35/05/01
تحمیل
الموضوع:- التنبيه الثامن ( وجه تقديم الأمارات
على الأصول ) / تنبيهات / الاستصحاب / الأصول العملية.
والجواب:- أما بالنسبة إلى ما أشرنا إليه أخيراً - أعني أن الشيخ النائيني يقول أيضاً بكون المجعول في باب الاستصحاب هو العلميّة - فهذا شيءٌ صحيحٌ فكِلا العلمين النائيني والخوئي يقولان إن المجعول في باب الاستصحاب هو العلميّة مع فارقٍ بينهما، فإن الشيخ النائيني(قده) يقول إن المجعول في باب الاستصحاب هو العمليّة من حيث الجري العملي لا من حيث الكاشفيّة، وعلى هذا الأساس لا يصير الاستصحاب أمارة، وإنما يصير أمارة لو كان المجعول هو الكاشفيّة فإن الأمارية متقوّمة بحيثيّة الكاشفيّة لا بحيثية الجري العملي، بينما السد الخوئي(قده) فيقول إن المجعول في باب الاستصحاب هو العلميّة من حيث الكاشفيّة أيضاً وليس من حيث الجري العملي فقط، فإن اليقين له عدّة صفات وواحدة من صفاته هي الجري العملي، فإن من تيقّن بوجود الأسد خلفه سوف يهرب بسرعة، وهذا جرياً عمليّاً على طبق اليقين فإن اليقين يقتضي جرياً عمليّاً وهو الهروب، وله حيثية ثانية أيضاً وهي حيثيّة الكاشفيّة يعني أن من يتيقّن بوجود الأسد خلفه فكأنه يرى بعينه الواقع - وهو وجود الأسد - فينكشف الواقع ويزول الحجاب، فاليقين كاشفٌ عن الواقع ويقتضي جرياً عمليّاً.
يبقى أن تسأل وتقول:- ما هي خلفيّات مستند ما ذكره الشيخ النائيني(قده) وما ذكره الشيخ النائيني(قده)؟ وكيف هذا يقول إن المجعول هو العلميّة من حيث الجري العملي بخلاف ذاك ؟
والجواب:- إن المستند ليس إلّا الاستظهار - أي الاستظهار من لسان ( لا تنقض اليقين بالشك ) - فالشيخ النائيني(قده) يستظهر أنه يُراد جعل العلميّة في حالة الشك لكن من حيث مقام العمل، أما السيد الخوئي(قده) فيقول أنا استفيد أكثر من هذا فاستفيد أنه من حيث الكشف أجعلك عالماً أيضاً وليس من حيث الجري العملي فقط . والعهدة عليه.
هذا بالنسبة إلى ما يرتبط بالكلام الأخير، وهو خارج عن محلّ كلامنا وإنما ذكرته من باب الكلام يجرّ الكلام والمهمّ هو الأوّل.
وأما بالنسبة إلى ما ذكرناه أوّلاً:- أعني أنه بعدما كان الاستصحاب أمارة على رأي السيد الخوئي(قده) كسائر الأمارات فلماذا تقدّم سائر الأمارات عليه ولا يقدم هو عليها ؟ أو على الأقل يحصل التعارض ؟
أجاب(قده) فقال ما حاصله:- إن روايات الاستصحاب قد أخذت في موضوعها الشك وعدم العلم بالبقاء فمن شك بالبقاء يأخذ بالحالة السابقة المتيقّنة، فموضوعة إذن هو الشاك، فإذا لم يوجد الشاك فلا يوجد جعلٌ للعلميّة والاستصحاب حينئذٍ لا يجري، بينما الأمارات فلم يؤخذ في لسان دليلها الشك في حجيّة خبر الثقة، وهكذا في جميع الأمارات، وعليه تكون الأمارات حينئذٍ - مثل خبر الثقة - حيث إن المجعول فيها هو العلميّة فسوف يرفع بحصوله وتحقّقه موضوع الاستصحاب لأن موضوعه الشك فيرفعه، بينما لو جرى الاستصحاب فلا يمكن أن يرفع مضوع خبر الثقة لأن موضوع حجيّة خبر الثقة لم يؤخذ فيه الشك.
إن قلت:- صحيحٌ إن لسان الأمارات كخبر الثقة لم يؤخذ في حجيتّه عنوان الشك ولكن حتماً هو مأخوذ لبّاً وواقعاً، فالمشرع حينما جعل خبر الثقة حجّة وإن لم يذكر على مستوى اللسان عنوان الشك لكنّه مأخوذ لبّاً وواقعاً حتماً، والوجه في ذلك هو أنه كيف يجعل خبر الثقة حجّة تعبداً في حقّ من هو عالم بالواقع ؟ فأنا إذا كنت عالماً بأن الشمس طالعة فهل يمكن للشارع أن يجعل خبر الثقة حجّة في حقّي ويعبّدني به إذا جاء الثقة وأخبر بأن الشمس ليست طالعة أو يقول هي طالعة ؟ كلّا، لأنه ّإذا انكشف الواقع لي فلا معنى للتعبّد بما هو منكشفٌ لي بنحو اليقين، إن التعبّد بما هو معلومٌ بالوجدان مستهجنٌ وقبيح أو لا يمكن عقلائياً. وعلى هذه الأساس فدليل حجيّة الأمارة - مثل خبر الثقة - وإن لم يؤخذ الشك في لسانه ولكنّه مأخوذ واقعاً ولبّاً وحقيقةً، ومعه يتساوى الاثنان في أخذ الشك في موضوعهما غاية الأمر أن أحدهما أخذ الشكّ في موضوعه لساناً والآخر أخذ لشك في موضوعه لبّاً وواقعاً، وبالتالي لا موجب لتقديم الأمارات على الاستصحاب دون العكس.
أجاب(قده):- بأنه من قال إنه لا يمكن جعل خبر الثقة حجة تعبّداً في حقّ من انكشف له الواقع وعلم به ؟! إنّه ليس إلّا العقل، فالعقل هو الذي يقضي بذلك، ومعلومٌ إنّ العقل إنّما يقضي فيما إذا كان العلم بالواقع علماً وانكشافاً وجدانياً وحقيقياً وتكوينيّاً - يعني أرى بالعين أن الشمس طالعة - فهنا لا يمكن أن يعبّدني بحجيّة خبر الثقة الذي يقول ( الشمس طالعة أو غير طالعة )، وحينئذٍ هذا المقدار سوف يخرج من إطلاق دليل حجيّة الأمارة ويبقى الباقي تحت إطلاق دليل حجيّتها، والباقي تحت إطلاقها من هو ؟ الباقي هو الشاك والثاني هو العالم - وهو المهم - لا بالعلم الحقيقي بل بالعلم التعبّدي، ومن المعلوم أنّ الاستصحاب يفيدنا علماً تعبّدياً بناءً على أنه أمارة، فهو كسائر الأمارات يفيدنا علماً تعبّديّاً ولا يفيدنا علماً وجدانياً، فعلى هذا الأساس تبقى الأمارة قابلة لأن تكون حجّة في مورد جريان الاستصحاب ؛ إذ الواقع لم ينكشف انكشافاً حقيقيّاً بل انكشف انكشافاً تعبّدياً والعقل هنا لا يحكم باستحالة وقبح واستهجان جعل الحجيّة للأمارة في حالة انكشاف الواقع انكشافاً تعبّدياً بسبب الاستصحاب، فعلى هذا الأساس جريان الاستصحاب لا يرفع موضوع حجيّة الأمارة إذ موضوع حجيّة الأمارة ليس خصوص الشكّ بل هو شاملٌ حتى للعالم تعبّداً.
وهذا بخلاف دليل الاستصحاب فإنه أخذ في لسانه الشك فإذا قامت الأمارة ارتفع موضوع الاستصحاب . هذه هي النكتة الموجبة لتقدّم هذه الأمارة - أعني مثل خبر الثقة - على تلك الأمارة - أعني الاستصحاب - دون العكس.
هذه هي النكتة التي أفادها(قده)، وهي نكتة ظريفة بغضّ النظر عن كونها صحيحة أو ليست بصحيحة.
عود إلى صلب الموضوع:- كان كلامنا في الاحتمال الرابع وهو أن وجه تقدّم الأمارة على الاستصحاب هو الحكومة، ووجه الحكومة هو ما أشرنا إليه من أن الأمارة حيث إن المجعول فيها هو العليّمة فهي ترفع موضوع الاستصحاب وهو الشكّ، وهذا بخلاف العكس فإن الاستصحاب لو أجريناه أوّلاً لا يرفع موضوع دليل حجيّة الامارة لما أشرنا إليه.
وفيه:- إن ما ذكر يتمّ لو فرض أن المجعول في باب خبر الثقة مثلاً هو العلميّة من حيث الكاشفيّة فإنه إذا بني على هذا فيكون ما أفاده السيد الخوئي(قده) وجيهاً ونكتة مقبولة، ولكن نقول:- إن المدرك المهمّ لحجيّة خبر الثقة وبقيّة الأمارات هو سيرة العقلاء والسيرة دليل لبّي والقدر المتيقن منه هو أن العقلاء يأخذون بخبر الثقة من باب أنه كالعلم في مقام الجري العملي، فبلحاظ الجري العملي يسوّون بينها وبينه فلا فرق بينهما بلحاظ هذا الأثر، فكما هم يجرون عملاً إذا حصل لهم علمٌ بوجود الأسد كذلك يجرون عملاً إذا أخبرهم الثقة بذلك، إنهم يتعاملون مع خبر الثقة معاملة العلم ولكن من زاوية وبلحاظ الجري العملي، أما من زاوية الكشف وترتيب آثار القطع الموضوعي أو الشك الموضوعي فلا نجزم بذلك، بل لعلّه نجرم بالعدم، فلو فرض أنه كان هناك حكم قد ترتّب على عنوان العلم كباب الشهادة - أي كما لو فرضنا أن جواز الشهادة مترتبة على عنوان العلم شرعاً - فهل في مثل هذه الحالة يجعل العقلاء خبر الثقة كالعلم الموضوعي وأنه يصير كالعلم الموضوعي وأنه يجوز الاستناد إليه في مقام الشهادة ؟ إنّ هذا ليس بثابتٍ، وإنما القدر المتيقن أنه كالعلم في الجري العملي، أمّا أنه كالعلم في ترتيب أثار القطع الموضوعي أو في ترتيب آثار الشك الموضوع فهذا ليس بمعلوم، بل يمكن أن نصعّد اللهجة ونقول:- إن المعلوم هو العكس، فإنه في الحياة العقلائية لا يوجد علمٌ موضوعيٌّ - يعني يؤخذ العلم كموضوعٍ للحكم بحيث تكون صفة العلم بما هي صفة علمٍ مأخوذة في الموضوع أو الشك بعنوان الشك هو الذي يكون مأخوذاً في الموضوع -، إن هذا ليس متداولاً في الحياة العقلائية، لو أتيت لي ببعض الأمثلة فهي أمثلة نادرة وليست أمثلة متعارفة، فالعقلاء حينما يأخذون بخبر الثقة فالقدر المتيقّن منه هو ترتيب آثار العلم عليه من حيث العلم الطريقي وهو عبارة عن الجري العملي، أما ترتيب آثار العلم الموضوعي فهذا غير واضحٍ لعدم ثبوت العلم الموضوعي في أحكامهم فإن أحكامهم لم يؤخذ فيها العلم مقوّماً للموضوع أو أن ذلك حالة نادرة . وعلى هذا الأساس تكون الحكومة في مقامنا متعذّرة من هذه الجهة التي أشرنا إليها.
هذا كلّه في هذه الاحتمالات الأربعة مع مناقشتها.
والجواب:- أما بالنسبة إلى ما أشرنا إليه أخيراً - أعني أن الشيخ النائيني يقول أيضاً بكون المجعول في باب الاستصحاب هو العلميّة - فهذا شيءٌ صحيحٌ فكِلا العلمين النائيني والخوئي يقولان إن المجعول في باب الاستصحاب هو العلميّة مع فارقٍ بينهما، فإن الشيخ النائيني(قده) يقول إن المجعول في باب الاستصحاب هو العمليّة من حيث الجري العملي لا من حيث الكاشفيّة، وعلى هذا الأساس لا يصير الاستصحاب أمارة، وإنما يصير أمارة لو كان المجعول هو الكاشفيّة فإن الأمارية متقوّمة بحيثيّة الكاشفيّة لا بحيثية الجري العملي، بينما السد الخوئي(قده) فيقول إن المجعول في باب الاستصحاب هو العلميّة من حيث الكاشفيّة أيضاً وليس من حيث الجري العملي فقط، فإن اليقين له عدّة صفات وواحدة من صفاته هي الجري العملي، فإن من تيقّن بوجود الأسد خلفه سوف يهرب بسرعة، وهذا جرياً عمليّاً على طبق اليقين فإن اليقين يقتضي جرياً عمليّاً وهو الهروب، وله حيثية ثانية أيضاً وهي حيثيّة الكاشفيّة يعني أن من يتيقّن بوجود الأسد خلفه فكأنه يرى بعينه الواقع - وهو وجود الأسد - فينكشف الواقع ويزول الحجاب، فاليقين كاشفٌ عن الواقع ويقتضي جرياً عمليّاً.
يبقى أن تسأل وتقول:- ما هي خلفيّات مستند ما ذكره الشيخ النائيني(قده) وما ذكره الشيخ النائيني(قده)؟ وكيف هذا يقول إن المجعول هو العلميّة من حيث الجري العملي بخلاف ذاك ؟
والجواب:- إن المستند ليس إلّا الاستظهار - أي الاستظهار من لسان ( لا تنقض اليقين بالشك ) - فالشيخ النائيني(قده) يستظهر أنه يُراد جعل العلميّة في حالة الشك لكن من حيث مقام العمل، أما السيد الخوئي(قده) فيقول أنا استفيد أكثر من هذا فاستفيد أنه من حيث الكشف أجعلك عالماً أيضاً وليس من حيث الجري العملي فقط . والعهدة عليه.
هذا بالنسبة إلى ما يرتبط بالكلام الأخير، وهو خارج عن محلّ كلامنا وإنما ذكرته من باب الكلام يجرّ الكلام والمهمّ هو الأوّل.
وأما بالنسبة إلى ما ذكرناه أوّلاً:- أعني أنه بعدما كان الاستصحاب أمارة على رأي السيد الخوئي(قده) كسائر الأمارات فلماذا تقدّم سائر الأمارات عليه ولا يقدم هو عليها ؟ أو على الأقل يحصل التعارض ؟
أجاب(قده) فقال ما حاصله:- إن روايات الاستصحاب قد أخذت في موضوعها الشك وعدم العلم بالبقاء فمن شك بالبقاء يأخذ بالحالة السابقة المتيقّنة، فموضوعة إذن هو الشاك، فإذا لم يوجد الشاك فلا يوجد جعلٌ للعلميّة والاستصحاب حينئذٍ لا يجري، بينما الأمارات فلم يؤخذ في لسان دليلها الشك في حجيّة خبر الثقة، وهكذا في جميع الأمارات، وعليه تكون الأمارات حينئذٍ - مثل خبر الثقة - حيث إن المجعول فيها هو العلميّة فسوف يرفع بحصوله وتحقّقه موضوع الاستصحاب لأن موضوعه الشك فيرفعه، بينما لو جرى الاستصحاب فلا يمكن أن يرفع مضوع خبر الثقة لأن موضوع حجيّة خبر الثقة لم يؤخذ فيه الشك.
إن قلت:- صحيحٌ إن لسان الأمارات كخبر الثقة لم يؤخذ في حجيتّه عنوان الشك ولكن حتماً هو مأخوذ لبّاً وواقعاً، فالمشرع حينما جعل خبر الثقة حجّة وإن لم يذكر على مستوى اللسان عنوان الشك لكنّه مأخوذ لبّاً وواقعاً حتماً، والوجه في ذلك هو أنه كيف يجعل خبر الثقة حجّة تعبداً في حقّ من هو عالم بالواقع ؟ فأنا إذا كنت عالماً بأن الشمس طالعة فهل يمكن للشارع أن يجعل خبر الثقة حجّة في حقّي ويعبّدني به إذا جاء الثقة وأخبر بأن الشمس ليست طالعة أو يقول هي طالعة ؟ كلّا، لأنه ّإذا انكشف الواقع لي فلا معنى للتعبّد بما هو منكشفٌ لي بنحو اليقين، إن التعبّد بما هو معلومٌ بالوجدان مستهجنٌ وقبيح أو لا يمكن عقلائياً. وعلى هذه الأساس فدليل حجيّة الأمارة - مثل خبر الثقة - وإن لم يؤخذ الشك في لسانه ولكنّه مأخوذ واقعاً ولبّاً وحقيقةً، ومعه يتساوى الاثنان في أخذ الشك في موضوعهما غاية الأمر أن أحدهما أخذ الشكّ في موضوعه لساناً والآخر أخذ لشك في موضوعه لبّاً وواقعاً، وبالتالي لا موجب لتقديم الأمارات على الاستصحاب دون العكس.
أجاب(قده):- بأنه من قال إنه لا يمكن جعل خبر الثقة حجة تعبّداً في حقّ من انكشف له الواقع وعلم به ؟! إنّه ليس إلّا العقل، فالعقل هو الذي يقضي بذلك، ومعلومٌ إنّ العقل إنّما يقضي فيما إذا كان العلم بالواقع علماً وانكشافاً وجدانياً وحقيقياً وتكوينيّاً - يعني أرى بالعين أن الشمس طالعة - فهنا لا يمكن أن يعبّدني بحجيّة خبر الثقة الذي يقول ( الشمس طالعة أو غير طالعة )، وحينئذٍ هذا المقدار سوف يخرج من إطلاق دليل حجيّة الأمارة ويبقى الباقي تحت إطلاق دليل حجيّتها، والباقي تحت إطلاقها من هو ؟ الباقي هو الشاك والثاني هو العالم - وهو المهم - لا بالعلم الحقيقي بل بالعلم التعبّدي، ومن المعلوم أنّ الاستصحاب يفيدنا علماً تعبّدياً بناءً على أنه أمارة، فهو كسائر الأمارات يفيدنا علماً تعبّديّاً ولا يفيدنا علماً وجدانياً، فعلى هذا الأساس تبقى الأمارة قابلة لأن تكون حجّة في مورد جريان الاستصحاب ؛ إذ الواقع لم ينكشف انكشافاً حقيقيّاً بل انكشف انكشافاً تعبّدياً والعقل هنا لا يحكم باستحالة وقبح واستهجان جعل الحجيّة للأمارة في حالة انكشاف الواقع انكشافاً تعبّدياً بسبب الاستصحاب، فعلى هذا الأساس جريان الاستصحاب لا يرفع موضوع حجيّة الأمارة إذ موضوع حجيّة الأمارة ليس خصوص الشكّ بل هو شاملٌ حتى للعالم تعبّداً.
وهذا بخلاف دليل الاستصحاب فإنه أخذ في لسانه الشك فإذا قامت الأمارة ارتفع موضوع الاستصحاب . هذه هي النكتة الموجبة لتقدّم هذه الأمارة - أعني مثل خبر الثقة - على تلك الأمارة - أعني الاستصحاب - دون العكس.
هذه هي النكتة التي أفادها(قده)، وهي نكتة ظريفة بغضّ النظر عن كونها صحيحة أو ليست بصحيحة.
عود إلى صلب الموضوع:- كان كلامنا في الاحتمال الرابع وهو أن وجه تقدّم الأمارة على الاستصحاب هو الحكومة، ووجه الحكومة هو ما أشرنا إليه من أن الأمارة حيث إن المجعول فيها هو العليّمة فهي ترفع موضوع الاستصحاب وهو الشكّ، وهذا بخلاف العكس فإن الاستصحاب لو أجريناه أوّلاً لا يرفع موضوع دليل حجيّة الامارة لما أشرنا إليه.
وفيه:- إن ما ذكر يتمّ لو فرض أن المجعول في باب خبر الثقة مثلاً هو العلميّة من حيث الكاشفيّة فإنه إذا بني على هذا فيكون ما أفاده السيد الخوئي(قده) وجيهاً ونكتة مقبولة، ولكن نقول:- إن المدرك المهمّ لحجيّة خبر الثقة وبقيّة الأمارات هو سيرة العقلاء والسيرة دليل لبّي والقدر المتيقن منه هو أن العقلاء يأخذون بخبر الثقة من باب أنه كالعلم في مقام الجري العملي، فبلحاظ الجري العملي يسوّون بينها وبينه فلا فرق بينهما بلحاظ هذا الأثر، فكما هم يجرون عملاً إذا حصل لهم علمٌ بوجود الأسد كذلك يجرون عملاً إذا أخبرهم الثقة بذلك، إنهم يتعاملون مع خبر الثقة معاملة العلم ولكن من زاوية وبلحاظ الجري العملي، أما من زاوية الكشف وترتيب آثار القطع الموضوعي أو الشك الموضوعي فلا نجزم بذلك، بل لعلّه نجرم بالعدم، فلو فرض أنه كان هناك حكم قد ترتّب على عنوان العلم كباب الشهادة - أي كما لو فرضنا أن جواز الشهادة مترتبة على عنوان العلم شرعاً - فهل في مثل هذه الحالة يجعل العقلاء خبر الثقة كالعلم الموضوعي وأنه يصير كالعلم الموضوعي وأنه يجوز الاستناد إليه في مقام الشهادة ؟ إنّ هذا ليس بثابتٍ، وإنما القدر المتيقن أنه كالعلم في الجري العملي، أمّا أنه كالعلم في ترتيب أثار القطع الموضوعي أو في ترتيب آثار الشك الموضوع فهذا ليس بمعلوم، بل يمكن أن نصعّد اللهجة ونقول:- إن المعلوم هو العكس، فإنه في الحياة العقلائية لا يوجد علمٌ موضوعيٌّ - يعني يؤخذ العلم كموضوعٍ للحكم بحيث تكون صفة العلم بما هي صفة علمٍ مأخوذة في الموضوع أو الشك بعنوان الشك هو الذي يكون مأخوذاً في الموضوع -، إن هذا ليس متداولاً في الحياة العقلائية، لو أتيت لي ببعض الأمثلة فهي أمثلة نادرة وليست أمثلة متعارفة، فالعقلاء حينما يأخذون بخبر الثقة فالقدر المتيقّن منه هو ترتيب آثار العلم عليه من حيث العلم الطريقي وهو عبارة عن الجري العملي، أما ترتيب آثار العلم الموضوعي فهذا غير واضحٍ لعدم ثبوت العلم الموضوعي في أحكامهم فإن أحكامهم لم يؤخذ فيها العلم مقوّماً للموضوع أو أن ذلك حالة نادرة . وعلى هذا الأساس تكون الحكومة في مقامنا متعذّرة من هذه الجهة التي أشرنا إليها.
هذا كلّه في هذه الاحتمالات الأربعة مع مناقشتها.