35/07/13
تحمیل
الموضوع:- الاطلاق
البدلي والعموم الشمولي / التعارض غير المستقر.
المورد الثالث:- الاطلاق البدلي والعموم الشمولي.
وفي هذا المورد لم نفترض أن أحدهما بالوضع والآخر بالاطلاق وإلّا دخل في المورد الثاني، بل المفروض أنهما معاً بالاطلاق غايته أنّ الاطلاق بلحاظ أحد الدليلين يقتضي الشموليّة وبلحاظ الدليل الآخر يقتضي البدليّة، فإذن تعارض لدينا اطلاقان أحدهما شمولي والآخر بدلي بنحو العموم من وجه ففي مادّة المعارضة والاجتماع أيّهما المقدّم ؟
ومثال ذلك ( أكرم فقيراً ) و ( لا تكرم الفاسق ) فإن الاوّل يفيد البدليّة من خلال الإطلاق فإن المقصود هو أكرم فقيراً واحداً على البدل، وهذه البدليّة استفدناها من الإطلاق وليس من الأداة - أعني مثل كلمة ( أيّ ) - فالإطلاق هنا أفاد البدلية، بينما الدليل الثاني يفيد الشموليّة من قبيل ﴿ أحلَّ الله البيع ﴾ فكما أنه يفيد الشموليّة بالاطلاق فهنا أيضاً يفيد الشموليّة بالاطلاق ويتعارضان في مادّة الاجتماع أعني ما إذا فرض أن شخصاً كان فقيراً فاسقاً فالأوّل يقول يجب إكرامه والثاني يقول لا يجوز، فماذا نصنع ؟
ذكر الشيخ الأعظم(قده) في تقريراته[1]:- أنّ الاطلاق الشمولي مقدّم على البدلي، وصاحب الكفاية(قده) بعد أن نقل ذلك عنه[2] أشكل عليه قائلاً:- إن الدلالتين مادامتا بالاطلاق فأيّ موجبٍ لترجيح هذا على ذاك ؟!! إنّه لا وجه لذلك، ومجرّد أنّ ذاك يفيد الشموليّة لا يُصَيّر دلالته أظهر وأقوى بعدما كانت بالاطلاق ومقدّمات الحكمة، فإذن لا موجب لترجيح أحدهما على الآخر من زاوية الشموليّة والبدليّة . نعم لا بد من ملاحظة موجبات الأقوائية والأظهريّة من جهاتٍ أخرى إن كانت فإن كانت أخذنا بها وإن لم تكن فسوف يتحقّق التعارض بينهما.
وحاول السيد الشهيد(قده)[3] أن يوجّه ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) ببيان:- أنّ الذي يفيد الشموليّة يدلّ على تعدّد الأحكام بعدد الأفراد، فدليل ( لا تكرم الفاسق ) يدلّ على الشموليّة بمعنى أنه لا تكرم هذا الفاسق ولا تكرم هذا الفاسق ... وهكذا فلو كان عدد الفسّاق مئة فيوجد مئة حكم بعدد الأفراد، وهذا بخلافه في الدال على البدليّة - يعني ( أكرم فقيراً ) فإنه دالّ على حكمٍ واحدٍ، يعني يجب اكرام فقيرٍ واحدٍ غايته أنّ لك الرّخصة في أن تطبّق هذا الوجوب على أيّ فردٍ من أفراد الفقراء لا أنّ هناك أحكاماً متعدّدة كما كان في ما يدلّ على الشموليّة.
ثم ضم(قده) مقدّمة أخرى - وهي المهمّة - وهي:- إنّ اهتمام المتكلّم ببيان أصل الحكم أشدّ من اهتمامه ببيان حدوده سعةً وضيقاً.
وهذه مقدّمة ليست برهانيّة وإنما هي وجدانيّة، فلاحظ نفسك فأنت عندما تريد أن تبيّن حكماً فقد تغفل عن بيان سعته وضيقه لكن احتمال الغفلة عن أصل الحكم بعيدٌ وضعيف، فالإنسان ربما يغفل فلا يذكر حدود الحكم سعة وضيقاً لا أنه يغفل عن أصل الحكم فأنا أقول لأهلي ولا أغفل وأنسى ( اجلبوا الغداء ) وإنما الذي أنساه هو أوصاف الغداء من كونه الطيب والجميل وما شاكل من الأوصاف، فاحتمال الغفلة في بيان أصل الحكم أضعف من احتمال الغفلة في بيان حدود الحكم سعةً وضيقاً.
ثم نضمّ مقدمة ثالثة ونقول:- إنّ اهتمام المتكلّم ببيان أصل الحكم إذا كان أشدّ من اهتمامه بلحاظ بيان الحدّ سعةً وضيقاً فدلالة الدليل على أصل الحكم سوف تكون أظهر وأقوى من دلالته على السّعة.
ونتيجة هذا أنّ الشمولي يكون مقدّماً على للبدلي لأنه يدلّ على أحكامٍ متعدّدةٍ فيكون ظهوره أقوى من ظهور ( أكرم فقيراً ) لأنّه يدلّ على حكمٍ واحدٍ لا أكثر.
والجواب:- هذا وجيهٌ إذا كان تعدّد الحكم بلحاظ عالم الجعل بأن يكون الصادر منه جعلاً وانشاءً وتشريعاً لأحكامٍ متعدّدة لا ما إذا كان الجعل الصادر جعلاً واحداً والتعدد هو بلحاظ عالم الفعليّة فإنه لا يصير الشمولي أقوى من البدلي إذ المفروض أنّ الصادر منه حكمٌ واحدٌ أيضاً وهذا التعدّد هو بلحاظ الفعليّة والتطبيق الخارجي، وفي المقام نقول عن دليل ( لا تكرم الفاسق ) هو حكمٌ واحدٌ وليس أحكاماً متعدّدة لأن المفروض فيه أن الدلالة بالاطلاق ولازم كون الدلالة بالاطلاق هو أنّ الحكم منصبٌ على الطبيعة، فطبيعة الفاسق قد وجّه إليها الحكم بعدم وجوب الإكرام لا أنّ الصادر من نفس المولى أحكام متعدّدة، كلّا وإلّا صار هذا عموماً ولا يصير إطلاقاً، فإذا افترضنا أنه إطلاق فهذا يعني أنّ الحكم منصبٌّ على الطبيعة وليس على كلّ فردٍ فرد، فإذا كان منصبّاً على الطبيعة صار الحكم واحداً والانحلال سوف يكون بلحاظ عالم الفعليّة، ومعه لا أقوائيّة للدليل الشمولي فإن الأقوائيّة تتولّد بسبب أنّ المولى المتكلّم الجاعل قد صدرت منه أحكامٌ متعدّدة فنقول آنذاك إنّ اهتمامه بأصل الحكم أقوى من اهتمامه ببيان حدوده، أمّا إذا كان الصادر حكماً واحداً لا أحكاما متعدّدة فلا يأتي هذا الكلام والمفروض هنا كذلك، وهذا مطلبٌ واضحٌ وقد أشار إليه(قده) في الحلقة الثالثة[4] ايضاً، ولكنه تراجع عنه.
والنتيجة:- إنّه اتضح من خلال هذا أنّه لا موجب لأقوائيّة الشمولي من البدلي بعدما كانا معاً من باب الإطلاق وإنما لابد وأنّ نلاحظ الأقوائيّة من جهةٍ أخرى إن كانت، فإن كانت فيها وإلّا كان التعارض مستقر.
هذه هي الموارد الثلاثة لما قد يدّعى أنها من مصاديق الجمع العرفي وقد اتضح أنها مرفوضة جميعاً وليست من مصاديقه فإن المورد الأوّل - أعني كبرى انقلاب النسبة - قد رفضناه، والمورد الثاني - أعني العام والمطلق - قد رفضناه أيضاً حيث رفضنا كِلا التقريبين اللذين ذكرهما الشيخ الأعظم والسيد الشهيد، وهذا المورد الثالث قد اتضح رفضه أيضاً، فجميع هذه الموارد الثلاثة مرفوضة وليست من مصاديق الجمع العرفي.
وبعد أن فرغنا من هذا نأخذ بالتحدث عن القسم الثاني فإنا فيما سبق ذكرنا أنه نتكلّم في قسمين، فمرّة نتكلم عن مواردٍ وقع فيها الاختلاف في أنها من مصاديق الجمع العرفي أو لا ؟ وذكرنا له موارد ثلاثة واتضح الكلام فيه.
والأن نأتي ونذكر الموارد التي لم يقع الاختلاف فيها ولكن لم تسلّط عليها الأضواء عليها بشكلٍ واضح، ونحن نريد أن نسلط الأضواء عليها ونجمع ما يمكن أن نجمعه منها، ولعله توجد مصاديق أخرى فاتتنا.
القسم الثاني:- الموارد التي لم يقع فيها اختلاف ولكن لم تسلّط عليه الأضواء، فنذكر لها أمثلة:-
المثال الأوّل:- ما إذا فرض أنّ النسبة بين الدليلين كانت هي العموم من وجه وتعارضا في مادّة الاجتماع ولكن كان تقديم أحدهما في مادّة الاجتماع يلزم منه إلغاء عنوان الدليل الآخر بخلاف العكس - يعني أن تقديم ذاك لا يوجب إلغاء العنوان المذكور في الدليل الثاني - .
فهنا يمكن أن نقول:- إنّ العرف يقدّم الذي لا يلغي العنوان للآخر، ومثال ذلك ما تقدّم في الصحيحتين السابقتين أعني صحيحة ( كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه ) وصحيحة ( اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه )، فهما يتعارضان في الطائر الذي لا يؤكل لحمه كالنسر والصقر والخفاش فأيهما المقدّم ؟ ذكرنا فيما سبق أنه قد يقال:- إنّ أحدهما بالعموم والآخر بالاطلاق مثلاً، ونحن فيما سبق أجبنا وقلنا:- إنّ هذا لا يؤثر .
لكن رغم ذلك نقدم دليل ( كلّ شيء يطير ... ) في مادّة الاجتماع من باب أنّه لو قدّمنا ذلك الدليل الذي يقول ( اغسل ثوبك ) فعنوان الطائر حينئذٍ لا تكون له خصوصيّة بل يصير ذكره من قبل الإمام عليه السلام لغواً لأن الطائر إمّا أن يؤكل لحمه كالعصفور أو لا يؤكل لحمه كالنسر، فإن كان يؤكل لحمه فمدفوعه طاهر لا من باب أنّه يطير بل من باب أنّه ممّا يؤكل لحمه فكلّ حيوانٍ يؤكل لحمه فبوله وخرؤه طاهر وهذا لا كلام فيه، وإذا فرضنا أنه لا يؤكل لحمه فالمفروض أنّا أدخلناه - أي هذا الطائر الذي لا يؤكل لحمه الذي هو من مادّة المعارضة - في ( اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ) . إذن ذلك الدليل الذي يقول ( كلّ شيءٍ يطير ) يبقى بلا مورد وبلا خصوصيّة إذ ماذا يبقى تحته ؟ فالذي لا يؤكل لحمه رجّحنا دخوله في ( اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ) فيبقى تحته الذي يؤكل لحمه، لكن الذي يؤكل لحمه هو طاهرٌ من باب أنّه يؤكل لحمه وليس من باب أنه يطير، فسواء كان يطير أو لا فهذا لا يؤثر . إذن يلزم من ذلك إلغاء خصوصيّة الطيران . وهذا بخلاف العكس لو قدمنا دليل ( كلّ شيء يطير ) في مادّة الاجتماع فإنه لا يلزم من ذلك إلغاء عنوان ما لا يؤكل لحمه فإن الطائر قد خرج ويبقى تحته ما لا يؤكل لحمه من غير الطائر كالقط والفأر والوزغ وغير ذلك، فهذه تبقى تحته وهي كميّة كبيرة حينئذٍ.
إذن اتضح أنّ هذا من أحد موجبات الجمع والتقديم العرفي، وهذه قضيّة عرفيّة في مثل هذه الحالة، وهل يختلف فيما بيناه اثنان ؟ إنّي استبعد أن يختلف فيه اثنان.
وعلى هذا الأساس هذا من مصاديق الجمع العرفي بالشكل الذي بيناه.
المورد الثالث:- الاطلاق البدلي والعموم الشمولي.
وفي هذا المورد لم نفترض أن أحدهما بالوضع والآخر بالاطلاق وإلّا دخل في المورد الثاني، بل المفروض أنهما معاً بالاطلاق غايته أنّ الاطلاق بلحاظ أحد الدليلين يقتضي الشموليّة وبلحاظ الدليل الآخر يقتضي البدليّة، فإذن تعارض لدينا اطلاقان أحدهما شمولي والآخر بدلي بنحو العموم من وجه ففي مادّة المعارضة والاجتماع أيّهما المقدّم ؟
ومثال ذلك ( أكرم فقيراً ) و ( لا تكرم الفاسق ) فإن الاوّل يفيد البدليّة من خلال الإطلاق فإن المقصود هو أكرم فقيراً واحداً على البدل، وهذه البدليّة استفدناها من الإطلاق وليس من الأداة - أعني مثل كلمة ( أيّ ) - فالإطلاق هنا أفاد البدلية، بينما الدليل الثاني يفيد الشموليّة من قبيل ﴿ أحلَّ الله البيع ﴾ فكما أنه يفيد الشموليّة بالاطلاق فهنا أيضاً يفيد الشموليّة بالاطلاق ويتعارضان في مادّة الاجتماع أعني ما إذا فرض أن شخصاً كان فقيراً فاسقاً فالأوّل يقول يجب إكرامه والثاني يقول لا يجوز، فماذا نصنع ؟
ذكر الشيخ الأعظم(قده) في تقريراته[1]:- أنّ الاطلاق الشمولي مقدّم على البدلي، وصاحب الكفاية(قده) بعد أن نقل ذلك عنه[2] أشكل عليه قائلاً:- إن الدلالتين مادامتا بالاطلاق فأيّ موجبٍ لترجيح هذا على ذاك ؟!! إنّه لا وجه لذلك، ومجرّد أنّ ذاك يفيد الشموليّة لا يُصَيّر دلالته أظهر وأقوى بعدما كانت بالاطلاق ومقدّمات الحكمة، فإذن لا موجب لترجيح أحدهما على الآخر من زاوية الشموليّة والبدليّة . نعم لا بد من ملاحظة موجبات الأقوائية والأظهريّة من جهاتٍ أخرى إن كانت فإن كانت أخذنا بها وإن لم تكن فسوف يتحقّق التعارض بينهما.
وحاول السيد الشهيد(قده)[3] أن يوجّه ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) ببيان:- أنّ الذي يفيد الشموليّة يدلّ على تعدّد الأحكام بعدد الأفراد، فدليل ( لا تكرم الفاسق ) يدلّ على الشموليّة بمعنى أنه لا تكرم هذا الفاسق ولا تكرم هذا الفاسق ... وهكذا فلو كان عدد الفسّاق مئة فيوجد مئة حكم بعدد الأفراد، وهذا بخلافه في الدال على البدليّة - يعني ( أكرم فقيراً ) فإنه دالّ على حكمٍ واحدٍ، يعني يجب اكرام فقيرٍ واحدٍ غايته أنّ لك الرّخصة في أن تطبّق هذا الوجوب على أيّ فردٍ من أفراد الفقراء لا أنّ هناك أحكاماً متعدّدة كما كان في ما يدلّ على الشموليّة.
ثم ضم(قده) مقدّمة أخرى - وهي المهمّة - وهي:- إنّ اهتمام المتكلّم ببيان أصل الحكم أشدّ من اهتمامه ببيان حدوده سعةً وضيقاً.
وهذه مقدّمة ليست برهانيّة وإنما هي وجدانيّة، فلاحظ نفسك فأنت عندما تريد أن تبيّن حكماً فقد تغفل عن بيان سعته وضيقه لكن احتمال الغفلة عن أصل الحكم بعيدٌ وضعيف، فالإنسان ربما يغفل فلا يذكر حدود الحكم سعة وضيقاً لا أنه يغفل عن أصل الحكم فأنا أقول لأهلي ولا أغفل وأنسى ( اجلبوا الغداء ) وإنما الذي أنساه هو أوصاف الغداء من كونه الطيب والجميل وما شاكل من الأوصاف، فاحتمال الغفلة في بيان أصل الحكم أضعف من احتمال الغفلة في بيان حدود الحكم سعةً وضيقاً.
ثم نضمّ مقدمة ثالثة ونقول:- إنّ اهتمام المتكلّم ببيان أصل الحكم إذا كان أشدّ من اهتمامه بلحاظ بيان الحدّ سعةً وضيقاً فدلالة الدليل على أصل الحكم سوف تكون أظهر وأقوى من دلالته على السّعة.
ونتيجة هذا أنّ الشمولي يكون مقدّماً على للبدلي لأنه يدلّ على أحكامٍ متعدّدةٍ فيكون ظهوره أقوى من ظهور ( أكرم فقيراً ) لأنّه يدلّ على حكمٍ واحدٍ لا أكثر.
والجواب:- هذا وجيهٌ إذا كان تعدّد الحكم بلحاظ عالم الجعل بأن يكون الصادر منه جعلاً وانشاءً وتشريعاً لأحكامٍ متعدّدة لا ما إذا كان الجعل الصادر جعلاً واحداً والتعدد هو بلحاظ عالم الفعليّة فإنه لا يصير الشمولي أقوى من البدلي إذ المفروض أنّ الصادر منه حكمٌ واحدٌ أيضاً وهذا التعدّد هو بلحاظ الفعليّة والتطبيق الخارجي، وفي المقام نقول عن دليل ( لا تكرم الفاسق ) هو حكمٌ واحدٌ وليس أحكاماً متعدّدة لأن المفروض فيه أن الدلالة بالاطلاق ولازم كون الدلالة بالاطلاق هو أنّ الحكم منصبٌ على الطبيعة، فطبيعة الفاسق قد وجّه إليها الحكم بعدم وجوب الإكرام لا أنّ الصادر من نفس المولى أحكام متعدّدة، كلّا وإلّا صار هذا عموماً ولا يصير إطلاقاً، فإذا افترضنا أنه إطلاق فهذا يعني أنّ الحكم منصبٌّ على الطبيعة وليس على كلّ فردٍ فرد، فإذا كان منصبّاً على الطبيعة صار الحكم واحداً والانحلال سوف يكون بلحاظ عالم الفعليّة، ومعه لا أقوائيّة للدليل الشمولي فإن الأقوائيّة تتولّد بسبب أنّ المولى المتكلّم الجاعل قد صدرت منه أحكامٌ متعدّدة فنقول آنذاك إنّ اهتمامه بأصل الحكم أقوى من اهتمامه ببيان حدوده، أمّا إذا كان الصادر حكماً واحداً لا أحكاما متعدّدة فلا يأتي هذا الكلام والمفروض هنا كذلك، وهذا مطلبٌ واضحٌ وقد أشار إليه(قده) في الحلقة الثالثة[4] ايضاً، ولكنه تراجع عنه.
والنتيجة:- إنّه اتضح من خلال هذا أنّه لا موجب لأقوائيّة الشمولي من البدلي بعدما كانا معاً من باب الإطلاق وإنما لابد وأنّ نلاحظ الأقوائيّة من جهةٍ أخرى إن كانت، فإن كانت فيها وإلّا كان التعارض مستقر.
هذه هي الموارد الثلاثة لما قد يدّعى أنها من مصاديق الجمع العرفي وقد اتضح أنها مرفوضة جميعاً وليست من مصاديقه فإن المورد الأوّل - أعني كبرى انقلاب النسبة - قد رفضناه، والمورد الثاني - أعني العام والمطلق - قد رفضناه أيضاً حيث رفضنا كِلا التقريبين اللذين ذكرهما الشيخ الأعظم والسيد الشهيد، وهذا المورد الثالث قد اتضح رفضه أيضاً، فجميع هذه الموارد الثلاثة مرفوضة وليست من مصاديق الجمع العرفي.
وبعد أن فرغنا من هذا نأخذ بالتحدث عن القسم الثاني فإنا فيما سبق ذكرنا أنه نتكلّم في قسمين، فمرّة نتكلم عن مواردٍ وقع فيها الاختلاف في أنها من مصاديق الجمع العرفي أو لا ؟ وذكرنا له موارد ثلاثة واتضح الكلام فيه.
والأن نأتي ونذكر الموارد التي لم يقع الاختلاف فيها ولكن لم تسلّط عليها الأضواء عليها بشكلٍ واضح، ونحن نريد أن نسلط الأضواء عليها ونجمع ما يمكن أن نجمعه منها، ولعله توجد مصاديق أخرى فاتتنا.
القسم الثاني:- الموارد التي لم يقع فيها اختلاف ولكن لم تسلّط عليه الأضواء، فنذكر لها أمثلة:-
المثال الأوّل:- ما إذا فرض أنّ النسبة بين الدليلين كانت هي العموم من وجه وتعارضا في مادّة الاجتماع ولكن كان تقديم أحدهما في مادّة الاجتماع يلزم منه إلغاء عنوان الدليل الآخر بخلاف العكس - يعني أن تقديم ذاك لا يوجب إلغاء العنوان المذكور في الدليل الثاني - .
فهنا يمكن أن نقول:- إنّ العرف يقدّم الذي لا يلغي العنوان للآخر، ومثال ذلك ما تقدّم في الصحيحتين السابقتين أعني صحيحة ( كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه ) وصحيحة ( اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه )، فهما يتعارضان في الطائر الذي لا يؤكل لحمه كالنسر والصقر والخفاش فأيهما المقدّم ؟ ذكرنا فيما سبق أنه قد يقال:- إنّ أحدهما بالعموم والآخر بالاطلاق مثلاً، ونحن فيما سبق أجبنا وقلنا:- إنّ هذا لا يؤثر .
لكن رغم ذلك نقدم دليل ( كلّ شيء يطير ... ) في مادّة الاجتماع من باب أنّه لو قدّمنا ذلك الدليل الذي يقول ( اغسل ثوبك ) فعنوان الطائر حينئذٍ لا تكون له خصوصيّة بل يصير ذكره من قبل الإمام عليه السلام لغواً لأن الطائر إمّا أن يؤكل لحمه كالعصفور أو لا يؤكل لحمه كالنسر، فإن كان يؤكل لحمه فمدفوعه طاهر لا من باب أنّه يطير بل من باب أنّه ممّا يؤكل لحمه فكلّ حيوانٍ يؤكل لحمه فبوله وخرؤه طاهر وهذا لا كلام فيه، وإذا فرضنا أنه لا يؤكل لحمه فالمفروض أنّا أدخلناه - أي هذا الطائر الذي لا يؤكل لحمه الذي هو من مادّة المعارضة - في ( اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ) . إذن ذلك الدليل الذي يقول ( كلّ شيءٍ يطير ) يبقى بلا مورد وبلا خصوصيّة إذ ماذا يبقى تحته ؟ فالذي لا يؤكل لحمه رجّحنا دخوله في ( اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ) فيبقى تحته الذي يؤكل لحمه، لكن الذي يؤكل لحمه هو طاهرٌ من باب أنّه يؤكل لحمه وليس من باب أنه يطير، فسواء كان يطير أو لا فهذا لا يؤثر . إذن يلزم من ذلك إلغاء خصوصيّة الطيران . وهذا بخلاف العكس لو قدمنا دليل ( كلّ شيء يطير ) في مادّة الاجتماع فإنه لا يلزم من ذلك إلغاء عنوان ما لا يؤكل لحمه فإن الطائر قد خرج ويبقى تحته ما لا يؤكل لحمه من غير الطائر كالقط والفأر والوزغ وغير ذلك، فهذه تبقى تحته وهي كميّة كبيرة حينئذٍ.
إذن اتضح أنّ هذا من أحد موجبات الجمع والتقديم العرفي، وهذه قضيّة عرفيّة في مثل هذه الحالة، وهل يختلف فيما بيناه اثنان ؟ إنّي استبعد أن يختلف فيه اثنان.
وعلى هذا الأساس هذا من مصاديق الجمع العرفي بالشكل الذي بيناه.