذا صحيحٌ أما إذا فرض أنه يصحّ له هذا التعبير وذاك فكيف تمكنك أيها الشيخ النائيني(قده) أن تقول أنا أستفيد من هذا الحديث أن المقصود هو اشتراط سبق الكريّة ؟! إن هذا من أين أتبت به فإن المتكلم يصحّ له هذا التعبير أو ذاك !! فأنت تقول لي:- إذن صار الكلام مجملاً فنحتمل أن سبق الكريّة شرطٌ فلماذا تحكّم احتمالك على احتمالي ؟! فأقول لك:- إن مناسبات الحكم والموضوع هي المحكَّمة في هذا المجال وهي لا تقتضي اعتبار سبق الكريّة فإنها ترى أن الكريّة مانعة أما عنوان السبق فلا مدخليّة له.
وثانياً:- لو سلمنا أن الطهارة أثرٌ لسبق الكريّة وبالتالي لا يمكن إثباتها باستصحاب عدم الملاقاة في أزمنة عدم الكريّة ولكن نقول إن الاستصحاب المذكور لا يكون جريانه لغواً وبلا أثر فإنا ننتفع به لنفي موضوع النجاسة فإن أحد جزئي موضوع النجاسة هو الملاقاة عند عدم الكريّة ونحن ننفي الملاقاة بالأصل فموضوع النجاسة قد انتفي بالأصل المذكور وأما الطهارة فنسلّم أنها لم تثبت ولكن بالتالي بهذا المقدار ينتفي محذور اللغوية إذ يمكن بعد انتفاء موضوع النجاسة الرجوع إلى أصل الطهارة فإن المانع من الرجوع إليه هو تحقّق موضوع النجاسة أما إذا نُفي موضوع النجاسة ونُفيت الملاقاة فلا يعود مانعٌ آنذاك من العودة إلى أصل الطهارة وبهذا لا يلزم اللغوية فإن شرط جريان الأصل وجود أثرٌ وإنما اشترطنا الأثر حتى لا تلزم اللغويّة ويكفي في رفع اللغوية هذا المقدار - وهو رفع موضوع النجاسة - إذ يكون الطريق آنذاك معبّداً للتمسّك بأصل الطهارة.
وثالثاً:- لو تنزّلنا وسلمنا أن هذا المقدار لا يكفي لرفع اللغوية - يعني نفي موضوع النجاسة ومن ثم التمسك بأصل الطهارة بعد ذلك - ولكن نقول إنه بالإمكان أن نجري استصحاب عدم الملاقاة في أزمنة عدم الكريّة بلا حاجة إلى الرجوع إلى أصل الطهارة وذلك لترتيب الأثر في مورد ما إذا كانت النجاسة مانعةً وليست الطهارة شرطاً فإنه في بعض الموارد تكون الطهارة شرطاً لجواز الفعل وأخرى نستفيد من الدليل أن النجاسة مانعةٌ لا أن الطهارة شرطٌ وربما يقال ذلك في ثوب المصلّي فنجاسته مانعة لا أن الطهارة شرط - ومن الواضح أن هذا يرجع فيه إلى ما يستفاد من الدليل - فلو فرضنا أننا استفدنا من الدليل مانعيّة النجاسة لا شرطيّة الطهارة فنفي النجاسة إذن بهذا الأصل سوف يكون ذا أثرٍ بلا حاجة إلى الرجوع إلى أصل الطهارة فليس الأثر ينحصر دائماً بالطهارة حتى يقول الشيخ النائيني(قده) إن هذا الأثر لا يثبت إلا إذا أحرزنا سبق الكريّة، كلا فقد تكون في بعض الموارد النجاسة مانعة وفي مثل ذلك يكفينا نفي موضوع النجاسة لترتيب الأثر بلا حاجة إلى الرجوع إلى أصل الطهارة وإثبات سبق عدم الكريّة . هذا كلّه بالنسبة الى ما أفاده في أصل الأوّل.
وأما ما أفاده في الأصل الثاني:- من أنه هناك فهم عرفي أن الرخصة متى ما ثبتت لعنوان وجودي فلا تثبت الرخصة إلا إذا أحرز ثبوت ذلك العنوان - فقبل أن نعلّق عليه ندافع عن الشيخ النائيني(قده) في البداية ثم بعد ذلك نذكر التعليق.
فقد يشكل على الشيخ النائيني(قده) بإشكالين:-
الاشكال الأوّل:- إنك لم تتمسك بالرخص الثابتة للعنوان الوجودي وهذا في الحقيقة شيءٌ مسلّم بلا حاجة الى الفهم العرفي والقاعدة التي ذكرتها فإن كلّ حكمٍ ثابتٍ لموضوعٍ لا يمكن إثبات ذلك الحكم إلا بإحراز ذلك الموضوع وإلا كان من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، فالرخصة حكمٌ ثبتت لعنوان الكرّ مثلاً فلابد من إحراز الكرّ حتى تثبت تلك الرخصة، أما إذا كنّا نريد أن نثبت تلك الرخصة والجواز بلا إحراز الكريّة فهذا لا يجوز لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة . وهذا في الحقيقة ليس إشكالاً وإنما هو في روحه يراد أن يقال إن ما ذكرته ليس شيئاً وقاعدةً جديدةً بل هو شيءٌ مسلّمٌ فثبوت الحكم فرع ثبوت الموضوع.
الاشكال الثاني:- إنك قلت نحن نتمسك آنذاك بالحكم اللزومي - يعني الحكم بانفعال الماء - ونحكم بأن الماء ينفعل والحال أن الحكم بالانفعال مرجعه في الحقيقة إلى التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة لأن العام يقول إن الذي ينفعل هو الماء مع كونه كرّاً فإن عنوان الكرّ قد خرج بالمخصّص فبقي غير الكرّ فالماء غير الكرّ هو الذي ينفعل فكيف تتمسك حينئذٍ وتحكم بالانفعال ؟! ما هذا إلا تمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة.
إذن حكمك بعدم ثبوت الرخصة شيءٌ مسلّم عند الجميع بلا حاجة إلى تأسيس عنوان ( قاعدة )، وقولك بأنه نرجع إلى الحكم اللزومي مرفوض أشدّ الرفض لأنه تمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، يعني أنت بالتالي تريد أن تقول يجوز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة يعني أن العموم الذي يقول إن ( كلّ ماءٍ ينفعل ) تريد أن تتمسك به رغم أن الشبهة مصداقيّة لأن هذا العموم مقيّد بأن لا يكون الماء كرّ والمفروض أنه مشكوكٌ فهذا تمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة . إذن هذه دعواك مبنيّة على حجية العام والتمسك بالعام في الشبهات المصداقيّة يعني بلحاظ جزئها الثاني وهو إثبات الحكم اللزومي - أما بلحاظ الجزء الأوّل فلا - فبلحاظ الجزء الثاني أنت تقول بحجية العام في الشبهة المصداقيّة . هذا إشكالٌ قد يختلج في الذهن في مقابل الشيخ النائيني(قده).
ومن الفروع التي رتّبها على ذلك مسألة الدرهم من الدّم فإنا نعرف أن الدّم في الصلاة من موانع صحتها فلا تجوز الصلاة في الثوب المتنجّس بالدّم، نعم إذا كان الدم بمقدار الدرهم فتجوز الصلاة فيه وهذا حكمٌ ترخيصيٌّ فإذا شككنا أن هذا درهم من الدّم أو أكثر منه فلا تجوز الصلاة فيه فإن الرخصة لا تثبت إلا إذا أحرزنا كون هذا الدّم بمقدار الدرهم.
ومن هذا القبيل أيضاً لو فرض أنّا وجدنا طعاماً كما لو رأيت تفاحةً ولا أدري أنها لي أو ليست لي فإذا كانت لي فيجوز لي حينئذٍ أن آكلها فهل يجوز أكلها أو لا يجوز ؟ وهكذا التصرف في جميع الأشياء إذا شككت في أنها لي أو ليست لي أو أن صاحبها يأذن أو لا يأذن ؟ إنه في مثل هذه الحالة لا يجوز التصرّف في ذلك لأنه هنا الرخصة ثبتت للتصرف في عنوان أنه مالك وعنوان مالك لم تحرزه فالرخصة إذن لا تكون ثابتة ز هذه بعض الفروع التي رتبّها(قده) على القاعدة المذكورة.
وفي مقام التعليق نقول:- إن ما ذكره (قده) - أي في مجموع الصور الثلاث - يعتمد على أصلين موضوعيين الأوّل هو إن الطهارة على ما يستفاد من حديث ( إذا بلغ الماء قدر كر فلا ينجسه شيء ) الطهارة ثابتة فيما إذا سبق عنوان الكريّة على الملاقاة فسبق عنوان الكريّة على الملاقاة هو موضوع الطهارة وعلى ضوء ذلك حكم بالنجاسة في الصورة الأولى وفي الصورة الثانية، والأصل الثاني هو القاعدة التي أشار إليها ( وهي أن الرخصة الثابتة للعنوان الوجودي لا تثبت إلا إذا أحرزنا ثبوت ذلك العنوان الوجودي ) هذان شيآن اعتمد عليهما الشيخ النائيني(قده) وبسبب هذه القاعدة حكم في الصورة الثالثة بالنجاسة وبسب الأصل الأوّل حكم في الصورتين الأوليين بالنجاسة . إذن هذان الأصلان هما المدرك للحكم بالنجاسة في الصور الثلاث.
أما بالنسبة الى الأصل الأوّل - أعني أن المستفاد من الحديث أن الطهارة أثرٌ لسبق الكريّة - فنعلّق عليه ونقول:-
أولاً:- إن الحديث لا يستفاد منه ذلك، نعم إذا أردنا أن نتماشى مع ألفاظه فربما يقال باستفادة ذلك لأنه قال ( إذا بلغ الماء قدر كرٍّ ) ثم قال ( فلا ينجسّه شيء ) وهذا معناه أن الكريّة لا بد وأن تكون ثابتة في مرحلة سابقة ثم حينئذٍ الملاقاة لا تنجّسه، إنه إذا أردنا أن نتماشى مع الألفاظ فلا يبعد ما قاله(قده) ولكن نقول إن التماشي مع الألفاظ ليس شيئاً محموداً دائماً فإنه هنا نحتمل أن يكون مقصود المتكلم هو أن الكرّ لا ينفعل وغير الكرّ ينفعل، إنه يريد أن يبيّن هذا المقدار، وهذا المطلب كما يمكن بيانه بهذا اللسان يمكن بيانه بذاك اللسان أيضاً - يعني كما يمكن بيانه بلسان ( الكرّ لا ينفعل وغير الكرّ ينفعل ) يمكن بيانه بلسان الرواية ( إذا بلغ الماء قدر كرّ فلا ينجسه شيء ) ومادام يمكن تأديته بكلا اللسانين فالمحكَّم آنذاك و المرتكزات العرفيّة ومناسبات الحكم والموضوع ولا إشكال في أن المرتكز في الأذهان أن الكرّ يمنع الانفعال بخلاف غير الكرّ أما عنوان سبق الكريّة فهو شيءٌ لا مدخليّة له . إذن التماشي مع الألفاظ بهذا الشكل ليس شيئاً محموداً مادام يصحّ للمتكلم أن يعبّر بهذا التعبير أو بذاك التعبير فالمناسب في مثل ذلك تحكيم مناسبات الحكم والموضوع والمرتكزات العقلائيّة والعرفيّة وهذه قضيّة مهمّة فليس من الصحيح دائماً التماشي مع الألفاظ ترك المرتكزات ومناسبات الحكم والموضوع بل علينا مراعاتها مادام يصحّ للمتكلم كلا التعبيرين . نعم إذا لم يصحّ له كلا التعبيرين وعدل الى تعبيرٍ خاصّ والتعبير الثاني كان لا يجوز فنعم يقال إن هذا صحيحٌ أما إذا فرض أنه يصحّ له هذا التعبير وذاك فكيف تمكنك أيها الشيخ النائيني(قده) أن تقول أنا أستفيد من هذا الحديث أن المقصود هو اشتراط سبق الكريّة ؟! إن هذا من أين أتبت به فإن المتكلم يصحّ له هذا التعبير أو ذاك !! فأنت تقول لي:- إذن صار الكلام مجملاً فنحتمل أن سبق الكريّة شرطٌ فلماذا تحكّم احتمالك على احتمالي ؟! فأقول لك:- إن مناسبات الحكم والموضوع هي المحكَّمة في هذا المجال وهي لا تقتضي اعتبار سبق الكريّة فإنها ترى أن الكريّة مانعة أما عنوان السبق فلا مدخليّة له.
وثانياً:- لو سلمنا أن الطهارة أثرٌ لسبق الكريّة وبالتالي لا يمكن إثباتها باستصحاب عدم الملاقاة في أزمنة عدم الكريّة ولكن نقول إن الاستصحاب المذكور لا يكون جريانه لغواً وبلا أثر فإنا ننتفع به لنفي موضوع النجاسة فإن أحد جزئي موضوع النجاسة هو الملاقاة عند عدم الكريّة ونحن ننفي الملاقاة بالأصل فموضوع النجاسة قد انتفي بالأصل المذكور وأما الطهارة فنسلّم أنها لم تثبت ولكن بالتالي بهذا المقدار ينتفي محذور اللغوية إذ يمكن بعد انتفاء موضوع النجاسة الرجوع إلى أصل الطهارة فإن المانع من الرجوع إليه هو تحقّق موضوع النجاسة أما إذا نُفي موضوع النجاسة ونُفيت الملاقاة فلا يعود مانعٌ آنذاك من العودة إلى أصل الطهارة وبهذا لا يلزم اللغوية فإن شرط جريان الأصل وجود أثرٌ وإنما اشترطنا الأثر حتى لا تلزم اللغويّة ويكفي في رفع اللغوية هذا المقدار - وهو رفع موضوع النجاسة - إذ يكون الطريق آنذاك معبّداً للتمسّك بأصل الطهارة.
وثالثاً:- لو تنزّلنا وسلمنا أن هذا المقدار لا يكفي لرفع اللغوية - يعني نفي موضوع النجاسة ومن ثم التمسك بأصل الطهارة بعد ذلك - ولكن نقول إنه بالإمكان أن نجري استصحاب عدم الملاقاة في أزمنة عدم الكريّة بلا حاجة إلى الرجوع إلى أصل الطهارة وذلك لترتيب الأثر في مورد ما إذا كانت النجاسة مانعةً وليست الطهارة شرطاً فإنه في بعض الموارد تكون الطهارة شرطاً لجواز الفعل وأخرى نستفيد من الدليل أن النجاسة مانعةٌ لا أن الطهارة شرطٌ وربما يقال ذلك في ثوب المصلّي فنجاسته مانعة لا أن الطهارة شرط - ومن الواضح أن هذا يرجع فيه إلى ما يستفاد من الدليل - فلو فرضنا أننا استفدنا من الدليل مانعيّة النجاسة لا شرطيّة الطهارة فنفي النجاسة إذن بهذا الأصل سوف يكون ذا أثرٍ بلا حاجة إلى الرجوع إلى أصل الطهارة فليس الأثر ينحصر دائماً بالطهارة حتى يقول الشيخ النائيني(قده) إن هذا الأثر لا يثبت إلا إذا أحرزنا سبق الكريّة، كلا فقد تكون في بعض الموارد النجاسة مانعة وفي مثل ذلك يكفينا نفي موضوع النجاسة لترتيب الأثر بلا حاجة إلى الرجوع إلى أصل الطهارة وإثبات سبق عدم الكريّة . هذا كلّه بالنسبة الى ما أفاده في أصل الأوّل.
وأما ما أفاده في الأصل الثاني:- من أنه هناك فهم عرفي أن الرخصة متى ما ثبتت لعنوان وجودي فلا تثبت الرخصة إلا إذا أحرز ثبوت ذلك العنوان - فقبل أن نعلّق عليه ندافع عن الشيخ النائيني(قده) في البداية ثم بعد ذلك نذكر التعليق.
فقد يشكل على الشيخ النائيني(قده) بإشكالين:-
الاشكال الأوّل:- إنك لم تتمسك بالرخص الثابتة للعنوان الوجودي وهذا في الحقيقة شيءٌ مسلّم بلا حاجة الى الفهم العرفي والقاعدة التي ذكرتها فإن كلّ حكمٍ ثابتٍ لموضوعٍ لا يمكن إثبات ذلك الحكم إلا بإحراز ذلك الموضوع وإلا كان من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، فالرخصة حكمٌ ثبتت لعنوان الكرّ مثلاً فلابد من إحراز الكرّ حتى تثبت تلك الرخصة، أما إذا كنّا نريد أن نثبت تلك الرخصة والجواز بلا إحراز الكريّة فهذا لا يجوز لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة . وهذا في الحقيقة ليس إشكالاً وإنما هو في روحه يراد أن يقال إن ما ذكرته ليس شيئاً وقاعدةً جديدةً بل هو شيءٌ مسلّمٌ فثبوت الحكم فرع ثبوت الموضوع.
الاشكال الثاني:- إنك قلت نحن نتمسك آنذاك بالحكم اللزومي - يعني الحكم بانفعال الماء - ونحكم بأن الماء ينفعل والحال أن الحكم بالانفعال مرجعه في الحقيقة إلى التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة لأن العام يقول إن الذي ينفعل هو الماء مع كونه كرّاً فإن عنوان الكرّ قد خرج بالمخصّص فبقي غير الكرّ فالماء غير الكرّ هو الذي ينفعل فكيف تتمسك حينئذٍ وتحكم بالانفعال ؟! ما هذا إلا تمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة.
إذن حكمك بعدم ثبوت الرخصة شيءٌ مسلّم عند الجميع بلا حاجة إلى تأسيس عنوان ( قاعدة )، وقولك بأنه نرجع إلى الحكم اللزومي مرفوض أشدّ الرفض لأنه تمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، يعني أنت بالتالي تريد أن تقول يجوز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة يعني أن العموم الذي يقول إن ( كلّ ماءٍ ينفعل ) تريد أن تتمسك به رغم أن الشبهة مصداقيّة لأن هذا العموم مقيّد بأن لا يكون الماء كرّ والمفروض أنه مشكوكٌ فهذا تمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة . إذن هذه دعواك مبنيّة على حجية العام والتمسك بالعام في الشبهات المصداقيّة يعني بلحاظ جزئها الثاني وهو إثبات الحكم اللزومي - أما بلحاظ الجزء الأوّل فلا - فبلحاظ الجزء الثاني أنت تقول بحجية العام في الشبهة المصداقيّة . هذا إشكالٌ قد يختلج في الذهن في مقابل الشيخ النائيني(قده).