34/03/15
تحمیل
الموضوع / التنبيه السابع / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وإن شئت قلت بكلمة أخرى:- توجد في المقام معارضتان لا معارضة واحدة ، المعارضة الأولى هي بين حديث لا ضرر ودليل وجوب الوضوء فإن اطلاق الأول يعارض اطلاق الثاني بالعموم من وجه ، وهناك معارضة ثانية ولعل استعمال كلمة معارضة فيه شيء من المسامحة هنا وهي المعارضة بين احتمال الوجوب الواقعي الشرعي للوضوء واحتمال الوجوب الواقعي شرعاً للتيمم - يعني معارضة بين الاحتمالين الواقعيين وليس بين الدليلين واطلاقهما - والمفروض أن حديث لا ضرر قد سقط في المعارضة الأولى ولكنه سقط في مقابل الدليل الآخر فإطلاقه سقط في مقابل اطلاق ذلك الدليل ، ولكن حينما نأتي في المعارضة الثانية - أي بين الاحتمالين - فهنا لم يسقط حديث لا ضرر فإنه يمكن التمسك به لنفي احتمال الوجوب الواقعي للوضوء فإن هذا الاحتمال لم يسقط الحديث بلحاظه وإنما سقط بلحاظ دليل وجوب الوضوء - أعني آية الوضوء - أما كاحتمالٍ واقعي فلم يسقط بلحاظه ، فعلى هذا الأساس يمكن أن ننفي هذا الاحتمال - أي احتمال الوجوب الواقعي الشرعي للوضوء - بحديث لا ضرر إذ الوضوء والسير على طبق هذا الاحتمال ضرري فينتفي بحديث لا ضرر ولا يعارض بالنسبة إلى التيمم فإن المفروض أن التيمم ليس ضررياً ولا مجال آنذاك للقول بأنه قد سقط سابقاً في المعارضة الأولى إذ المفروض أنه سقط بلحاظ دليل وجوب الوضوء لا أنه سقط بلحاظ احتمال وجوب التيمم واقعاً أو بلحاظ وجوب الوضوء واقعاً ، إنه على مستوى الاحتمالين الواقعيين لم يسقط ، وحيث لا معارضة هنا بلحاظ الاحتمالين فلا محذور في تطبيق حديث لا ضرر لنفي الوجوب الواقعي المحتمل.
إن قلت:- إن العقل بعد وجود الاحتمالين يحكم بلزوم الاحتياط والأحكام العقلية لا يمكن رفعها بحديث لا ضرر فإنه يرفع الأحكام الشرعية دون العقلية والعقل متى ما حكم بالتنجيز ولزوم الجمع بين الاحتمالين لأجل العلم الإجمالي كيف تطبق حديث لا ضرر إنه تطبيق على الحكم العقلي !!
قلت:- صحيح أن وجوب الاحتياط حكم عقلي ولكنه تعليقي وليس تنجيزياً ، يعني أن العقل يقول يجب الاحتياط بالجمع بين الاحتمالين فيما إذا لم يؤمّن الشرع من أحدهما أما إذا أمّن الشرع من أحدهما فأنا أرفع يدي عن وجوب الاحتياط بلحاظ ذلك الاحتمال ويبقى منحصراً بلحاظ الاحتمال الآخر والمفروض أن حديث لا ضرر نريد أن ننفي به الوجوب الشرعي الواقعي المحتمل لا الوجوب العقلي فلا مشكلة في ذلك . هذا كله بالنسبة إلى الوجه الأول.
الوجه الثاني:- ما أفاده الشيخ الأعظم أيضاً في الرسائل وحاصله:- إن حديث لا ضرر امتنانياً وبعدما كان امتنانيا يقدّم لأجل نكتة الامتنان على معارضه ، قال(قده) ما نصّه:- ( مع أن وقوعها في مقام الامتنان يكفي في تقديمها على العمومات ) ، ووافقه على ذلك تلميذه الشيخ الخراساني(قده) في حاشيته على الرسائل
[1]
.
وعلى أي حال هو لم يذكر كيف أن نكتة الامتنان توجب التقديم وهذا مطلب يحتاج إلى بيان فالامتنانية وحدها ليست من موجبات التقديم إلا بعد ضمّ نكتة توضّح أن الامتنان سبب للتقديم ، وما هي تلك النكتة ؟ يحتمل فيها ثلاثة أمور:-
الأول:- أن نقول إن الامتنانية في الدليل توجب أظهريته بالقياس إلى الدليل الآخر فإذا صار أظهر يقدم من ناحية الأظهرية.
والثاني:- أن يقال إن نفس نكتة الامتنان هي آبية في حدّ نفسها عن التخصيص فمن يريد أن يمتنّ برفع الضرر لا معنى لأن يخصّص ويقول ( أنا أمتن برفع الضرر إلا في هذا المورد أو في ذاك المورد ) إن نفس الامتنان يأبى عن ذلك.
والثالث:- أن يقال إن نكتة الامتنان تجعل حديث لا ضرر ناظراً إلى بقيّة الأدلة فيقدم عليها باعتبار ذلك.
إذن الشيخ الأعظم بحاجة إلى تتميم المطلب وإلا فما ذكره ناقص.
وكل هذه الوجوه التي ذكرناها قابلة للتأمل:-
أما أن الامتنان يوجب الأظهرية فعهدت ذلك على مدعيها إذ هي أول الكلام . وأما أن الامتنان بنفسه هو يجعل الدليل آبياً عن التخصيص فهذا وجيه لو كان الامتنان قد سلطت عليه الأضواء أذا كان حكمةً للتشريع كما ذكرنا ذلك سابقاً حيث قلنا نسلم بالامتنان بهذا المقدار - أي لوحظ الامتنان في أصل التشريع لا أنه لوحظ بنحو العلية بحيث يدور الحكم مداره - فإنه هنا لا يكون الامتنان آبياً عن التخصيص مادام هو حكمةٌ لا أكثر ، ولا أقل عدم القبول للتخصيص ليس من الأمور الواضحة مادام الامتنان حكمة للتشريع . وأما أن الامتنان يجعل الحديث ناظراً إلى الأدلة الأخرى فيمكن أن يقال:- إن التقديم بناءً على هذا سوف يكون بنكتة النظر الذي هو عبارة أخرى عن الحكومة ، فضمّ الامتنان حينئذ في المقام شيء زائد لا داعي إليه بل تصير النكتة للتقديم هي النظر أي الحكومة وهذا وجه مستقل سوف تأتي الإشارة إليه فيما بعد وقد ذكره الشيخ الأعظم(قده) في عرض الامتنان ، وبناءً على ما ذكرنا لامعنى لجعله في عرض الامتنان.
وعلى أي حال اتضح أن هذا الوجه قابل للتأمل كالوجه السابق.
الوجه الثالث:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده)
[2]
وحاصله:- إننا لو أردنا أن نلحظ حديث لا ضرر مع كل دليل من الأدلة الأولية فالنسبة هي العموم من وجه كما ذكر ، ولكن لا نلاحظه كذلك وإنما نلاحظه مع مجموع الأدلة ويصير المجموع بمثابة دليل واحد فإذا لوحظ حديث لا ضرر بالقياس إلى المجموع بما هو مجموع فالنسبة تتبدل إلى العموم والخصوص المطلق وحديث لا ضرر يصير أخص مطلقاً من المجموع وكأنه يصير ( المجموع يثبت وجوب الوضوء وكذا وكذا ... وحديث لا ضرر يقول هذا الوجوب الثابت في هذا المجموع هو ليس بثابت في حالة الضرر ) إنه أخص مطلقاً ولا يصير أعم إذ لا معنى لأن تقول آنذاك هو أعم باعتبار شمول لا ضرر لهذا ولغيره ، كلا فإن تعبير ( لهذا ولغيره ) لا وجه له إذ المفروض أن هذا والغير لوحظ واحداً فلا معنى لجنبة العموم آنذاك . هذا ما ذكره الشيخ النائيني(قده) ولكن بعبارة مختصرة حيث قال ما نصّه:- ( إلا أن ورود نفيه
[3]
على أحكام الإسلام ..... يقتضي ملاحظته مع مجموع الأحكام فيقدم عليها بالأخصّية ).
وفيه:- نحن نسلم له أن المجموع لو لوحظ واحداً فالحق معه ، أي تصير النسبة نسبة الأخص مطلقاً فالحديث أخص مطلقاً من حيث المجموع ، ولكن ما هو المصحح لملاحظة المتعدد كشيء واحد وليس أشياء متعددة ؟ بعد فرض أنها واقعاً متعددة إذ دليل وجوب الوضوء يغاير دليل وجوب الصوم .... وهكذا يغاير دليل الحكم الثالث فكيف يلحظ المجموع شيئا واحداً ؟
إنه قد يوجّه ذلك - وهذا لم يتعرض هو إليه وهذا نناقص فنياً- بأحد وجهين:-
الأول:- إن حديث لا ضرر وارد على جميع الأدلة كما عبّر هو(قده) ، يعني بالعبارة الأخرى هو يريد أن ينفي الضرر بلحاظ جميع الأحكام فمن المناسب أن يلحظ جميع الأحكام كشيء واحد.
وفيه:- إنه بعدما كانت الأدلة للأحكام متعددة فلا يكفي هذا المقدار لعدِّ المجموع شيئاً واحداً بعدما كان مستند كل واحد يغاير مستند الآخر وهذا كلام خطابي ولفظي وليس علمياً.
والثاني:- أن يقال:- إنه بعد أن عرفنا أن الشرع يتدرج في بيان الأحكام وقد نصب قرينة على ذلك ولو من خلال عادته التي جرت على ذلك حيث لم يبين كل الأحكام مرَّة ووقتاً واحداً بل بُيِّنت خلال فترة زمان النبي والائمة عليهم السلام - كمائتي سنة مثلاً - وواقع الحال هو قرينة على ذلك - يعني أن الشارع لا يبين أحكامه دفعة واحدة بل على سبيل التدريج - وبعدما كانت هذه القرينة ثابتة فاقتناص المفاد النهائي لابد وأن يكون بلحاظ المجموع لا بلحاظ كل واحد باستقلاله.
وفيه:- إن هذا الكلام خطابي أيضاً فإنه بعدما بُيِّن الحكم بدليل مستقل فليس تكليفنا إلّا ملاحظة النسبة بين لا ضرر وبين هذا الدليل المستقل ولا ننتظر إلى الأخير وإلّا يلزم تعطّل الاستفادة من الأدلة إذ نحتمل أنه بعد ذلك يأتي دليل ثانٍ ودليل ثالث ورابع ..... وهكذا فنبقى حينئذ معطّلين من الاستنباط ومن الاستفادة من أدلة الأحكام وهذا واضح الوهن . إذن المناسب هو أن نلحظ النسبة بين كل دليل والدليل الآخر ولا ننتظر إلى النهاية ، كما أن نفس إرادة الائمة عليهم السلام منّا الاستفادة من هذه الأدلة شاهد وقرينة على ما نقول.
[1] الرسائل - 69.
[2] في رسالة لا ضرر 406.
[3] الضمير يعود على نفي الضرر .