33/11/13
تحمیل
الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
قلنا إن من موارد الضرر - كما تقدم - النقص في العرض ولكن قد يشكل على بعض مصاديقه فيقال:- إن بعض مصاديق النقص في العرض لا تعد ضرراً من قبيل النظر إلى زوجة الغير ، فمن نظر إلى زوجة الغير لا يعدّ ذلك ضرراً وإن كان نحواً من هتك العرض أو النقص في العرض ، وبناءً على هذا نقول:- لو رجعنا إلى قصة سمرة لرأينا أنه حينما كان يدخل فغاية ما يلزم من دخوله بلا استئذان هو النظر إلى زوجة الأنصاري وقد عرفنا أن النظر إلى زوجة الغير لا يعدّ ضرراً وعليه فكيف طبّق صلى الله عليه وآله حديث لا ضر مادام أن النظر إلى زوجة الغير لا يعدّ ضررا ؟ وهذا لا يراد تسجيله كإشكال عليه صلى الله عليه وآله وإنما يراد من وراء هذا أن يقال:- لو لم يمكن حلّ هذا الاشكال فيتعين أن يكون المقصود من الضرر شيء آخر ومعنىً آخر لا يلزم من تطبيقه على المقام إشكال فلذلك من الضروري حلّ هذا الاشكال وإلّا تعين أن نفسّر الرواية بشكل آخر.
والجواب:- إن النظر إلى زوجة الغير له حالتان فتارة يفترض أنها تسير في الشارع فنسلم هنا أن النظر إليها لا يعدّ ضرراً إذ هي من اللازم عليها أن تتحجب أما إذا لم تتحجب ونظر إليها الغير فلا يعدّ ذلك تجاوزاً على حقٍ من حقوقها ، وهذا بخلاف ما إذا كانت في خدرها - أي بيتها - فان من حقها أن تكون غير محجبة وإذا أراد شخص أن يدخل فعليه أن يستأذن فإذا لم يستأذن ودخل بشكل مفاجئ فذاك يعني التجاوز على حق هذه المرأة الخدّرة فيصدق آنذاك عنوان الضرر لأجل هذه النكتة ، وعليه فلا إشكال من هذه الناحية.
الأمر الثالث:- إن ظاهر بعض الكلمات أن النسبة بين الضرر والنفع هي نسبة التضاد واختار الشيخ الخراساني في الكفاية أن التقابل بينهما تقابل العدم والملكة.
وأشكل الشيخ الأصفهاني في حاشيته على الكفاية
[1]
على كلا الرأيين وقال:- إن التقابل بينهما ليس تقابل التضاد ولا تقابل الملكة وعدمها ، أما أنه لا تقابل بالتضاد بينهما فباعتبار أن المتضادان أمران وجوديان أما إذا كان أحدهما عدمياً فلا يكون التقابل بينهما تقابل التضاد وفي مقامنا الأمر كذلك يعني أن الضرر صفة عدميّة لا وجودية فان الضرر عبارة عن النقص - أي الفقدان وعدم وجود شيء فهو إذن أمر عدمي إذ الفقدان أمر عدمي وعليه فلا يكون التقابل تقابل التضاد ، وأما أنه ليس تقابل الملكة وعدمها فباعتبار أنه يلزم في باب الملكة وعدمها أن يكون العدم عدماً للملكة لا أن يكون عدماً لشيء آخر غير الملكة وفي مقامنا الأمر كذلك يعني أن العدم عدمٌ لغير الملكة وذلك باعتبار أن هناك مرتبة متوسطة ليست بمرتبة الضرر كما وليست بمرتبة المنفعة ولنفترض أنها تعادل درجة عشرة
[2]
وحينئذ نقول:- إن الزيادة على هذه الدرجة يعدّ نفعاً والنقصان عنها يعدّ ضرراً والملكة هي الدرجة الأزيد من الدرجة المتوسطة ، فإذا اتضح ذلك نقول:- إن الضرر الذي هو عبارة عن المرتبة الدانية والتي هي عدمٌ هي في الحقيقة عدم أي مرتبة ؟ هل العدم بلحاظ المرتبة المتوسطة أو بلحاظ المرتبة الأعلى ؟ إن الضرر هو عبارة عن فقدان شيءٍ بلحاظ المرتبة المتوسطة ، فإذا كانت المرتبة المتوسطة عشرة فالضرر عبارة عن تسعة أو ثمانية لا أن الضرر هو عدم تلك المرتبة العالية التي هي الملكة.
وفيه:- يمكن اختيار الشق الأوّل ، يعني أن يقال:- إن التقابل بينهما تقابل التضاد ودعوى أن الضرر هو أمرٌ عدميٌ لأنه عبارة عن الفقدان والفقدان عبارة عن العدم مدفوع بأن الضرر يمكن أن يقال هو عنوان وجودي غايته منتزعٌ من عنوان عدمي ومن منشأ عدمي فهو ليس نفس ذلك الأمر العدمي وإنما هو شيء وجودي منتزع من ذلك العدمي كما هو الحال في باب الميتة فانه وقع كلام في أن الميتة هل هي نفس عدم التذكية فيصير عنوان الميتة أمراً عدمياً أو أنه عنوان وجودي ؟ إن المناسب أن يقال هو عنوان وجودي غايته أنه منتزع من الأمر العدمي لا أنه نفس الأمر العدمي ولذلك نفهم عرفاً من كلمة ( ميته ) أمراً وجودياً غايته قد نفسّر الميتة بعدم التذكية من باب التسامح ، وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية والتقابل بينهما تقابل التضاد والمطلب لا يستدعي توقفا.
المعنى الإفرادي لكلمة ( ضرار ):- إن كلمة ضرار هي مصدر بخلاف كلمة ضرر فانها اسم مصدر كما نص على ذلك أهل اللغة ، الفارق بين المصدر واسمه هو أن الحدث كالأكل والشرب والنوم تارةً يلحظ مع حيثية صدوره من فاعله وأخرى يلحظ بما هو هو بقطع النظر عن حيثية الصدور من الفاعل ، فإذا لوحظت حيثية الصدور سمّي بالمصدر أما إذا لوحظ بقطع النظر عن حيثية الصدور سمي باسم المصدر ، فحدث النوم مثلاً تارةً يلحظ من فاعلٍ معين أو غير معين فتقول ( نوم زيدٍ خير من نوم عمروٍ ) فهنا النوم لوحظ مع حيثية صدوره من زيد أو عمروٍ فهو مصدر في اللغة العربية ، وأما لو قلت ( النوم خيرٌ من الأرق ) فهنا لوحظت حيثية النوم وحدث النوم بما هو هو بقطع النظر عن كونه صادراً من هذا أو ذاك فحيثية الصدور قد قطع عنها النظر تماماً فهو اسم مصدر ، وفي اللغة العربية لا يوجد فارق لفظي بين المصدر واسمه في الغالب ، نعم في بعض اللغات الأخرى لعله يوجد فارق لفظي فيضاف للإشارة إلى أن هذا مصدر أو غير مصدر بحرفٍ أو بحرفين أما في اللغة العربية فغالباً لا يوجد فارق بينهما وإنما نعرف ذلك من خلال القرائن فإذا أضيف إلى فاعل فهذا معناه أنه مصدر وإذا لم يضف إلى فاعل فهذا معناه أنه اسم مصدر والضرر كذلك أي لم تلحظ فيه حيثية الصدور من شخص فحينما قال صلى الله عليه وآله ( لا ضرر ) لم تلحظ حيثية الصدور من شخص فهو إذن اسم مصدر ، وهذا بخلاف الضرار فانه عبارة عن الضرر الصادر من شخص لتوجيهه إلى شخص آخر فهو إذن ضرار ، ويمكن أن نقول هذا من جملة الأمثلة على الفارق اللفظي بين المصدر واسمه ، يعني إذا أردنا مثالاً للمصدر واسمه في اللغة العربية وبينهما فارق لفظي فيمكن أن نمثل بهذا المثال فالضرر اسم مصدر لأن حيثية الصدور لم تلحظ فيه أما الضرار فقد لوحظت فيه جنبة الصدور من الغير فهو مصدر ، وبهذا المقدار لا اشكال ولا كلام.
ولكن نسأل ونقول:- أن كلمة ( ضرار ) - التي هي مصدر - هي مصدر أي فعل من الأفعال ؟
والجواب:- إن هذا وقع فيه كلام ولأجل أن لا نطيل نقول:- من المناسب والأرجح أن تكون كلمة ( ضرار ) مصدراً من باب ( فاعل يفاعل ) يعني يقال ( ضارّه يضاره ) والمصدر ( ضراراً ) وهناك مصدر آخر وهو ( مضارةً ) وهذا ما يعبّر عنه بمصدر باب المفاعلة . إذن كلمة ( ضرار ) هي مصدر لفعل ضارّه يضاره ضراراً ومضارة ، وهذا مطلب واضح ولا كلام فيه أيضاً.
وانما الكلام في أنه بعد أن سلمنا بأن كلمة ضرار مأخوذة من ضارّ يضارّ ماذا يراد منها ؟
ذكر لذلك عدة احتمالات:-
الاحتمال الأوّل:- أن يكون ذلك بمعنى فعل الاثنين ، يعني أن هذا يضرّ وذاك يضرّ نظير أن زيداً يضرب عمرواً وعمرواً يضرب زيداً فيقال تحققت مضاربةٌ بينهما أي أنه صدر ضربٌ من هذا وضربٌ من ذاك ، وهنا كذلك فيقال إن النبي صلى الله عليه وآله حينما قال ( لا ضرر ولا ضرار ) يعني لا يجوز الضرر من الاثنين فلا يجوز لك أن تضر ذاك ولا يجوز لذاك أن يضرك.
[1] حاشية الشيخ الأصفهاني على الكفاية 4 436.
[2] وهذه النسبة للتوضيح فقط وإلا فلا توجد نسبة هكذا.