34/03/03
تحمیل
الموضوع / التنبيه السادس / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
جملة معترضة:- ذكرنا أنه في موارد الضرر يكون المكلف مأموراً بالتيمم دون الغسل أو الوضوء فإن الماء مضر له فالوظيفة هي التيمم وهذا شيء متفق عليه ، ولنفترض أنه لم يقدم على الضرر وإنما كان الضرر بغير اختياره فالوظيفة هي التيمم كما هو واضح.
وهناك قضية فقهية جانبية ليست أصولية - ولذلك يكون ذكرها هنا من باب الجملة المعترضة وحاصلها:- هو أن المكلف لو لم يُعِر أهمية للضرر فتوضأ أو اغتسل فهل يقع الوضوء أو الغسل صحيحاً ؟
قد يقال:- - كما قال بعض - أن الوضوء يقع باطل باعتبار أن حديث لا ضرر حاكم على الأدلة الأولية - أي يقيدها بغير حالة الضرر - وعليه ففي حالة الضرر لا يوجد أمر بالوضوء وعليه فكيف نحكم بصحة الوضوء فإن المصحح إما الأمر أو الملاك وكلاهما مفقود ، أما الأول فلأنه المفروض وأما الثاني فلأن الكاشف عن الملاك هو الأمر وحيث لا أمر فلا كاشف عنه ومقصودنا من عدم الملاك هو عدم الكاشف وعدم المحرز ومعه كيف تقصد القربة وكيف يقع صحيحاً ؟! إن قصد القربة - أو بالأحرى الصحة - يتوقف على وجود ملاك محرز والمفروض أنه ليس بثابت ولذلك حكم جماعة بالفساد.
ولكن في المقابل قد يحكم بالصحة وذلك لاحد بيانات ثلاثة:-
البيان الأول:- إن حديث لا ضرر امتناني - بناءً على ما اختاروه وإن تأملنا نحن في الجزم بذلك - ومعلوم أن مقتضى المنّة هو التخفيف لا الإلزام فإن في الإلزام بالتيمم تضييق على المكلف بخلافه في التخيير فالمناسب التخيير ، فعلى هذا الأساس يمكن الحكم بالصحة من الجهة التي أشرنا إليها وهو أن الحكم هو التخيير دون الإلزام للقرينة المذكورة
وهذا كما ترى مبني على استفادة الامتنانية.
البيان الثاني:- إن الحديث عبر بكلمة ( لا ضرر ) أي أن الضرر مرفوع ، ومعلوم أن الرفع أو - الامتنان بالرفع فرع وجود الملاك إذ مع عدم الملاك لا معنى للرفع ولا معنى للامتنان بالرفع فإنه إذا كان في الشيء مصلحة ولكن المولى يرفع الإلزام مراعاة لحال الطرف فهذا امتنان ويصح التعبير بالرفع مثلاً أما إذا فرض أنه لا يوجد مصلحة أصلاً فالامتنان بالرفع لا معنى له . فإذن على هذا الأساس يمكن دعوى ثبوت الملاك واحرازه وبذلك يقع الفعل صحيحاً لأجل الملاك.
وهذا كما ترى يعتمد إما على فكرة الامتنان أو التعبير بكلمة ( الرفع ) والمفروض أن كلمة الرفع غير موجودة وإنما الثابت هو كلمة ( لا ضرر ) وليس ( رفع الضرر ) ، وأيضاً نكتة الامتنان لا نجزم بها ، فهذا الطريق مشكل.
البيان الثالث:- التمسك بفكرة الاستحباب النفسي بأن يقال:- إن الوضوء وهكذا الغسل هو من المستحبات النفسية - أي في نفسه هو مستحب - وبناءً على ذلك يتمكن المكلف أن يتوضأ في موارد الضرر قاصداً امتثال الاستحباب النفسي فيقع وضوؤه صحيحاً بالاستحباب النفسي فالأمر الوجوبي ساقط لأجل الضرر ومن ناحيته لا يمكن أن تقصد القربة ولكن من ناحية الاستحباب النفسي يمكن قصده فيقع صحيحاً لأجل الاستحباب النفسي ، والسيد الخوئي(قده) ذهب إلى الصحة لأجل هذا البيان . إذن فكرة الاستحباب النفسي يستفاد منها في موارد منها هذا لمورد.
ويمكن أن يعلق ويقال:- إن ثبوت الاستحباب النفسي للوضوء أو للغسل ليست من القضايا الواضحة وإن حاول هو أن يتمسك لها بقوله تعالى ( إن الله يحب التوابيت ويحب المتطهرين ) والمتطهر صيغة مبالغة أي يفعل طهارة بعد طهارة كالتوّاب فإنه دائماً في توبة فالله يحب من كان دائماً في توبة ويحب من كان دائماً في طهارة وعلى هذا الأساس يكون الوضوء مستحباً . ولازم ما ذكره(قده) - وإن لم يصرح به ولكن أنا أقول - هو بذلك أن المكلف يتوضأ ثم يذهب ليتوضأ ... وهكذا إلا إذا عارضه عنوان مزاحم أما إذا لم يكن هناك مزاحم فالوضوء بعد الوضوء مستحب . هذا ما استند إليه . ولكن الاستحباب النفسي ليس من الأمور الواضحة وإنما ثبت في موارد خاصة لأجل النوم وتجديد الوضوء للصلاة أما بهذا الشكل فليس بثابت ، وهذا بحث فقهي.
ولكن النكتة العلمية الفنيّة التي أريد أن أقولها هي أن ما دلّ على الاستحباب النفسي ينظر إلى استحباب الوضوء بكامل شرائطه ، يعني أن الوضوء الواجب إذا كانت له شرائط وحدود وكيفية وغير ذلك فهي ثابتة للوضوء النفسي لا لأن نغيّر في الوضوء النفسي من حيث شرائطه فنقول مثلاً ( الموالاة ليست لازمة لأن تلك لازمة في الوضوء والواجب ) أو مثلاً ( الشرط الآخر ليس بلازم ) ومن الواضح أن من أحد الشرائط هو أن لا يكون مضرّاً فيلزم أن نعدي هذا الشرط إلى الوضوء المستحب بالاستحباب النفسي لا أنّ الوضوء المستحب بالاستحباب النفسي ثابت حتى مع اختلال شرائط صحة الوضوء التي منها عدم الضرر بحيث نقول ( هذه شرائط لوضوء الواجب فقط دون الوضوء المستحب بالاستحباب النفسي ) إن هذا لا يمكن أن نستفيده ، وهذه نكتة فنية ظريفة يجدر التفات إليها . إذن التصحيح بالأمر الاستحبابي النفسي في المورد المذكور وما شاكله مما كان الاختلال اختلالاً لشرط من شرائط الوضوء الواجب لأجل ما أشرنا إليه.
عود الى صلب الموضوع:-
ذكرنا فيما سبق أن الضرر في حديث لا ضرر يقصد منه الضرر الواقعي فإن كل عنوان أخذ في لسان الدليل يحمل على وجوده الواقعي ، ولكن وقعنا في إشكال من ناحية مثال المعاملة الغبنية ومثال الذي أقدم على الجنابة ويعلم أن الغسل يضره والفقهاء فرّقوا بينهما ففي مثال المعاملة الغبنية قالوا أنه لا يمكن تطبيق الحديث وبالتالي لا خيار بينما في مثال الجنابة قالوا يمكن وبالتالي تكون وظيفته التيمم . وما الفارق بين الموردين ؟ فإنه إما أن نطبق الحديث في كليهما باعتبار تحقق الضرر الواقعي أو لا نطبقه في كليهما باعتبار نكتة الإقدام على الضرر فما هو وجه التفرقة ؟ إن هذا اشكال تقدمت الإشارة إليه . وقد تقدم منّا الجواب عن ذلك وقلنا في مسألة المعاملة الغبنية يكون المكلف هو الذي أوجد الضرر وأقدم عليه لأن لزوم المعاملة فعل له وهو قد أنشأه فهو أوجد الضرر والحديث ينفي الضرر الناشئ من الشارع لا من المكلف نفسه فلا يمكن تطبيق حديث لا ضرر وبالتالي لا يثبت الخيار ، وأما في مثال الجنابة فأجبنا بجوابين الأول ذكرنا أن المكلف أقدم على الجنابة ولا يريد الغسل وإنما الغسل هو حكم وقضية ألزم الشارع بها المكلف فالضرر جاء بالتالي من الشارع فيمكن تطبيق حديث نفي الضرر ، ثم ذكرنا جواباً ثانيا وهو أن الفقهاء حكموا بالتيمم لا من جهة حديث لا ضرر وأخرجنا المثال والمورد من دائرة حديث لا ضرر وقلنا إنهم حكموا بوجوب التيمم لعله لنكتة أخرى وهي أن آية الوضوء بمقدمتين يستفاد منها ذلك ، هذا ما ذكرناه سابقاً.
بيد أن هناك بعضاً أجاب بأجوبة أخرى في التفرقة بين مثال الجنابة ومثال الغبن:-
الجواب الأول:- ما أفاده الشيخ النائيني(قد)
[1]
وحاصله:- إن المكلف في مثال الجنابة هو قد أقدم على الجنابة وأرادها وأما الغسل فهو لم يرده وإنما ألزمه به الشارع فإرادته إرادة مقهورة وبالتالي هي بحكم عدم الإرادة فهو وإن اغتسل ولكن بإرادة مقهورة فعليه يكون الضرر آتياً من الحكم الشرعي فيرتفع آنذاك وجوب الغسل بحديث لا ضرر.
وأما بالنسبة إلى المعاملة الغبنية فالمكلف هو قد أقدم بإرادته على لمعاملة المذكورة وكان بإمكانه أن لا يوقع نفسه في الضرر وفي اللزوم وذلك بأن لا ينشئ المعاملة رأساً فحيما أقدم على المعاملة يكون هو قد أوقع نفسه في الضرر - أعني اللزوم - وإرادته ليست إرادة مقهورة فلذلك لا يمكن تطبيق حديث لا ضرر ونصّ عبارته هكذا:- ( فإقدام المتضرر في باب التكاليف
[2]
على الضرر
[3]
لا يكون موجباً لعدم جريان أدلة نفي الضرر بالنسبة إليه لاستناد الضرر فيها ولو مع الإقدام إلى نفس الحكم ...... نعم إنما يؤثر الإقدام في عدم شمول لا ضرر في المسألة الأخرى وهي المعاملة الغبنية حيث إن المغبون إذا كان حين صدور عقد المعاوضة عالماً بالغبن يكون الضرر مستنداً إلى إقدامه وكان حكم الشارع باللزوم من المقدمات الاعدادية للضرر ).
والإشكال عليه واضح:- فإنه لا فرق بين المقامين فكما أنه في مثال الجنابة أقدم المكلف على الجنابة وهو لم يرِد لغسل وإنما الشارع ألزمه به وبالتالي إرادته تكون مقهورة كذلك الحال بالنسبة إلى العالم بالغبن فإنه أنشأ أصل المعاملة - أي النقل والانتقال - واللزوم حكم شرعي ألزم به الشارع المكلف ، فبالتالي إرادته أيضاً إرادة مقهورة والضرر جاء من الحكم الشرعي باللزوم بلا فرق بين المثالين . اللهم إلا أن يكون مقصوده وإن كان ذلك خلاف ظاهر عبارته الإشارة إلى ما ذكرناه سابقاً من أنه في مثال المعاملة الغبنية يكون المكلف هو قد أنشأ اللزوم لا أنه أنشأ المعاملة فقط والشارع هو الذي أثبت له اللزوم بل هو أنشأ اللزوم فالضرر حينئذ جاء من نفس المكلف لا من جهة الشارع ، فإنه إذا كان يقصد هذا فهو شيء وجيه كما أشرنا إليه سابقاً ولكن عبارته يصعب أن توحي بذلك.
[1] في رسالته لا ضرر - 413.
[2] اي مثال الجنابة.
[3] متعلق بـ( إقدام ).