34/01/20
تحمیل
الموضوع / التنبيه الثالث / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
المورد الثاني:- الخيارات الثلاثة - أعني خيار تبعض الصفقة وخيار الغبن والعيب - فإن الفقهاء تمسكوا لإثبات هذه الخيارات بقاعدة لا ضرر والحال أنها ليست صالحة لذلك.
أما بالنسبة إلى خيار تبّعض الصفقة:- فباعتبار أن الإنسان إذا اشترى مجموعة أشياء في صفقة واحدة ثم اتضح أن نصف الصفقة ملك للغير لا للبائع والغير لا يجيز البيع فحينئذٍ يرجع إلى المشتري نصف الثمن الذي يقابل نصف الصفقة وفي نفس الوقت للمشتري الخيار في أن يفسخ ويعبّر عن هذا بـ( خيار تبعض الصفقة ) وقد استدل الفقهاء لإثبات هذا الخيار بقاعدة لا ضرر والحال أن المشتري لم يتضرر إذ المفروض أنه أرجع إليه نصف الثمن مقابل نصف الصفقة فأين الضرر ؟! إذن المورد ليس من موارد الضرر حتى يتمسك بحديث لا ضرر . نعم غاية ما في الأمر هو أنه تخلّف داعيه لأنه كان عنده داعٍ وغرض لشراء مجموع الصفقة ولكن تخلف الداعي لا يثبت الضرر والخيار ، فلو فرض أني اشتريت كتاب المكاسب لأدرس فيه وبعد ذلك حصل لي عارض يمنعني من الدراسة كما لو سافر الأستاذ فهل يثبت لي خيار على البائع بسبب تخلف الداعي ؟ كلا فإن تخلف الداعي لا يوجب الخيار.
وأما بالنسبة إلى خياري العيب والغبن:- فالشخص إذا اشترى شيئاً بثمن معين وكان معيبا أو غبن فيه فنسلم أن المشتري متضرر إذ الشيء المعيب يسوى ثمناً أقل من المدفوع وهكذا الحال في الشيء الذي فيه غبن فضرر المشتري متحقق هنا ، ولكن رغم هذا لا يصح التمسك بلا ضرر لأن الفقهاء قالوا بأن الجواز في هذين الخيارين جواز حقيّ لا جواز حكمي فإن الجواز جوازان جواز حكمي مثل جواز شرب الماء وهذا حكم شرعي لا يمكن إسقاطه فلو فرض أن شخصاً قال ( أسقطت عن نفسي الحق في شرب الماء ) فهذا لا ينفع بل يبقى الجواز والإباحة ولا يسقط مهما أسقط المكلف هذا الحق وهذا ما يعبر عنه بـ( الجواز الحكمي ) في مقابل الجواز الحقي من قبيل أن لي الحق في هذا المكان لأني سبقت إليه والوقف لمن سبق ولكنّي أتنازل عنه للغير فهذا حق قابل للإسقاط ومثل هذا يعبر عنه بأن الجواز فيه جواز حقي - أي قابل للإسقاط - لا حكمي لا يقبل الإسقاط ، وفي باب الخيار الجواز جواز حقي فيمكن للمشتري المغبون أن يسقط حقه في الخيار فيسقط بينما حديث لا ضرر ماذا يثبت ؟ إنه لا يثبت عنوان الجواز الحقي بل يثبت الجواز الأعم أو الجامع بين الجوازين فأنت غير ملزم بهذه المعاملة لأن الإلزام بها فيه ضرر أما أن هذا الجواز بنحو الحقيّة دون الحكميّة فهذا لا يثبته.
إذن الجواز في هذين الخيارين على ما ذكر الفقهاء هو جواز حقيّ لا حكمي والحال أن حديث لا ضرر لو كان هو المستند فهو يثبت أصل الجواز الجامع لا خصوص الحقي منه.
هذا مضافاً إلى أن خيار الغبن وخيار العيب على ما ذكر الفقهاء قابل للإرث - أي لو مات المشتري فالخيار ينتقل إلى الورثة - والحال أن حديث لا ضرر لا يثبت أن الخيار له هذه الخصوصية بل أقصى ما يقوله هو أنك ليس بملزمٍ بالمعاملة لأن فيها ضرر وما زاد عن ذلك فهو ساكت عنه . إذن استناد الفقهاء إلى حديث لا ضرر في هذين الخيارين بعد الالتفات إلى أنهم ذكروا أن الجواز في هذين الخيارين حقي لا حكمي وبعد الالتفات إلى ما ذكروه من أن هذا الخيار قابل للإرث والانتقال يدل على أن المستند الحقيقي لهم في هذين الخيارين هو ليس حديث لا ضرر بل هو شيء آخر ولنصطلح عليه بالتسالم الفقهي بينهم فالتسالم الفقهي على ثبوت هذين الخيارين بهذه الخصوصيات هو المدرك وليس حديث لا ضرر.