33/11/22
تحمیل
الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وباتضاح الاتجاه الأول بآرائه الثلاثة نجري عملية موازنة ونقول:- أي واحـد منهـا هـو الأرجـح ؟
والجواب:- إن الأرجح ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده) ، وواضح أن ما ذكر في الرأي الثالث في وجهه الأول - وهو أن نقدر كلمة ( حكم ) - واضح الوهن فان التقدير لا يصار إليه ما دام يمكن أن لا نقدر فهو خلاف الظاهر فنحذفه من الحساب ، وهكذا نحذف الوجه الثاني - وهو أن كلمة ( ضرر ) استعملت في الحكم بنحو المجاز - لأنه مادام يمكن المصير إلى الحقيقة فلا وجه للمصير إلى المجاز بعد الالتفات إلى أن المجاز يحتاج إلى مثبت ولا مثبت له ، فالاحتمالات المهمة التي لابد من إجراء موازنة فيما بينها هي ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده) وما ذهب إليه الشيخ الخراساني وما ذهب إليه الشيخ النائيني(قده) ، والأرجح من بينها كما قلنا هو ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده) باعتبار أنه حافظ على ظهور كلمة ضرر فان ظاهرها هو الضرر الخارجي وهو قد حافظ على هذا الظهور غايته قيّد كلمة الضرر بما ينشأ من حكم الشارع وهذا تقييد قرينته معه إذ الكلام المذكور قد صدر من الشارع فهو حينما ينفي الضرر في عالم الخارج فلابد وأن يكون مقصوده أنه لا ضرر يقع فيه المكلف خارجاً من ناحية أحكامي وشرعي وعليه فلا توجد أي مخالفة للظهور لا من ناحية كلمة الضرر ولا من ناحية التقييد فيكون هذا الوجه هو المناسب.
وألفت النظر إلى أن هذا المقدار الذي ذكرته قد يكون تجارياً ومشياً مع المقاييس والموازين العلمية فإذا أردنا أن نلاحظ الموازين العلمية فهي تقول إن هذا الاحتمال هو الأرجح لأن كلمة ( ضرر ) حافظنا على ظهورها والتقييد ليس مخالفاً للظاهر إذ تصاحبه قرينته ولكن هناك قضية ينبغي للفقيه أن يلتفت إليها وهي أن الموازين العلميّة قد تقتضي شيئاً معيناً ولكن الفهم العرفي للنص قد يقتضي شيئاً آخر فيقع تصادم بين الفهم والوجدان العرفي لما يفهمه من النصّ وبين ما تقتضيه الموازين العلمية وربّما يطرح البعض وجدانه العرفي لأجل الموازين العلمية وربّ شخص آخر يتوقف ويقول إن فيه تردداً واشكال ولا أدري كيف أفسر النص ، ولكن في مقامنا قد توافق الوجدان العرفي مع الموازين العلمية ولم يقع التنافي بينهما فإنا حينما نقرأ حديث لا ضرر فليس من البعيد أن نفهم بوجداننا العرفي أنه لا ضرر من ناحيتي أنا الشارع فالوجدان العرفي يقتضي نفس النتيجة التي تقتضيها الموازين العلمية ، وهذا شيء ينبغي الالتفات إليه - أي أن هذه الملاحظة تؤيد وتدعم وتؤكد ما انتهى إليه الشيخ الأعظم(قده) -.
ولكن يبقى علينا أن نبطل الاحتمالين الآخرين - أي ما ذهب اليه الشيخ الخراساني(قده) وما ذهب إليه الشيخ النائيني(قده) - إذ لو فرض أنهما كانا وجيهين أيضاً ليبقى الحديث مردداً بين الاحتمالات الثلاثة ولعـل مــا ذكـره الشــيخ النائينـي يصيـر أرجح باعتبـار أنـه يقــول إن كلمـة ( ضرر ) مستعملة حقيقةً في الحكم فإذا صدق ما يقول فانه يصير أولى مما ذكره الشيخ الأعظم لأنه لا يحتاج إلى تقدير بينما ما ذكره الشيخ الأعظم يحتاج إلى تقدير والى تقييد بكون الضرر ناشئ من الحكم الشرعي ، ولا أقل يبقى الرأيان متكافئين من دون مرجح . إذن ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده) يتوقف على إبطال الرأيين الآخرين.
ومن هنا نأخذ بمناقشة الرأيين الآخرين:-
أما ما أفاده الشيخ الخراساني(قده):- - وهو أن يكون المورد من نفي الحكم بنفي الموضوع - فنقول له:- إن كلمة الضرر تارةً تلحظ بنحو الموضوعية دون المرآتية إلى الوضوء الضرري والصوم الضرري مثلاً ...... وهكذا وأخرى تلحظ بنحو المرآتية إلى الوضوء الضرري مثلاً ولا شق ثالث في البين.
فان لوحظت بالشكل الأول:- فهي موضوع للحكم الشرعي فالضرر موضوع للحكم الشرعي ولكن ما هو حكمه الشرعي الثابت له ؟ من المناسب أن يكون الحكم الثابت له هو الحرمة فإذا نفي الموضوع فسوف تنتفي الحرمة ، وهذا لا يوصلنا إلى الهدف الذي نريده لأن الذي نريده هو نفي وجوب الوضوء الضرري ونفي وجوب الصوم الضرري وهكذا أما نفي حرمة الضرر فهذا ليس هو الهدف بل ربما يدعي أحد أن هذا عكس الهدف لأنه إذا نفيت الحرمة عن الضرر فالنتيجة سوف تصير ( فارتكبه ) بينما نحن نريد التخفيف على المكلف بينما لو نفينا حرمة الضرر فسوف يقع في الضرر فيكون هذا عكس الهدف بل موجباً لوقوع المكلف فيه.
وإذا كنت تقصد ملاحظة الضرر بنحو المرآتية للوضوء الضرري فينفى الوضوء الضرري بقصد نفي وجوبه - والظاهر أن مقصود الشيخ الخراساني هو هذا -.
فيرد عليه:-
أولّاً:- إن الوضوء الضرري ليس موضوعاً بل هو متعلق للحكم الشرعي ، والفرق بين الموضوع والمتعلق واضح فإن الموضوع هو ما يلزم فرضه في المرحلة السابقة كالاستطاعة وآنذاك يثبت وجوب الحكم ، ففي باب الربا يلزم أن نفترض أوّلاً صدق الربا وآنذاك تتحقق الحرمة ، وهذا بخلاف المتعلق إذ لا يفترض تعلقه أوّلاً بل الحكم هو الذي يدعو إلى إيجاده كالصلاة فالصلاة هي متعلق الوجوب فان الوجوب يدعوني إلى إيجادها فهي متعلق لا أنها موضوع والذي ينتفي الحكم بانتفائه هو الموضوع دون المتعلق فإن نفي المتعلق لا يستعمل في لغة العرب وفي البلاغة كطريق لنفي الحكم بل الذي يستعمل كطريق لذلك هو الموضوع الذي من دونه لا يثبت الحكم فينفى الموضوع كإشارة إلى نفي الحكم أما نفي المتعلق فلا يكون وسيلة لنفي الحكم ، وهذا من الأمور الواضحة.
وثانياً:- إن استعمال كلمة الضرر كمرآة إلى المتعلق شيءٌ مخالف للظاهر فيحتاج الشيخ الخراساني(قده) إلى قرينة مثبتة لذلك وحيث أنها معدومة فلا يمكن أن يصير إلى هذا . وهذا الاشكال نخصصه بهذه الحالة ولا يأتي لو أخذنا الضرر بنحو الموضوعية لأنه موافق للظاهر أما أخذه بنحو الطريقية والمرآتية إلى المتعلق فهو شيء مخالف للظاهر ولا يصار إليه إلّا بقرينة وهي معدومة . إذن ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) لا يمكن المصير إليه لما ذكرنا.