33/10/29
تحمیل
الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
النكتة الثانية:- وحاصلها هو أن حديث ( لا ضرر ) قد ورد ذيلاً في موارد ثلاثة - على ما ذكرنا سابقاً عند بيان الروايات - فقد ورد ذيلاً في قصّة سَمُرة ، وورد ذيلاً في قضية الشفعة ، وورد ذيلاً في روايات فضل الماء ، ويوجد مورد رابع لحديث ( لا ضرر ) ولكن ليس ذيلاً بل رود بشكل مستقل ، والذي يهمنا الآن هو حديث ( لا ضرر ) الوارد ذيلاً.
وهناك كلام لعل أول من أثاره شيخ الشريعة الاصفهاني(قده) فانه - كما سوف يأتي انشاء الله تعالى - بنى على أن حديث ( لا ضرر يقصد ) منه النهي لا النفي - أي يراد منه بأنك لا تضر بالآخرين أو لعله حتى بنفسك - وليس هو أول من بنى على ذلك بل يوجد من هو قبله لأن هذا الاحتمال ذكره الشيخ الأنصاري وصاحب الكفاية(قده) وهما أسبق منه ولكن شيخ الشريعة شيّد أركانه ولكن وقف أمامه شيء - بعدما بنى على كون المقصود من حديث ( لا ضرر ) هو النهي - وهو أن حديث الشفعة لا يتناسب مع كون المقصود منه هو النهي لأن الشفعة حكم وضعي وليس تكليفياً ، يعني إذا باع الشريك فيثبت حقٌ لشريكه ، وهذا كما ترى حكم وضعي وما دام كذلك فكيف علل هذا الحكم الوضعي بحديث ( لا ضرر ) الذي مفاده هو الحكم التكليفي فان الحكم الوضعي لا يعلل بالحكم التكليفي وإنما يعلل بما يماثله ، فحينئذ لا يمكن أن نفسر ( لا ضرر ) في حديث الشفعة بالنهي بل يتناسب مع ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) لأنه سوف يأتي أنه وجماعة بنوا على أن حديث ( لا ضرر ) لا يقصد منه النهي بل النفي - أي يراد أن يقال لا حكم في الشريعة يكون ضررياً أو يكون سبباً للضرر - فالمقصود هو النفي وليس النهي . إذن تذييل حديث الشفعة بحديث ( لا ضرر ) قرينة على أن لا ضرر لا يراد منه النهي ، وهكذا الحال بالنسبة إلى حديث المنع من فضل الماء فان من حفر بئراً وزاد ماؤها عن حاجته لا يحرم عليه منع الزائد وإنما يكره له ذلك - حسب الفتوى المشهورة - كما بنى على ذلك شيخ الشريعة - وسوف نتعرض إلى ذلك فيما بعد - فإذا كان مكروهاً فكيف يعلل بما يدل على الحرمة التكليفية ؟ إن هذا اشكال يتوجه على شيخ الشريعة(قده) بالنسبة إلى حديث الشفعة وحديث المنع من فضل الماء ولا يأتي في الحديث الذي ينقل قصة سَمُرة إذ يمكن أن يقال هناك:- إن النبي صلى الله عليه وآله أوجب على سَمُرة أن يستأذن حينما يريد أن يدخل وعلّل بحديث نفي الضرر يعني كأنه يريد أن يقول له ( إذا لم تستأذن ودخلت فسوف تضرّ بالأنصاري والإضرار بالآخرين حرام ) فإن المناسبة موجودة في الروايات الناقلة لقصة سَمُرة . فالإشكال على شيخ الشريعة يرد إذن بلحاظ حديث الشفعة وحديث المنع من فضل الماء.
من هنا فكّر شيخ الشريعة(قده) وتوصل إلى هذه الفكرة:- وهي أنه من قال إن هذا الحديث هو ذيل بحيث صدر من النبي صلى الله عليه وآله كتعليلٍ وتتمّة لحديث الشفعة وحديث المنع من فضل الماء ؟ كلا بل يوجد احتمال آخر وهو أن يكون ذلك من باب الجمع في الرواية ، يعني أن النبي صلى الله عليه وآله صدر منه شيآن مستقلان أحدهما حديث الشفعة وحاصله أنه قضى بالشعفة بين الشركاء إذا باع أحدهم وهذا الحديث صدر منه مستقلاٍ من دون تذييل بحديث ( لا ضرر ) وأما حديث لا ضرر فقد صدر منه ولكن كقضاءٍ مستقلٍ لا ربط له بحديث الشفعة ولكن الراوي جمع بين روايتين مستقلتين وجعلهما كروايةٍ واحدةٍ وهذا ما قد يصطلح عليه بـ( الجمع في الرواية ) أي في النقل والسامع أو الناظر يتخيل أنهما صدرا مرتبطين والحال أن الأمر ليس كذلك ومعه يرتفع الاشكال.
وأصر شيخ الشريعة على هذا المطلب ، ولكن كيف نثبت ذلك فان هذا مجرد احتمال ولابد من إثباته إذ لا يكفي مجرد الاحتمال لدفع الاشكال ؟ ومن هنا أخذ ببيان نكتة استند إليها في إثبات ذلك ووافقه على أصل الفكرة جماعة ممن جاء بعده كالشيخ النائيني(قده)
[1]
ولكنه حاول أن يذكر نكاتاً جديدة غير ما ذكره شيخ الشريعة ، وكالشيخ الاصفهاني(قده)
[2]
ولكنه لم يذكر نكاتاً جديدة ، وهكذا السيد الخوئي(قده)
[3]
والسيد الخميني(قده)
[4]
. وسوف نتعرض إلى كل هذا فيما بعد انشاء الله تعالى.
وقد تسأل وتقول:- لو تم ما أرده شيخ الشريعة(قده) فهل يضرّ ذلك الشيخ الأعظم فانه - كما قلنا - ذهب إلى أن المقصود من حديث ( لا ضرر ) ليس هو النهي بل نفي الحكم الضرري - يعني أن كل حكم في الشريعة يكون ثبوته مستلزماً للضرر مثل وجوب الوضوء في حالة المرض فيرتفع الوجوب ولا يكون ثابتاً - ولذلك نستفيد فوائد كثيرة من الحديث على رأيه ، أما شيخ الشريعة فلا يستطيع أن يرفع الحكم في حالة الضرر بحديث ( لا ضرر ) فهل هذا الذي انتهى إليه شيخ الشريعة(قده) يضر بما انتهى اليه الشيخ الأعظم(قده)أو لا ؟ وبتعبير آخر:- هل رأي الشيخ الأعظم(قده) في حديث ( لا ضرر ) يتوقف على كونه ورد كذيل لما سبق عليه أو أن التذييل وعدمه سِيّان من هذه الناحية بالنسبة إليه ؟
والجواب:- إن ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده) يتم حتى لو فرض أن حديث ( لا ضرر ) ورد مستقلاً ، نعم إذا ورد ذيلاً فسيكون أوضح فيما أراده الشيخ الأعظم(قده) ولكن لا يتوقف ما أراده على التذييل بل حتى لو فرض أنه ورد مستقلاً أمكنه أن يثبت ما أراد
[5]
.
[1] رسالة ( لا ضرر ) المذكورة في آخر كتاب منية الطالب - 369.
[2] نهاية الدراية 4 449.
[3] مصباح الاصول 2 521.
[4] رسالته ( لا ضرر ) 51.
[5] كما سوف يتضح ذلك فيما بعد في البيان الثالث عند ذكر البيان الكلّي لحديث لا ضرر.